Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المسارات البديلة لحبوب أوكرانيا في مرمى النيران الروسية

الاتحاد الأوروبي يدعم "ممرات التضامن" بعد إنهاء موسكو اتفاق التصدير عبر البحر الأسود

أوكرانيا تعمل على تنويع خيارات التصدير منذ انسحاب روسيا من اتفاق تصدير الحبوب (أ ف ب)

ملخص

الاتحاد الأوروبي يدعم "ممرات التضامن" لنقل الحبوب الأوكرانية إلى الخارج لكن القصف الروسي طاول موانئ النقل وعطل مساراتها.

 

فشلت الأسلحة العسكرية في حسم الحرب المستعرة في أوكرانيا منذ نحو 18 شهراً حتى الآن، لكن سلاح الغذاء قد يكون مؤثراً في مسارها، فمنذ رفض روسيا تمديد اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، يتابع العالم الموقف بترقب أسعار صادرات القمح، وفيما يحاول الاتحاد الأوروبي دعم كييف في التصدير عبر طرق برية بديلة، سماها "ممرات التضامن" واستخدمت خلال الأشهر الماضية يظل نقل كامل الصادرات الأوكرانية عبرها تواجهه عقبات كثيرة.

وانسحبت موسكو من اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود في 17 يوليو (تموز) الماضي، بعدما اعتبرت أن الاستمرار فيه بلا جدوى، واتهمت أوكرانيا بتوريد حبوبها بعيداً من الدول الفقيرة التي كانت الهدف الرئيس للاتفاق، إضافة إلى القيود على تصدير الحاصلات الزراعية والأسمدة الروسية، نتيجة العقوبات الغربية.

بعد أيام من قرار موسكو أعلن الاتحاد الأوروبي على لسان مفوض الزراعة يانوش فويتشوفسكي، استعداده لتصدير جميع السلع الزراعية الأوكرانية تقريباً عبر ما سماه "ممرات التضامن"، وهو المصطلح الذي يشير إلى مسارات التصدير بحراً عبر نهر الدانوب ومضيق البلطيق، وبراً عبر السكك الحديدية إلى دول الاتحاد.

دعم "اليورو"

ووفق المسؤول الأوروبي، فإن دول تكتل (اليورو) مستعدة لتصدير كل ما تحتاج إليه كييف عبر ممرات التضامن، والتي تبلغ نحو أربعة ملايين طن شهرياً، مشيراً إلى أن تلك الكمية أمكن تصديرها في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، كما أبدى الاستعداد لتقديم "دعم" بهدف تقليل كلف مرور الحبوب الأوكرانية عبر القطارات والشاحنات والتي وصفها بـ"المرتفعة للغاية". وحذر من أن عدم تنفيذ ذلك سيدفع العملاء إلى شراء المنتجات الروسية الأرخص ثمناً.

وخلال مؤتمر صحافي الشهر الماضي أيد فويتشوفسكي مطلب كييف بتفتيش الشحنات جمركياً في الموانئ الأوكرانية بدلاً من حدود الاتحاد الأوروبي بهدف تقليل الطوابير وتخفيف الزحام.

كذلك، قالت المتحدثة باسم مفوضية التجارة في الاتحاد الأوروبي ميريام جارسيا فيرير، إنه يتم حالياً تكثيف العمل لزيادة القدرة الاستيعابية لممرات التضامن، والتأكد من القدرة على تيسير الإجراءات لتسهيل التدفق التجاري.

وعلى مدى العام الماضي تمكنت كييف من تصدير 32 مليون طن من الحبوب والزيوت والنفط وغيرها من المنتجات عبر البحر الأسود، في مقابل 33 مليون طن عبر الطرق البديلة. وبحسب نائب وزير السياسة الزراعية والغذاء الأوكراني، تاراس فيسوتسكي، فإن طريق نهر الدانوب الأكثر فاعلية، حيث صدرت عبرها نحو 20 مليون طن من الحبوب والنفط، إضافة إلى ما يقرب من 10 ملايين طن من الحبوب عبر السكك الحديدية، وثلاثة ملايين طن أخرى براً.

وتخطط كييف لزيادة حجم التصدير عبر تلك الطرق الثلاثة إلى ما يتراوح بين 40 و42 مليون طن. وأشار المسؤول الأوكراني في تصريحات صحافية إلى أن المنتجين الزراعيين يضخون استثمارات في تعزيز وبناء البنى التحتية للموانئ النهرية، فضلاً عن استمرار المفاوضات لتسهيل عمليات التفتيش على الحدود الأوروبية، لأنها تبطئ النقل البري للموانئ الأوروبية.

مسارات بديلة

تعمل أوكرانيا على تنويع خيارات التصدير منذ انسحاب روسيا من الاتفاق الذي وقع في يوليو 2022 بإسطنبول، إذ أعلن وزير الخارجية الأوكراني دميتري كوليبا الاتفاق مع كرواتيا على تصدير الحبوب عبر موانئها في نهر الدانوب والبحر الأدرياتيكي، موضحاً أنه يتم العمل على إنشاء أكثر الطرق فعالية لهذه الموانئ.

وتقدمت دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي باقتراحات لتعزيز استخدام ممرات التضامن، إذ دعت حكومة ليتوانيا بروكسل إلى زيادة الاعتماد على موانئ دول البلطيق (ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا) مروراً بأراضي بولندا، في دعم صادرات الحبوب الأوكرانية، بعد انسحاب روسيا من اتفاق التصدير عبر البحر الأسود.

وطالب ثلاثة وزراء ليتوانيين المسؤولين الأوروبيين بالحد من الإجراءات الإدارية على الحدود بين بولندا وأوكرانيا، وتنفيذ إجراءات التفتيش في موانئ بحر البلطيق، موضحين أن البنى التحتية في تلك الدول قادرة على استيعاب 25 مليون طن من الحبوب باعتبارها بديلاً ممكناً وموثوقاً.

قيود تجارية

بدورها، أعلنت سلوفاكيا على لسان وزير الزراعة سعيها إلى دعم أوكرانيا من خلال استخدام الطرق والسكك الحديدية والطرق البحرية، مشيراً إلى الكلفة المرتفعة نسبياً لتلك الممرات، كما اشترط ألا يكون ذلك على حساب الزراعة في بلاده، ويعبر ذلك عن عقبة رئيسة أمام نجاح ممرات التضامن، إذ يشهد الاتحاد الأوروبي في الأشهر الأخيرة خلافات حول واردات الحبوب الأوكرانية بسبب مطالبة بولندا وبلغاريا ورومانيا وسلوفاكيا والمجر فرض قيود تجارية على حبوب كييف، سعياً إلى حماية مزارعيها، وانتهى الأمر إلى موافقة المفوضية الأوروبية على مرور الشحنات الأوكرانية عبر الدول الخمس من دون الاستقرار بها، وتسعى تلك البلدان إلى تمديد تلك القيود بعد انتهاء صلاحيتها في 15 سبتمبر (أيلول) المقبل، وتوسيعها لتشمل المحاصيل الأخرى، وسينظر الاتحاد الأوروبي في الطلب خلال أغسطس (آب) الجاري، وفق مفوض الزراعة في الاتحاد.

وتخشى الدول الخمس من أن تؤدي وفرة المعروض إلى التأثير في الأسعار واستنفاد مساحات التخزين، لكن وزير الزراعة الألماني انتقد موقفهم باعتبارهم حصلوا على 100 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي لتعويض مزارعيهم، كما اعتبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أي تمديد للقيود التجارية "غير مقبول".

وعلى رغم سعي كييف إلى تفعيل الطرق البديلة للبحر الأسود فإنها لن تكون بالفعالية نفسها، بحسب الدبلوماسي الأوكراني السابق بوهدان هورفات، الذي وصف استخدام الممرات البرية بأنه يشبه بيع المياه في زجاجات بدلاً من تمريرها في أنابيب.

وقال هورفات في حديثه لـ"اندبندنت عربية" إنه لا بديل عن الضغط الدولي على روسيا للعودة إلى اتفاق تصدير الحبوب، معتبراً أن الحصار البحري "جريمة كبرى" وانتقد صمت الدول الأفريقية الأكثر حاجة إلى صادرات القمح على موقف موسكو بل والمشاركة في قمة روسيا أفريقيا في سانت بطرسبورغ نهاية الشهر الماضي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تعويض القمح الأوكراني

خلال قمة سانت بطرسبورغ أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استعداد بلاده لتعويض الدول الأفريقية عن صادرات القمح الأوكرانية سواء مجاناً أو على أساس تجاري، مشيراً إلى أنه خلال الأشهر المقبلة سيتم تقديم شحنات تتراوح بين 25 و50 ألف طن من القمح والحبوب إلى ست دول هي بوركينا فاسو وزيمبابوي ومالي والصومال وجمهورية أفريقيا الوسطى وإريتريا، لكن رئيس الاتحاد الأفريقي رئيس جزر القمر عثمان غزالي اعتبر أن العرض الروسي غير كاف وطالب بوقف إطلاق النار في أوكرانيا، وهو الموقف الذي تكرر من كثير من الزعماء الأفارقة المشاركين في القمة.

وتشكل روسيا وأوكرانيا 30 في المئة من إجمالي صادرات القمح عالمياً. وأدى انهيار الاتفاق إلى تقليل صادرات القمح الأوكراني بنسبة 40 في المئة في يوليو مقارنة بيونيو (حزيران) الماضيين.

وبعيداً من روسيا وحليفتها بيلاروس تمتلك أوكرانياً حدوداً مع بولندا ومولدوفا وسلوفاكيا والمجر ورومانيا، ويمر بها نهر الدانوب الذي يمر أيضاً في دول أوروبية عدة منها ألمانيا والمجر ورومانيا وكرواتيا.

واعتمد المصدرون الأوكرانيون على ميناء "إسماعيل" على نهر الدانوب لتمرير شحنات الحبوب، بخاصة أنه قريب من رومانيا، إلا أن قصف الميناء سلط الضوء على تركيز موسكو على الميناء الذي يعد الطريق الرئيس البديل منذ إعادة حصار موانئ أوكرانيا على البحر الأسود في منتصف الشهر الماضي.

رسالة روسية

يرى المتخصص في الشأن السياسي المقيم في موسكو محمود الأفندي أن الطريق البديل الذي كانت أوكرانيا وحلفاؤها بالاتحاد الأوروبي وأميركا يعملون على تفعيله هو التصدير من ميناء إسماعيل إلى رومانيا وتنطلق منها الشحنات عالمياً، لكن القصف الروسي للميناء كان رسالة واضحة لأميركا وأوروبا من موسكو بأنه من المستحيل تجاوزها في عملية تصدير الحبوب من دون شروط موسكو، معتبراً أن الأوكرانيين والأوروبيين فهموا تلك الرسالة وحتى في حال إصلاح الميناء سيتم ضربه مجدداً من قبل روسيا.

كان بوتين قد حدد، بعد يومين من انتهاء اتفاق الحبوب، شروط بلاده لاستئناف العمل به، وهي رفع العقوبات عن صادرات الحبوب والأسمدة الروسية، وإزالة جميع الحواجز أمام المصارف والمؤسسات المالية التي تخدم صادرات المنتجات الغذائية والأسمدة، وربطها مع نظام "سويفت"، واستئناف تصدير قطع الغيار ومكونات المعدات اللازمة لقطاع الزراعة وإنتاج الأسمدة إلى موسكو، إضافة إلى حل جميع المسائل المرتبطة مع الشحن البحري وتأمين الشحنات الزراعية التصديرية لبلاده، وتأمين السلاسل اللوجيستية للصادرات الغذائية، واستئناف عمل خط أنابيب الأمونيا "تولياتي – أوديسا"، وخلال الأسابيع الثلاثة الماضية جدد بوتين ذلك الموقف مراراً.

الأفندي اعتبر أن موسكو عازمة على مواصلة حصار أوكرانيا بحرياً، بما لا يدع أمام كييف سوى الطرق البرية لتصدير الحبوب، متهماً الاتحاد الأوروبي باستغلال ملف الغذاء كذريعة سياسية بدليل عدم توجه شحنات الحبوب الأوكرانية لدول فقيرة، موضحاً أنه من بين 33 مليون طن حبوب تم تصديرها خلال عام من تفعيل اتفاقية التصدير بالبحر الأسود، اتجهت 900 ألف طن فقط لدول أفريقية، كما أن الاتحاد الأوروبي فرض قيود على دخول المنتجات الأوكرانية لمجموعة الدول الخمس (رومانيا والمجر وبلغاريا وبولندا وسلوفاكيا).

صعوبات الطرق البديلة

تقف عقبات عديدة في وجه إيصال الحبوب الأوكرانية إلى موانئ الدول الأوروبية الأخرى على البحر الأسود. ويوضح الرئيس التنفيذي لجمعية الحبوب الأوكرانية سيرهي إيفاشينكو، في تصريحات صحافية، أن السفن الكبيرة لا يمكن تحميلها بشكل كامل في موانئ نهر الدانوب بسبب عمق المياه، مما يجعل من اللازم مرور السفن عبر ممرين مائيين هما قناة سولين ومصب بيستري، لكنهما غير مصممين لمرور سفن الشحن الثقيلة، لذلك تعمل كييف على إنشاء أماكن ترسو فيها السفن حتى تتمكن من نقل الحبوب عبر نهر الدانوب، بدعم من الاتحاد الأوروبي والحكومة الرومانية التي عليها إكمال إجراءات بدء المشروع.

أما على الصعيد البري فإن اختلاف المقاييس بين مسارات السكك الحديدية في أوكرانيا والدول الأوروبية يجعل من الصعب الربط بينهما، مما يجعل على كييف بناء شبكة على مقياس 1435 ملليمتراً مثل أوروبا بدلاً من المقياس الحالي وهو 1520 ملليمتراً، وهو ما يتطلب كثيراً من الوقت والكلفة، كما أن القطار الأوكراني الكامل يضم 45 عربة شحن على عكس القطارات الأوروبية التي تشمل 25 عربة فقط، مما يعني ضرورة ترك نحو نصف العربات عند عبور الحدود الأوكرانية.

تداعيات الانسحاب

الانسحاب الروسي من اتفاق الحبوب أدى إلى قفزة فورية لعقود القمح بنحو ثلاثة في المئة، وزادت تلك النسبة في الأيام اللاحقة بخاصة مع استهداف موسكو ميناء ومنشآت تخزين الحبوب في منطقة أوديسا الساحلية جنوب البلاد وميناء إسماعيل على نهر الدانوب، في الثاني من أغسطس الجاري، ووصلت أسعار القمح إلى أعلى مستوى لها في خمسة أشهر.

ويعني وقف روسيا العمل باتفاق تصدير الحبوب وإعلانها التعامل مع السفن في البحر الأسود باعتبارها "ناقلات عسكرية محتملة"، توقف شركات العالمية عن نقل حبوب أوكرانيا عبر البحر الأسود، بسبب عدم الحصول على موافقة موسكو، وسط ارتفاع الأخطار مع وجود السفن الحربية الروسية، مما يؤدي إلى ارتفاع كلفة التأمين على شحنات التصدير الأوكرانية. وتنعكس تلك الكلفة على أسعار الحبوب ويمكن ملاحظة ذلك في انخفاض الصادرات الغذائية بنحو 75 في المئة في مايو (أيار) الماضي مقارنة بأكتوبر (تشرين الأول) 2022.

كانت اتفاقية تصدير الحبوب قد أسهمت في تخفيف حدة أزمة الأمن الغذائي عالمياً، ومنعت انزلاق 100 مليون شخص في العالم إلى مرحلة الفقر المدقع، وفق تقارير دولية، ويعني إنهاء العمل بها خطر تفاقم أزمة انعدام الأمن الغذائي التي طاولت نحو 258 مليون شخص في 58 دولة بالعالم، إلى جانب معاناة نحو 47 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بحسب تصريحات لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "الفاو". وأدت الحرب في أوكرانيا إلى مواجهة نحو 725 مليون شخص للجوع عام 2022، ارتفاعاً من نحو 613 مليوناً في عام 2019.

المزيد من تقارير