Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"صفقة الحبوب" العالقة في شروط موسكو والثقة بأردوغان

بوتين يكشف عن ضبابية زيارته لتركيا ويشير إلى عدم وجود تعليقات أخرى حول الإفراج عن قادة آزوف

كانت الاتفاقات تنص على تصدير الحبوب والأغذية والأسمدة ذات الصلة بما في ذلك الأمونيا من ثلاثة موانئ أوكرانية (رويترز)

ملخص

ثمة ما يشير إلى أن حافز الثقة الخاصة الموجودة بين بوتين وأردوغان يعلو على ما عداه من حوافز أخرى، كما أن تاريخ علاقات الزعيمين كثيراً ما حسم أكثر المواقف الخلافية بين بلديهما حدة وتوتراً.

عادت موسكو لتأكيد تمسكها بضرورة استيفاء الأهداف الإنسانية المعلنة التي سبق ووضعها الجانب الروسي شرطاً يجب على نظيره الأوكراني الالتزام به في مقابل إعادة إحياء اتفاق الحبوب.

كانت العاصمة الروسية رفضت قبل ذلك الموافقة على مد فترة سريان الاتفاق السابق بعد انتهائه في يوليو (تموز) من العام الحالي، مما قد يعني أن العودة لمثل هذه التصريحات توعز بأسباب أخرى.

نقلت وكالة أنباء "تاس" عن ميخائيل غالوزين نائب وزير الخارجية الروسية تصريحاته، التي أدلى بها أخيراً في الـ10 من يوليو، حول أن قرار روسيا في شأن وقف استئناف العمل ببنود الاتفاق الموقع، يعود لاستخدام الجانب الأوكراني للممر الإنساني البحري لأغراض عسكرية.

وأكد المسؤول الروسي رفيع المستوى أن موقف روسيا يظل كما كان في السابق، أي ضرورة حل المشكلات النظامية التي تتلخص في إعادة ربط "روسسيل خوز بنك" Rosselkhozbank مع SWIFT، واستئناف توريد قطع الغيار، وإنشاء لوجيستيات النقل والتأمين، واستعادة وصول الشركات الروسية إلى أصولها الأجنبية.

 

 

وأشار غالوزين إلى أن أحد أسباب قرار القيادة الروسية حول تقليص مبادرة البحر الأسود هو استخدام كييف للممر الإنساني البحري في الأغراض عسكرية، بما في ذلك الهجمات الإرهابية على سيفاستوبول وجسر القرم، والتخريب ضد السفن الحربية الروسية والسفن المدنية، وأضاف أن "مثل هذه التصرفات تتعارض مع روح ونص الاتفاق التي تم التوصل إليه كما هو معروف لضمان سلامة الملاحة في البحر الأسود".

وأشار نائب وزير الخارجية الروسية أيضاً إلى أن كييف قامت في الخامس من يونيو (حزيران) الماضي بتخريب خط أنابيب الأمونيا "تولياتي - أوديسا"، على رغم حقيقة أن استئناف توريد هذه المادة الخام كان "أحد العناصر الأساسية في اتفاقي إسطنبول".

وعزا المسؤول الروسي السبب الرئيس في ذلك، الذي تحدث الجانب الروسي عنه أكثر من مرة، بما في ذلك علناً، إلى عدم إحراز التقدم في تنفيذ مذكرة روسيا والأمم المتحدة في شأن تطبيع الصادرات الزراعية المحلية. وخلص نائب وزير الخارجية الروسية إلى أن هذه المذكرة لم تلق فرصة للتطبيق العملي، بسبب الإصرار الشديد من جانب واشنطن وبروكسل ولندن على عدم الرغبة في استثناء الأسمدة والمواد الغذائية الروسية من عقوباتها غير الشرعية.

أردوغان على الخط

تأتي هذه التصريحات في توقيت شديد الأهمية، يتسق مع ما سبق وأدلى به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول فحوى المكالمة الهاتفية التي أجراها للمرة الأولى مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين منذ انعقاد مؤتمر قمة بلدان الناتو في فيلنيوس، التي كان استبقها باستقبال رئيس أوكرانيا فلاديمير زيلينسكي، بما شهد معه من إفراج الرئيس التركي عن عدد من قيادات "مجموعة آزوف" الذين سبق ووقعوا في أسر الجانب الروسي في معركة "ماريوبول"، وعهدت روسيا إليه بمهمة الحفاظ عليهم حتى انتهاء العمليات القتالية مع الجانب الأوكراني.

