Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فشل الحلول الأحادية: البشر ليسوا آلات

لا معنى لأي حكم لم ينجح في التنمية وتحسين شروط الحياة وتطوير المجتمع وضمان المستقبل الزاهر له

يقول البروفيسور مايكل ساندل في كتاب "سخط الديمقراطية" إن "الديمقراطية ليست ممكنة اليوم من دون سياسات تسيطر على قوى الاقتصاد الكوني (أ ف ب)

ملخص

حين تموت الأيديولوجيات القائمة على نظريات طابعها علمي فإن إقامة نظام على أيديولوجيا دينية مرتبطة بالغيب، كما في حال جمهورية الملالي في إيران، تبقى محاولة من خارج العصر يصعب أن تلبي متطلبات الإنسان في القرن الـ21 بمفاهيم من القرن العاشر.

لا شيء اسمه موت الأيديولوجيا، وإن سجل كثر نهايتها في أواخر القرن الـ20، إذ سارع فرانسيس فوكوياما إلى إعلان "نهاية التاريخ". وسواه استعجل "نهاية الجغرافيا"، لكن حياة الأيديولوجيا بدت في التطبيق العملي نوعاً من الموت المغلف بالأحلام. فالبشر ليسوا آلات.

الإنسان، بالتالي المجتمع، بسيط ومعقد في آنٍ، وليس لمشكلات البشرية حلول أحادية عمل لها أصحاب الأيديولوجيات، وجاءت التجارب كارثية أضافت مشكلات جديدة إلى المشكلات التي جرت محاولات حلها بقرارات راديكالية.

وما كان الفيلسوف أشعيا برلين يتحدث في الإطار النظري فحسب من دون معاينة التجارب حين قال: "أكبر وهم هو الأحادية"، ثم أضاف إلى ذلك وهمين: "النسبية، بمعنى أن كل القيم صالحة، والحتمية، أي إن الأفراد لا يشكلون فرقاً في مسيرة التاريخ".

كان الفيلسوف هيغل أول من أشار ضمناً إلى نهاية التاريخ بالتركيز على "التاريخ الكلي" والتأكيد أن "التاريخ هو الحكم الأخير". ماركس أقام نظريته على "صراع الطبقات" واعتبر أن انتصار "البروليتاريا" هو الفصل الأخير في الصراع، وعملياً نهاية التاريخ. نيتشه تحدث عن "الإنسان السوبر" في الصراع، حيث "البقاء للأقوى". ومن هنا جاءت الفاشية في إيطاليا والنازية في ألمانيا، وسبقتهما "العسكريتاريا الإمبراطورية" في اليابان.

أما الديمقراطية الليبرالية، فإنها بدت البديل الواقعي من كل ذلك، قبل انهيار الاتحاد السوفياتي وبعده، وقبل تجربة الفاشية والنازية وبعدها. والمفتاح السحري هو حرية الرأي والتعبير والتعددية والتمثيل الشعبي. أكثر من ذلك، فإن الديمقراطية ليست فحسب حكم الأكثرية، بل أيضاً "ضمان حقوق الأقلية"، بحسب آباء الدستور الأميركي.

لكن المسألة ليست أسود وأبيض. فكل نظام خلق مشكلة خاصة به. وكل فكرة اصطدمت بصعوبة خلق "الإنسان الجديد" وعناد التعقيدات الاجتماعية.

النظام الاشتراكي في الاتحاد السوفياتي سقط قبل الوصول إلى المرحلة الشيوعية "الطوباوية" التي تصورها ماركس، أي الانتقال من "كل بحسب قدرته" إلى "كل بحسب حاجته".

وجاء السقوط من باب الاقتصاد الذي من أجله أخذ النظام الحرية لكي يقدم الخبز للشعب، فوجد الشعب نفسه بلا حرية ولا خبز. مجرد صواريخ ودبابات ومدافع.

النظام الفاشي والنظام النازي و"العسكريتاريا الإمبراطورية" سقطت بالجشع للتوسع في احتلال البلدان وفرض الحروب والخضوع على الآخرين الذين حاربوا بشجاعة وأسقطوا تلك الأنظمة بالقوة الصلبة قبل القوة الناعمة. والنظام الديمقراطي الليبرالي وقع ضحية الاقتصاد الكوني.

ويقول البروفيسور في هارفرد مايكل ساندل في كتاب "سخط الديمقراطية" إن "الديمقراطية ليست ممكنة اليوم من دون سياسات تسيطر على قوى الاقتصاد الكوني، ومن دونها ليس المهم لمن تصوت الناس لأن الشركات الضخمة هي التي تحكم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحين تصل كلفة المعركة الرئاسية في أميركا إلى مليارات الدولارات فإن المتبرعين الكبار هم الذين تسود مصالحهم. وبكلام آخر، فإن الحاكم في النظام الاشتراكي لم يكن "البروليتاريا"، بل نخبة الحزب الشيوعي التي جاءت من الطبقة الوسطى وتجاوز بعضها في الحكم حياة الطبقة الوسطى.

والحاكم في الفاشية والنازية و"العسكريتاريا" لم يكن "الإنسان السوبر"، بل الرجل الديماغوجي المسمى "الدوتشي" و"الفوهور" و"ابن الشمس". ألم يكن أدولف هتلر الذي سارت خلفه ألمانيا رساماً فاشلاً في النمسا، فتطوع في الجيش الألماني خلال الحرب العالمية الأولى بحيث نال رتبة عريف؟

والحاكم في النظام الديمقراطي الرئاسي أو البرلماني الليبرالي ليس السياسيين المنتخبين، بل أيديولوجيو الأحزاب وأصحاب الشركات العملاقة الذين وضعوهم في الواجهة، فضلاً عن أن الفاشية والنازية والفردية الأميركية هي، في رأي أنطونيو غرامشي من "الثورات السلبية" التي جاءت بعد حروب نابليون والحرب العالمية الأولى.

ولا بد من توازن بين الفردية والجماعية، إذ حقوق الفرد تقابلها واجباته تجاه المجتمع. ولا معنى لأي حكم لم ينجح في التنمية وتحسين شروط الحياة وتطوير المجتمع وضمان المستقبل الزاهر له. وأخطر ما نراه حالياً، وسط اليأس والفوضى، هو العودة إلى ما سماه جان فرنسوا ريفيل "إغراء التوتاليتارية". فالحاكم الفرد الذي يتخذ القرارات ويبدو الأقدر على مواجهة التطورات والأسرع في تلبية الحاجات أو ما كان يسمى "المستبد العادل" صار على الموضة في هذه الأيام.

زعماء الصين وكوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا وروسيا وبيلا روسيا صاروا النماذج التي يطمح إليها ترمب في أميركا ورجب طيب أردوغان في تركيا وفيكتور أوربان في المجر وآبي أحمد في إثيوبيا ودودا في بولنده، وهذا ليس حلاً بمقدار ما هو مشكلة.

ويروي الملك الحسن الثاني في كتاب "ذاكرة ملك" أنه عندما كان رئيساً للوزراء في حياة والده الملك محمد الخامس سأل الزعيم السوفياتي بريجنيف عن تجربة الخطط البعيدة المدى في الاقتصاد، الخماسية والعشرية، فقال له: إياك اعتماد خطة لخمس سنوات، لأن من الصعب تصحيح أي خطأ عند اكتشافه.

ومن الوهم الرهان على المستبد العادل، لأن المستبد لا يمكن أن يكون عادلاً. إيفان الرهيب بدأ ممارسة الحكم كعادل، ومع الوقت أصبح مستبداً صارماً نسي العدالة، وأمر يوماً بتقطيع فيل لأنه مر أمامه في حديقة القصر فلم يرفع خرطومه بالتحية له.

وحين تموت الأيديولوجيات القائمة على نظريات طابعها علمي، فإن إقامة نظام على أيديولوجيا دينية مرتبطة بالغيب، كما في حال جمهورية الملالي في إيران، تبقى محاولة من خارج العصر يصعب أن تلبي متطلبات الإنسان في القرن الـ21 بمفاهيم من القرن العاشر.

والثابت، بصرف النظر عن المتغيرات، أمران: الحاجة إلى الأفكار، والصراع على المصالح، لكن المهم في المتغير هو السياسات التي تستند إلى الأفكار وتخدم حماية المصالح. و"الآراء ليست سياسات"، كما كان يقول وزير الخارجية الأميركي سابقاً دين راسك.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء