Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هذا ما سينتج عن توقف الغاز الروسي عن المصانع الأوروبية

أزمة الطاقة تلحق ضرراً بالغاً بالشركات ومستوى الإنتاج في 2022

قد لا تتمكن أوروبا من الوصول مرة أخرى إلى الغاز الروسي الرخيص الذي ساعدها في التنافس مع  أميركا بالموارد (أ ف ب)

ازدهرت الصناعة الأوروبية لعقود من الزمن بفضل الإمداد الثابت للغاز الروسي الرخيص الذي تدفق من دون انقطاع طوال الحرب الباردة وأوقات التوتر الأخرى بين موسكو والغرب، ومنذ اندلاع الحرب على أوكرانيا استخدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مخزون البلاد الهائل من الطاقة كسلاح لتقويض الدعم المقدم لكييف، وقام بإغلاق الصنابير عن أكبر خط أنابيب للغاز الطبيعي "نورد ستريم" بالكامل هذا الشهر. ودفع هذا التأثير أوروبا إلى حافة الركود، ويهدد بإلحاق ضرر دائم بأعمال التصنيع. على عكس الولايات المتحدة اعتمدت أوروبا على التصنيع والصناعات الثقيلة للحفاظ على اقتصادها متقلباً في العقود الأخيرة، ويأتي الجزء الأكبر من اقتصادها من شركات مثل شركات صناعة الصلب ومنتجي المواد الكيميائية وصناع السيارات.

وكانت أزمة الطاقة في أوروبا تركت عدداً قليلاً من الشركات من دون مساس، من صناعة الصلب والألمنيوم إلى السيارات والزجاج والسيراميك والسكر وصانعي ورق التواليت، فيما تقوم بعض الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل قطاع المعادن بإغلاق المصانع التي يقول محللون ومديرون تنفيذيون إنها قد لا يعاد فتحها أبداً، مما يعرض آلاف الوظائف للخطر. 

والسؤال هو ما إذا كان الألم الحالي موقتاً أو يمثل بداية حقبة جديدة من تراجع التصنيع في أوروبا، الاتحاد الأوروبي من جانبه جاب أنحاء العالم بحثاً عن إمدادات غاز بديلة، وأبرم صفقات لشراء الغاز من الولايات المتحدة وقطر وأماكن أخرى، ولكن قد لا تتمكن القارة العجوز من الوصول مرة أخرى إلى الغاز الروسي الرخيص الذي ساعدها في التنافس مع الولايات المتحدة الغنية بالموارد وتعويض تكاليف العمالة المرتفعة وقواعد التوظيف الصارمة واللوائح البيئية الصارمة. 
في مدينة سيار ناد هرونوم في سلوفاكيا بني مصنع للألمنيوم عمره 70 سنة، يزود صانعي قطع غيار السيارات في جميع أنحاء القارة، ويخشى بعضهم هناك على مستقبلهم المالي. وقال ميلان فيسيلو الذي عمل طوال حياته البالغة على خطى والديه في شركة" سلوفالكو" التي تمتلك أغلب أسهمها "نورسك هايدرو" الشركة النرويجية للألمنيوم والطاقة المتجددة، إنه "ربما تكون هذه نهاية إنتاج المعادن في أوروبا".
 

تقلب أسعار الكهرباء  

وتعتبر "سلوفالكو" من بين الشركات المتضررة من تقلب أسعار الكهرباء في جميع أنحاء أوروبا بسبب انخفاض الإمدادات الروسية من الغاز المولد للطاقة، لسنوات كان المصنع أكبر مشتر للطاقة في سلوفاكيا إلى حد بعيد، إذ يستهلك تسعة في المئة من كهرباء البلاد معظمها من الطاقة النووية. وقبل أن تبدأ أسعار الطاقة بالارتفاع العام الماضي، دفعت شركة "سلوفالكو" حوالى 45 يورو (.545 دولاراً) لكل ميغاواط / ساعة من الطاقة. وفي عام 2022 دفعت حتى الآن 75 يورو (75.9 دولاراً) في صفقة تم التوصل إليها العام الماضي.

وفي حين أدى تقليص عمل المصانع وإغلاقها إلى توفير الوقود في سعي أوروبا إلى خفض الطلب، إلى جانب البحث عن إمدادات غير روسية، مكن ذلك الاتحاد الأوروبي من توفير كمية كافية من الغاز لملء أكثر من 80 في المئة من طاقته التخزينية، وهو ما يكفي على الأرجح لبدء الربيع من دون حصص تفرضها الحكومة حتى لو قطع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الإمدادات إلى الصفر، كما يقول محللون. 

إبطاء وإغلاق المصانع الأوروبية 

كما أن الحكم الذي أصدرته معظم الحكومات هو أن إبطاء المصانع وإغلاقها الآن أفضل من قطع الكهرباء عن المستشفيات والمدارس خلال فصل الشتاء، إذ استهلكت أوروبا غازاً أقل بنسبة 10 في المئة من المتوسط ​​في أغسطس (آب) الماضي، وفقاً لشركة بيانات السلع (ICIS) ويهدف الاتحاد الأوروبي إلى خفض الطلب بنسبة 15 في المئة. 

وتأتي عمليات إغلاق المصانع بكلفة مدمرة، إذ تقول الشركات العاملة في الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة إنها تواجه الإفلاس هذا الشتاء من دون دعم حكومي. كما بدأت سلاسل التوريد المعقدة في قطاعات مثل صناعة السيارات والمواد الغذائية بالتلاشي، مما زاد من الضغوط التضخمية تماماً في وقت تظهر الأزمات الوبائية علامات على التراجع. 
وخفضت شركة الأسمدة النرويجية العملاقة "يارا إنترناشيونات إيه إس إيه" التي تستخدم الغاز كمكون في إنتاج الأمونيا المعزز للمحاصيل بنسبة 65 في المئة عبر مصانعها الأوروبية. 

ولم تجدد شركة "سلوفالكو" عقداً للطاقة لعام 2023 الذي كان سيكلف 2.5 مليار يورو (2.53 مليار دولار) في الذروة الأخيرة في أسواق الطاقة. ويعمل فيسيلو مدير المصنع على إنهاء إنتاج المعادن الأولية، تاركاً عملية إعادة تدوير صغيرة، كما أنه يقوم بفصل 300 عامل من أصل 450. وقال لـ "وول ستريت جورنال" إن "تقلب أسعار الكهرباء هذه الأيام... إنه جنون... هذه هي الطريقة التي نقتل بها الصناعة بالفعل". 

وقال مايكل شلاوج المدير العام لمنشأة سلويسكيل التابعة لشركة يارا في هولندا التي أوقفت المصنع الثاني من أصل ثلاثة مصانع للأمونيا في أواخر أغسطس، "نفكر في أشياء لم نجرؤ على التفكير فيها قبل عام". ويقوم المهندسون بإعادة ضبط الآلات لاستيعاب الأمونيا المستوردة ذات المحتوى المائي العالي، إذ تتحول المنشأة إلى شحنات من الولايات المتحدة وجمهورية ترينيداد وتوباغو (جنوب البحر الكاريبي) وأماكن أخرى لاستبدال المنتجات التي صنعتها سابقاً. 

فيما تقوم شركة الأسمدة الهولندية (أو سي آي إن في) باستيراد مزيد من الأمونيا عبر روتردام. وتخطط لمضاعفة طاقتها في الميناء ثلاث مرات بحلول العام المقبل وتوسع منشأتها في بومونت بولاية تكساس لإنتاج الأمونيا التي يمكن نقلها إلى أوروبا وآسيا. 

وقال الرئيس التنفيذي للشركة أحمد الحوشي للصحيفة عن تكاليف الطاقة، "هذا يرجح كفة الميزان حقاً لصالح الولايات المتحدة". 

وسيؤدي تقليص القدرة الصناعية لأوروبا إلى تعميق الاعتماد على المواد والأجزاء المصنوعة في الخارج في وقت تسعى فيه الحكومات إلى جعل سلاسل التوريد للطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية والأسلحة العسكرية أقرب إلى الوطن. 

إنتاج المعادن وإعادة التدوير 

ويقف منتجو المعادن الذين يحتاجون إلى قوة كبيرة لتفكيك وتشكيل روابط كيميائية، في مقدمة الأزمة مع زيادة أسعار الكهرباء أكثر من الضعف هذا العام، وكانت الزيادة مدفوعة بأسعار الغاز المرتفعة، والمشكلات في الأسطول النووي الفرنسي من محطات الطاقة وانخفاض توليد الطاقة الكهرومائية. 

وستقوم شركة "آرسيلور ميتال" وهي واحدة من أكبر شركات تصنيع الحديد والصلب في العالم اليوم، بإغلاق الفرن العالي في بريمن الألمانية وما يسمى بمصنع الاختزال المباشر في هامبورغ الذي ينتج الحديد الإسفنجي المستخدم في صناعة الفولاذ الخام. وفي ألمانيا خفضت شركة "آرسيلور ميتال" بالفعل الطلب على الغاز بنحو 40 في المئة، مقارنة بما تخطط لاستهلاكه في بداية العام. 

وقال راينر بلاشيك الرئيس التنفيذي لأعمال الشركة في ألمانيا، "لم نشهد قط مثل هذه الاضطرابات في أسعار الطاقة". وأضاف أن "كل ما يرتبط بالتقلبات الهائلة على المدى القصير هو بالنسبة إلينا كمشروع تجاري بعبارة ملطفة سم نقي"، وتابع بلاشيك "عليك إعادة اختراع سلسلة إمداد الطاقة بأكملها أثناء التنقل". 

وتشتري شركة "آرسيلور ميتال "الألمانية الحديد الإسفنجي من الولايات المتحدة بدل تصنيعه محلياً باستخدام الغاز، كما نفدت مخزونات الزنك تقريباً في الاتحاد الأوروبي، مما دفع العملاء إلى استيراد المعادن من الصين، وفقاً لمجموعة "لوبي" صناعة المعادن "يوروميتاكس". ويقول المحللون إن الإنتاج الأوروبي من الألمنيوم الأساسي يتلاشى، مما يترك القارة مع عمليات إعادة التدوير التي تنتج معادن مناسبة للصناعات مثل التعبئة والتغليف، ولكن ليس لمحاور العجلات أو الفرامل أو أجزاء الطائرات. 

مصاهر الألمنيوم وتجديد عقود الطاقة 

في حين تجد مصاهر الألمنيوم نفسها غير قادرة على تجديد عقود الطاقة الخاصة بها، وبخاصة أن الشركات تحتاج إلى 15 ميغاواط / ساعة من الطاقة لإنتاج طن متري من الألمنيوم الأساسي، بكلفة 9000 يورو (9030 دولاراً) وبأسعار الكهرباء الأخيرة، في حين يمكن بيع الطن المتري بأقل من 2500 يورو (2532 دولار)، وفق جمعية المعادن الألمانية "دبليو في ميتالي". 

وقالت فرانزيسكا إردل المدير العام لشركة دبليو في ميتال "نحن بحاجة إلى مساعدة طارئة فورية الآن، وإلا فإننا مهددون بالتراجع عن التصنيع في ألمانيا". 

وأوقف مصنع الألومنيوم في سان سيبريان التابع لشركة "ألكوا كورب" في إسبانيا ومصهر بورتوفيسما للزنك التابع لشركة ألينكور في إيطاليا ومصانع الزنك التابعة لمجموعة ترافيجورا غروب في هولندا وفرنسا وبلجيكا. وقالت "يوروميتاكس" في رسالة إلى مسؤولي الاتحاد الأوروبي هذا الشهر إن نصف قدرة الاتحاد الأوروبي من الألمنيوم والزنك غير متاحة، علاوة على تقليص حجم السيليكون وسبائك الحديد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


القاعدة الصناعية في أوروبا تعتمد على روسيا

ويشبه توم برايس رئيس استراتيجية السلع الأساسية في" ليبروم" الصدمة بالارتفاع في أسعار الطاقة الذي قضى على صناعة الألمنيوم في اليابان في السبعينيات، وقال "هذا حدث خطير وأصبحت القاعدة الصناعية في أوروبا تعتمد بشدة على روسيا في مدخلات الطاقة الرخيصة"، وأضاف أنها "قد لا تكون قادرة على العودة." 

وفي حين يهدد انخفاض الإنتاج من المصانع الأوروبية بالتسلل عبر سلاسل التوريد، تضرر صانعو السيارات من خلال اعتمادهم على الغاز لتوليد الطاقة والتدفئة وبشكل غير مباشر من خلال مشكلات الإمداد. وقالت شركة "فولكس فاغن" إنها تقوم بتخزين منتجات الزجاج مثل النوافذ والزجاج الأمامي، خشية أن يؤثر نقص الغاز في صانعي الزجاج. 

وقالت متحدثة باسم "سافران إس إيه" الصانع الفرنسي لمحركات الطائرات والمعدات المتعلقة بالدفاع، إن سلسلة التوريد الهشة حدت من قدرة الشركة على زيادة الإنتاج، وأضافت أنها تمكنت حتى الآن من شراء المعادن من الموردين الحاليين لكن الشركة تراقب الوضع. 

