Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من مردوخ إلى ماسك... كيف تغيرت أدوات القوة والتحكم بالعالم؟

في زمن الإمبراطورية الرومانية كانت الغذاء وفي عصرنا صارت المال والإعلام

من المؤكد أن عالمنا المعاصر يحفل بكثير من الرجال الأقوياء، غير أنهم لا يندرجون تحت تصنيف الملوك أو الرؤساء بالمعنى السلطوي التقليدي (اندبندنت عربية)

ملخص

يكفي أباطرة العالم الحديث امتلاك إمبراطورية مالية أو إعلامية، وخطوط وخيوط ماورائية ضمن شبكات النفوذ والقوة

من هو الإمبراطور؟ الجواب التقليدي هو الملك، وعادة ما يكون الحاكم السيادي لإمبراطورية أو لنوع آخر من المملكة الإمبراطورية.

كل الأباطرة  والملوك هم ملوك، لكن الإمبراطور يعد لقباً ملكياً أعلى، وفي أوروبا الغربية استخدم لقب الإمبراطور حصرياً من قبل الإمبراطور الروماني المقدس، الذي استمدت سلطته الإمبراطورية من المفهوم اللاتيني لانتقال السلطة (Translatio imperrii)، إذ ادعوا توليهم خلافة سلطة الأباطرة الرومان الغربيين، بالتالي ربطوا أنفسهم بالمؤسسات والتقاليد الرومانية كجزء من أيديولوجية الدولة.
وكان الإمبراطور هو المتحكم بالأرزاق والأعناق، وفي عهد الإمبراطورية الرومانية بنوع خاص، بدا أنه قادر على التحكم بمصائر العالم عبر التلاعب بحصص الحبوب، أي الغذاء اليومي لملايين البشر في المستعمرات الخاضعة له.

من هنا يطفو تساؤل على السطح، "هل تعرف حاضرات أيامنا نوعاً مشابهاً من الأباطرة كما عرف التاريخ القديم هذه النوعية من الزعامات؟".

المؤكد أن عالمنا المعاصر يحفل بكثير من هؤلاء، غير أنهم لا يندرجون تحت تصنيف الملوك أو الرؤساء بالمعنى السلطوي التقليدي، وإنما اكتسب أباطرة زمننا الحالي أبعاداً أخرى جعلت منهم متنفذين قادرين بالفعل على لعب أدوار عالمية من دون حدود أو سدود.

وبات المال اليوم إمبراطورية مترامية الأطراف، كما بات الإعلام بدوره سيداً على الجميع، وأضحت الأعمال وعالم البيزنس، مجالاً واسعاً رحباً للتلاعب بمقدرات دول العالم، عطفاً على ذلك، صارت المؤسسات والهيئات ذات الحضور السري نوعاً من الإمبراطوريات غير المعلن عنها، ولهذا اعتبر أعضاؤها أباطرة بنوع مجازي.

هل من أمثلة على أباطرة العالم الحديث؟

 يمكننا في واقع الأمر أن نقدم نموذجين، وإن كان هناك عديد من الأسماء التي يصلح معها وصف "أباطرة العالم الحديث"، أولئك الذين يلعبون دوراً مهماً وفاعلاً على الصعيد الدولي من غير أن يعتلوا عروشاً، أو أن يتم تنصيبهم ملوكاً من قبل البابوات كما كانت الحال في أوروبا الوسطى بنوع خاص.

الاسمان المرشحان لهذه القراءة، هما "الفتى العبقري"، إيلون ماسك، و"صانع الرؤساء" روبرت مردوخ، وعلى رغم أن سطوراً بعينها لا يمكنها أن تغطي حياتهما أو بمعنى أدق الجزء المعروف والعلني منها، إذ إن الغامض والسري أكبر، إلا أنها محاولة للاقتراب في كل الأحوال.

إيلون ماسك وإمبراطور رأس المال

هل باتت الرأسمالية المعاصرة هي تاج الأباطرة المعاصرين؟

في تقرير مطول لها اعتبرت مجلة "جاكوبين" السياسية الأميركية، إيلون ماسك إمبراطوراً نصبته الرأسمالية، من خلال تحكمه في مسارات ومساقات الأعمال الممتدة بعمق من الداخل الأميركي إلى العالم الخارجي.

