Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"دعاة" مصريون يتاجرون بتسويق العمرة والدفع "أون لاين"

130 دولاراً أميركياً سعر العمرة لدى أحدهم والأزهر يدخل على خط الأزمة ويصوب المفاهيم

جواز "الاستئجار" لأداء شعائر الحج والعمرة مقصود به حالات فردية وله شروطه  (أ ف ب)

ملخص

داعية مصري يسعر أداءه "العمرة بالوكالة" والأزهر يوضح أن صنيعه يهدم البعد الروحي للدين ويفرغ الشعائر من مضمونها

هذه قناة تأخذك إلى الجنة، وهذه حقيبة تأخذ حاملها إلى النعيم، وتلك صفحة كذلك. وذلك رفيق يأخذ صديقه إلى الطريق ذاته. وتلك زوجة تتسلم يمين زوجها إلى الفردوس. بل هناك طباخ تأخذ وصفاته آكلها إلى النعيم. وقد يصل الأمر لأن يكون من يأخذك إلى الجنة دجاجة بعينها من دون غيرها.

ومن الدجاجة إلى النبات الذي يسمع القرآن فيؤتي أضعاف ثماره وحصاد أقرانه من النباتات التي لا تسمع القرآن، ومنه إلى العمرة التي هي كفارة وجهاد وتذهب الفقر وتغفر الذنوب لمن يقوم بها، فإن كان قد مات أو مرض أو عجز عن السفر للقيام بها، فعرض لا يقاوم وسعر لا يضاهى. أربعة آلاف جنيه مصري فقط لا غير (نحو 130 دولاراً أميركياً)، يدفعها المريض أو غير القادر على السفر إلى مكة أو أهل المتوفى "أون لاين"، ويؤدي العمرة بالوكالة الداعية النابه أو أحد "موظفيه" في الـ"بيزنس" الخاص به.

جدل العمرة

الفيديو القصير الذي أطل من خلاله "الداعية" أمير منير قبل أيام مروجاً لهذا النوع من العمرة أثار الكثير من الجدل في مصر. تسويق العمرة، والدفع "أون لاين"، وقيام شخص مجهول بها فجر أبواب القيل والقال بين سعيد مبتهج بإمكانية القيام بالعمرة بأربعة آلاف جنيه فقط، وبين غاضب مكتئب لما وصل إليه حال الدين، أو بالأحرى الإتجار بالدين. لم يتوقف الأمر على هذا بل إن "الداعية" بشر متابعيه وعددهم يفوق الأربعة ملايين أن أول 500 شخص سيحصلون على خصم خاص، إضافة إلى خصم 35 في المئة لمن يستخدم كود "أي أم" أي أمير منير لدى الحجز.

 "الداعية" تاجر العمرات ومنظم أفواج الحج والعمرة بأسعار يقول متابعوه إنها باهظة لكنهم يثقون فيه، والذي بزغ نجمه قبل سنوات بلحيته الكثيفة وعلامة الصلاة على جبهته وأحاديثه الدينية المعضدة بـ"قال الله" و"قال الرسول"، والذي حاز شعبية كبيرة جداً بفعل وفضل الـ"سوشيال ميديا" بين ملايين الشباب والشابات وكذلك ذويهم ليس إلا نقطة في بحر هائج مائج من أمارات وعلامات الإتجار بالدين بعيداً، وربما قريباً، من أعين المؤسسات الرسمية.

جهود المؤسسات الرسمية

المؤسسات الدينية الرسمية تبذل جهوداً واضحة على مدار السنوات القليلة الماضية، لا سيما بعد أحداث يونيو (حزيران) 2013 التي أطاحت حكم جماعة الإخوان المسلمين، وذلك في محاولات تختلف في درجاتها وتتراوح في محتواها بين تطهير الخطاب الديني وتجديده جذرياً تارة وتطهير أقل القليل وتجديد القشور تارة أخرى، وذلك بحسب المؤسسة ورؤى من فيها.

أمير منير مثلاً، وهو ليس من خريجي الأزهر وغير مصرح له باعتلاء المنابر أو إلقاء الدروس التي يمطر بها رؤوس الملايين من متابعيه مرسخاً أفكاره فيها وزارعاً توجهاته في حياتهم، يتمتع بين قاعدة عريضة من الشباب بقدر أكبر من الشعبية وقدرة أوفر على الإقناع.

وعلى رغم ذلك، بادرت دار الإفتاء المصرية بالتحذير من أن "سماسرة الدين باب لتفريغ الشعائر الدينية من مضمونها"، مشيرة إلى أن الله عز وجل شرع العبادات من فرائض ونوافل لمقاصد كبرى، منها تقريب العباد إليه سبحانه وتعالى وتهذيب النفس البشرية". مضيفة إلى أنه "من باب التيسير على الأفراد خصوصاً المرضى وأصحاب الأعذار أجازت الشريعة الإنابة في أداء بعض العبادات بشروطٍ معينة".

وأوضحت دار الإفتاء أن ما ذهب إليه بعض المذاهب الفقهية من جواز "الاستئجار" لأداء بعض العبادات كالحج والعمرة مقصود به حالات فردية، ولا ينبغي أن تتحول إلى ظاهرة أو تجارة يتربح منها البعض.

الاستمرار في التربح

لكن البعض مستمر في التربح من باب الدين في مصر على مدار سنوات، وهي الظاهرة التي تفاقمت بشكل كبير في سنوات هيمنة جماعات وجمعيات "خيرية" إسلامية في الشارع منذ أواخر السبعينيات ونمت وتوسعت وتوغلت وتغولت على مدار العقود التالية حتى تواءم معها كثيرون.

الكثيرون في مصر تعاطفوا مع "الداعية" تاجر العمرات منير لدرجة شن حملات عنكبوتية للدفاع عنه وعن نواياه حين تقدم البعض ببلاغات تتهمه بالإتجار بالدين وجمع تبرعات من دون وجه حق أو معرفة بمصيرها.

يشار إلى أن بدايات الجدل المحيطة بنشاط منير "الدعوي" غير المرخص تعود إلى عام 2016 وما يسميه معارضو "تسليع الدين" بـ"خطوتين للجنة بـ30 جنيهاً" حين نشر إعلاناً على صفحات التواصل الاجتماعي لبيع تذاكر محاضرة يلقيها عن التربية الإسلامية الصحيحة، مشاركاً لداعية آخر اسمه محمد الغليظ.

ومن منير إلى غليظ وآخرين كثيرين، سلسلة دعاة الـ"سوشيال ميديا" بمقابل لا تنتهي. تسكن حيناً كلما انتبهت جهة رسمية أو اعترضت مجموعة شعبية على الدعوة العنكبوتية غير الموثقة أو المؤهلة نظير مبالغ مالية، ثم تعود لسابق انتعاشها ورواجها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

دورة الإيمان

ما بين "دورة أصول الإيمان" و"ورشة قواعد العقيدة" و"محاضرة أسس التوبة" و"أكاديمية الفرقان لتعلم قواعد البيان" و"دروس الشيخة إيمان لتربية الطفل المسلم" القائمة لا تنتهي. واللافت أن هذه الدورات والورش والدروس وجميعها "أون لاين" يتم التسجيل فيها وسداد التكلفة والحصول على الشهادة أحياناً من دون أن يلتقي "الداعية" وأغلبهم صيادلة وأطباء ومهندسون، ومنهم حرفيون أو مجهولو المؤهلات بطلابه وطالباته.

وتظل هناك فرصة للراغبين في الاغتراف وجهاً لوجه من علوم "الدعاة" و"المشايخ" ذائعي الصيت العنكبوتي عبر التسجيل وسداد الرسوم "أون لاين" حيث محاضرات "التنمية البشرية" التي تنقل من يسجل فيها إلى الجنة أيضاً.

الجنة وارتقاء الروح والدجاجة

الطريق إلى الجنة لا يخلو من ارتقاء الروح، وهو الوتر الروحاني الذي دق عليه "الداعية" المحاسب ذائع الصيت عمرو خالد ولكن عن طريق الدجاجة أي "فرخة" بالعامية المصرية.

الإعلان مدفوع الأجر الذي شارك فيه خالد في 2018 حظي باهتمام الملايين، التي لم تكن فقط تلك التي نشأت وتربت في كنفه وهو أحد رواد منظومة الدعاة "المودرن"، ولكنها شملت أمثالهم على طرف نقيض من ألتراس الداعية التي رأت في "فرخة الإيمان" مدعاة للضحك ومزيداً من الكشف لـ"تسليع الدين".

