Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شاي مسموم وسقوط غامض... مصير مرعب لأعداء الكرملين

كيف حول بوتين الاغتيالات التي تنفذها أجهزة السلطة ضد أعدائها إلى عمليات واسعة النطاق

عقوبة تحدي فلاديمير بوتين قد تأتي سريعة أحياناً (غيتي)

ملخص

مع وفاة بريغوجين الصاخبة... نستعيد الوسائل والطرق التي لجأ إليها الكرملين للتخلص من أعدائه

"يعود السبب وراء كل ما حدث لكراهية وخوف رجل واحد - رجل يتخفى في مخبأه. وإساءتي له كانت فتاكة، كوني نجوت من محاولة اغتيال كان أمر بها. ثم ارتكبت جريمة أخطر حتى، لأنني قررت عدم الاختباء. وهذا ما يجعل ذاك اللص الوضيع المتخفي في مخبأه يفقد عقله وصوابه".

حينما يخضع شخص للمحاكمة في روسيا، يحتجز داخل قفص المحكمة. ومع ذلك، لم يمنع الأمر ألكسي نافالني من تحدي عدوه اللدود، فلاديمير بوتين، ومن مواجهته باستخدام أقوى وسيلة لديه، وهي سلطة الكلمة.

فبنظر ديكتاتور هش [وقابل للانكسار]، تعد جريمة واحدة فقط أسوأ من المعارضة السياسية، وهي التهكم. والحال أن نافالني أمضى القسم الأكبر من العقد الماضي وهو يحقق في الثروة التي حققها بوتين، وفي سلسلة من الجرائم التي غالباً ما كانت تذكر بالمافيا، فيتعاطى معها أحياناً بجدية، وأحياناً أخرى بالتهكم على الرجل المقيم في الكرملين، وكان يمزج بين معلومات كشف عنها في أفلامه ومدوناته، ومقاطع الفيديو كان نشرها، وبين صور ورسوم [هزلية] مضحكة. وقد فعل بوتين كل ما في وسعه ليسكته. فقام بتسميمه، لكن ليس مرة واحدة، بل مرتين. وبما يشبه الأعجوبة، نجا نافالني من الموت، فرمي خلف قضبان السجن، وها أن عقوبته تمدد بانتظام، وصحته تتدهور تدريجاً.

وقد تبدو في غير محلها مقارنة زعيم المعارضة الشجاع هذا بالقاتل المرتزق يفغيني بريغوجين، الذي اغتيل، بحسب الافتراضات، عندما سقطت طائرته [وتحطمت] في وقت سابق من هذا الأسبوع. وكانت جميع الأدلة تشير إلى عملية انتقامية [أمر بها] بوتين، أكان بالنظر إلى طريقة التنفيذ أو إلى الاستفزازات والإهانات الأساسية [التي أوصلت إلى الحادثة].

والحال أن ما قام به بريغوجين في فيديوهاته التي اتسمت بلهجة [عدائية] تصعيدية التي هاجم فيها المؤسسة العسكرية الروسية، وبعد ذلك من خلال المسيرة الغريبة أو ليس كثيراً التي نظمها باتجاه موسكو في يونيو (حزيران) الماضي، كان يهدف إلى تعريض بوتين للسخرية. وجاء العقاب سريعاً نسبياً، كما الحال عادة عندما يكشف السياسيون أو الصحافيون أو الجواسيس السابقون عن حقائق مزعجة وغير مناسبة.

أما الأساليب المستعملة، فمتعددة ومتنوعة. ومن بينها التسميم وإطلاق النار وحوادث تحطم الطائرات، وصولاً إلى أبسط الأساليب على الإطلاق: السقوط الغامض من النافذة. وكانت [عمليات القتل هذه] تنفذ أحياناً بسرية ولكن في كثير من الأحيان الأخرى بشكل علني، لتكون رسالة حول المخاطر الناتجة من التحدي [والوقوف في وجه بوتين]. وللأمانة، بدأت عمليات القتل المستهدف قبل أن يتولى بوتين السلطة في عام 2000. ففي تسعينيات القرن الـ20، غالباً ما كانت حوادث من هذا القبيل تحمل توقيع قيادة الشيشان، أو كانت تأتي بنتيجة تصفية حسابات بين أفراد عصابات إجرامية (وأسيادهم السياسيين). وكل ما فعله بوتين هو جعل عمليات الاغتيال الحكومية تتوسع إلى نطاق أكبر.

لكن في بعض المرات القليلة والنادرة، قد تبوء هذه المهمة بالفشل، مثلما حصل مع نافالني وسيرغي سكريبال، الضابط السابق في جهاز المخابرات العسكرية الروسية GRU الذي تحول إلى جاسوس مزدوج بريطاني، الذي سمم في سالزبوري في مارس (آذار) 2018. وحينما يحدث أمر كهذا، يتعرض المسؤولون للتوبيخ العلني على الأخطاء التي ارتكبوها. وعثر على سكريبال وابنته على مقعد في حديقة بالقرب من مطعم بيتزا قصداه لتناول الغداء. وبعد أن وضعا في غيبوبة اصطناعية، نجيا من الموت بمعجزة.

 

 

وبعد ذلك، ظهر على التلفاز الروسي العميلان الروسيان اللذان اتهمتهما بريطانيا بتنفيذ الهجوم، مدعيين أنهما قصدا "المدينة الجميلة" لزيارة برج الكاتدرائية "الذي تعتبر من بين الأشهر في العالم". وحث ذلك السيدة التي كانت تجري المقابلة، وهي صاحبة المحطة ومقربة من بوتين، على ضبط نفسها كي لا تبدأ بالضحك. وبالتالي، يتبين بوضوح أن لحظات الشهرة الوجيزة هذه كانت مصممة لذلهما وإهانتهما.

ومن بين عمليات الاغتيال العديدة، تبرز بشكل لافت صورة واحدة، تعود لألكسندر ليتفيننكو، العميل السابق في جهاز الأمن السوفياتي "كي جي بي"، الذي كان من الناقدين المناهضين لبوتين. و[في هذه الصورة، تراه] يحدق من سريره في المستشفى قبل وفاته في نوفمبر (تشرين الثاني) 2006. وكان [ليتفيننكو] شرب فنجاناً من الشاي الأخضر المخلوط بالبولونيوم-210، وهو نظير نووي نادر وقوي، في أحد فنادق حي مايفير اللندني. وبالتالي، فإن [تداعيات] نجاح وفشل العمليات الحاصلة في الملأ سرعان ما تظهر إلى العلن: [وبهذه الطريقة]، تمت مكافأة أندريه لوغوفوي، أحد الروسيين اللذين زعمت بريطانيا أنهما نفذا الجريمة، عبر جعله عضواً في البرلمان.

أصبحت لندنغراد [مدينة لندن بصيغة روسية]، وهو الاسم الذي باتت تعرف به عاصمة بريطانيا، ومحيطها، من المواقع التي تشهد بانتظام على عمليات اغتيال. وسعى ألكسندر بيريبيليتشني إلى نيل لجوء في بريطانيا في عام 2009، بعد أن ساعد في تحقيق سويسري حول طرق روسية لتبييض الأموال. وبعد ثلاث سنوات، عثر عليه جثة بالقرب من منزله في مجمع خاص في ويبريدج، بمقاطعة سَري، بعد أن خرج لممارسة رياضة الجري. ومع أن الطبيب الشرعي لم يسجل أي عمل مشبوه، إلا أن وفاته أثارت التساؤلات، لا سيما لأنه لم يكن يعاني أية مشكلات صحية معروفة.

وبطريقة مماثلة، اتجهت الأنظار المستغربة إلى وفاة بوريس بيريزوفسكي في قصره، على مقربة من أسكوت، في مارس 2013. وعثر حارسه على جثمانه في حمام مقفل، مع حبل ملفوف حول عنقه. وكان بيريزوفسكي أوليغارشياً وعاملاً سياسياً استثنائياً، لعب دوراً محورياً في ترتيب صعود بوتين سياسياً، كونه هو من أقنع عائلة الرئيس العاجز بوريس يلتسين بأنه اختار رجلاً قادراً على قيادة البلاد نيابة عن النخبة.

وبعد أن نجح في هذه المهمة الأولى، استبعده تلميذه [بوتين] بطريقة [علنية] أثارت الذهول، ليتحول إلى شخصية معارضة وممتعضة أكثر من أي وقت مضى في المنفى. وكنت قابلته مرة واحدة عام 2006، عندما كنت مدير تحرير صحيفة "ذا نيو ستيتسمان" The New Statesman، إذ ترأست وليمة غداء كان مدعواً إليها. وكان [بيريزوفسكي] شخصاً جريئاً وفظاً، وكان أشبه بالدينامو المحبط، [ورأيت فيه] رجلاً عديم الأخلاق وبلا تحالفات ثابتة، قدم نظريات مثيرة حول ديناميكية السلطة الروسية. وبالنظر إلى واقع الأمور، يمكن اعتباره نسخة غير عسكرية من بريغوجين، ويجوز إدراجه تحت تصنيف "عدو عدوي"... علماً بأن الإرث التاريخي الوحيد الذي تركه هو معارضته لبوتين.

 

 

استطراداً، يحب الكرملين أن يظهر أنه لا مكان للاختباء [من العقاب]، لا في بلد، ولا في مجتمع محصن كفاية للاحتماء القتل. وفي بعض الأحيان، يحبذ [الكرملين] تنفيذ عملياته على مسافة أقرب [من باب الدار] داخل الوطن. وبالفعل، نفذ في فبراير (شباط) 2015 اغتيال بوريس نيمتسوف على جسر قريب من الكرملين، بينما كان يتنزه مع صديقته بعد العشاء، في ما اعتبر من أكثر عمليات الإعدام السياسي جرأة خلال عهد بوتين. وكان نيمتسوف حاكماً إقليمياً سابقاً ونائباً لرئيس الوزراء في عهد يلتسين، وأصبح شخصية معارضة بارزة. وقام بوتين بـ"بإشراف شخصي" على التحقيق، الذي أدى إلى سجن خمسة رجال من شمال القوقاز. وأغلق الملف.

وفي سياق متصل، أثار اغتيال الصحافية الاستقصائية آنا بوليتكوفسكايا موجة استنكار كبيرة. وحصل ذلك في مرحلة مبكرة من عهد بوتين، قبل أن تصبح حوادث من هذا النوع شائعة. وهي قتلت بإطلاق النار عليها في المصعد المؤدي إلى شقتها في موسكو في أكتوبر (تشرين الأول) 2006 بعد عودتها من السوبرماركت. والحال أن بوليتكوفسكايا أصبحت مستهدفة بسبب التقارير التي كانت تعدها عن انتهاكات حقوق الإنسان خلال الحرب الثانية في الشيشان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إليكم ملخص سريع عن بعض الحوادث الأخرى في روسيا وخلف حدودها:

توفي سيرغي ماغنيتسكي في السجن في عام 2009 بسبب أزمة قلبية تعرض لها بعد منعه من العلاج. وكان يعمل مع رجل الأعمال الأميركي المبعد [من روسيا] بيل براودر على الكشف عن الفساد على أعلى مستوياته. واليوم، أصبح قانون ماغنيتسكي المعتمد في عدد من البلدان يطبق لحظر [ومساءلة] الروس المتورطين في جرائم الدولة.

وفي عام 2009 أيضاً، عثر على ناتاليا إستيميروفا، المعلمة ورئيسة جمعية حقوق الإنسان "ميموريال" Memorial في الشيشان، ميتة في حفرة في جمهورية إنغوشيا [الروسية] المجاورة.

أما أرتيوم بوروفيك، الصحافي الروسي ذو الكاريزما والشعبية العالية، فتحطمت طائرته بعد شهرين فقط من بداية عهد بوتين. وكان برنامجه التلفزيوني "سري للغاية" استغل تيار التحرر في تسعينيات القرن الـ20 للكشف عن عدد من الملفات. وجراء ذلك، صنع لنفسه عدداً كبيراً من الأعداء.

