Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المحافظون البريطانيون يعيشون رهاب خسارة الانتخابات

دعوات إلى استبدال سوناك وخشية من هزيمة قاسية تهدد مستقبل الحزب الحاكم

حزب المحافظين يتولى قيادة الحكومة البريطانية منذ عام 2010 (غيتي)

ملخص

يزداد قلق "المحافظين" في بريطانيا إزاء احتمال خسارة الانتخابات العامة المقبلة. فتنقل تقارير عن قادة وأعضاء في الحزب مخاوفهم من هزيمة مدوية في ذلك الاستحقاق. وتتباين التحليلات في تفسير "النكبة" مسبقاً، فيحيلها البعض إلى أخطاء بوريس جونسون وليز تراس، فيما يقول آخرون إن الإخفاق بدأ مع سياسة التقشف لديفيد كاميرون، ثم تبلور بخروج غير منظم من الاتحاد الأوروبي عام 2020   

يعيش حزب "المحافظين" الحاكم في بريطانيا أسوأ أوقاته قبل الانتخابات العامة المتوقعة بعد أشهر. ثمة استطلاعات للرأي تنبأت بهزيمة نكراء له لم يسبق لها مثيل. وأخرى تقول إن الخسارة مؤكدة، ولكن فجاجتها قد تتقلص بفعل قرارات "اللحظات الأخيرة" للمحافظين.

الإحباط يخيم على أعضاء كثر بين صفوف الحزب الأزرق. والمآلات تختلف وفق تحليلات إعلامية وبحثية. أكثرها تطرفاً يبشر بـ"انقراض" الحزب الأزرق بعد 90 عاماً من تأسيسه. والمغرقة في تفاؤلها تتوقع هزيمة محدودة تقيد الأكثرية المتواضعة للعمال في البرلمان البريطاني القادم.

في جميع السيناريوهات لن يبقى "المحافظون" في المنزل رقم 10 بعد 2024، إلا بمعجزة. صحيح أن الاحتمالات كلها تبقى قائمة في السياسة حتى اللحظات الأخيرة، ولكن الانتخابات البلدية المنتظرة مطلع شهر مايو (أيار) المقبل، ستقلص منها وتدعم الأقرب إلى الواقع. كما أن قرارات جديدة ومصيرية للحزب الحاكم قد تولد على ضوء نتائجها، وفق مراقبين. 

واقع الحزب اليوم

أين يقف الحزب الحاكم اليوم؟ استطلاعات الرأي تشير إلى أن شعبيته وصلت إلى الحضيض، وخصمه "العمال" يتفوق بفارق كبير. بعض الاستبيانات تقول إن الفارق بين الحزبين وصل إلى 20 نقطة. وتتوقع أكثرية نيابية للحزب الأحمر في البرلمان القادم، تزيد على 200 مشرع. أي إن "المحافظين" لن يحصدوا أكثر من 100 مقعد في مجلس العموم الجديد.

في حديث مع صحيفة "ذا تليغراف"، يقول المتخصص في شؤون الانتخابات، البروفيسور جون كيرتس، إن "المحافظين" أصبح بحكم الخاسر للاستحقاق البرلماني المقبل في كل الظروف. فهو اليوم "عالق مع رئيس الوزراء ريشي سوناك، ولا يوجد شخصية كاريزمية مثل الزعيم الأسبق للحزب بوريس جونسون، يمكنها إنقاذ الموقف، وجذب الشارع البريطاني ثانية".

ويلفت كيرتس إلى أن استبدال سوناك قبل الانتخابات العامة المقبلة لن يحل المشكلة. فلا يمكن إقناع الشارع البريطاني بالتصويت مجدداً لـ"المحافظين" بعد "فشل" 3 رؤساء وزراء من الحزب بإدارة شؤون البلاد خلال العامين الماضيين. فهل يصدق الناخبون أن الحزب الأزرق وجد الزعيم "المناسب" أخيراً، فقط قبل انطلاق الانتخابات العامة بأشهر قليلة.

منذ التصويت بنعم في استفتاء "بريكست" عام 2016، بدل "المحافظون" ساكن المنزل رقم 10 وسط لندن 4 مرات. في البداية جاءت تيريزا ماي خلفاً لديفيد كاميرون، ثم تلاها بوريس جونسون الذي أنجز خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. وبعده ليز تراس لمدة 40 يوماً فحسب، ومن بعدها دخل ريشي سوناك في أكتوبر (تشرين الأول) 2022.