إنتاج الغذاء 

وفي حقل إنتاج الغذاء تعمل مصانع السكر بالغاز الطبيعي. وقالت هيئة المنافسة الفيدرالية الألمانية هذا الشهر إنه سيتم السماح للمنتجين الأربعة في البلاد بالتعاون إذا تم قطع الإمدادات، على سبيل المثال من خلال إتاحة السعة لبعضهم بعضاً. وفي حال توقفت مصانع السكر يحتمل أن تتعفن أجزاء كبيرة من محصول البنجر، وسترتفع الأسعار للمستهلكين الذين يتعاملون بالفعل مع تضخم الغذاء. 

وتتسابق الشركات لإيجاد إمدادات طاقة بديلة للحفاظ على إنتاج السكر. وقالت الشركة الألمانية "سودزوكر، إحدى الشركات الأربع المنتجة للسكر في العالم، إن تأمينها صعب لأنها تتطلب مرافق لوجستية وتخزين جديدة". 

ويمكن لبعض المصانع مثل مصنعي الزنك إعادة التشغيل بسرعة عندما تنتعش الاقتصادات مرة أخرى، أما بالنسبة إلى الآخرين بما في ذلك صانعي الزجاج والألمنيوم فإن إعادة الفتح عملية طويلة ومكلفة وقد لا يكون لها أي معنى مالي على الإطلاق. 

شركات مصنعة تعلن إفلاسها 

وحتى صانعي ورق التواليت يشعرون بالأزمة، إذ أعلنت شركة "هاكلس ج إم بي إتش" وهي شركة ألمانية لتصنيع ورق التواليت ومنتجات النظافة هذا الشهر أنها معسرة وطلبت الحماية من الدائنين لأنها لم تعد قادرة على رفع الأسعار بما يكفي لتعويض ارتفاع تكاليف الورق بسبب أسعار الطاقة. 

وفي "سلوفالكو" في سلوفاكيا باع فيسيلو الكهرباء التي اشترتها الشركة لبقية العام، وحصل على 160 مليون يورو (181.9 مليون دولار) للإنفاق على الضرائب وإمكانية إعادة التشغيل في المستقبل. وشرع المشغلون في فصل الخلايا المعدنية الشبيهة بالقرون التي تحول مسحوق الألومينا الأبيض إلى ألومنيوم مصهور في القاعة الشاسعة التي تمثل مركز أعصاب المصنع، كما أن حظائر الطائرات هي أيضاً أكبر نقطة ضعف للمصنع لأن الخلايا تعتمد على تيار بقوة 285000 أمبير. 

ولا تزال 10 خلايا من أصل 226 تعمل لكن من المقرر أن تتوقف بحلول نهاية العام، بالتالي سيتطلب إطلاق المصنع مرة أخرى استبدال التوصيلات الكهربائية، وهي عملية ستستغرق سنة وتكلفتها تصل إلى 90 مليون يورو (90.1 مليون دولار)، على حد قول فيسيلو. 

وقال توماس شرين الذي عمل في سلوفالكو منذ عام 1993 في قسم تصنيع الألمنيوم المصهور إلى أسطوانات صلبة، "الجميع قلقون". 

وقالت ماريان هارزنيك الخبيرة في العمليات إن "الوظيفة تجلب راتباً جيداً ومستقراً وإحساساً بالصداقة الحميمة"، وأضافت "لم يتوقع أحد أننا سنكون في وضع مثل هذا أبداً".  

وقال المسؤول البلدي مارتن بالاي إن مصدر قلقه الكبير هو الوظائف البالغ عددها 2500 في الشركات التي تزود شركة سلوفالكو وتخدمها، وأضاف أنه في إحدى الشركات المحلية واسمها "ريمسلو ستروجال"، فإن 50 موظفاً كانت وظيفتهم الحفاظ على خلايا المصنع. 

ويخشى برانيسلاف ستريتشيك الرئيس التنفيذي لشركة "سلوفينسكي إليكتراني إيه إس" التي زودت شركة سلوفالكو بالطاقة، أن عديداً من الشركات السلوفاكية ستغلق لأنه وبحسب التقديرات فإن أكثر من نصفها لم يشتر الطاقة لعام 2023. 

وقال "أسعار الكهرباء هذه مريضة"، مضيفاً أنه في وضع غريب لإدارة مرفق ويريد من الحكومة والاتحاد الأوروبي اتخاذ تدابير للحد من الأسعار، وأضاف "لن ينجو عملاؤك لذا لن يكون لديك أحد لتوصيل صناعاتك إليه".