في المجتمعات الرأسمالية وبحسب المجلة عينها، يصبح عدد قليل من الأفراد أثرياء من طريق دفع رواتب أقل للعمال والاحتفاظ بالبقية لأنفسهم، هؤلاء هم أباطرة العالم الحديث الذين لديهم سلطة هائلة على الأفراد ضمن خدمتهم، بل وعلى السياسيين الذين يسنون القوانين ويضعونها للمجتمع كله.
ليس سراً أن لماسك سلطة كبيرة على العمال في المصانع المتعددة التي يمتلكها، حيث يتحمل هؤلاء "الألم والإصابات والضغوط" على أساس منتظم، ويحبط ماسك محاولاتهم الانضمام إلى نقابات العمال باستمرار، كما يتمتع بسلطة كبيرة على المديرين في شركته، ومثلهم مثل كثيرين من أعضاء الطبقتين المهنية والإدارية الذين يحفزهم الخوف من فقدان مكانتهم المميزة، فربما يضطرون إلى تحمل المصاعب التي يواجهها العمال إذا لم يلبوا رغبات رئيسهم بلا نقاش... فهل تحول مشهد ماسك من ملامح ومعالم المالك والرئيس التنفيذي إلى صفات الإمبراطور الذي يأمر فيطاع ، ودع عنك قصة القوانين المنظمة للعمل والضامنة لحقوق العمال؟

معالم الإمبراطور الحديث تتمثل في حياة ماسك، حين نراه، مثله مثل عديد من الأثرياء الآخرين، يمارس السلطة على السياق السياسي الأوسع الذي نعيش فيه جميعاً أيضاً، ذلك أنه من المعروف أن ماسك يمارس نوعاً من أنواع التحكم بالسلطة ضمن السياق السياسي الأوسع  الذي نعيش فيه جميعاً أيضاً، ويتبرع ماسك بمبالغ ضخمة للأحزاب السياسية الأميركية الكبرى، هذه التبرعات ليست تعبيراً عن المعتقد السياسي الشخصي، بل هي مظاهر طقسية لاستعداده لتقديم الدعم المادي طالما أن الأحزاب تضع مصلحة المانح، أي ماسك، بالاعتبار في المقابل.

هل يعني ذلك أن ماسك إمبراطوراً متوجاً بأمواله؟
يمكن للبعض أن يعتبر الثروة في حد ذاتها مؤشراً إلى نجاحات أو إخفاقات شخص ما، غير أن زيادة ثروة ماسك بنحو ستة إلى ثمانية مليارات دولار على مدار يوم واحد في شهر سبتمبر (أيلول) 2021، تعني تحوله من مجرد ثري ضمن أثرياء العالم، إلى أحد المتحكمين بأوضاع العالم المالية من خلال عالم الأسهم والسندات، الأمر الذي يفيد بتحوله إلى نسق إمبراطور مالي دون شك، بخاصة في ظل تطوير أفكاره التي لا تتوقف عند حدود الأرض، بل تمتد إلى السماء، فماذا عن ذلك؟

إمبراطور المريخ

من المثير للغاية المقارنة بين أحلام وطموحات الأباطرة القدامى، وبين نظيرتها عند المحدثين منهم.  كان جل طموحات يوليوس قيصر، بسط هيمنته السياسية والعسكرية على عدد من الدول القريبة، والأمر نفسه عرفته اليونان وإسبرطة تجاه ما حولهما في حوض البحر الأبيض المتوسط.

غير أن الفتى ماسك لم ينفك في أبريل (نيسان) من عام 2021، أن يعدل وظيفته على حسابه الرسمي في "تويتر" سابقاً (إكس حالياً)، حين وضع كلمة "إمبراتور" وليس "إمبراطور"، وهو لقب كان يمنح عادةً للجنرالات الرومان المنتصرين في الحروب والغزوات ثم تحول شيئاً فشيئاً إلى الإمبراطور الروماني.

تبدو إمبراطورية ماسك متجاوزة للأرض، إذ يعتبر نفسه إمبراطوراً للمريخ، ويخطط ماسك لإرسال مليون شخص إلى سطح المريخ بحلول عام 2050، أي خلال ثلاثة عقود من الآن، والأمر بالنسبة إليه لم يعد مجرد حلم، إذ بدأ بالفعل بوضع جدول زمني لنقل البشر من الأرض إلى الفضاء، وتعتمد تقديرات ماسك بكل بساطة على معادلته التي تفترض أن مركبته المبتكرة "ستار شيب" ستتبع نمط تسيير ثلاث رحلات يومياً، أي حوالى 1000 رحلة في العام الواحد.

وفي منشور له عكس تفكيره الجدي لسيادة الفضاء، كتب يقول "إن إطلاق 1000 رحلة سنوياً لا يحتاج إلا إلى بناء 100 سفينة فضاء كل عام، ليصبح مجموعها 1000 خلال عشر سنوات، أي أنها ستنقل 100 ألف راكب في كل مرحلة تزامن مداري بين الأرض والمريخ".

لا يتوقف ماسك عند حدود التفكير التنظيري الفكري أو حتى العلمي، فقد أطلق بالفعل مبادرة سماها "قاعدة ألفا المريخية". وبينت صور نشرها ماسك في عام 2018، مواقع هبوط على المريخ، وإنشاءات على شكل قباب بدا أنها ستزود بالطاقة عبر مزارع شاسعة للطاقة الشمسية، وبحسب الخطة نفسها سيعيش الناس في مستمعرة ماسك المقترحة داخل قباب مغلقة، صممت لتعكس الإشعاعات الضارة، ولتحفظ سكانها بدرجات حرارة مناسبة، فحرارة المريخ شديدة الانخفاض، بحكم مداره البعيد من الشمس، وتعتمد خطة "سبيس إكس" لنقل البشر إلى المريخ، على عملية فيزيائية أساسها اقتراب الأرض والمريخ من بعضهما بعضاً خلال دورانهما حول الشمس.

هل تتوقف إمبراطورية ماسك عند حدود المال الميسر للأعمال ولو كانت هذه الأخيرة خارج سطح الكرة الأرضية، أم أنها تمتد بشكل مثير لتصنع عالماً آخر على الأرض يدور في الرؤوس، ما يجعل منه متحكماً في صناعة الرأي العام العالمي؟

"تويتر – إكس" وصناعة رأي عام عالمي

لقد بات في حكم المؤكد أن من يتحكم في مسارات ومساقات الإعلام حول العالم، هو من يمكنه صناعة الصيف أو الشتاء في ما يخص توجهات البشر.

ولعل العقدين الماضيين بنوع خاص، شهدا نوعاً من أنواع سطوة وسائط الإعلام غير التقليدية، إذ لم يعد للتلفزة أو الصحف والمطبوعات الورقية، القوة والنفوذ نفسهما اللذان كانا لها في سبعينيات وحتى نهاية القرن العشرين.

يمكن القول إن إمبراطورية ماسك الحقيقية تتمثل في ملكيته المثيرة للجدل لمنصة "تويتر" التي تحولت لاحقاً إلى "إكس"، والتي جعلت العالم أصغر كثيراً من صندوق الدنيا، ذلك أن "تويتر- إكس" يجمع أقاصي الأرض من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب عبر لمسة خفيفية على شاشة رقمية، ويتيح تواصل الجميع، وجمع المعلومات، تلك هي القوة الحقيقية في عصرنا الحاضر.

تتجلى إمبراطورية ماسك في واقع الأمر اليوم في منحه أو منعه لمساحات من الرأي عبر منصته التي تكاد تستحوذ على ثلاثة مليارات مشارك من قارات الأرض الست.

حين استحوذ ماسك على منصة "تويتر" في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) 2021، أعلن في تغريدة له أن "العصفور تحرر"، وذلك في إشارة إلى العصفور الأزرق الذي شكل رمز "تويتر".

وحاول ماسك عبر هذا التصريح، أن يؤكد أن "تويتر" "ستكون منصة متحررة مفتوحة للجميع، إنطلاقاً من أن حرية التعبير هي الحجر الأساس لديمقراطية فاعلة" على حد تعبيره.

يعن لنا التساؤل، هل هذه العصفورة المتحررة المنطلقة دونما أدنى رقيب أو حسيب، إمبراطورية إعلامية منفلتة، يمكنها أن تقود شعوب العالم حسبما يعن لصاحبها، الذي سيصبح إمبراطوراً بالضرورة والتبعية؟

 بدت المخاوف من إمبراطورية ماسك، عقب تصريحه هذا تؤثر بالفعل في عديد من القوى الدولية الفاعلة، فعلى سبيل المثال، قال مفوض السوق الداخلية في الاتحاد الأوروبي وقتها، تييري بريتون، "في أوروبا سيطير الطائر وفقاً لقواعدنا". واستخدم راجيف شاندراسيخار، وزير الدولة للإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات في الهند، لهجةً مماثلة عندما غرد قائلاً، إن قواعد الوسطاء في بلاده وقوانينهم تظل كما هي بغض النظر عمن يملك المنصة.

فهل جاءت ردود الفعل هذه لتنقل مخاوف من تكرار تجربة إمبراطور آخر في عالم الإعلام صار يصنع الزعماء ويعزلهم عبر أدواته العلنية تارةً والماورائية تارةً أخرى؟

مردوخ إمبراطور يفرض آراءه عالمياً

ضمن ملامح الإمبراطوريات العالمية الحديثة، يأتي الحديث عن روبرت مردوخ، الأسترالي الأصل الأميركي الجنسية، الذي وصفته مجلة "لوبس" الفرنسية بأنه "رجل قادر على فرض آرائه حول العالم بقوة ونفوذ".

وفي مقابلة للمجلة الشهيرة مع المؤرخ وأستاذ التاريخ في معهد العلوم السياسية الفرنسي، ديفيد كولون، نجده يصف مردوخ بأنه استطاع أن يجمع في يديه "سلطة غير مسبوقة في تاريخ البشرية".
ويضع المؤرخ، التلاعب والدعاية والمعلومات الخاطئة في صميم أبحاثه، موضحاً في المقابلة أن إمبراطورية مردوخ الإعلامية التي تضم 175 صحيفة وعشرات المحطات التلفزيونية واستوديو "هوليوود" ودار نشر، لا يزال لديها تأثير لا يعرف حدوداً.

كان مردوخ مراقباً جيداً لنظرة الناس لوالده الصحافي المراسل لصحف بريطانية، وصاحب صحيفة صغيرة في أستراليا، ولهذا أدرك في وقت مبكر مدى السلطة التي توفرها ملكية وسائل الإعلام وعرف كيف يطور صورة "صانع الملوك"، مما جعله شخصاً ضرورياً، حتى إن أياً من المتنافسين على منصب رئيس الوزراء بالمملكة المتحدة منذ بداية التسعينيات، لم يكن يستطيع الاستغناء عنه، بخاصة أنه أظهر قوته في الإزعاج من خلال تدمير صورة زعيم حزب العمل السابق نيل كينوك.

في إبريل 2019، نشرت مجلة "نيويورك تايمز" تحقيقاً أجراه "ليام ستاك" حول دور روبرت مردوخ وعائلته، وما يحدث داخلها من عدم استقرار، في زعزعة الديمقراطية في الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا.
وضمن النتائج التي توصل إليها ستاك، فإن "مردوخ لم يطلب أبداً أي شيء من أي رئيس وزراء"، ولكن هذه الإمبراطورية التي أسسها منحته نفوذاً في الشأن العالمي ومنحت عائلته نفوذاً هائلاً ليس فقط في الولايات المتحدة، ولكن أيضأ في البلدان الناطقة باللغة الإنجليزية في جميع أنحاء العالم.

هل بات مردوخ بالفعل إمبراطوراً مزعزعاً للديمقراطيات عبر أذرعه الأخطبوطية الإعلامية؟

هذا ما استطاع مردوخ وأبناؤه فعله بالضبط، فقد حولوا وسائلهم الإعلامية إلى أداة تأثير سياسية يمينية زعزعت الديمقراطيات، وشاركت في زخم الموجة السياسية اليمينية غير الليبرالية التي تجتاح العالم في أيامنا.

أستراليا تجابه إمبراطور اليمين مردوخ

ولعل من المؤكد أن تأثير مردوخ كإمبراطور، تمثل في بلد منشئه الرئيس أستراليا، حيث عملت الحكومات المتتالية على كبح نفوذه الذي أضحى مهدداً للاستقرار هناك.

وفي أواخر عام 2020، وبالتحديد في نوفمبر (تشرين الثاني)، خاض رئيسا الحكومة الأسترالية السابقان كيفن رود، ومالكوم تورنبول، حملة "لإصلاح توازن القوى" مع مردوخ، رجل الإعلام الأكثر نفوذاً في العالم، فحياة الرجلين السياسية ومناصبهما العامة الرفيعة كانت تتوقف على إعلام مردوخ، وعلى رغم أنهما متنافسان سابقان، إلا أنهما يتعاونان في حركة يأملان أن تستمر في تقويض كل مؤسسات مردوخ الدولية.

من هذا الذي يمتلك مثل هذا النفوذ ويستدعي مجابهة من رؤساء وزارات ولو سابقين؟

في ذلك الوقت ظهر كيفن رود ومالكوم تورنبول كـ"شاهدين نجمين" مشتركين في تحقيق برلماني أسترالي حول هيمنة مردوخ على الجدل السياسي الأسترالي، وجادل كلاهما بأن "نيوز كورب أستراليا" أصبحت الذراع الدعائية للحكومة الليبرالية اليمينية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

على مدار أربعين سنة شارك مردوخ كذلك، وعبر صحفه ذات الميول اليمينية، بالإسهام في تشكيل السياسة البريطانية، بل ودفعها نحو اليمين، الأمر الذي أدى به لاحقاً إلى ما بات يعرف بتحقيق "ليفسون".

تساءل المراقبون في الأعوام الأخيرة عن مردوخ، وهل بات من الواجب تفكيك إمبراطوريته هذه، لا سيما أنها أضحت سبباً مباشراً في تعميق النزعات الشوفينية والقومية، وربما من باب خفي دعم التيارات الراديكالية بالمفهوم اليميني الأوروربي والأميركي؟

تبدو عائلة مردوخ في مركز الاضطرابات العالمية، ومن يقدر أن يزعزع استقرار العالم هو إمبراطور دون أدنى شك. منذ فترة  طويلة و"فوكس نيوز" تحاول جذب الانتباه إلى الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة، الذي أدى بدوره إلى تزايد الحركات الوطنية، تلك التي أدت إلى ظهور حركات اليمين المتطرف وانتخاب الرئيس السابق دونالد ترمب كما يقول الديمقراطيون.
أما في بريطانيا، فقد عملت صحيفة "ذا صن" المملوكة لمردوخ كذلك، خلال ست سنوات، على  تشويه صورة الاتحاد الأوروبي في نظر البريطانيين، مما أدى إلى ظهور حملة تؤيد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وأقنعت الناخبين في استفتاء عام 2016 بالتصويت لصالح مغادرة الاتحاد، ومنذ ذلك الوقت والفوضى تسود في بريطانيا.

هل يمكن القطع بأن إمبراطورية مردوخ الإعلامية جعلت منه بالفعل إمبراطوراً متوجاً، لا فوق عرش وسائل الإعلام، بل في قلب السياسات العالمية كصانع للزعماء ومحرك لهم، مما جعل عديداً من الأبواق الإعلامية والسياسية، في الداخل الأوروبي والأسترالي والأميركي تنذر وتحذر من تبعات خطوات مردوخ المؤدلجة التي تقود العالم ضمن خطوط وخيوط لا تبدو واضحة المعالم إلا لنفر قليل من الراسخين في فهم معالم المؤسسات الفاعلة عالمياً، والتي تقود العالم حقاً وقولاً ومن دون أدنى شبهة.

مرودخ وبلدربرغ...أباطرة العالم الجدد

في مؤلفه المثير والخطير المعنون "القصة الحقيقية لنادي بيلدربرغ" الذي نشر عام 2005، وصدرت منه طبعة جديدة في عام 2009، يخبرنا الكاتب الليتواني الأصل عن هذه الجماعة التي يطلق عليها اسم "منظمة أو مجموعة بيلدربرغ" التي تأسست عام 1954، والتقت في فندق يحمل هذا الاسم للمرة الأولى.

كان اللقاء الأول في مدينة أوستربيك بهولندا وناقشوا خلاله مستقبل العالم... من تضم هذه المجموعة؟
الشاهد أنها تضم في عضويتها ممثلين عن أقوى النخب العالمية التي تأتي أغلبها من أميركا وكندا وغرب أوروبا من أمثال ديفيد روكفلر، وهنري كسينجر، وبيل كلينتون، وغوردن براون، وأنغيلا ميركل، والآن غرينسبان، وبن برينانكي، ولاري سمرز، وتيم جيثز، ولويد بلانكفاين، وجورج سورس، ودونالد رامسفيلد، وروبرت مردوخ، ورؤساء آخرين وبعض المتنفذين من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب والبنتاغون وحلف الأطلسي، مع شخصيات من الطبقة الملكية الأوروبية، وشخصيات إعلامية محددة ومنتقاة.

هل تمثل تلك النخبة أباطرة العالم المعاصر؟

 بالقطع هي كذلك، والمؤكد أن مردوخ في القلب منها بأدواته الإعلامية النافذة، إذ نكاد لا نرى طرفاً إعلامياً آخر فاعلاً ونافذاً في المجموعة سواه، وهو أمر طبيعي يتسق مع انتشاره الجغرافي من أستراليا إلى أوروبا، ثم من أميركا الشمالية إلى الجنوبية. وقد أشرنا في قراءة سابقة إلى الطريقة التي تم الترحيب بها بمردوخ في زمن الاتحاد السوفياتي، وكيف بسطت له السجادة الحمراء، دلالةً على المكانة التي يحتلها هناك في ذلك الوقت، وللقارئ أن يتخيل المكانة التي بلغها بعد أن أحكمت الأوليغارشية الروسية قبضتها على روسيا في زمن الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين، وقبل ظهور بوتين في الصورة.

ويعن لنا أن نتساءل "أي دور لعبته أدوات مردوخ العالمية، في رسم صورة لعالم مغاير في أوروبا الشرقية؟ وكيف أسهم هذا الإمبراطور ولا يزال في دعم التيارات اليمينية حول العالم؟ والدور المنوط به ضمن أباطرة العالم الحديث سواء كانوا أعضاء في بيلدبرغ أو ضمن مؤسسات أخرى لا ندري عنها الكثير.

هل من خلاصة؟

المؤكد أن الأباطرة الجدد لم يعودوا في حاجة إلى مباركة أحبار المؤسسة الرومانية المقدسة، ولا يمكن لهم التعرض للمهانة التي لقيها بعضهم كما في قصة "كانوسا"، إذ إن الإمبراطور "هنري الرابع" رأس الإمبراطورية الرومانية المقدسة، قد تعرض للإذلال من قبل البابا غريغوريوس السابع، الذي جعله يركع في البرد والثلج لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليال حتى يحصل على مباركته.

وبالقدر نفسه لم يعد الإمبراطور المعاصر مجبراً على أن تكون علاقته مع حكام العالم، مثل علاقة الإمبراطور شارلمان الجيدة مع البابا ليون الثالث.

يكفي الإمبراطور المعاصر أن يمتلك إمبراطورية مالية أو إعلامية، وخطوطاً وخيوطاً ماورائية ضمن شبكات النفوذ والقوة التي تبدأ من الأرض كما الحال في قصة الإمبراطور مردوخ، وقد تنتهي إلى الفضاء كما الوضع مع "الإمبراتور" ماسك كما يصف نفسه.

المزيد من تحقيقات ومطولات