"فرخة" الإيمان

"فرخة الإيمان"، وفي أقوال أخرى "فرخة الارتقاء"، كانت حديث القاصي والداني بعدما ظهر خالد على شاشة التلفزيون وهو يتحدث عن ارتقاء الروح قائلاً، "لن ترتقي الروح إلا حين يكون جسدك وبطنك صح مع الدجاج"، مضيفاً أن هذا الدجاج (ماركة بعينها) "سيجعل صلاة التراويح وقيام الليل أحلى".

حلاوة قيام الليل و"فرخة الإيمان" و"ارتقاء الروح بأكل هذا الدجاج تحديداً" دفعت خالد وقتها للاعتذار إلى جماهيره الغفيرة، جماهير الإيمان و"الحب في الله"، التي لا يتزعزع إيمانها بداعيتها المفضل مهما كانت الأسباب.

الطريف أن قبلها بعام واحد أثار خالد جدلاً مشابهاً حين وقف أمام الحرم المكي بملابس الإحرام وهو يدعو باكياً ومتأثراً ومتلهفاً كعادته وينظر بطرف عينه إلى الكاميرات التي تنقل دعاءه "لايف" ليقول وسط الدعاء وبحرقة أشد، "اللهم اجعل متابعي صفحتي من أهل الجنة".

يشار إلى أن عدد متابعي صفحات عمرو خالد على "تويتر" يزيدون على 11 مليون متابع، ونحو 31 مليوناً على "فيسبوك"، إضافة لبضعة ملايين أخرى على "إنستغرام" و"يوتيوب" وغيرهما.

 

متابعون وأرباح

بات من نافلة القول إنه كلما زاد عدد المتابعين وبالتالي المشاهدات، كلما جنى صاحب الصفحة قدراً أوفر من الأرباح من شركات الـ"سوشيال ميديا"، وهو ما يسميه البعض ربحاً مقبولاً طالما الشخص يبذل مجهوداً في إثراء المحتوى وتحديثه، وينعته الآخر بـ"تسليع الدين" حيث الإيمان والورع والدعاء والتقوى تختلف عن الطبخ والموضة والسفر والتنكيت.

وعلى رغم ذلك وقع خالد في فخ التسليع مجدداً قبل أيام، ولكن هذه المرة من باب "الكوارع". فأثناء وجوده مع أسرته في مطعم مشهور وبينما "الداعية" ينتظر وصول الكوارع، قام العاملون في المطعم بالتجمهر وعمل "شو الكوارع" غناء وتصفيقاً لـ"الداعية الشهير".

شهرة "الدعاة" وكذلك المشايخ بعضها مستحق لرغبة القاعدة العريضة من الناس في معرفة المزيد عن دينهم، فيما يشكك الآخر في مدى أحقيتهم به، لا سيما إذا نتج منه ربح وفير يمعن البعض في تنميته وتضخميه والعمد إلى الإثارة بحثاً عن المزيد، لا سيما حين يكون "الداعية" خريج كلية الصيدلة أو يحمل مؤهلاً فنياً في إصلاح المبردات.

وعي الجمهور وشغفه بـ"الدعاة"

دار الإفتاء المصرية أشارت في تعليقها على "عمرة البدل" وعروض التخفيض لأول 500 عميل اعتبرت استهجان الفكرة من قبل البعض "دليلاً على وعي الجمهور ورفضه تحويل الشعائر والعبادات إلى وظيفة أو مهنة تؤدى بلا روح أو استحضار لخشوع، مشيرة إلى أن "هذا الوعي الجماهيري هو جدار الوقاية الأول للمجتمعات في مواجهة كل ما هو مستنكر وخارج عن المألوف".

الغريب أن المألوف في الشارع المصري هو أن يجد هؤلاء "الدعاة" قاعدة جماهيرية عريضة مستعدة لسداد رسوم دورات الإيمان وورش العقيدة ومحاضرات التربية على اليقين والورع والتقوى، بغض النظر عن مؤهلات "الدعاة" والمحاضرين ومدى توافر خبراتهم العلمية الدينية المدروسة والمعترف بها من عدمها ومقدار تداخل الأهواء والأيديولوجيا فيما يقدمون من محتوى.

بند تسديد الرسوم

محتوى ما يقدمه "الدعاة" الجدد والقدامى الذي ينطوي على بند تسديد رسوم، أو يبتغي أو ينجم عنه متابعات ومشاهدات كلما زادت كلما ارتفع العائد الربحي يجد نفسه في خانة المساءلة بين الحين والآخر. فريق يشكك في الأغراض والأهواء ويتهم هؤلاء بالإتجار بالدين وتسليعه واحتكاره وتحويله إلى ما يشبه صكوك الغفران، وفريق يدافع عن "الدعاة" وتوكل إليه مهمة الهجوم على المشككين والمتسائلين، ولا مانع من إشهار سلاح "معاداة الدين وكراهية المتدينين".

الدين والمتدينون الخطاب الديني ودعاة الدين ومشايخه والدولة ومؤسساتها الدينية الرسمية يجدون أنفسهم قيد شد وجذب مطالبات تجديد الخطاب الديني بين الحين والآخر، لا سيما منذ بدأ الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يطالب بالتجديد والتطهير قبل سبع سنوات.

يذكر أن العديد من محاولات التجديد الصادرة من خارج المؤسسات الدينية الرسمية قوبلت برفض أو مقاومة أو ممانعة. في الوقت نفسه، لا تقابل ظاهرة "الدعاة" غير الدارسين للدين واتخاذ كل من هب ودب من منصات الـ"سوشيال ميديا" وسيلة لنشر مفاهيم بعضها شخصي عن التدين والإيمان والتقوى والورع طالما مظهره يعكس تديناً، أو الانتشار الكبير لإعلانات جمع التبرعات وأموال الصدقات لمصلحة بناء مساجد في قرى متناثرة عبر أرقام حسابات شخصية أو جمعيات لم يسمع عنها أحد القدر نفسه من الهجوم أو المقاومة.

مقاومة تجديد الخطاب، والخلط بين معاداة الدين وبين معاداة ادعاء الدين أو الإتجار بالمتدينين معضلات يحاول كثيرون الخوض فيها وتوضيحها بين الحين والآخر.

بين هؤلاء الكاتب والطبيب خالد منتصر الذي لخص أفكاره تحت عنوان "قواعد تجديد الخطاب الديني الأربعون". ومما كتب، "هذه قواعد سريعة لتحديد مفاهيم وآليات تجديد الخطاب أو بالأصح تجديد الفكر الديني: التدين وليس الدين هو الذى يحتاج إلى تجديد، الدين إلهي والتدين بشري، الدين عموميات ثابتة والتدين تفاصيل متغيرة، السماء غير قابلة للتأميم، لا يحتكرها أحد، والجنة لا يملك تصريح دخولها شخص، ومفاتيحها ليست في خزانة صاحب عمامة أو ماسك مسبحة، ليس المطلوب إقصاء الدين عن الحياة لكن إقصاء رجال الدين عن إدارة شؤون الحياة، الدين ليس فيه جهاز حماية المستهلك، السماء لا تحتاج إلى بودي غاردات، الأمة التي تتضخم ثوابتها سرعان ما تصنع توابيتها".

قبول وهوى

مثل هذه النقاط لا تلقى عادة هوى أو اقتناعاً أو حتى قبولاً لدى الغالبية، سواء من رجال الدين (المعترف بهم رسمياً أو الهواة) أو من قبل القاعدة العريضة من المواطنين.

البعض من المواطنين الذين تابعوا تأكيد أحد رجال الدين على شاشة تلفزيونية قبل أيام وهو يقول إن انتاجية النبات الذي يسمع القرآن ضعف النبات الذي لم يسمعه هرعوا بحثاً عن صفحات الشيخ الجليل على منصات التواصل الاجتماعي بغرض، وذلك من شأنه مضاعفة قاعدة المتابعين.

قبل سنوات قليلة تداول البعض صورة إعلان باعتباره "فوتوشوب" لفرط غرابته. "يعلن قسم دراسة الإلحاد بمركز كذا عن عقد دورة بهدف نقد الإلحاد. مقدم الدورة فلان وهو مدير قسم دراسة الإلحاد في المركز. والتسجيل عبر موقع المركز والدفع عبر منصة كذا. ومتاح أيضاً كتاب "الإلحاد للمبتدئين" بمبلغ كذا".

لكن سرعان ما اتضح أن المسألة ليست خيالات وأن الإعلان ليس "فوتوشوب"، بل حقيقة وأمر واقع. واتضح أن أنشطة مماثلة عدة تجري على أثير الشبكة العنكبوتية بمقابل مادي للغرض نفسه، ألا وهو مكافحة الملحدين ومواجهة الكفار ومجابهة المشركين، وفي حال سجل الشخص للدورات الثلاث دفعة واحدة يمكن الحصول على خصم 30 في المئة.

المزيد من تحقيقات ومطولات