Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل استغلت "باربي" مشاعرنا وغرائزنا في أغراض ربحية؟

حكاية مؤثرة لدمية استمر تخليقها عقوداً وطرحت أخيراً عبر فيلم لجأ منتجوه للأسطورة بهدف إنقاذ اللعبة الشهيرة من الزوال

"باربي" لبست ثياب رائد الفضاء قبل هبوط أرمسترونغ على القمر لأنها تريد الاعتراف بريادتها في الحياة وعكس أساطير بدائية تلحق الأنثى بالذكور (رويترز)

ملخص

هدف "باربي" أن تجد طفلاً يلعب معها والمقصود هنا أن تصبح أماً وتنال أول دور تاريخي لها في مسيرة البشرية على الأرض

بعد فترة وجيزة من طرحه في دور العرض، حاز فيلم "باربي" للمخرجة غريتا غيرويغ أخيراً على اهتمام عالمي منقطع النظير، وفي حين يرجع كثيرون سبب هذا الاهتمام إلى استغلال العمل لمشاعر الإنسان وغرائزه البدائية لتحقيق أغراض ربحية، لأن توقيت عرضه جاء غداة اعتقاد كثيرين بقرب نهاية زمن اللعبة "باربي"، ومن خلال قضايا تقليدية الهدف منها اللعب على وتر الجندرية الذكورية والشذوذ الجنسي الحساس، خصوصاً في المجتمع الشرقي.

 

أسباب أخرى

إلا أن هناك أسباباً وراء حصد الفيلم إيرادات ضخمة وتغطية إعلامية شبه يومية، فالعمل الذي جاء في فترة شيخوخة "باربي" ( ما يزيد على 60 عاماً من ولادتها رسمياً) منح الدمية المتهمة بالسطحية والسذاجة طوال عقود طويلة، أملاً في حياة جديدة من خلال قصة مغايرة، مع إنتاج وإخراج يعتمدان على حكاية أسطورية لم يصرح عنها الفيلم، هي قصة "آدم وحواء"، لتصبح الدمية الخرقاء "باربي" في غمضة عين، رمزاً لعذابات "حواء" منذ الأزل وجميع النساء حول العالم قديماً وحديثاً، وتتحول اللعبة التي ولدت بلا حكاية مؤثرة في خمسينيات القرن الماضي، إلى أيقونة تتطفل على إرث النساء، إذ يزعم الفيلم أن المظلومية التاريخية التي تعرضت لها المرأة، تمثلت في حقيقة الأمر بطمس دورها الريادي في تأسيس الحياة على الأرض، ليس من خلال دورها كأم وحسب، ولكن من خلال أدوار أقدم من ذلك بكثير، أهمها دورها في تشكيل وتعديل الأسطورة البدائية لـ "آدم" و"حواء"، فالفيلم، وفق هذه الرؤية، قسم الرجال إلى قسمين، فئة لامت "حواء" - "باربي" على إخراجها لأبينا "آدم" من الجنة، وهم الذكور الشرقيون، وفئة الذكور الغربيين اعترفت بفضلها المتمثل في تحويل الإنسان من "دمية" لا هوية لها تعيش من دون طائل في العالم المثالي، الجنة في الأسطورة أو مدينة الدمى والألعاب في الفيلم إلى مخلوق أسطوري، إذ تقول "باربي" إن الإنسان على الأرض في الأسطورة أو في الواقع ،وفق الفيلم، تحول بفضل الخروج من الجنة إلى كائن متحضر عاقل تسيد الحياة وتمتع بإرادة وذكاء خولاه غزو الفضاء الذي طرد منه ذات يوم.

 

ضجة إعلامية وأرباح تجارية

وتتربع الدمية "باربي" اليوم على عرش وسائل الإعلام، فالفيلم حقق إيرادات ضخمة، والضجة المثارة حوله عبرت الدول، ويكمن سر نجاح حكاية "باربي" اليوم، بعد ما زاد على 60 عاماً من مولدها في منتصف القرن الماضي، في كون الحكاية أخذت وقتها حتى تخلقت، ثم أطلقت في توقيت مناسب، فمطالعة الأسواق والمبيعات للفيلم والدمية تؤكد أن "باربي" تخلصت من جميع منافسيها التقليديين، بدءاً بمواطنتها الدمية "براتز"، والعربية المحجبة "فلة"، والدمية صاحبة الحكاية المؤثرة "إلسا" من شخصيات فيلم "فروزن"، كما تخلصت سابقاً من أسطورة "سندريلا" وأمها الروحية الدمية الألمانية "ليلي"، التي استوحت روث هاندلر 1916-2002، مبتكرة "باربي"، شخصية دميتها الشهيرة منها، حتى أنها، وكما تؤكد حبكة الفيلم، تفوقت على غريمات تقليديات كثيرات لها وهي من بنات جنسها وتحمل اسمها ذاته.

كيف حققت "باربي" ذلك؟

للإجابة عن السؤال كيف تحقق ذلك؟ نحتاج للعودة إلى الوراء وتحديداً إلى عام 1959 سنة مولدها الرسمية، وهي الفترة التي عدلت بها هاندلر الدمية الألمانية "ليلي" صاحبة الوجه الشاحب والنظرة الجانبية المستوحاة من الصحافة الألمانية لتصبح دمية شقراء نحيلة ذات ملامح فاتنة ومقاسات أكثر مواءمة للزمن الجديد الذي تخوضه المرأة بعد الحداثة، فـ "ليلي" كانت فتاة عاملة لكنها ذات نظرة جانبية بمعنى أنها لا تواجه الحياة مباشرة، وتعد من مخلفات زمن تطفل النساء على الرجل، هي أيضاً نصف "سندريلا" لأن الأخيرة احتاجت للسحر والقوى الخارجية لتحقيق أسطورتها كما احتاجت "ليلي" الألمانية للرجل، فيما "باربي" ولدت مع سردية أخرى، من دون حكاية مؤثرة تكتسب من خلالها تعاطف الآخرين، لأنها لا تحتاج ذلك، كونها حصلت على استقلاليتها من أول أيام ولادتها، فهي عارضة أزياء، وعضو مجلس إدارة في شركة طيران، وتعمل كمضيفة باختيارها، ورائدة فضاء، حتى أنها لبست زيها الفضائي سنة 1965 ضمن إحدى شخصياتها قبل أن يهبط نيل أرمسترونغ على القمر عام 1969، وهي أيضاً عالمة، وتقول الموسوعة العلمية الأوروبية إنها عملت في 200 وظيفة خلال نصف عقد من الزمن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

افتخار المرأة

أظهرت "باربي" افتخار المرأة وجنس حواء كاملاً بعرقها، فالمرأة الغربية الحديثة ترى نفسها بمثابة مطلق شرارة الثورة الإدراكية الإنسانية الأولى، من خلال إغواء "آدم" والنزول به - معه إلى الحياة الدنيا، تماماً كما أخذت "باربي" معها "كن" خارج مدينة الدمى في رحلة "إثبات الذات"، ووفق فيلم المغامرات الكوميدي "باربي" وهو من بطولة مارغوت روبي ورايان غوسلينغ، فإن "باربي - حواء"، أرادت خوض تجربة الحياة وحيدة، لكن "كن – آدم" المفتون بها والخائف من غضب الرب، تسلل خفية ولحقها ليخوض معها التجربة، وتقول كتب معرفية وموسوعات منها "الموسوعة العربية"، إن الإنسان تحول من "حيوان" إلى مخلوق رفيع خلال رحلة تطوره التي امتدت عبر ملايين السنين، فيما عبر مؤلفون عن ذلك بوصف تطور الانسان بعد تحقيق ثورة العلم والمعرفة وتدرجه في الرتب الكونية حتى وصل إلى ما هو عليه في الحداثة بوصفه إنساناً عاقلاً اعتاد الرفاهية حتى اقترب من كونه مخلوقاً خالداً بفضل العلم والوعي بقولهم، "إن الإنسان تحول بعد هبوطه على الأرض من مجرد حيوان ناطق إلى مخلوق يتمتع بصفات خارقة للطبيعة. لذلك تنسب باربي - حواء الفضل إلى عرقها الذي أطلق شرارة العصيان، بوصول الإنسان إلى هذه المنزلة الرفيعة، وتفتخر بكونها لعبت دوراً حاسماً في توجيه آدم نحوه من خلال إغوائه، فخرج من الجنة وأصبح هو وشريكته غير مناسبين للحياة فيها مثل بقية المخلوقات المثالية أو ما يعبر عنه الفيلم بالدمى في مدينة الألعاب".

"كِن"

من دون أي تذمر، يرتدي "كِن" البطل الذكوري في الفيلم زي "باربي" الأنثوي، لكن "باربي" الدمية ظلت عقوداً حكراً على الأنثى ولم يصدر منها نسخة ذكورية إلا من خلال فيلم الحركة الحية الأول لها في يونيو (حزيران) 2023، بعد سلسلة من الإصدارات وأفلام عدة بصيغة الرسوم المتحركة، بمعنى أن الرجل الغربي الأوروبي والأميركي تحديداً، قبلا برحابة صدر بدور المرأة المزعوم الذي أطلق شرارة تمرد الإنسان على النظام المثالي المتعالي على طبيعة البشر وفق حكاية "باربي".

أصداء الفيلم شرقاً

وجاءت أصداء الفيلم في دور السينما الآسيوية والعربية مختلفة كثيراً مع رموز الحكاية الغربية، فالرواية الدينية التي تؤسس علاقة الرجل الشرقي بالمرأة هي رواية مقدسة، وتأتي معكوسة تماماً في العمل وضد العقيدة الدينية لشريحة واسعة من الناس الذين رفضوا أن تؤرخ الحكاية الجديدة لـ "باربي" لعلاقة أخرى بين "آدم" و"حواء" في الوقت الراهن، وبطريقة واقعية وعملية لا أسطورية بحتة، إذ يلوم الرجل العربي أمنا حواء لأنها أخرجت أبانا "آدم" من الجنة، بمعنى أن "باربي" أعادت قسم العالم إلى نصفين متناقضين يتمسك كل منهما بسرديته عن العلاقة بين الرجل والمرأة، فالرجل الغربي "كِن" الذي يرافق "باربي" في رحلتها لا يتورع عن ارتداء زيها الوردي الأنثوي الشهير، لأنه يعد نفسه شريكاً في المغامرة المسلية، ويعترف لها بالريادة وحقها في القيادة، فيما الرجل الشرقي يرى ذلك بمثابة انحراف جنسي خادش لذكورته ولا يمكن القبول به والتعايش معه، وداخل الفيلم يسأل "كن" قائدته في الرحلة "باربي" عن كل شيء، حتى عن الطريقة التي سوف يصير بها رجلاً، وتبدو "باربي" بصورة العارفة لكل الإجابات، والمبادرة حتى في العلاقة الجنسية، ما ينافي مجدداً الثقافة الشرقية.

الذكورة الطاغية

ليس الرجل الشرقي وحده من يرفض دور الأنثى هذا، فإيلون ماسك كتب في تغريدة عبر منصة "إكس" (تويتر سابقاً) "الفيلم يحمل أجندة مناهضة للإنسان"، فيما تعدى الحضور الذكوري الطاغي في بعض عوالمنا المعاصرة حاجزاً جندرياً ظهر من خلال تعليق رائج لزوجة السياسي الأميركي مات غيتز، التي وصفت العمل أنه يجسد "الهمجية الأنثوية"، أما محمود القاسمي (أحد المغرّدين) فيرى أن الفيلم "تافه وسخيف" متسائلاً عن مغزى تركيز الفيلم على ريادة الأنثى ويضيف "يصور الفيلم الأمر على أنه لا يمكن للرجل والمرأة العيش معاً على أرض واحدة بعيداً من هيمنة الأنثى؟ وتمثل هذه الآراء العالم المثالي للعلاقة بين الرجل والمرأة، وهي العلاقة التي تجعل كل الرجال في عالم الدمى الذي هرب منه الشريكان "باربي وكن إلى العالم الحقيقي وفقاً لمقطع ترويجي للفيلم، بغض النظر عن ألوانهم وأعراقهم وشخصياتهم، فيما كل النساء اسمهن باربي مع أن هناك نسخاً متباينة منهن".

"باربي" المشوهة

وخلال أحداث الفيلم، تقوم النسخة غريبة الأطوار من "باربي" التي تظهر بدور المشوهة والمنبوذة، لكنها حكيمة الشيطان، بدفع "باربي" البطلة "حواء"، للخروج من العالم المثالي، بعد اكتشاف عدم مثاليتها وميولها الغريزي للأمومة، وتقول لها إن عليها لكي تعالج "معاناتها" أن تخرج للعالم الحقيقي وتجد طفلاً يلعب معها، والمقصود هنا أن تصبح أماً، وتنال أول دور تاريخي لها في مسيرة البشرية على الأرض.

يذكر أن أول مشاهد الفيلم تؤكد على وجهة نظر الأمهات، فتقول الحكاية إن الأم تقوم بكل المهمات بينما الرجال "كن" يمضون أوقاتهم على الشاطئ، وهذه النظرة هي نظرة إنسانية تشاركتها الأمهات عبر التاريخ من منظور أن الرجل يخرج من المنزل للعمل، ثم يمضي بقية أيامه متسكعاً ومهملاً لأهم وأخطر وظيفة وهي مشاركة المرأة في أعمال المنزل وتربية الأبناء. ومن خلال هذه المقولة الافتتاحية للفيلم تتحقق مسألة تحول شخصية "باربي" من الدمية البلهاء السطحية ذات المواصفات الخيالية جسدياً وجمالياً المتفرغة لجمالها والمدمنة على التسوق، إلى "حواء" جديدة تعبر عن عذابات كل الأمهات في العالم على مر التاريخ، ما يعد إخراجاً جديداً لشخصية "باربي" المواطنة الأميركية غير المسؤولة أو المستهترة، لتصبح امرأة ناضجة وبالغة وعاقلة ومستقلة، تصبح بعد نجاحها في الواقع جديرة بأن تنطق بلسان كل النساء اللواتي ما زلن مهمشات في العالم في وقتنا الراهن.

المزيد من منوعات