Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إعادة طائرة "الموت" إلى الأرجنتين مراجعة تاريخية للحكم العسكري الديكتاتوري

في العادة تستغرق الرحلات الجوية من فلوريدا إلى بوينس أيرس نحو 10 ساعات

"بعد أن كانوا يرمون الناس من هذه الطائرة من دون مظلات ها هي الآن تُستخدم للقفز بالمظلات" (أ ب)

ملخص

من المتعارف على نطاق واسع أن الخونتا العسكرية الأرجنتينية هي النظام الديكتاتوري الأكثر فتكاً من بين الأنظمة التي حكمت معظم أرجاء أميركا اللاتينية خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الـ 20

تستغرق الرحلات الجوية عادة من فلوريدا الأميركية إلى بوينس أيرس الأرجنتينية نحو 10 ساعات، لكن الطائرة ذات المروحة التوربينية التي حطت في الأرجنتين السبت الفائت لم تكن كغيرها من الطائرات، فلقد استغرقت رحلتها 20 يوماً في وقت انهمك عدد كبير من الأرجنتينيين على تحديث برمجيات تتبع الرحلات، وسط توقهم لتعقب مسارها [لحظة بلحظة].

ولم تكن الطائرة المذكورة من طراز "شورت سي إس 7 سكاي فان" Short SC.7 Skyvan تنقل شحنة مهمة أو ركاباً مرموقين، فهذه الطائرة [عادت] لتذكر مواطني الأرجنتين بتاريخ من الاستبداد الوحشي الذي مارسته الخونتا العسكرية [المجلس العسكري] بعد أن فرضت على بلادهم نظاماً ديكتاتورياً بين عامي 1976 و1983.

ويشار إلى أن هذه الطائرة التي وجدت في الولايات المتحدة هي أول طائرة أثبتت المحكمة قيام الخونتا العسكرية الأرجنتينية باستخدامها لإعدام المعتقلين السياسيين عبر رميهم منها [أثناء تحليقها]، لتكون من أبشع الفظائع الوحشية المرتكبة بدم بارد خلال تلك المرحلة الدامية.

وستضيف الحكومة الأرجنتينية الطائرة إلى متحف الذاكرة الذي كان في الماضي معتقلاً سرياً ذائع الصيت استعملته الخونتا العسكرية، وكان المعتقل المذكور يعرف باسم "إيسما" ESMA - "مدرسة ميكانيكا ضباط الصف البحريين في الأرجنتين"، وقد استعمله النظام العسكري الحاكم لاحتجاز عدد كبير من المعتقلين، كان يتم لاحقاً إعدامهم عبر رميهم أحياء من الجو في عرض المحيط أو في أحد الأنهار من على متن طائرات "رحلات الموت".

وكانت أزوسينا فيلافلور من بين عشرات الضحايا الذين تربطهم صلة بالطائرة العائدة، فهذه امرأة اختفى ابنها نستور وسط افتراضات بأنه قتل في مطلع الحقبة الديكتاتورية، وبعد اختفاء هذا الأخير عمدت إلى تأسيس "منظمة أمهات ميدان مايو" للمطالبة بتوفير معلومات عن الأبناء المفقودين، مما أدى إلى اعتقالها واختفائها هي الأخرى.  

وفي تصريح لوكالة "أسوشيتد برس" Associated Press، قال سيسيليا دي فينسنتي، ابنة فيلافلور، "بنظرنا نحن أفراد العائلة فإنه يهم كثيراً أن تشكل الطائرة جزءاً من التاريخ لأن جثث [الضحايا] شأنها شأن الطائرة، تخبرنا بتفاصيل ما حصل".

كانت عودة الطائرة ممكنة بمساعدة المصور الإيطالي جيانكارلو تشيراودو الذي أمضى سنوات وهو يبحث عن طائرات "رحلات الموت"، وفي هذا الإطار يشار إلى أن هذه الطائرة تحديداً استعملت لاحقاً لنقل البريد في فلوريدا وبعد ذلك لنقل هواة قفز بالمظلات في أريزونا خلال الآونة الأخيرة.

وأخبر تشيراودو أنه في سياق بحثه كثر الأشخاص الذين لم يستوعبوا سبب إصراره على رصد طائرات الخونتا العسكرية، لا سيما أن جثث عدد كبير من ضحايا النظام الديكتاتوري لا تزال مفقودة حتى اليوم.

وكشف تشيراودو في مقابلة، "كانت استعادة الطائرات ضرورية كونها كانت تشكل قطعة مهمة، كما كان الحال بالنسبة إلى غرف الغاز (النازية) التي شكلت وسيلة [إعدام] مريعة".

ومن المتعارف على نطاق واسع أن الخونتا العسكرية الأرجنتينية هي النظام الديكتاتوري الأكثر فتكاً من بين الأنظمة التي حكمت معظم أرجاء أميركا اللاتينية خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الـ 20، فهي أقدمت على اعتقال وتعذيب وقتل أشخاص اشتبهت في أنهم معارضون للنظام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفق تقديرات المنظمات المعنية بحقوق الإنسان فقد أعدمت الخونتا 30 ألف شخص، من بينهم كثيرون اختفوا من دون أن يتركوا أثراً، والحال أن بعضاً من هؤلاء اختفوا على متن "رحلات الموت".

خلال محاكمة طويلة استمرت ما بين عامي 2012 و2017 قدم ناجون شهاداتهم قائلين إن الرحلات كانت تتم مرة خلال الأسبوع في أقل تقدير، وأفاد شهود بأنه غالباً ما قيل للمساجين إنه سيتم إطلاق سراحهم، وكانوا يرغمون أحياناً على الرقص على وقع موسيقى صاخبة احتفالاً بالأمر، وبعد ذلك كانوا يتلقون ما كان يقال لهم على أنه لقاح والذي كان في الواقع منوماً قوياً، وما إن يعطي المنوم مفعوله حتى تخفى وجوه المعتقلين بأقنعة ويتم ربطهم وتحميلهم على متن إحدى الطائرات.

وتأكد في المحاكمة التي نال خلالها 29 مسؤولاً سابقاً عقوبة السجن مدى الحياة، أن النظام الديكتاتوري استعمل رحلات الموت كوسيلة إعدام ممنهجة، وتحدد فيها أن طائرة "سكايفان" العائدة للتو إلى بوينس أيرس استعملت لإعدام فيلافلور و11 معتقلاً أخرين.

وتفيد النيابة العامة بأنه يستحيل تحديد عدد المعتقلين الذين جرى رميهم من الطائرات، لكن التيار جرف إلى الشاطئ 71 جثة في الأقل يشتبه في أنها عائدة لضحايا رحلات الموت، ومن بينها 44 جثة في الأرجنتين و27 جثة في دولة أوروغواي المجاورة، وفق ما أوضحت منظمة غير حكومة تعرف باسم "فريق الأنثروبولوجيا الجنائية الأرجنتينية" Argentine Forensic Anthropology Team.

وخلال الفترة الممتدة بين ديسمبر (كانون الأول) 1977 وفبراير (شباط) 1978، جرف التيار جثث خمس نساء من بينهن فيلافلور وسيدتين منتسبتين إلى منظمة "أمهات ميدان مايو"، وراهبتين فرنسيتين كانتا تساعدان الأمهات في البحث عن أحبائهن، وقد بقين مجهولات الهوية عند دفنهن، ولم يتم التعرف إلى أي منهن إلا عام 2005.

وفي سياق البحث عن الطائرات تعاون تشيراودو مع سيدة اسمها ميريام ليوين، وهي صحافية وناجية من معتقل "إيسما".

ويعزى النجاح في إدانة قباطنة الطائرة التي نقلت فيلافلور في رحلتها الأخيرة جزئياً إلى بيانات تتبع الرحلة التي تمكن تشيراودو وليوين من اكتشافها بعد أن تتبعا الطائرة من طراز "بي ايه - 51 سكايفان" PA-51 Skyvan في فورت لودرديل بولاية فلوريدا عام 2010.

وقالت مرسيدس سويزا رايلي، وهي محامية ادعاء في المحاكمة التي استمرت من عام 2012 إلى عام 2017، "لقد أوصلتنا البيانات المسجلة إلى القباطنة، ومن أسمائهم نجحنا في رصدهم ضمن التركيبات القمعية التي كانت مستعملة لتنفيذ عمليات الإعدام المنهجية".

وفي نهاية المطاف نجح تشيراودو ولوين في رصد مكان الطائرات بعد بحث مضن تطلب منهما تفتيشاً معمقاً وحثيثاً لبيانات مواقع إلكترونية استعملها هواة يرصدون الحركة الجوية ويتتبعون حركة الطائرات.  

ومن أصل خمس طائرات "سكايفان" تأكد استخدامها لتنفيذ رحلات الموت، تبيّن أن طائرتين دمرتا خلال الحرب على جزر فوكلاند مع بريطانيا عام 1982، في حين بيعت الطائرات الثلاث الأخرى عام 1994 لشركة "سي أيه إي أفيايشن" CAE Aviation الواقع مقرها في لكسمبورغ، وقد بيعت إحدى هذه الطائرات لشركة "جي بي إيرلينك" GB Airlink واستخدمتها هذه الأخيرة لتقديم خدمات توصيل بريد خاص من فلوريدا إلى جزر البهاما.

وبعد أن قررت حكومة الأرجنتين شراء الطائرة هذا العام في أعقاب حملة أطلقتها دي فينسنتي بالتعاون مع ناشطين آخرين في مجال حقوق الإنسان، رصدت الطائرة في مدينة فينيكس، وقد بدت على هيئة طائرة معدة للقفز الجوي بالمظلات.

"هي فعلاً قصة يصعب تصديقها"، وفق ما صرحت دي فينسنتي، "فبعد أن كانوا يرمون الناس منها من دون مظلات، ها هم يستخدمونها اليوم للقفز بالمظلات".

لم تكن استعادة طائرة قديمة كهذه بالمسألة السهلة، فهي بقيت عالقة في جامايكا طوال أسبوعين بعد أن تعطل محركها بعيد إقلاعها من الجزيرة، ثم بقيت عالقة بضعة أيام في بوليفيا بسبب رداءة الأحوال الجوية.

وفي مسعى منها إلى تحقيق العدالة لضحايا الخونتا العسكرية، أطلقت الأرجنتين منذ عام 2006 دعاوى بلغ عددها 296 للمحاكمة على جرائم ضد الإنسانية ارتكبت خلال الحقبة الديكتاتورية، وذلك بعد أن تم إبطال مفاعيل قرارات العفو.

وفي سياق المحاكمات المذكورة دين 1115 شخصاً وفق ما كشفه مكتب المدعي العام، ويرى ناشطون أنه مع عرض الطائرة [في متحف الذاكرة]، سيتمكن مواطنو الأرجنتين من فهم حقيقة ما يكون عليه النظام الديكتاتوري.

وأكدت ليوين في هذا الصدد أن "ذلك بالغ الأهمية لأن أجيالاً متتالية ولدت وعاشت ضمن نظام ديمقراطي من دون أن تختبر حال الرعب التي طغت على امتداد تلك الأعوام".

(أ ب)

المزيد من دوليات