Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تشكيليون رواد أرفقوا أعمالهم بشذرات أدبية لامعة

أنطولوجيا تجمع بين لوحات عشرة فنانين عالميين وأفكارهم واعترافاتهم

رسم وكتابة لدالي على بطاقة بريدية (من الكتاب)

ملخص

أنطولوجيا تجمع بين لوحات عشرة فنانين عالميين وأفكارهم واعترافاتهم

ما يقترحه المترجم المغربي رشيد وحتي في الأنطولوجيا الجديدة "لا فنّ إلا بفنائه: شذرات جمالية ورسومات"، الصادرة حديثا عن دار "خطوط وظلال" (عمّان) ودار كريسطال (الدار البيضاء)، هو الإصغاء إلى نخبة من كبار التشكيليين، وهم يعبرون عن أفكارهم وتصوراتهم، ليس بالريشة والألوان والتشكيلات البصرية، بل عبر نصوص شذرية بالغة التكثيف وعميقة الدلالة. إنهم يعيدون الاعتبار إلى اللغة بوصفها القناة الحاملة لكل التأويلات، والقادرة على التأثير في المسافة بين المنجز البصري والمتلقي.

يضعنا رشيد وحتي أمام تجربة في "الإكفراسيس"، حيث تتجاور النصوص مع اللوحات في مسعى إلى خلق علاقة جوار تفيد المتلقي وتضيء تجربة الفنان. وإذا كان "الإكفراسيس" في الثقافة الإغريقية قد نشأ بنية الوصف، أي وصف العمل الفني بكلمات ونصوص قصيرة مجاورة، فإنه تحوّل مع الأجيال الفنية المتعاقبة إلى تفاعل غير محدود بين ما هو بصري وما هو لغوي.

يقترح رشيد وحتي، في الأنطولوجيا التي تناهز 500 صفحة، عشرة أسماء طبعت تاريخ الفن في القرن العشرين: بابلو بيكاسو، جورج براك، سلفادور دالي، ألبرتو جياكوميتي، قسطنطين برانكوزي، مان راي، بول كلي، مارسيل دوشان، خوان ميرو وأندريه ماسون.

وإذ تحضر هذه الأسماء في الأنطولوجيا لا تختصر حضورها في الجانب الفني، أي التشكيل، بل إن هذا الحضور يمتد إلى حقول النقد والفلسفة وعلم النفس والفكر الفني. يحضر كل اسم بعشرين عملاً فنياً، ويقابل كلَّ عمل نصٌّ مكثف يتقاطع معه. ولا يعني التكثيف هنا قصر النص بالضرورة، واختزاله في جملتين أو ثلاث، بل قد نجد فقرة متكاملة، لكنها كُتبت بلغة لا ينسجم حجمها بالضرورة مع المساحات الدلالية التي تنتجها.

لوحات وشذرات في تجاور دلالي

نجد أنفسنا أمام أعمال فنية تنتمي إلى فروع التشكيل المختلفة: الصباغة والرسم والنقش والنحت والفوتوغرافيا. وإن كانت خالية من الألوان لأسباب طباعبة في الغالب، غير أنها تركت مهمة إضفاء اللون للكلمات المرافقة لها، إذ يحس المتلقي أن النص الموازي للعمل الفني كأنما كُتب عنه بالتحديد، أو أن أحدهما مستوحى من الآخر. غير أن هذا الشعور يعود في الحقيقة إلى خيارات المترجم واجتهاده في تجسير العلاقة بين الكلمات والمنجز البصري المرافق لها.

تتوزع النصوص الموازية بين التأملات والطابع الحكمي والتنظير الفني، غير أنها تنحو في غالبيتها إلى المكاشفة والاعتراف. إنها شذرات نثرية دالة، وليست بالضرورة شعراً، أو نصوصاً مكتوبة بلغة شعرية. تجد أحياناً حمولات دلالية يحكمها العقل، وأحياناً دلالة مشتتة تخلّقت وفق نسق سريالي.

يقول سلفادور دالي أمام ساعته الذائبة: "لا روائع تنتج عن الكسل". تحيل هذه الشذرة كما اللوحة على دلالات التراخي والخمول وتبديد الوقت، وتدعو بالتالي إلى نقيضها. وتقابل شذرة جياكوميتي "كل شيء عالق بخيط، الخطر محدق بنا دوما"، لوحته التي تتشكل من خيوط أو خطوط مشتتة يتوسطها ويحيط بها البياض، كأنما تقول اللوحة في انسجام مع الشذرة الموازية إن الخطر هو الفراغ. وقبالة شذرة خوان ميرو "مشهد السماء يدوخني" تبدو لوحته بوجه غريب يحمل علامات الحيرة. بالموازاة مع جملة بيكاسو "موتانا يشيخون معنا"،  نجد عمله الفني الشهير "غرنيكا" حيث تنتقد هذه اللوحة الآهلة بالموتى قصف مدينة غرنيكا إبان الحرب الأهلية الأسبانية.

سفر من المعرفة إلى الخيال

ركز المترجم المغربي في خياراته على ثلاث مدارس كانت مسيطرة خلال القرن العشرين، إن على مستوى الحضور والتداول، أو على مستوى التأثير: الدادائية والتكعيبية والسريالية. وقد طبعتها كلها تلك الرغبة الجارفة في التغيير والخروج عن الفن الأكاديمي والذوق المشترك. فهي خلخلت الثوابت الفنية وأثرت على عين المتلقي وذوقه، وفتحت بالتالي أمامه مساحات التأويل. لقد خلقت هذه المدارس التشكيلية متلقيا يقف أمام العمل الفني متوتراً، ومدججاً بالأسئلة، بدل أن يركن إلى الطمأنينة التي كانت تمنحها أعمال المراحل السابقة. يقول قسطنطين برانكوزي في إحدى شذراته في الأنطولوجيا: "يتمثل الفن في خلق أشياء ليست أليفة". بالتالي أنتجت هذه التيارات أعمالاً متطلبة، تدعو من يقف أمامها ألا يقتصر على عينه، بل أن يفتح حواسه على التخييل والتأويل والقراءات المتعددة. ربما هذا ما سماه بول كلي "الرؤية بعين، والإحساس بأخرى".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ثمة في مختلف الأعمال المقترحة في كتاب "لا فن إلا بفنائه" وهو عنوان دادائي قائم على فكرة التجاوز المطلق، أي إلغاء الفن بالفن، دعوة إلى تشسيع مساحات الخيال من أجل تجاوز حدود المعرفة أو القواعد الفنية المتوارثة. لذلك يقول بول كلي: "الخيال أهم من المعرفة". ليست وظيفة العمل الفني أن يمنح أسراره من الوهلة الأولى إلى من ينظر إليه، تقطع الدادائية والتكعيبية والسريالية مع التلقي السهل واليسير، وتدعو إلى تقاطع مناطق اللاوعي بين المتلقي والفنان. يقول خوان ميرو: "على اللوحة أن تخصّب الخيال".

تولي الأعمال المقترحة في الأنطولوجيا أهمية قصوى للمتلقي، وتكسر كل حدود تحدّ قراءته للعمل الفني، تناغماً بالطبع مع المدراس الثلاث التي صدرت هذه الأعمال تحت يافطاتها. يقول مارسيل دوشان في إحدى شذراته ضمن أنطولوجيا رشيد وحتي: "الناظرون هم من يصنعون اللوحات".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة