Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف عبرت أوروبا أزمة وقف الغاز الروسي؟

فقدت موسكو على الأرجح ما كانت تتمتع به من نفوذ خلال وقت يتوقع للأسعار أن تكون أقل 50 في المئة عما كانت عليه العام الماضي

 أسوأ سيناريو لأسعار الغاز لا يتجاوز 118.7 دولار لكل ميغاوات في الساعة العام المقبل (رويترز)

ملخص

 40 في المئة من استهلاك أوروبا من الغاز كان يأتي من روسيا قبل الحرب في أوكرانيا.

عبرت أوروبا أزمة الغاز بنجاح بعد عام ونصف العام من وقف الإمدادات الروسية إلى القارة، إثر اندلاع الحرب بين موسكو وكييف في فبراير (شباط) 2022، وسقطت رهانات بعضهم على شتاء أوروبي لا يرحم في غياب المورد الحيوي الذي كان مصدراً رئيساً لتزويد منطقة اليورو بـ 40 في المئة من حاجاتها منه كقطع الشطرنج، وإن لم يخلو الأمر من كلفة باهظة في فواتير الطاقة كانت محركاً لضغوط تضخمية لاحقة.

وبدا الحل من وجهة النظر الأوروبية أشبه بمثلث بثلاثة أضلاع، كما تضمنته خطة المفوضية الأوروبية المعروفة باسم "REpowerEU" كأساس للتخلص من النفوذ الروسي في قطاع الطاقة، اعتماداً على الحد من استهلاك الطاقة وتوليد مزيد من الطاقة المتجددة والحفاظ على مستويات عالية من التخزين بحلول عام 2023.

وأرادت أوروبا على ما يبدو أن تمحو خطيئة الماضي حين اعتمدت لأعوام على روسيا في تأمين قرابة نصف حاجاتها من الغاز قبل الحرب، واليوم بفضل سلسلة من التدابير والاستثمارات أصبحت أوروبا أقل عرضة لتحديات إمدادات الغاز عما كانت عليه أوائل عام 2022، ومن أبرزها زيادة سعة تخزين الغاز وتنويع الإمدادات مع إعطاء دور أكبر للغاز الطبيعي المسال وزيادة حصة الطاقة المتجددة في مزيج الكهرباء إلى جانب دعم الوقود النظيف مثل الهيدروجين، مما قلص فرص مواجهة القارة خطر ارتفاع أسعار الغاز كما كانت عليه الصيف الماضي مرة أخرى.

وكان منع نقص الغاز رأس الحربة في الاستراتيجية الأوروبية وهو ما يتطلب وجود مخازن كافية، وحالياً تبدو سعة التخزين في أوروبا ممتلئة بالفعل بنسبة 87 في المئة، بحسب بيانات "ريفينيتيف"، في أعلى معدل للتعبئة منذ عام 2015، مما يخلق شعوراً بالراحة قبيل فصل الشتاء المقبل.

سعر باهظ

وخلال الصيف الماضي بلغ السعر المستقبلي للغاز TTF ذروته عند 311 يورو (335.7 دولار) تقريباً لكل ميغاوات في الساعة، وهو أضعاف ما كان شائعاً في السابق، ومن حسن الحظ أن أسعار الغاز تراجعت لمستويات يمكن احتمالها، ومما ساعد في ذلك هو أن الشتاء كان دافئاً نسبياً وكانت الصين لا تزال في حال إغلاق ولذلك كان الطلب على الغاز أقل.

وأشارت مذكرة بحثية حديثة للبنك الهولندي "إيه بي أن أمرو" إلى أن أوروبا خلال الشتاء المقبل تبدو في حال أفضل، وأن خطر ارتفاع الأسعار مرة أخرى محدود إلى حد ما حتى لو كان هذا الشتاء أكثر برودة من الشتاء السابق.

وتسرد المذكرة أنه في غياب خطوط أنابيب الغاز من الموردين الجدد يصل الغاز في الغالب إلى أوروبا في شكل مسال خلال الوقت الحاضر، وقبل أن يصبح الغاز الطبيعي المسال متاحاً بسهولة للعميل النهائي فهناك حاجة إلى معالجة إضافية وأكثر كلفة.

 

وبعد الحرب الروسية مباشرة كانت القدرة على إعادة تحويل الغاز إلى غاز غير موجودة، وتم الآن علاج هذه المشكلة إلى حد كبير، فعلى سبيل المثال وبحلول نهاية هذا العام سيكون لدى ألمانيا ضعف عدد محطات إعادة الـ "تغويز" البحرية عما كانت عليه بداية هذا العام.

ويجعل الغاز الطبيعي المسال أوروبا أقل اعتماداً على روسيا كما يوفر مزيداً من الأمن للإمدادات، ومن ثم تصبح تقلبات الأسعار العنيفة أقل احتمالاً للحدوث، وفي الوقت نفسه فإن سوق الغاز المسال هي سوق دولية تتأثر بالأحداث العالمية في جانب العرض أو الطلب، وخلال الآونة الأخيرة انتعشت الأسعار بسبب الإضرابات المحتملة في شركات الغاز الأسترالية، وعلى رغم أن أوروبا نادراً ما تشتري أي غاز من أستراليا إلا أن التهديد ببدء الدول الآسيوية في التنافس مع الطلب على الغاز من أوروبا كان سبباً كافياً لارتفاع أسعار الغاز الأوروبية.

التنويع والطاقة المتجددة

وإلى جانب تنويع موردي الغاز فقد التزمت أوروبا بالاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، إذ تسهم الاستثمارات في الطاقة الشمسية والرياح في أمن الطاقة للقارة لتصبح أكثر استقلالية واكتفاء ذاتياً على المدى الطويل، وعلاوة على ذلك تسهم الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة في تحقيق الطموحات المناخية.

وبسبب ارتفاع أسعار الطاقة وتحسين كفاءة الألواح الشمسية وتوربينات الرياح فإن القطاع الخاص مهتم للغاية بهذا النوع من الاستثمارات، ومن المفترض أن يكون إجمال الاستثمارات خلال الفترة بين عامي 2021 و2023 قادراً على تحقيق وفورات تصل إلى 100 مليار يورو (107.9 مليار دولار)، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.

ووفق المذكرة البحثية فقد ارتفعت حصة مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة داخل هولندا إلى أكثر من سدس الإجمالي، كما أن إسبانيا وألمانيا وإيرلندا تسير على الطريق الصحيح للوصول إلى حصة 40 في المئة بحلول عام 2024، وستمكن هذه الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة من تحقيق مزيد من خفوض استهلاك الغاز.

وحاولت أوروبا أيضاً معالجة مشكلة الغاز لديها من جانب الطلب من خلال توفير الطاقة، وحدد الاتحاد الأوروبي لنفسه هدف خفض استهلاك الغاز بنسبة 15 في المئة خلال الفترة من أغسطس (آب) 2022 إلى أبريل (نيسان) 2023 مقارنة بمتوسط مستوى الاستهلاك خلال الأعوام الخمسة السابقة، وتشير أحدث البيانات إلى أن هذا الهدف قد تم تحقيقه بأكثر من اللازم.

كما تلفت المذكرة إلى أنه خلال الربع الأول من هذا العام انخفض استهلاك الغاز 18 في المئة عما كان عليه خلال الفترة المرجعية، ويرجع ذلك جزئياً إلى التوافر المتزايد للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، أما بالنسبة إلى الأسر والشركات فقد انخفض استهلاك الطاقة إلى 19 في المئة، ودفعت هذه النجاحات الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ قرار بتمديد برنامج توفير الطاقة.

ترشيد استهلاك الأسر

ويتطلب توفير الطاقة تعديل سلوك الأسر وهو أمر صعب، ولكن خلال العام الماضي تم تحقيق كثير من ذلك حيال هذا الصدد، ويرجع ذلك جزئياً إلى خطر ارتفاع فواتير الطاقة، إذ لقيت حملات رفع الوعي من طريق خفض درجة الحرارة درجة واحدة والاستحمام لفترات أقصر واستخدام مصابيح LED واستبدال الأجهزة القديمة بأجهزة أكثر كفاءة صدى جيداً، وإضافة إلى ذلك تم تحقيق توفير الطاقة من خلال عزل المنازل وتركيب المضخات الحرارية على نطاق واسع، كما تبين أن استعداد الشركات لتوفير الطاقة والتحول إلى مصادر طاقة أكثر استدامة مرتفع، وعلى سبيل المثال فقد قامت الشركات استجابة لصدمة الأسعار بتعديل أساليب إنتاجها من خلال نقل الأنشطة كثيفة الاستهلاك للطاقة إلى مواقع إنتاج أكثر كفاءة.

ويعتقد الباحثان معتز التغلبي وفيليب بوكيلو من "البنك الهولندي" أن أوروبا حققت تقدماً كبيراً خلال العام الماضي ونجحت في ردم الفجوة التي خلفها انخفاض واردات الغاز من روسيا إلى حد كبير من قبل موردين آخرين، وبالاستعانة بمخازن الغاز الكافية مع ارتفاع كمية الطاقة المولدة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بشكل مطرد، فقد انخفض استهلاك الغاز مع استخدام الطاقة بشكل أكثر كفاءة، لكن على رغم ذلك فليس هناك ما يضمن بقاء أسعار الغاز منخفضة، ذلك أن روسيا لا تزال مسؤولة عن ثمن واردات الاتحاد الأوروبي، وإذا قررت موسكو فجأة إغلاق صنبور الغاز فسوف تواجه أوروبا مشكلة بالفعل، كما يقولان، فأوروبا حالفها الحظ العام الماضي في ظل طلب آسيوي منخفض على الغاز بسبب إجراءات الإغلاق في الصين، لكن مع تعافي الاقتصاد الصيني بدأ الطلب في الارتفاع مرة أخرى.

الطبيعة حارساً

ويشير الباحثان أيضاً إلى أمر آخر ساعد أوروبا في استيعاب صدمة وقف الإمدادات الروسية، وهو أن الشتاء الماضي كان أكثر دفئاً عما كان عليه خلال الأعوام الخمسة الماضية مما أدى إلى انخفاض الطلب سبعة في المئة، وهو ما يعني طلباً أعلى على الغاز في حال كانت درجات الحرارة الشتوية طبيعية، لكنهما يستدركان بأن هناك أموراً تدعم استراتيجية أوروبا في خفض اعتمادها على الغاز الروسي، وأبرزها أنه ليس من مصلحة موسكو فرض مزيد من القيود على الصادرات طالما لا يوجد خط أنابيب للغاز إلى الصين، إضافة إلى أن أحدث البيانات الواردة من الصين لا تشير إلى انتعاش قوي في الاقتصاد، بل على العكس من ذلك لا يزال الاقتصاد يعاني الضعف كما في قطاع البناء.

ويشير التغلبي وبوكيلو أيضاً إلى المحطات النووية في فرنسا، إذ كانت تعمل بمستوى منخفض بينما كانت أعمال الصيانة جارية، والآن تجاوزت هذه التحديات إلى حد كبير وأصبح بوسعها أن توفر مزيداً من الطاقة مرة أخرى.

وتعمل هذه المحطات في الغالب على اليورانيوم من النيجر، ومنذ الانقلاب العسكري في نيامي أصبحت الإمدادات إلى باريس أقل ضماناً، ومع ذلك قامت فرنسا خلال الأعوام الأخيرة بالحصول على اليورانيوم بشكل متزايد من بلدان أخرى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويلفت الباحثان إلى مصدر آخر محتمل لإمدادات الطاقة يأتي من الطاقة الكهرومائية، إذ كانت مستويات المياه منخفضة في أوروبا العام الماضي، ونتيجة لذلك أنتجت طاقة أقل بمقدار الخمس من المعتاد، في حين تظهر فترات الجفاف والأمطار الغزيرة هذا الصيف أن تغير المناخ له تأثيره أيضاً هذا العام، ولكن بافتراض عودة الظروف الجوية لطبيعتها فمن المرجح أن يشهد توليد الطاقة الكهرومائية مزيداً من الانتعاش مما يعوض جزئياً أي طلب إضافي على الغاز بسبب فصل الشتاء البارد.

سيناريوهات أسوأها جيد

ولجأت بعض البلدان الأوروبية في الآونة الأخيرة إلى بديل غير مرغوب فيه من منظور المناخ وهو الفحم، فبعد مشكلات إمدادات الغاز من روسيا قررت بعض الدول الأوروبية إبقاء محطات الفحم مفتوحة لفترة أطول مما كان مخططاً له في السابق، وكان هذا إجراء بسيطاً نسبياً نظراً إلى أن الطاقة الإنتاجية كانت موجودة بالفعل، ومع ذلك فلن يكون من الحكمة التمسك بهذا الإجراء الموقت لفترة طويلة، فهو أمر سيئ للبيئة ومن شأنه أن يلحق الضرر بالصدقية الدولية لطموحات أوروبا المناخية.

ويظل الحذر قائماً من جانب "البنك الهولندي" في تقديره للأسعار المتوقعة للغاز، ففي أفضل سيناريو يتوقع أن يسجل متوسط سعر الغاز TTF نحو 55 يورو (59.3 دولار) لكل ميغاوات في الساعة للنصف الثاني من 2023، و60 يورو (64.7 دولار) ميغاوات في الساعة لعام 2024، بينما في السيناريو السلبي الذي يتضمن افتراضاً بتجميد روسيا جميع الصادرات إلى أوروبا فإن من المتوقع تسجيل متوسط سعر للعام المقبل عند 110 يوروات (118.7 دولار) لكل ميغاوات في الساعة خلال النصف الثاني من عام 2023 و150 يورو (161.9 دولار) لكل ميغاوات في الساعة عام 2024.

ومع خروج روسيا إلى حد كبير من جانب العرض فإن سوق الغاز الأوروبية أصبحت أكثر إحكاماً من ذي قبل، ويبدو أن الصدمة الأولى إثر وقف إمدادات الغاز الروسية قد استوعبتها أوروبا على نحو جيد العام الماضي، كما أن أسوأ السيناريوهات المتوقعة لأسعار الغاز في أوروبا أقل بنحو النصف مما شهدته الأسعار العام الماضي.

المزيد من البترول والغاز