 

أسباب قديمة وجديدة

يقول الكاتب الصحافي سام نايت إن "المحافظين" منذ 2016 لم يقدموا أي برنامج سياسي. هم فقط "قادوا البلاد إلى تراجع مستمر من خلال تغيير 5 رؤساء وزراء، وإجراء 3 انتخابات عامة، والتورط في أزمتين ماليتين، والغرق في فضائح وأخطاء الزعماء وقادة الصف الأول، إضافة لأزمة دستورية تحدث مرة كل قرن، ومسلسل طويل من الدراما المتعبة في أحداثها".

ويرى نايت في مقالة نشرتها أخيراً مجلة "ذا نيو يوركر"، أن أزمة "المحافظين" لم تبدأ مع "فضيحة الحفلات" التي طاولت بوريس جونسون قبل عامين، بل يعود الأمر وفق تقديره، إلى ما يزيد على عقد من الزمن، عندما أمعن الحزب الأزرق بسياسة التقشف التي ضبطت إنفاق الدولة ككل، على حساب مستوى المعيشة والخدمات والأجور والترفيه وأساسات أخرى.

وشرع "المحافظون" بسياسة التقشف في الإنفاق الحكومي مع وصول ديفيد كاميرون للسلطة عام 2010. وكان من فرسانها الأكثر شهرة وزير الخزانة الأسبق جورج أوزبون، الذي قال حينها "إنه مع كاميرون، أدخلا كلمة (التقشف) عنوة إلى معجم السياسة البريطانية، ومنحاها معاني لم تكن معروفة في المملكة المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية". 

ثمة من يعيد أزمة "المحافظين" أيضاً إلى مرحلة ما قبل جونسون، إذ قالت وزيرة التجارة كيمي بادينوش إن كاميرون لم يهيئ البلاد للخروج من الاتحاد الأوروبي، لافتة خلال مؤتمر لـ"اتحاد الصناعات الفيدرالي"، الخميس الماضي، إلى أن المملكة المتحدة ما زالت تدفع حتى الآن، ثمن عدم الاستعداد لـ"بريكست" على مستويات مختلفة.

قيادة أم سياسات؟

تعد بادينوش من نجوم "المحافظين" اليوم، وهي مرشحة لقيادة الحزب قبل الانتخابات العامة أو بعدها، ولكن استطلاعاً داخلياً للحزب الأزرق أظهر أن أكثرية الأعضاء يتمنون أن تحل هي أو غيرها، محل سوناك قبل فتح صناديق الاقتراع في الاستحقاق البرلماني القادم. وبتعبير آخر، يعتقدون أن مشكلة الحزب الحاكم هي أزمة قيادات وليست معضلة سياسات.

الاستطلاع أجري في فبراير (شباط) الماضي لمصلحة الليدي جوديث ماك ألبين التي تعد من أكبر وأقدم داعمي الحزب الأزرق في إنجلترا. وقد أظهرت النتائج أن نصف من صوتوا للمحافظين عام 2019، ثم تحولوا إلى المعارضة، يمكن أن يؤيدوا الحزب مجدداً إذا ما أصبح تحت قيادة شخص آخر، وعلى الأخص رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون.

يتصدر جونسون قائمة البدلاء المحتملين لريشي سوناك، إذ قال 52 في المئة من المستطلع آراؤهم ويدرسون منح أصواتهم للمعارضة، إنهم سيدعمون "المحافظين" مجدداً إذا عاد رئيس الوزراء الأسبق للزعامة. ومع صعوبة تحقيق ذلك لأسباب عدة داخل الحزب وخارجه، ضمت قائمة البدلاء أيضاً، بادينوش وكاميرون ومسؤولة الحزب في البرلمان بيني موردنت، وزير الداخلية جيمس كليفرلي، ووزير الهجرة السابق روبرت جينريك.

ولا يؤيد وزير الدفاع غراند شابس تغيير رئيس الوزراء اليوم. وقال لقناة "iTV" إن الخيار الأفضل هو منح سوناك المساحة والدعم اللازمين لتنفيذ سياساته. فقد "نجح في تحقيق عناوين وعد بها مطلع 2023، فقلص معدل التضخم لأقل من 4 في المئة، وأصدر (قانون راوندا) لترحيل المهاجرين، ودفع بمؤشرات الاقتصاد إلى التعافي، وكذلك زاد الإنفاق العسكري".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

العوامل المؤثرة

تؤكد استطلاعات الرأي أن انتعاش الاقتصاد وضبط الحدود يتصدران اهتمامات الناخبين اليوم، ولكن ما تحقق في عهد سوناك في المجالين لا يبدو كافياً لإقناع البريطانيين بالتصويت للمحافظين عندما تفتح صناديق الاقتراع في الاستحقاق البرلماني المقبل.

وأظهرت بيانات مؤشر "مديري المشتريات" أخيراً أن الشركات البريطانية سجلت أسرع نمو لها منذ عام تقريباً. وهو ما يبشر بتعافٍ محدود من الركود الذي شهدته البلاد عام 2023، لكن في المقابل ارتفعت كلف إنتاج الشركات بسبب صعود الأجور وأسعار النقل والمواد الخام، وكلها عوامل يمكن أن تدفع بـ"بنك إنجلترا" إلى عدم خفض أسعار الفائدة.

على مستوى ضبط الحدود، لم ينجح سوناك حتى الآن في تنفيذ "خطة رواندا" لترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى الدولة الأفريقية. صحيح أنه هيأ البيئة التشريعية اللازمة للأمر من خلال البرلمان، لكن إقلاع أول طائرة محملة باللاجئين لن يتم إلا بعد 10 أسابيع في الأقل، وفق تصريحات رئيس الوزراء نفسه، وهو وقت طويل ربما يحمل مفاجآت كثيرة.

بعيداً من العاملين السابقين، فشل سوناك في تقليص قوائم الانتظار على الخدمات الصحية، وأخفق أيضاً في تقليص الضرائب ورفع مستوى معيشة المواطنين، وجميعها مآخذ تستدعيها المعارضة في كل مناسبة للتدليل على "تدهور" أوضاع البلاد في عهد "المحافظين" وحاجة المملكة المتحدة إلى التغيير، على حد تعبير زعيم "العمال" كير ستارمر.

 

تأثير الانتخابات البلدية

في الأشهر الأخيرة تصاعد الحديث عن "محاولات صامتة" لتغيير زعامة الحزب الأزرق. وكشفت إذاعة محلية عن أن رئيس "لجنة 1922" غراهام برايدي تلقى طلبات شفهية من نواب محافظين في مجلس العموم يحثون سوناك على الاستقالة، فيما يفضل آخرون انتظار نتائج الانتخابات البلدية المرتقبة مطلع مايو (أيار) المقبل، لحسم موقفهم في هذا الشأن.

وتضم "لجنة 1922" النواب المحافظين الذين لا يشغلون مناصب رسمية، ويطلق عليهم اسم "نواب المقاعد الخلفية"، أو "أصحاب البدلات الرمادية"، ويمكنهم تحديد مستقبل زعيم الحزب عبر تقدم 15 في المئة منهم بطلبات "خطية" لحجب الثقة عنه. وهنا إما أن يطرح تصويت عام بالثقة في الحكومة تحت قبة البرلمان، أو تقنع قيادة اللجنة رئيس الوزراء بالاستقالة.  

ونقلت وسائل الإعلام المحلية عن متحدث باسم المنزل رقم 10 قبل أشهر "أن جميع أعضاء حزب المحافظين مرحب بهم في المعركة لهزم المعارضة، فالحزب موحد ومتناغم في خططه نحو الانتخابات المقبلة"، لكن واقع الحال ربما يتغير إذا ما خسر الحزب الأزرق الانتخابات البلدية بصورة تفجر المخاوف الكامنة في أوساط القاعدة الشعبية والقادة في الحزب.

"انقراض الحزب"

تقول صحيفة "ذا غارديان" في تقرير نشرته اليوم السبت الـ27 من أبريل (نيسان) الجاري إن في الحزب الحاكم من بات يخشى "انقراض" المحافظين بعد الانتخابات العامة المتوقعة قبل نهاية العام الحالي. ونقلت الصحيفة عن وزير الخروج الأسبق ديفيد فروست أن "الوضع يائس، وحالة الحزب اليوم ربما أسوأ من مرحلة ما بعد المرأة الحديدية مارغريت تاتشر".

وتلفت "ذا غارديان" إلى أن بعض "المحافظين" يشعرون بأن الحزب قد وصل إلى الحضيض كقوة انتخابية، لكن مثل هذه اللغة ليست بجديدة. فالخوف من "الانقراض" هو "جزء من تقليد محافظ طويل الأمد" يظهر كلما مر الحزب بمرحلة مظلمة. فتردد عام 1882، وفي 1945، وبعدها 1974، ومن ثم انتشر بعد فوز "العمال" بزعامة طوني بلير عام 1997.

الخشية من "الانقراض" تترجم وفق تقرير لصحيفة "اندبندنت" إلى خسارة ممكنة لحزب "المحافظين" على رغم ضعف جاذبية الأحزاب السياسية على الساحة البريطانية. فـ"العمال" لا يقدمون بديلاً مغرياً للناخبين، ولا يوجد بين ساسة اليوم من يتمتع بـ"كاريزما" طاغية، تفرض نفسها شعبياً، لكن "أخطاء جونسون وتراس حسمت المعركة ضد الحزب الأزرق".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير