Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

 محكمة روسية تأمر بحل منظمة "ميموريال"

وثقت مراحل القمع في موسكو من ستالين إلى بوتين

أمرت المحكمة الروسية العليا اليوم الثلاثاء بحل منظمة "ميموريال"، أبرز مجموعة حقوقية في البلاد وثقت عمليات تطهير نفذت في عهد ستالين، واعتبرت رمزاً لإرساء الديمقراطية بعد انتهاء النظام السوفياتي.

وأتى القرار في ختام سنة شهدت قمعاً متعاظماً لأفراد ومنظمات غير حكومية ووسائل إعلام تعتبر منتقدة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحاكم منذ 22 عاماً تقريباً. وقالت القاضية آلا نازاروفا إنها "أيدت طلب النيابة العامة لحل ميموريال إنترناشونال ومكاتبها في المناطق وهيئاتها الأخرى".
وعللت قرارها على خلفية خرق المنظمة تصنيفها على أنها "عميل أجنبي" لعدم وضعها علامة على جميع منشوراتها بناء على ما ينص عليه القانون. ويعتبر قانون "العملاء الأجانب"، الذي يذكر بحقبة ستالين، أن المنظمات التي تحصل على تمويل أجنبي تعمل بشكل يتعارض مع مصالح روسيا.
وقالت محامية الدفاع ماريا إيسمونت "هذا قرار مسيء وظالم وضار لبلادنا". وبعد تلاوة نص الحكم هتف أشخاص عديدون في قاعة المحكمة "عار، عار!"
 
استئناف
 
وعبر المحامون عن موقفهم بعد ذلك أمام المحكمة مؤكدين أنهم سيستأنفون الحكم. بعد ذلك حض عناصر الشرطة أنصار المنظمة غير الحكومية والصحافيين إلى مغادرة جوار مبنى المحكمة. وقد أوقف ما لا يقل عن ستة أشخاص قبل صدور الحكم وبعده على ما أفاد صحافيو وكالة الصحافة الفرنسية.
وقالت المصممة آنا فيالكينا (29 سنة) وهي تكاد تبكي "أشعر بضيق فعلي. أنا أنتمي لعائلة تعرضت للقمع في السابق وقد أثر ذلك فيَّ". وأضاف الكاتب ليونيد باخنوف (73 سنة) "هذه مأساة للمجتمع المدني، كانت المنظمة الوحيدة التي تساعد الناس على معرفة مصير أقاربهم".
ولاحقاً، تعهدت "ميموريال" إيجاد "سبل قانونية" لمواصلة أنشطتها، وقالت في بيان إن "ميموريال ليست منظمة ولا حتى حركة اجتماعية. ميموريال تمثل حاجة مواطني روسيا إلى معرفة حقيقة ماضيها المأساوي ومصير ملايين من الأشخاص. ولا يمكن لأحد (القضاء على) هذه الحاجة".
وتتهم السلطات "ميموريال إنترناشونال" بتشويه ذكرى الاتحاد السوفياتي وانتصاراته وإعادة الاعتبار "للمجرمين النازيين"، فيما قال أحد المدعين إن ميموريال "ترسم صورة زائفة للاتحاد السوفياتي كدولة إرهابية وتشوه ذكرى الحرب العالمية الثانية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

ويمثل قرار المحكمة المبرم الذي لا يمكن استئنافه أمام محكمة في روسيا، أكبر ضربة تتعرض لها المنظمة التي أسسها معارضون للحكم السوفياتي عام 1989 بينهم أندريه ساخاروف، الحائز جائزة نوبل للسلام.
وتعد "ميموريال" هيئة فضفاضة مكونة من منظمات مسجلة محلياً، فيما تحتفظ "ميموريال إنترناشونال" بأرشيفات الشبكة الواسعة في موسكو وتنسق عملها.
أمضت المجموعة سنوات في توثيق فظائع ارتكبت في الحقبة السوفياتية خصوصاً في شبكة من معسكرات الاعتقال السوفياتية "الغولاغ".
وتعد الخطوة ضد "ميموريال" الأخيرة ضمن حملة أمنية تنفذها السلطات الروسية في حق المعارضين سجن في إطارها المعارض الأبرز للكرملين أليكسي نافالني وحظرت منظماته. كذلك طالت الحملة وسائل إعلام مستقلة ومجموعات حقوقية.
لكن الخطوة ضد "ميموريال إنترناشونال" تبدو فريدة حتى في ظل المناخ السياسي الحالي. ويقول أنصارها إن إغلاقها يطوي صفحة حقبة إعادة الديمقراطية في روسيا ما بعد الحكم السوفياتي، التي سيمر عليها 30 عاماً هذا الشهر.
وقالت إحدى مناصريها وتدعى ماريا بيروكوفا إن روسيا تحتاج إلى "ميموريال" لضمان عدم تكرار البلاد أخطاء الماضي.
 
إشادة غربية
 
تحقق "ميموريال" التي يشيد الغرب بدورها ورصانتها منذ أكثر من ثلاثين عاماً في حملات التطهير السوفياتية وتدافع عن حقوق السجناء السياسيين والمهاجرين وغيرهم من الفئات المهمشة، فيما أضاءت على الانتهاكات، خصوصاً تلك التي ارتكبت في منطقة شمال القوقاز المضطربة التي تضم الشيشان.
وكانت النيابة العامة طلبت مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي حل "ميموريال"، متهمة إياها بانتهاك "ممنهج" لواجباتها الإدارية المرتبطة بتصنيفها "عميلاً أجنبياً".
وتشكل "ميموريال" إحدى آخر الضحايا ضمن قائمة المنظمات غير الحكومية والمعارضين ووسائل الإعلام التي تعرضت لملاحقات في الأشهر الأخيرة.
وصنف عشرات الأشخاص والمنظمات غير الحكومية المدافعة عن حقوق الإنسان وأقليات جنسية ووسائل إعلام مستقلة "عملاء أجانب" أو اتهموا بالتطرف. وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشهر الحالي إن "ميموريال" تدافع عن "المنظمات الإرهابية والمتطرفة".
وتأتي المحاكمات بعدما حجبت روسيا موقع منظمة "أو في دي-إنفو" الحقوقية، المتعاونة مع "ميموريال"، نهاية الأسبوع متهمة إياها بالترويج للإرهاب والتطرف.
عملت "أو في دي-إنفو" على رصد تظاهرات المعارضة وقدمت الدعم القانوني لضحايا الملاحقات، فيما جمعت "ميموريال" قائمة بأسماء السجناء السياسيين تشمل نافالني.
وأفاد فريق نافالني بأن السلطات اعتقلت مديري مكاتب منظمته في منطقتي إركوتسك وتومسك في سيبيريا زاخار سارابولوف وكسينيا فادييفا، علماً أن الأخيرة نائبة في البرلمان المحلي أيضاً.
ونددت الأمينة العامة لمجلس أوروبا ماريا بتشينوفيتش بحل "ميموريال"، وقالت في بيان "يبدو أن روسيا الاتحادية تبتعد أكثر فأكثر من معاييرنا وقيمنا الأوروبية المشتركة"، مؤكدة أن "وجود منظمات المجتمع المدني وتطورها هما ركنان أساسيان في أي ديمقراطية أوروبية".
بدوره، أعرب وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان عن "استيائه" و"قلقه" بعد قرار القضاء الروسي حل المنظمة، وقال في بيان إن "حل ميموريال الدولية يشكل خسارة رهيبة للشعب الروسي، الذي من حقه الإفادة من معرفة صحيحة لماضيه ومن مجتمع يقوم على القيم الأساسية التي يحمل مجلس أوروبا لواءها".

توثيق

وثقت المنظمة غير الحكومية الروسية "ميموريال" على مدى ثلاثة عقود عمليات التطهير الستالينية ومن ثم عمليات القمع في روسيا المعاصرة في عهد فلاديمير بوتين، قبل أن تصبح هي نفسها ضحية لذلك.

وبتصفيتها، يبدو أن سلطات بوتين تريد توجيه ضربة قاضية إلى المنظمة التي تشكل رمزاً لإرساء الديمقراطية في تسعينيات القرن الماضي. وقد جاء في نهاية 2021 العام الذي تميز بقمع واسع لمنتقدي الكرملين.
وطوال ثلاثة عقود، لم تكف "ميموريال" عن مناشدة الكرملين ودعوته إلى التحرك، ما أثار عداء العديد من المسؤولين وأعمالاً انتقامية وصل بعضها إلى الاغتيال.
ومن الجرائم الستالينية إلى الانتهاكات في الشيشان، كانت المنظمة التي أسسها في 1989 منشقون سوفيات بينهم أندريه ساخاروف حائز جائزة نوبل للسلام، موثوقاً بها عبر تحقيقاتها الدقيقة.
في أحد تحقيقاتها الأخيرة في مارس (آذار) الماضي، حددت المنظمة غير الحكومية ثم قدمت شكوى ضد أفراد في القوات شبه العسكرية الغامضة "فاغنر" اتهمتهم بارتكاب جرائم حرب في سوريا. ويقول الغرب ومنتقدو "فاغنر" إن هذه تعمل لحساب الكرملين.
في الوقت نفسه، وضعت "ميموريال" لائحة بالسجناء السياسيين وقدمت لهم المساعدة كما فعلت مع المهاجرين والأقليات الجنسية. عرفت المنظمة في الغرب حيث أصبح لها مكانة كبيرة، خصوصاً بسبب عملها في الشيشان، الجمهورية الروسية الواقعة في القوقاز التي شهدت حربين. وقد منحت جائزة ساخاروف من البرلمان الأوروبي في 2009.
وخلال حربي الشيشان في تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين كان طاقم "ميموريال" منتشراً على الأرض لتوثيق انتهاكات الجنود الروس ومساعديهم المحليين.
وقالت المؤرخة إيرينا تشيرباكوفا، وهي من مؤسسي المنظمة، لوكالة الصحافة الفرنسية إن "السلطة كرهت ذلك دائماً".
في 2009 خطفت رئيسة المنظمة غير الحكومية في الشيشان ناتاليا إستيميروفا في وضح النهار وقتلت برصاصة في رأسها في غروزني. ووصف الزعيم الشيشاني المستبد رمضان قديروف الذي اتهم بهذا الاغتيال، أعضاء "ميموريال" في المقابل بأنهم "أعداء الشعب".
في 2018، دفعت قضية جديدة المنظمة غير الحكومية إلى الانسحاب من الشيشان (إدانة مسؤولها المحلي أيوب تيتياف في قضية مخدرات وصفت بعد ذلك بأنها مفبركة).
يقول مؤسسو المنظمة إنها بدأت أنشطتها قبل وقت طويل من إنشائها رسمياً في 1989. وكان هدفها بعد ذلك هو إعطاء اسم وتكريم ملايين الضحايا المنسيين للقمع السوفياتي ومعسكرات الأشغال الشاقة (الغولاغ).
في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته، بدأ الناشطون جمع معلومات سراً عن هذه الجرائم ثم خرجوا إلى العلن بعد "بيريسترويكا" الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف.
وقالت المؤرخة نفسها "ميموريال وارثة حركة ثم تنظيم لم يكف عن الصراخ بصوت عالٍ، وواضح أن زوال ذكرى الديكتاتورية من الضمير الجماعي أمر خطير جداً".
مع تولي بوتين السلطة في 2000، أصبحت هذه المهمة تزداد صعوبة، لأن الكرملين يدافع عن تفسير تاريخي يمجد القوة الروسية ويقلل من شأن الجرائم السوفياتية.
اقرأ المزيد

المزيد من الأخبار