 

 

ومن جهته، تعرض فيكتور يوشينكو، الذي كان في الماضي زعيم المعارضة الأوكرانية، للتسمم خلال حملته الانتخابية الرئاسية في عام 2004، إذ خاض المنافسة [الرئاسية] معرباً عن توجهات مؤيدة للغرب ضد المرشح المؤيد لموسكو، فيكتور يانوكوفيتش. وهو تعرض للتسمم أثناء تناوله العشاء. فتشوه وجهه وجسده - لكنه نجا. ومثل فوزه النهائي في تلك الانتخابات، وسط احتجاجات في الشوارع ضمن إطار "الثورة البرتقالية"، إحدى أبرز الخطوات الحاسمة نحو نيل أوكرانيا سيادتها.

وفي السنوات اللاحقة، أصبح السقوط من النوافذ اختياراً أكثر شيوعاً لإنهاء حياة الأشخاص. وفي أغسطس (آب) 2022، كان هذا مصير دان رابوبورت، المصرفي اللاتفي الأميركي الذي أقدم على انتقاد بوتين في واشنطن العاصمة. وقبل ذلك بخمس سنوات، حدث الأمر نفسه لشريكه في الأعمال في موسكو.

وكذلك، أصبح "تزييف حادثة انتحار" هو طريقة متزايدة في شعبيتها. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، وتحديداً في منتجع "يوريت دي مار" Lloret de Mar الإسباني، عثر على الأوليغارشي سيرغي بروتوسينيا ميتاً إلى جانب زوجته وابنته. وكانوا تعرضوا جميعاً للطعن، ووجد [بروتوسينيا] مشنوقاً.

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2020، سقط العالم المشارك في تطوير لقاح كوفيد ألكسندر كاجانسكي، من شقته في ناطحة سحاب في سان بطرسبورغ. وورد في تقرير الشرطة [آنذاك] أنه طعن نفسه ثم قفز. وشملت المواقع الأخرى [لعمليات التصفية] مدينة برلين (الخيار الشهير للمنشقين وجرائم القتل) ودولة الإمارات العربية المتحدة.

 

 

بالعودة لأيامنا الحاضرة، كان فلاديمير كارا-مورزا، وهو ناشط في المعارضة يحمل الجنسيتين الروسية والبريطانية، ضحية محاولتي تسميم باءتا بالفشل في عامي 2015 و2017، وكشف مختبر ألماني لاحقاً عن مستويات عالية من الزئبق والنحاس والمنغانيز والزنك في أعضائه. وتعافى [كارا-مورزا] وواصل عمله، وهو ما كلفه عقوبة بالسجن لمدة 25 عاماً في مارس 2023 - وهي مدة عقوبة أذهلت الجميع، حتى المراقبين المعتادين على أساليب الانتقام الروسية.

أما نافالني، فلم يكن مفترضاً أن يبقى على قيد الحياة. ففي أول محاولة [لتسميمه] في عام 2017، قام رجال غير معروفين برش صباغ أخضر على وجهه. وجراء الحادثة، فقد بصره جزئياً في عين واحدة. وفي عام 2020 أثناء حملة ترويجية أصيب بعارض صحي عنيف أثناء عودته بالطائرة من مدينة تومسك السيبيرية إلى موسكو. ويظهر الفيديو المأخوذ من هاتف مسافر صور المشهد أنه [أي نافالني] كان يصرخ من شدة الألم، حتى أن الطائرة التجارية نفذت هبوطاً اضطرارياً في مدينة أومسك القريبة. ولولا فطنة الطيار [وبراعته]، والفرق الطبية على الأرض، والأطباء الذين نقل إليهم في ألمانيا، لكان أصبح في عداد الأموات. وهو قضى خمسة أشهر نقاهة في برلين، لكنه اعتقل فور عودته لروسيا.

ويقبع [نافالني] اليوم في السجن ومن المتوقع أن يبقى مسجوناً لسنوات عديدة بعد. ومع ذلك، فهو لا يزال متمرداً. والملفت أنه عندما كان في ألمانيا، تمكن في أحد الأفلام العديدة التي أعدها لفضح بوتين ومحيطه، من مقابلة [عبر اتصال هاتفي] أحد العناصر الذين أرسلوا لتسميمه. فكم كان ذلك مضحكاً، ومرعباً - ومثيراً للذهول.

يصدر كتاب جون كامبفنر، بعنوان "بحثاً عن برلين" In Search of Berlin، في الخامس من أكتوبر المقبل

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير