Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تحرك سعودي على وقع طوفان الحرب الدائرة

الرياض حذرت من مغبة إبقاء قضية فلسطين من دون حل واتخاذها "قميص عثمان" للتوظيف السياسي

اتصالات سعودية مكثفة مع أطراف دولية وعربية لتخفيف حدة العنف (رويترز)

ملخص

دبلوماسية السعودية النشطة لم تقف عند تحميل إسرائيل أو غيرها مغبة الأحداث المتفاقمة، وإنما تجاوزت ذلك إلى مواصلة جهودها قبل اندلاع المواجهات بالمسارعة إلى دعوة الأطراف الدولية النافذة في الاتحاد الأوروبي وأميركا والمنطقة إلى حشد جهودها عبر استخدام نفوذها في سبيل الحيلولة دون توسع الهجوم إلى آفاق أبعد، ربما تفضي إلى خروج الصراع عن دائرة السيطرة.

لاحظت السعودية قبل أسابيع فقط من اندلاع الحرب بين غزة وإسرائيل أن التطورات في المنطقة توشك على الانفجار، لكن تحذيراتها لم تجد آذاناً مصغية، خصوصاً من الجانب الإسرائيلي الذي استمر في ما اعتبرته الرياض "استفزازات وانتهاكات"، اشتعلت على إثرها حرب لم تفاجئ في ما يبدو غير تل أبيب، لا سيما إيران التي يعتقد بأن لها حسابات في إشعال المعركة، على رغم أجواء التهدئة وخفض التصعيد في الإقليم.

لكن دبلوماسية السعودية النشطة لم تقف عند تحميل إسرائيل أو غيرها مغبة الأحداث المتفاقمة، وإنما تجاوزت ذلك إلى مواصلة جهودها قبل اندلاع المواجهات بالمسارعة إلى دعوة الأطراف الدولية النافذة في الاتحاد الأوروبي وأميركا والمنطقة إلى حشد جهودها عبر استخدام نفوذها في سبيل الحيلولة دون توسع الهجوم إلى آفاق أبعد، ربما تفضي إلى خروج الصراع عن دائرة السيطرة.

الحرب تذكر بالسلام

ودعت المجتمع الدولي إلى "الاضطلاع بمسؤولياته وتفعيل عملية سلمية ذات مصداقية تفضي إلى حل الدولتين بما يحقق الأمن والسلم في المنطقة ويحمي المدنيين"، بعدما نسقت على هامش دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي لقاءات مع أطراف دولية وعربية عدة مثل مصر والأردن بهدف إحياء عملية السلام في فلسطين بعد عقود من مراوحة مكانها وتجدد التصعيد على خلفية إدارة حكومة هي الأكثر تطرفاً في إسرائيل للمشهد.

وأجرى وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان آل سعود اتصالات هاتفية بالمؤثرين الدوليين والإقليميين منذ السبت، وفي مقدمتهم نظيره الأميركي أنتوني بلينكن وبحث معه ومع الاتحاد الأوروبي وقطر ومصر والأردن "مستجدات تطورات الأوضاع في غزة ومحيطها وضرورة العمل على الوقف الفوري للتصعيد"، مشدداً على رفض بلاده "استهداف المدنيين العُزّل بأي شكل وضرورة احترام القانون الدولي الإنساني من جميع الأطراف".

تهدئة الأوضاع أولاً

 وانصب التحرك السعودي على تهيئة أفق سياسي يدفع إلى "تكاتف الجهود لتهدئة الأوضاع وتجنب مزيد من العنف"، ولفتت وكالة الأنباء السعودية ضمن بياناتها المتلاحقة في شأن النشاط حول الأزمة، إلى أن الخطوات جاءت بالتنسيق مع الحلفاء العرب، خصوصاً المنتظمين بصورة أو أخرى في الملف.

ورصدت الوكالة في هذا الصدد، قيام الطرفين الأردني والمصري باتصالات موازية في سياق بحث "إطلاق تحرك دولي فوري لوقف التصعيد في غزة ومحيطها وحماية المنطقة من تبعات دوامة عنف جديدة وإيجاد أفق سياسي حقيقي لإنهاء الاحتلال ووقف جميع الإجراءات التي تؤجج التوتر وتقوض فرص تحقيق حل الدولتين الذي يشكل السبيل الوحيد لتحقيق السلام الذي يضمن الأمن والاستقرار للجميع".

يأتي هذا التنسيق المتسارع في وقت تترأس المملكة المغربية الدورة الحالية لمجلس الجامعة العربية التي ناشدها الرئيس الفلسطيني محمود عباس التدخل لحشد رأي دولي "يلزم الاحتلال قواعد القانون الدولي تجاه الشعب المحتل، وضرورة توفير الإغاثة الفورية للفلسطينيين الذين يتعرضون لويلات الحصار والحروب الإسرائيلية"، في حين قالت إسرائيل إنها خرجت من اتصالاتها الدولية بما يشبه تفويضاً عاماً بالانتقام.

إيران في التفاصيل

ومع أن حركة "حماس" التي بادرت هذه المرة بشن الحرب على إسرائيل، لا تشرك الدولة العربية المعنية بالشأن الفلسطيني في خططها الحربية، إلا أن ذلك لا يؤثر في تحركهم السياسي من أجل تخفيف آثار الحرب على السكان، في حين أجمعت البيانات العربية في تعليقها إثر المواجهات على أنها جاءت "نتيجة استمرار الاحتلال وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة وتكرار الاستفزازات الممنهجة ضد مقدساته"، على رغم انتقادات المحللين لحسابات "حماس" التي تتهم بأنها تأتي خلال أعوامها الأخيرة طبقاً لخدمة الاستراتيجيات الإيرانية وليس بالضرورة وفقاً للمصالح الفلسطينية المباشرة.

لكن دولاً مثل السعودية، دائماً ما تعلن في خطابها الرسمي أنها مع قضية فلسطين وتعمل ما في وسعها لإعادة إحياء عملية السلام من بوابة تطبيق المبادرة العربية في 2002 التي نصت على حل الدولتين واتفاق السلام الكامل مع تل أبيب في مقابل انسحابها من الأرض الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية.

"مسمار جحا"

ومن غير المرجح أن تكون "حماس" شنت عمليتها العسكرية من دون إحاطة حلفاء لها مثل إيران وقطر التي ألقى فيها إسماعيل هنية ما اعتبره خطاب النصر، إلا أن حدود تلك الإحاطة تظل مرهونة بتعقيدات الملف الذي كان بين مبررات المحاولات العربية لإيجاد حل له، هو توظيفه من جانب الأطراف المختلفة "قميص عثمان" أو كما يقال شعبياً "مسمار جحا" في سبيل تحقيق أهداف شخصية، بما في ذلك إيران وإسرائيل و"القاعدة" و"داعش" و"حزب الله" وغيرها من الحركات اليسارية والقومية على مر تاريخ القضية المعقدة منذ أربعينيات القرن الماضي.

ولهذا يرى مركز الخليج للأبحاث أن المواجهات الجديدة كشفت عما يمكن أن تؤول إليه نتائج الغطرسة الإسرائيلية التي رفضت التحذيرات المتكررة والدعوات إلى التخفيف من حدة التصعيد، في وقت تتجه الظروف في المنطقة إلى مقاربة التنمية والسلام، عوضاً عن لغة العنف وتقويض الاستقرار.

وقال رئيس المركز عبدالعزيز بن صقر "هناك شبه إجماع دولي على أن الحكومة الاسرائيلية الراهنة تعد الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل وهو ما يظهر في تصريحات نتنياهو المتغطرسة وآخرها زعمه خلال خطابه في الأمم المتحدة بأن اتفاقات السلام مع الدول العربية كفيلة بإنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي حتى لو تجاهلت الشعب الفلسطيني".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويؤكد في تصريح صحافي أن "المؤشر الآخر على مستوى التطرف داخل الحكومة الإسرائيلية يظهر في استفزازات المستوطنين للفلسطينيين والمسلمين كافة باقتحامات متكررة للمسجد الأقصى وتدنيسه وبدعم من الأجهزة الرسمية، وبعضها بمشاركة مسؤولين مثل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير تطوير الجليل والنقب يتسحاق فاسرلاوف".

واعتبر بن صقر أن حجم ونوعية عملية "طوفان الأقصى" مؤشر على أن "كل ما حدث خلال الأعوام الخمسة الأخيرة من تطبيع لعلاقات إسرائيل مع عدد من الدول العربية لم يكن له أدنى تأثير في القضية الفلسطينية وتجذر إيمان الشعب الفلسطيني بعدالة قضيته وقناعته بتعاطف الرأي العام الدولي معه ضد الاحتلال".

ولفت إلى أن ذلك يمثل موقف حتى قوى الاعتدال في المنطقة مثل السعودية التي أكدت أنه "من دون دولة فلسطينية قد تتكرر هذه المواجهات الخطرة، ولذلك لا بديل عن عملية سلمية ذات مصداقية تفضي إلى حل الدولتين".

ويشير الكاتب السعودي فيصل عباس في "عرب نيوز" إلى أن التصعيد الهائل في الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني يبعث برسائل كثيرة في الوقت نفسه.

ورأى أن أول أمر يجب أن نلاحظه هو أن هجوماً على هذا النطاق من قبل "حماس" لم يكن ممكناً إلا بعد أشهر من التخطيط، "في الواقع، هذا هو بالضبط نوع ’الانفجار‘ الذي تم التحذير منه نتيجة لاستمرار الاحتلال وحرمان الفلسطينيين من حقوقهم".

ولم ينكر أن اقتياد الحركة الفلسطينية عدداً من الأسرى والرهائن في صفوف الإسرائيليين يمنحها مجالاً أوسع للمساومة، بما قد ينظر إليه دولياً على أنه يضعف موقف الحكومة المركزية في رام الله ويقوي المنظمة المتطرفة، إلا أنه اعتبر ذلك فعلاً شائعاً في المنطقة نظراً إلى حالة "حزب الله" في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن، لكن ما هو أسوأ يتمثل في أن المواطن الفلسطيني العادي هو الذي سيدفع الثمن خلال الأيام الصعبة المقبلة.

إجهاض التسوية ليس حتمياً

وفي وقت قرأ بعض المعلقين السعوديين توقيت المواجهات من جانب "حماس" باعتباره محاولة منها لإجهاض الاتفاق الذي يجري الحديث عنه بين السعودية وإسرائيل، لا يجزم عباس بأي نتيجة، لافتاً إلى أنه ربما تكون الأزمة فرصة لإظهار "حماس" أنها طرف لا يمكن تجاوزه في أي معادلة في فلسطين، إلا أن "الوقت سيخبرنا" بماذا سيحدث على وجه التحديد، غير أنه يعتقد بأن "الوقت حان ليضاعف العالم جهوده... نحو تفعيل خطة سلام ذات مصداقية تمكن من حل الدولتين، وهو أفضل وسيلة لحماية المدنيين. القول أسهل من الفعل؟ ربما، ولكن في الأقل يمكن للسعودية أن تقول إنها بذلت قصارى جهدها وفعلت ذلك منذ عقود".

في غضون ذلك صرح نائب رئيس مجلس الأمن القومي الأميركي جون فاينر إلى شبكة "فوكس نيوز"  الأحد بأنه من السابق لأوانه تحديد كيف وقع الهجوم على إسرائيل، أو الدور المحتمل الذي ربما اضطلعت به إيران، أو ما إذا كان الهجوم يهدف إلى عرقلة محادثات السلام بين السعودية وإسرائيل.

وأضاف "نعتقد بأنه سيكون من مصلحة البلدين مواصلة العمل على هذا الأمر"، في إشارة إلى جهود الرياض وتل أبيب للتوصل إلى اتفاق سلام بينهما.

نيابة عن إيران لا فلسطين

لكن الكاتب الأميركي المخضرم توماس فريدمان، المعروف بصداقته مع إسرائيل ومعارضته الحكومة اليمينية بقيادة نتنياهو، جزم في مقالة له في "نيويورك تايمز" تعليقاً على الحرب بأنها "لم تكن نيابة عن الشعب الفلسطيني بل بناء على طلب من إيران، المورد المهم للمال والسلاح لـ’حماس‘، بهدف منع التطبيع الناشئ للعلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل".

ومع ذلك، أبقى فريدمان الباب مفتوحاً أمام إمكان حدوث اختراق في القضية الفلسطينية، على غرار اتفاق السلام بعد حرب 73 من القرن الماضي مع المصريين.

وأبدى تفاؤلاً حذراً بأن الفرصة لا تزال قائمة بأن تنتهي هذه الحرب مثل سابقتها باتفاق سلام، "والنصر الحقيقي الوحيد سيكون إذا ما حدث ذلك وتم خلق الظروف لتسوية حقيقية ومستقرة مع الفلسطينيين".

وساد اعتقاد بأن إشعال المعركة في التوقيت الحالي إنما استهدف إعاقة جهود التقدم في إحراز اتفاق بين السعودية وإسرائيل، على نحو يجعل تل أبيب أكثر تشدداً في رفض تقديم أي تنازل لمصلحة الفلسطينيين، ويدفع "حماس" إلى رفع سقف طموحاتها، في سيناريو إذا ما ترجم إلى واقع فإن الخاسر الأكبر فيه ليس السعوديين ولا الأميركيين والإسرائيليين وإنما الشعب الفلسطيني، بحسب تقدير المهتمين.

"درس دموي" إن استوعب

وينظر رئيس هيئة الصحافيين السعوديين خالد المالك إلى هجوم "حماس" على إسرائيل على أنه "درس دموي" للأخيرة يمكن أن يجعلها أكثر واقعية عند مناقشة السعوديين والعرب حل قضية فلسطين معها مجدداً.

ويضيف "المواجهات تظهر الحاجة الملحة للتوصل إلى حل للقضية الفلسطينية وقبول إسرائيل بحل الدولتين واستثمار فرصة استعداد المملكة للتطبيع مع تل أبيب، إذا ضمنت للفلسطينيين حقوقهم المشروعة".

وأكد في مقالة نشرتها صحيفة "الجزيرة" السعودية أنه "من الخطأ أن تتصور إسرائيل المدعومة من أميركا ودول أوروبا أنها يمكن أن تحتفظ بالأرض وتتمتع بالسلام معاً، ولعلها تستفيد من الدرس الدموي الذي أظهر حاجتها إلى السلام، مثل حاجة الفلسطينيين لاستعادة أراضيهم المحتلة وإقامة دولتهم وفقاً لقرارات الشرعية الدولية".

المزيد من تقارير