Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إشكالات الترجمة العربية عالجها مؤتمر "جسور بابل" في ميلانو

باحثون وكتاب عرب وأجانب تناولوا مفهوم التبادل الحضاري والعوائق التي تعترضه

من جو الحفلة الموسيقية العربية في مؤتمر الترجمة في ميلانو (خدمة المؤتمر)

ملخص

#باحثون وكتاب عرب وأجانب تناولوا مفهوم #التبادل_الحضاري والعوائق التي تعترضه

ما هي إشكالات ترجمة الشعر؟ وهل يترجم الحوار العامي في رواية عربية إلى إحدى اللهجات الأجنبية أم إلى اللغة الفصيحة؟ وما مستقبل الترجمة في عصر الذكاء الاصطناعي؟ وماذا عن الرقابة في العالم العربي؟ هل تمارس دور النشر الوصاية على القارئ، فتحذف ما لا يروق لها، أو ما تراه إشكالياً، أم أنها تلتزم تقديم المحتوى المترجم بأمانة ومن دون تدخل؟

هذه الأسئلة وغيرها ناقشتها نخبة من المترجمين والباحثين والمثقفين من إيطاليا والعالم العربي خلال المؤتمر الدولي للغة والثقافة العربية الذي أقيم تحت عنوان "جسور بابل"، واحتضنته الجامعة الكاثوليكية في ميلانو طوال ثلاثة أيام وانتهى أول من أمس، نظم المهرجان وأشرف عليه  الأكاديمي وائل فاروق، أستاذ اللغة والثقافة العربية في الجامعة، وضم أنشطة متعددة، فإلى جانب المحاضرات العلمية بالإيطالية والعربية حول دور الترجمة في بناء الحضارة، أقيمت أمسية شعرية للشاعر نوري الجراح مع مترجمته  المستشرقة الإيطالية فرانشيسكا كوراو، وعرض فيلم "المومياء" للمخرج المصري شادي عبد السلام، وشهد الحضور حفلاً موسيقياً جميلاً بقيادة الموسيقار هاني جرجي، غنى وعزف فيه كورال اللغة العربية بالجامعة مجموعة من الأغاني العربية، مثل "لما بدا يتثنى"، و"أنا قلبي دليلي" و"لسه فاكر"، وكم كان جميلاً أن يسمع الحضور ترنيمة دينية لفيروز وبعدها في تناغم جميل، أغنية "طلع البدر علينا".

لماذا نترجم؟

ومن بين من شاركوا في الدورة السادسة من المهرجان ستيفانو أردويني، أستاذ علم اللغة بجامعة روما الذي ألقى كلمة عن سؤال "لماذا نترجم"، انطلاقاً من فكرة أن الترجمة هي التي تعطي معنى لعلاقتنا بالآخر، كما أنها تعطي معنى لهويتنا. وتطرقت الروائية علوية صبح في كلمتها إلى معضلة ترجمة الشعر إلى العربية، وإشكالات اختيار النصوص التي تترجم. وتحدث ألدو نيقوسيا، أستاذ اللغة العربية في جامعة باري عن مشكلة ترجمة الحوار في الروايات الأجنبية ما بين الفصحى والعامية، أما الباحث المصري إسلام فوزي فقد اختار موضوع "نقل العناصر الثقافية" وإشكالات ذلك في ترجمة رواية نجيب محفوظ "ميرامار" إلى الإيطالية، مقارناً بين ترجمتين لتلك الرواية. وأثار الروائي المترجم أحمد عبد اللطيف أسئلة بخصوص الترجمة الأدبية، وهل هي فرع من فروع المعرفة، أم هي محض سلعة تجارية؟ أما كلمة الصحافي عمرو خفاجي فكانت "بين الترجمة والصحافة"، وبين فيها ارتباط الصحافة منذ نشأتها بالترجمة، واستعرض إشكالات الترجمة الصحافية.

 

وقد شارك ناشرون في المهرجان، ومنهم منورة القسومي من مبادرة "ترجم" (السعودية)، فاطمة البودي (مصر)، والناشرة الإيطالية المقيمة في مصر ستيفانيا أنغارانو، إضافة إلى خالد الناصري مدير دار المتوسط (ميلانو) الذي أقام معرضاً لبعض أغلفة إصدارات الدار.

وربما كان محور "ترجمة الشعر" الأكثر اجتذاباً للباحثين والمتحدثين، وفي إطاره تحدث الناقد صبحي حديدي عن فضائل ترجمة الشعر ومخاطره، مؤكداً أن "ترجمة الشعر هي الأكثر تعقيداً" بين فنون الترجمة، وأن "أرقى ما يمكن أن يحققه المترجم خلق هوية متجانسة بين النص الأصلي والترجمة". وبينت مانويلا جولفو في كلمتها الصعوبات التي واجهتها خلال ترجمة ديوان أمجد ناصر "مملكة آدم" وكيف ذللتها. أما الشاعر أحمد يماني فقد تحدث عن عدم قابلية الشعر للترجمة أحياناً، مثلما ذكر الشاعر الإسباني ثيسار باييخو في كتابه "الفن والثورة"، وأكد في كلمته أن "شاعراً عظيماً في اللغة العربية مثل المتنبي يفقد كثيراً عند نقله إلى الإسبانية، في المقابل نرى شعر محمود درويش ناصعاً في لغة سيرفانتس "وكأنه كتب بها أصلاً". وتحدث الشاعر كاظم جهاد عن "مسألة الإيقاع في ترجمة الشعر الكلاسيكي"، ورأى أن الترجمة تعاني من خطرين، هما "الترجمة التعتيقية، والتحديث المفرط". وألقى سامر أبو هواش كلمة عن الشعر وترجمته في زمن الذكاء الاصطناعي، وأكد في كلمته أن من المستحيل إيكال أمر ترجمة الشعر إلى روبوت مفكر. ومن الذين شاركوا في المؤتمر أيضاً: المستشرق الإيطالي ستيفانو أردويني (المترجمون: مسير الغرباء)، الأكاديمي العماني أحمد يوسف (تأثير أمبرتو إيكو في الدراسات السيميائية العربية)، الأكاديمية المصرية نسمة حافظ إبراهيم (المنهجية والأدوات في الترجمة المتخصصة)،الأمين العام لمجمع اللغة العربية في الشارقة الأكاديمي محمد صافي مستغانمي (دور ترجمة الأدب الغيطالي في إثراء ثقافة القارئ العربي:أمبرتو إيكو نموذجاً)، الشاعر والباحث السوري أمارجي (الحركية المصطلحية) وسواهم.

الرقابة سيف مصلت 

وألقى كاتب هذه السطور كلمة بعنوان"الرقابة والترجمة"، استعرض فيها أنواعاً عدة من الرقابة، مثل الرقابة الذاتية التي يمارسها المترجم نفسه، ورقابة دور النشر التي قد تكون ثمرة رقابة المجتمع كله، والرقابة الحكومية التي قد تصادر الكتاب وتسجن ناشره، مثلما حدث في مصر بعد أن نشرت دار "تنمية" الترجمة العربية لكتاب "الملاك" للمؤلف الإسرائيلي يوري بار جوزيف الذي يعرض سيرة أشرف مروان، صهر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

لا تقتصر الرقابة على ناشر معين أو بلد محدد، إنها وباء منتشر في كل الدول العربية تقريباً، ولكن بدرجات متفاوتة. وممارسة الرقابة هي في الحقيقة فعل ضد الترجمة، تحول الترجمة من فعل انفتاح على الآخر إلى فعل إقصاء وإلغاء، وبدلاً من أن تقيم حواراً مع الآخر، فإنها (عبر الرقابة) تمارس وصاية فكرية على القارئ، وهي وصاية تذكر بالراهب الهَرِم في رواية "اسم الوردة" لإمبرتو إيكو الذي أخفى عن إخوانه الرهبان النسخة الفريدة والوحيدة من كتاب أرسطو "الكوميديا" في مكتبة الدير، لأنه رأى أن الضحك يقتل الخوف، ولا إيمان من دون خوف. ويبدو أن الخوف هو الذي يحكم البعض، من مترجمين وناشرين، وهو خوف دفع الدكتور سامح حنا، أستاذ دراسات الترجمة في بريطانيا إلى التساؤل، هل موقفنا من الترجمة "افتتان أم رهاب، أم خليط منهما؟"

ومن أمثلة الرقابة الذاتية ما فعله عميد مترجمي اللغة الألمانية، الأستاذ مصطفى ماهر، عندما تصدى لترجمة روايتين من أعمال الكاتبة النمساوية إلفريده يلينك الحاصلة على جائزة نوبل عام 2004، وهما "العاشقات" و"المستبعدون". حفلت ترجمة ماهر بحذف كلمات اعتبرها "مبتذلة" أو "مثيرة للقرف". وقد يظن القارئ أن هذا البتر كان ضرورةً لنشر الترجمة لدى دار حكومية مثل "الهيئة المصرية العامة للكتاب"، غير أن ماهر قال إنه فعل ذلك "لكي تصبح (الترجمة) مناسبة للمجتمع الذي ستقدم فيه"، وأضاف قائلاً: "لو أحضرت السيدة يلينك وألبستها الملابس المصرية وحجبتها أو نقبتها، ثم أنزلتها هنا إلى الجمهور لكان لها شكل آخر"!

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في كتابه القيم "أن نقول الشيء نفسه تقريباً" أشار أمبرتو إيكو إلى أن الترجمة تفاوض بين ثقافتين، وأن هناك دائماً ما يخسره النص الأصلي على جسر الترجمة، لكن هناك أيضاً مكاسب قد تضيف إليه. وأعتقد أن المترجم الرقيب ينطلق من مفهومه الخاص بـ"التفاوض" مع النص الأصلي، وهذا بالتأكيد ما لم يخطر يوماً على بال إيكو.

ومن أمثلة الرقابة التي تمارسها دور النشر ما حدث في ترجمة رواية النمساوي أرتور شنيتسلر "مجد متأخر" التي ترجمها أحد فاروق. صدرت هذه الترجمة "خالية من الكحول تقريباً" مثلما قال فاروق ساخراً، إذ طُهرت الرواية من الخمر، واختفت كل أنواع البيرة والنبيذ، ليحل محلها كلمة "شراب" أو "مشروب"، تاركة لخيال القارئ أن يحدس ماذا يحتسي أبطال الرواية.

الأمر نفسه تقريباً، تكرر  في ترجمة كتاب "فهرس بعض الخسارات" للمؤلفة الألمانية يوديت شالانسكي، فقد تم حذف نحو 700 كلمة من الأصل الألماني من فصلين فحسب من الكتاب. وإذا كانت ترجمة أحمد فاروق قد صدرت "خالية من الكحول"، فقد نجا الخمر من مزاج الرقيب في "الفهرس"، إذ انصب جام غضبه هذه المرة على الجنس، فحذف كل ما اعتبره خادشاً للحياء، حتى لو كان التعبير عنه في صميم الفكرة التي تتناولها الكاتبة، وحتى إذا تم ذلك بألفاظ علمية رصينة لا ابتذال فيها ولا فحشاً.

كل هذا يبين أن الخوف من الترجمة متجذر لدينا، لذا أصبحنا نتحدث عن "الغزو الثقافي"، وكأننا نريد أن نتقوقع في "المنطقة المريحة"، وأن نترجم فحسب ما لا يزعجنا بأفكار جديدة مختلفة. فإذا تضمنت الترجمة ما لا يوافقنا، كان الحذف والبتر مصيره. والسؤال المطروح: لم الترجمة إذاً من أساسه؟

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة