ملخص
أول طائرة إيطالية تصل إلى ليبيا بعد انقطاع استمر 10 سنوات. فماذا يعني ذلك؟
أنهى رئيس حكومة الوحدة الليبية عبدالحميد الدبيبة مشاركته في مؤتمر روما للهجرة والتنمية عائداً على متن طائرة ركاب إيطالية للمرة الأولى منذ عقد كامل، في خطوة هللت لها حكومته كثيراً واعتبرتها إيذاناً برفع الحظر المفروض على المطارات الليبية من قبل الاتحاد الأوروبي.
وفي الوقت الذي احتفت به حكومة الدبيبة باستئناف الطائرات الإيطالية رحلاتها إلى ليبيا بتعداد مزاياها السياسية والاقتصادية، حاولت جهات معارضة للحكومة التقليل من أهميتها وصنفتها في إطار الدعم السياسي من إيطاليا لحكومة الوحدة في مقابل صفقات اقتصادية تشكل أهمية كبيرة لها، لرفع المعاناة عن اقتصادها المتعثر بسبب الحرب في أوكرانيا وخصوصاً في مجال الطاقة.
بعد غياب طويل
وأجرت طائرة تابعة للخطوط الجوية الإيطالية الرحلة التي كان على متنها رئيس وزراء حكومة الوحدة الليبية عبدالحميد الدبيبة، وقالت إنها "رحلة تجريبية من روما إلى طرابلس" بعد انقطاع دام نحو 10 سنوات نتيجة فرض الاتحاد الأوروبي حظراً جوياً على البلاد.
وفور وصوله إلى مطار معيتيقة في طرابلس أدلى الدبيبة بتصريحات قال فيها إن "رحلة اليوم كانت تجريبية، وهي بمثابة إعلان عملي لرفع حظر الطيران المدني المفروض على المطارات الليبية في الأجواء الأوروبية، بينما سيبدأ انطلاق الرحلات للمواطنين عبر الطيران التجاري إلى روما خلال سبتمبر (أيلول) المقبل".
وأكد الدبيبة في كلمته "ارتفاع نسبة قبول طلبات الليبيين للتأشيرة الأوروبية إلى نحو 75 في المئة من الطلبات لدى بعض السفارات"، مشيراً إلى "عزم الحكومة توفير تسهيلات أكثر مع إعادة فتح الأجواء".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جهته عبر مدير مؤسسة الطيران المدني الإيطالي بيرلويجي دي بالما عن سعادته بعودة الرحلات المباشرة بين ليبيا وإيطاليا، واصفاً الحدث بـ "التاريخي والمهم لكلا البلدين والشعبين".
كما اعتبرت سفارة إيطاليا لدى ليبيا استئناف الرحلات الجوية بين طرابلس وروما "نجاحاً فائقاً تم التوصل إليه بالعمل المشترك بين ليبيا وإيطاليا".
وقالت السفارة الإيطالية في تغريدة لها على "تويتر"، "بعد انقطاع دام لسنوات هبطت في طرابلس أول رحلة مباشرة لشركة الخطوط الإيطالية وعلى متنها رئيس حكومة الوحدة الوطنية".
ورأت وزارة الخارجية في حكومة الوحدة في طرابلس أن خطوة استئناف الرحلات الجوية بين طرابلس وروما ستجني البلاد منها كثيراً من الثمار السياسية والاقتصادية، وستشكل عاملاً مهماً لتوطيد العلاقات السياسية مع دول الاتحاد الأوروبي.
وقالت الوزارة في بيان إن "استئناف الرحلات الجوية بين ليبيا وإيطاليا يسهم في دعم جهود الوزارة بالدفع في اتجاه توطيد علاقات دولة ليبيا مع الاتحاد الأوروبي في عدد من الملفات، وأهمها عودة البعثات الدبلوماسية للدول الأعضاء بالاتحاد للعمل بالعاصمة طرابلس".
وأوضحت أن "استئناف الرحلات الجوية بين ليبيا وإيطاليا يأتي تتويجاً لجهود وزارتي الخارجية والتعاون الدولي والمواصلات والمؤسسات المعنية بحكومة الوحدة الوطنية ضمن مسار تعزيز التعاون المشترك مع السلطات في إيطاليا".
عقد من الحظر
وبدأ الحظر الجوي الأوروبي على ليبيا في الـ 11 ديسمبر (كانون الأول) 2014 حين حظرت المفوضية الأوروبية مرور الطائرات التابعة لشركات الطيران الليبية فوق أجواء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لدوافع تتعلق بضوابط السلامة في البلد الذي يشهد توترات أمنية من وقت لآخر، وبشكل رسمي لا يزال حظر الطيران المدني الليبي فوق الأجواء الأوروبية مستمراً إلى الآن.
وقالت حينها مفوضة النقل في الاتحاد الأوروبي فيوليتا بولك في بيان الحظر إن "الأحداث الأخيرة في ليبيا أنتجت وضعاً لم تعد فيه سلطة الطيران المدني قادرة على الوفاء بالتزاماتها الدولية المتعلقة بسلامة قطاع الطيران الليبي"، مضيفة أن "أولويات الاتحاد الأوروبي في ما يخص الطيران المدني هي سلامة الركاب"، ومعبرة عن "استعداد الاتحاد الأوروبي لمساعدة قطاع الطيران الليبي حالما يسمح الوضع الميداني بذلك".
وعلى رغم مرور ثلاثة أشهر على إعلان قرار رفع الحظر من جانب إيطاليا ودخوله حيز التنفيذ أمس الإثنين، فإن المفوضية الأوروبية لم تصدر أي تعقيب على القرار منذ إعلانه من جانب روما.
وانعكس قرار الحظر الجوي الأوروبي منذ صدوره على ليبيا بنتائج كارثية، وبحسب بيانات رسمية فإن الاقتصاد الليبي وشركات الطيران المحلية خسرت بشكل فوري بعد القرار 85 في المئة من محطاتها في الخارج بسبب فرض حظر الطيران للدول الأوروبية، وتسبب القرار بمعاناة كبيرة جداً للمسافر الليبي الذي أصبح يضطر إلى المرور بخمس عواصم ودفع مبالغ كبيرة بالعملة الصعبة من أجل الوصول إلى دولة أوروبية، ولذلك اقتصرت رحلات الطيران في ليبيا على تونس والأردن وتركيا ومصر والسعودية فقط، ولم يعد هناك وجود لأية شركات طيران عالمية منافسة في ليبيا باستثناء ثلاث شركات خاصة.
هذه الصدمات العنيفة لقطاع الطيران الليبي جاءت بعد تعرض مطارات عدة في ليبيا إلى أعمال عنف وتخريب خلال السنوات السابقة، بينما تعرض معظم أسطولها المدني الجوي للحرق مما جعل قطاع الطيران المدني في ليبيا أحد أكثر القطاعات تضرراً وتأثرا بالأزمات الاقتصادية والسياسية في البلاد.
ونتيجة لكل ذلك دخلت شركات الطيران الليبية في أزمات مالية عنيفة وضعت بعضها على حافة الإفلاس خصوصاً في عام 2020، عندما وجهت جائحة كورونا لها ضربة قاضية استدعت تدخلاً حكومياً لإنعاشها بمساعدات مالية ضخمة حتى تقف على قدميها من جديد.
وأمام هذا الوضع الكارثي لقطاع الطيران الليبي حاولت الحكومات المتعاقبة رفع الحظر الأوروبي المفروض عليها بكل الطرق الممكنة، غير أن الاتحاد الأوروبي كان يجدده كل عام بسبب مخاوف تتعلق بسلامة الركاب بعد مراجعة دورية لتحديث قائمة الاتحاد لسلامة الطيران فوق الأجواء الأوروبية.
أغراض أخرى
ومع كل المزايا التي ستحصدها ليبيا من استئناف الرحلات الجوية مع أوروبا ذهاباً وإياباً فإن أطرافاً معارضة لحكومة عبدالحميد الدبيبة وصفت الخطوة بالصفقة جديدة بين حكومتي روما وطرابلس، إذ تسعى من خلالها الأولى لحصد مزيد من الصفقات الاقتصادية الثمينة خصوصاً في قطاع الطاقة بعد توقيع الاتفاق الضخم في حقول غاز بحرية قبالة شواطئ ليبية بين الطرفين بداية العام الحالي، في مقابل الدعم السياسي لحكومة الدبيبة التي تعاني عزلة دولية ومحلية وإقليمية.
رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا أحمد حمزة كان من بين الذين قللوا من قيمة إعلان حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة عودة الرحلات الجوية بين طرابلس وروما قائلاً، "كم هو مؤلم الاستخفاف بعقول الناس والضحك عليهم وتصوير إعادة استئناف الرحلات الجوية بين طرابلس وروما وكأنه إنجاز غير مسبوق أو فريد".
ورأى حمزة أن استئناف الرحلات لا يعني شيئاً مع استمرار حظر منح التأشيرات إلى الليبيين الراغبين في زيارة العواصم الأوروبية، مضيفاً "ارفعوا التأشيرة عن المواطنين الليبيين وبعد ذلك تحدثوا عن إعادة استئناف الرحلات الجوية، وكفاكم ضحكاً على الناس باختلاق إنجازات وهمية".