ملخص
ثمة شواهد تقول إن رئيس بيلاروس يؤكد رفضه ضم بولندا أية أراض في غرب أوكرانيا، وفي ذلك تفسير لما تعهد به من مساعدة لسكان تلك الأراضي في حال طلبوها.
شهدت الأيام القليلة الماضية مجموعة من التصريحات المتضاربة التي صدرت عن رئيس بيلاروس ألكسندر لوكاشينكو على نحو تبدو معه وكأنما تعني الشيء ونقيضه، فما بين تكليفه رئيس حكومته رومان غولوفتشينكو ببحث "إمكان دعم سكان غرب أوكرانيا إذا احتاجوا إلى ذلك"، في إشارة ضمنية إلى تحذيره من احتمال تدخل بولندا والغرب عسكرياً في أراضيهم، يعود ليبلغ حليفه فلاديمير بوتين بأنه أوعز إلى وزارة خارجيته بإجراء اتصالات مع بولندا "لتقديم خطة لحسن الجوار والسلام لدول الاتحاد الأوروبي المجاورة مع مراعاة مصالح بيلاروس".
وقال في هذا الشأن، "إذا أرادوا ذلك فلنتحدث ونقيم علاقة"، مضيفاً "إنهم جيران، وهو لا يختار جيرانه، إنهم من عند الله" على حد تعبيره.
وفي الوقت نفسه يتم دفع بولندا إلى تصعيد الوضع من جانب الولايات المتحدة، بينما يقول إن "البولنديين ليسوا أغبياء، وهؤلاء هم شعبنا، والسلافيون يفهمون كل شيء بصورة مثالية، دعنا ننتظر وسنرى". ويضيف رئيس بيلاروس، "نحن منفتحون على التعاون"، فيما يؤكد مرة أخرى أن مينسك لن تقاتل أي شخص.
وفي أوائل يوليو (تموز) الماضي بدأت بولندا في تعزيز حدودها مع بيلاروس على خلفية تحرك مقاتلي "فاغنر" إلى البلد المجاور، نحو الممر الذي يربط بين المناطق البولندية والليتوانية ومنطقة كلينينغراد التابعة لروسيا وبيلاروس.
وقد جاء ذلك كله في توقيت مواكب لاتهامات رئيس وزراء بولندا ماتيوش مورافيتسكي روسيا وبيلاروس بـ "التسبب في ارتفاع نسبة تدفق المهاجرين ومحاولة عبورهم الحدود الشرقية بصورة غير قانونية".
وأشار مورافيتسكي خلال مقابلة مع صحيفة "كورييري ديلا سيرا" الإيطالية إلى أن "بولندا تتعرض للهجوم منذ أكثر من عامين على حدودها الشرقية مع بيلاروس، وفق خطة مشتركة بين روسيا وبيلاروس اللتين تريدان زعزعة استقرار بلدنا الاتحاد الأوروبي بأكمله، إذ استخدموا المهاجرين لزعزعة أمن بولندا وتدمير وحدة الحلفاء الأوروبيين"، على حد تعبيره.
وأكد أنه خلال عام واحد سجلت أكثر من 16000 محاولة لعبور الحدود البولندية بصورة غير قانونية، منوهاً بأن "ضمان أمن الحدود الشرقية لبولندا التي هي في الواقع الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، من أولويات بلاده" بحسب ما قال.
تقطيع أوصال أوكرانيا
ولم يمض من الزمن كثير حتى عاد لوكاشينكو ليحذر من مغبة خطط تقطيع أوصال أوكرانيا وفصل الجزء الغربي عنها، بما في ذلك من جانب وارسو، واعتبار ذلك السيناريو غير مقبول"، مضيفاً "نحن نرفض سلخ أراضي غرب أوكرانيا وتقطيعها وتسليمها لبولندا، وهذا أمر مرفوض بالمطلق بالنسبة إلينا لأننا حينها سنتعرض لتهديد دول البلطيق وبولندا العسكري من الغرب، وسيتعين على دولة الاتحاد (روسيا وبيلاروس) الدفاع عن نفسها، ولذلك فإن مثل هذه الأساليب غير مقبولة".
وكان الرئيسان الروسي والبيلاروسي خلصا إلى اتفاق حول نشر أسلحة نووية تكتيتية روسية في أراضي بيلاروس اعتباراً من مطلع يوليو (تموز) الماضي، وهي الأسلحة التي تستهدف الأراضي البولندية بالدرجة الأولى، كما سبق وأشار بوتين إلى أن القادة البولنديين على ما يبدو يتوقعون حشد تحالف تحت مظلة الـ "ناتو" والتدخل المباشر في أوكرانيا لقضم قطعة دسمة منها.
وظهرت التقديرات التي تشير إلى حشد بولندا قواتها وأسلحتها في المنطقة الحدودية مع بيلاروس بصورة مكثفة أخيراً، متذرعة تارة بالتدريبات الروسية -البيلاروسية المشتركة، وزيادة الهجرة غير الشرعية التي أثارها الغرب نفسه عام 2020- 2021، وتارة أخرى بنشر قوات "فاغنر" العسكرية الخاصة في بيلاروس.
كما اتهمت بولندا بيلاروس باختراق مروحيتين الأجواء البولندية مطلع أغسطس (آب) الجاري، إذ استدعت القائم بالأعمال البيلاروسي على خلفية الحادثة ودفعت بالتعزيزات العسكرية إلى المناطق الحدودية، وقد رفضت بيلاروس الاتهامات الموجهة إليها ونفت انتهاك الأجواء البولندية متهمة وارسو بالتصعيد، بينما ذكر البنتاغون أنه لم يرصد أي خطر مباشر على الحدود بين بولندا وبيلاروس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان رئيس بيلاروس ألكسندر لوكاشينكو أعرب عن قلقه جراء أن مقاتلي "فاغنر" كشفوا عن رغبة جارفة نحو التحرك صوب وارسو، وقد تطرق لوكاشينكو في حديثه مع بوتين لهذه المسألة، وخلص الرئيسان إلى اتفاق حول ضرورة ابتعاد مقاتلي "فاغنر" من خطوط المواجهة التي يسعي البولنديون إلى الدفع إليها بالاحتياطات الاستراتيجية الرئيسة المزودة بقوات المرتزقة.
وثمة شواهد تقول إن رئيس بيلاروس يؤكد رفضه ضم بولندا أية أراض في غرب أوكرانيا، وفي ذلك تفسير لما تعهد به من مساعدة إلى سكان تلك الأراضي في حال طلبوها، وعاد ليطلب من نظيره الروسي أن يعكف على درس ذلك وبحثه، مؤكداً أنه يود الحصول على دعمه في هذا الصدد.
وكان نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف أعرب عن اعتقاده بأن النشر المحتمل لأسلحة نووية أميركية في بولندا يهدد باستخدامها بصورة فعلية لاحقاً، ونقلت وكالة أنباء "ريا نوفوستي" عن ميدفيديف قوله إنه "مع الأخذ في الاعتبار أن القيادة البولندية لا تضم في صفوفها اليوم إلا المنحطين المهووسين، فإن طلب نشر أسلحة نووية في بولندا يعني أمراً واحداً فقط وهو أنه سيتم استخدام هذه الأسلحة لاحقاً، وعلى الغالب يثير سرور هؤلاء الأغبياء المجانين كون القرار النهائي بهذا الخصوص سيعود لعجوز أصابه الخرف ويوجد خلف المحيط".
وكشف ميدفيديف عن وجود جانب إيجابي لهذا الأمر يتمثل في أنه "ستختفي بعد ذلك جميع الأرواح الشريرة، بما في ذلك دودا ومورافيتسكي وكاشينسكي (رؤساء الجمهورية والحكومة والحزب الحاكم)، لكن للأسف الشديد سيختفي الآخرون كذلك".
المشاركة النووية
غير أن الجانب الآخر يتخذ موقفاً مغايراً، إذ أشار رئيس الوزراء البولندي ماتيوش مورافيتسكي في ختام قمة "المجلس الأوروبي" إلى أن بلاده طلبت من حلف الـ "ناتو" نشر أسلحة نووية أميركية على أراضيها، بموجب برنامج "المشاركة النووية"، وأكد أن هذا يجب أن يكون قرار الشركاء الأميركيين في الـ "ناتو".
وأعلن المسؤول البولندي أنهم يريدون تحركاً سريعاً مبرراً ذلك بما فعلته روسيا في بيلاروس، غير أن الرئيس بوتين كان أشار غير مرة إلى أن بلاده اتفقت مع بيلاروس حول نشر أسلحة نووية تكتيكية على أراضي الأخيرة في إطار اتفاق دولة الاتحاد والتحالف القائم بين البلدين، وهو أمر لا ينتهك الالتزامات الدولية.
وإيماء إلى ما أشرنا إليه في التقرير السابق من موسكو حول ما وصفه الرئيس الأوكراني زيلينسكي بالضغوط الكبيرة التي تتعرض لها بلاده في محاولة لحمله على خوض المحادثات، ننقل عن ألكسندر لوكاشينكو ما قاله حول أن "محادثات السلام قد تبدأ الخريف المقبل"، وبحسب ما نقلته وكالة أنباء بيلاروس (بيلتا) عن لوكاشينكو، فإن الوضع في منطقة الصراع يجب أن يتغير بحلول الخريف.
وسيبدأ الحديث حول طاولة المفاوضات ربما بعد سبتمبر (أيلول) المقبل بقليل، وأضاف أن روسيا مستعدة للمفاوضات ومن الضروري الاستفادة من اللحظة وعدم انتظار الهجوم الأوكراني، لأن "الديناميكيات محمومة وتطور الوضع فوري".
وقال لوكاشينكو إن روسيا لن تناقش المسائل المتعلقة بشبه جزيرة القرم ونوفوروسيا (المناطق الأربع الجديدة التي ضمتها روسيا جنوب شرقي أوكرانيا)، وحث الأطراف المعنية على الجلوس إلى طاولة المفاوضات من دون أي شروط، في وقت يقول زيلينسكي إن حدود 24 فبراير (شباط) 2022 "ليست حدودنا".
وصرح الكرملين غير مرة أنه لا توجد شروط مسبقة لمحادثات السلام، وأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منفتح على المفاوضات في شأن التسوية الأوكرانية، لكن بسبب موقف كييف لا توجد أرضية مستقرة بالنسبة إليهم.
وكانت بيلاروس استضافت الجولتين الأولى والثانية بين روسيا وأوكرانيا في الثالث والسابع من مارس (آذار) 2022، قبل أن تنتقل المحادثات في جولتها الثالثة والأخيرة إلى إسطنبول برعاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ولتنتهي مطلع مايو (أيار) 2022 باتفاق لم يلق قبولاً من جانب زيلينسكي، على رغم موافقة الوفد الأوكراني عليه، وهو ما تناولناه في أكثر من تقرير سابق.
كما أن المجتمع الدولي صار أكثر استعداداً من ذي قبل للنظر في مبادرات السلام عقب "محادثات كوبنهاغن وجدة"، إلى جانب أن الصين لم تتراجع بعد عن مبادرتها ذات النقاط الـ 12، فضلاً عن مبادرات أخرى كثيرة ومنها المبادرة الأفريقية والإندونيسية والبرازيلية.
غير أن هناك من يدفع في الاتجاه المعاكس بما يزيد حدة التوتر، وكان وزير الدفاع البولندي ماريوس بلاشتشاك أعلن أخيراً أن بلاده تعول على استيراد أسلحة أميركية لتعزيز الدفاع على الحدود الشرقية، وكشف عن أن وارسو تنتظر قراراً من الكونغرس بالموافقة على مروحيات "أباتشي" فضلاً عن دبابات "أبرامز" كبديل عن الدبابات الكورية الجنوبية وغيرها التي لم يجر تغييرها منذ 18 عاماً، وذلك ما عاد للتحذير منه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين معلناً تأييده لقيام "نظام عالمي متعدد الأقطاب على أساس أولوية قواعد ومبادئ القانون الدولي وسيادة الدول والمساواة بينها، والتعاون البناء والثقة بدلاً من إشعال الصراع بصورة أكبر وجذب دول أخرى إليه".