وكان أردوغان نكص عن الالتزام بالعهد وأفرج عن الأسرى الأوكرانيين من دون أن يحيط الجانب الروسي علماً بذلك، وذلك ما كان سبباً في "سوء تفاهم" بين الجانبين كان من المرتقب النظر فيه خلال اللقاء بين الرئيسين، وإن لم يكشف الجانب الروسي عن ذلك، بحسب ما أشارت "اندبندنت عربية" في تقرير سابق لها من موسكو.

يذكر المراقبون المحليون والأفارقة أن الرئيس بوتين كان وعد زعماء البلدان الأفريقية في قمة "روسيا – أفريقيا" الذين استضافهم في مدينة سانت بطرسبورغ أواخر شهر يوليو (تموز) الماضي، باستئناف صادرات روسيا من الحبوب إليهم، وهي القضية التي تصطدم بما سبق وأشار الجانب الروسي إليه من شروط، كان أوجزها في ما يلي: الانسحاب من العقوبات المفروضة على توريد الحبوب والأسمدة الروسية، وإزالة جميع العقبات أمام البنوك، ومنها على وجه الخصوص "روسسيل خوز بنك" وارتباطه بنظام السويفت الدولي لتبادل المعلومات، فضلاً عن استئناف توريد قطع غيار ومكونات الآلات الزراعية وصناعة الأسمدة إلى روسيا، وغير ذلك من الشروط التي سبق وتناولناها في تقارير سابقة من موسكو.

من المعروف أن العاصمة موسكو لم تتوقف منذ انتهاء القمة الثانية الروسية - الأفريقية عن جهودها من أجل الوفاء بالوعود التي قطعها بوتين على بلاده تجاه القارة السمراء، ولا سيما ما يتعلق منها بقضية إمدادها بالحبوب التي من المرتقب أن يكون بعضها بالمجان لعدد من الدول الأفريقية الفقيرة حددها الرئيس بوتين بخمس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

جرت مناقشة هذه القضية مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، خلال المكالمة الهاتفية بينهما، على خلفية توقف روسيا عن التزاماتها بموجب الاتفاقات السابقة مع تركيا والأمم والمتحدة وأوكرانيا في الـ17 من يوليو (تموز) 2023.

وثمة ما يشير إلى وجود الرغبة لدى الجانب الروسي تجاه استئناف "صفقة الحبوب"، التي تعول موسكو عليها من أجل تنفيذ جزء كبير مما التزم به بوتين أمام ضيوفه الأفارقة خلال قمة سانت بطرسبورغ. وكانت روسيا وقعت الاتفاقات السابقة منفصلة مع كل من تركيا والأمم المتحدة من دون الحاجة إلى التوقيع المشترك مع أوكرانيا.

كانت الاتفاقات تنص على "تصدير الحبوب والأغذية والأسمدة ذات الصلة، بما في ذلك الأمونيا"، من ثلاثة موانئ أوكرانية، أوديسا وتشيرنومورسك ويوجني، وتحقيقاً لهذه الغاية أنشئ مركز تنسيق مشترك في إسطنبول، يعمل في تسجيل السفن والبضائع وتفتيشها.

وكانت فترة صلاحية المعاملة تبلغ 120 يوماً مع إمكان التمديد، لكن في الآونة الأخيرة قررت روسيا مدها لفترة لا تتجاوز 60 يوماً فقط، كما تم التوقيع على الوثيقة الثانية، وهي مذكرة تفاهم في شأن تصدير المنتجات الزراعية الروسية في إسطنبول، في اليوم نفسه من روسيا وأمانة الأمم المتحدة. المدة هي ثلاث سنوات، وهو ما لم تكشف المصادر عن حقيقة موقف موسكو منه بعد.

كان الرئيس الأوكراني زيلينسكي أكد من جانبه أن بلاده ستواصل العمل بالاتفاق الذي أوضحه كالآتي: "كان لدينا اتفاقان: أوكرانيا وتركيا والأمم المتحدة، واتفاق آخر روسيا وتركيا والأمم المتحدة، لذاك عندما تقول روسيا إنها توقف (الصفقة)، فإنها تعطل اتفاقاتها مع الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش والرئيس أردوغان (تركيا)، لكن ليس معنا، فلم يكن لدينا أي اتفاقات معهم".

كانت آخر السفن الروسية غادرت ميناء أوديسا صباح الـ16 من يوليو 2023، بما يعني أن أوراقها جرى استيفاؤها في نهاية يونيو (حزيران)، وأن موسكو لن تتقدم بعد ذلك الحين بأية أوراق تخص سفناً أخرى.  

حافز الثقة

وها هو شهر أغسطس (آب) يقترب من المنتصف من دون أن يحسم الرئيسان بوتين وأردوغان موقفيهما بعد من اللقاء المرتقب، فلم يتحدد الموعد كما لم يكشف الرئيسان عن المكان الذي سيلتقيان فيه.

وثمة ما يشير إلى أن حافز الثقة الخاصة الموجودة بين بوتين وأردوغان يعلو على ما عداه من حوافز أخرى، كما أن تاريخ علاقات الزعيمين كثيراً ما حسم أكثر المواقف الخلافية بين بلديهما حدة وتوتراً. ومع ذلك فإن هناك من المشكلات الجدية ما يجعل هذه العلاقات والثقة المتبادلة عصية على الحل والتنفيذ، لكن الواضح والمؤكد أن الجغرافيا ستظل العنصر الأكثر تأثيراً في علاقات البلدين، كما أن أردوغان يظل اليوم الأكثر اقتراباً من بوتين، والأشد قدرة على إحياء صفقة الحبوب.

وتعليقاً على قرار موسكو بخصوص وقف صادرات الحبوب ومدى القدرة على الاستجابة لما طرحته من شروط، فسبق وأكد الرئيس التركي أن الصفقة دخلت التاريخ بالفعل باعتبارها نجاحاً دبلوماسياً كبيراً وسمحت بنقل أكثر من 33 مليون طن من الحبوب، ومنع نقص الغذاء "في عديد من أفقر البلدان". وقال أردوغان "أعتقد أن بوتين يريد أن يستمر هذا الممر الإنساني"، كما أكد مناقشة المشكلة مع الرئيس الروسي هاتفياً، ثم كشف عن اللقاء معه "شخصياً في أغسطس" كما أشرنا عاليه.

 

 

وحتى اليوم لم يحدد الموعد الذي يمكن أن يكون مناسباً لزيارة بوتين لتركيا، وكان الكرملين أفاد بأن هناك مثل هذه الخطط، لكنه لم يذكر تواريخ محددة. وقال بوتين نفسه في مؤتمر صحافي في الـ29 من يوليو، معلقاً على إمكان الاجتماع مع أردوغان "حتى أنه سيأتي إلينا، أو سأذهب أنا إليه، سنرى".

يذكر أن الرئيس بوتين أكد خلال القمة الروسية - الأفريقية عزمه على مقابلة أردوغان، مشيراً إلى أنه "إما أن يأتي إلينا أو سأزوره"، وكانت آخر مرة التقيا فيها شخصياً في أكتوبر (تشرين الأول) 2022 عندما جاء أردوغان إلى موسكو.

وكان أردوغان صرح من جانبه بأن رد فعل روسيا على الأخبار المتعلقة بالإفراج قادة آزوف كان سلبياً في البداية، لكن "بعد أن اتضحت بعض التفاصيل أصبح الوضع إيجابياً". وقال بوتين، معلقاً على تسليمهم إلى أوكرانيا خلال القمة الروسية - الأفريقية، إنه "كانت هناك مفاوضات، ولن تكون هناك تعليقات أخرى".

وحتى ذلك الحين يظل الجانبان الروسي والتركي عند رأيهما بأن تعليق "صفقة الحبوب" أو "مبادرة حبوب البحر الأسود" لفترة طويلة "لن يكون مفيداً لأحد"، وأنه سيكون سبباً في زيادة معاناة البلدان التي تحتاج إلى إمدادات غذائية أكثر من غيرها، وذلك ما يتفق مع الرؤية العامة لرؤساء البلدان الأفريقية الذين كشفوا عنها خلال وجودهم في سانت بطرسبورغ في يوليو من العام الحالي.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير