Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تهدد سدود إقليم كردستان الأمن المائي وسط وجنوب العراق؟

تضارب بين نواب ومتخصصين حول العواقب والتداعيات

سد دوكان يقع على نهر الزاب الصغير في محافظة السليمانية (أ ف ب)

ملخص

برزت المخاوف مع تسارع وتيرة جهود الحكومة الكردية لإنشاء عدد من السدود

منذ أن بدأت حكومة إقليم كردستان - العراق خطة لإنشاء عديد من السدود الصغيرة لمواجهة ظاهرة الجفاف بفعل ظاهرة التغير المناخي، برزت أصوات معترضة على الجانب الاتحادي من "العواقب الكارثية" التي قد تتعرض لها المحافظات العراقية في الوسط والجنوب، فما تلك المخاوف، وإلى أي مدى يمكن أن تكون واقعية من وجهة نظر المتخصصين من حيث المنطلق العلمي؟

وبرزت المخاوف مع تسارع وتيرة جهود الحكومة الكردية لإنشاء عدد من السدود، منها أربعة سدود تمول من الحكومة الاتحادية، فضلاً عن خطة تهدف لإنشاء نحو 17 سداً صغيراً بتمويل ذاتي، آخرها كان، السبت الماضي، عندما وضع رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني حجر الأساس لسد "بستورة" شرق مدينة أربيل. ودعا حكومة بغداد إلى المساعدة في إعادة تأهيل سدود الإقليم وبناء أخرى جديدة "لما لها من فائدة لكل العراق".

ويندرج مشروع سد "بستورة" الذي لا تتجاوز قدرته التخزينية 20 مليون متر مكعب من المياه ضمن السدود الصغيرة، وتأتي خطوة إنشائه بعد أسابيع من الكشف عن إنجاز أربعة سدود أخرى مماثلة، سبقها إعلان وزارة الموارد المائية الاتحادية موافقتها على إنشاء ثلاثة سدود في الإقليم بطاقة تخزينية تزيد على تسعة مليارات متر مكعب.

قلق من العواقب

ويثير مضي الأكراد في بناء مزيد من السدود حفيظة بعض الأوساط السياسية والنيابية في بغداد، في ظل هواجس من انعكاساتها السلبية على مناطق وسط وجنوب البلاد، ودفعت هذه التحذيرات، في وقت سابق نواباً إلى المطالبة باستضافة وزير الموارد المالية في البرلمان لتقديم إيضاحات. وحذر عضو لجنة الزراعة والمياه النيابية رفيق الصالحي، في تصريح تناقلته وسائل إعلام محلية، مما وصفها بـ"العواقب الكارثية" في حال استمرار الإقليم بإنشاء السدود على نهر دجلة لما يشكله ذلك من "تهديد للأمن المائي والغذائي للعراقيين"، وحث الحكومة الاتحادية على "التدخل بشكل عاجل لمنع إنشاء سدود صغيرة ومتوسطة من قبل الإقليم الذي لا يمتلك الصلاحية لإنشائها من دون موافقة بغداد".

مبالغة في المخاوف

في المقابل، قلل خبراء ومتخصصون في مجال المياه والزراعة من أن تكون للسدود الكردية تداعيات سلبية على نسب التدفقات نحو المناطق في وسط وجنوب البلاد، وقد يكون لها مردود إيجابي على اعتبار أن أغلب هذه السدود تعتمد على الأمطار والأنهر الموسمية.

ورأى الخبير في الموارد المائية عادل المختار أن "السدود الحديثة التي تبنى في الإقليم تعتبر صغيرة بالمعايير العلمية استناداً إلى طاقتها إذ لا تتجاوز 50 مليون متر مكعب، ولا يمكن مقارنتها مع السدود الكبيرة التي تفوق طاقها 10 مليارات، لذا، فإنها لن تؤثر مطلقاً، واضح أن هناك مبالغة في المخاوف". وتابع "ربما أن مردود هذه السدود سيكون إيجابياً لمساهمتها في تأمين نسبة المياه، فهي تنحصر في مناطق محددة لحماية المدن من الفيضانات، كما أنها تعتمد على خزن مياه الأمطار وبعض الأنهر الفرعية".

وتشير بيانات رسمية إلى أن عدد السدود في الإقليم يصل إلى 17 سداً، في وقت يتم العمل على إكمال بناء 13 سداً آخر، فضلاً عن تشييد سدود أخرى صغيرة، ففي نطاق محافظة أربيل وحدها تم بناء 28 سداً صغيراً، ويجري العمل على إنجاز بناء 22 سداً آخر، وبحسب دائرة المياه والري، فإن "السدود تسهم في رفع منسوب مستوى المياه الجوفية وتحسن من جودتها لأن نسبة قليلة من الأمطار تدخل في جوف الأرض"، مؤكدة أن "الحكومة وضعت خطة ذات أهمية لمواجهة ظاهرة الجفاف، وهناك تنسيق جيد مع بغداد لإنجاحها مع أهمية توفير التخصيصات المالية".

سوء في الإدارة

ولفت المختار، وهو مستشار سابق للجنة المياه والزراعة النيابية، إلى أن "التخوف الحقيقي يكمن في سوء الإدارة، إذا كنا نعاني من أزمة مائية، فعلينا ترشيد الاستهلاك بدلاً من خلق الأعذار وإلقاء اللوم على الآخرين، فنسبة المياه المتدفقة من دول الجوار تتجاوز 35 مليار متر مكعب، بينما لا يستطيع البلد أن يحقق الاكتفاء الذاتي، وهذه كارثة". وتابع "منذ عام 2017 قدمنا حلولاً بضرورة إعادة النظر في السياسة الزراعية التي كانت متبعة زمن الوفرة المائية، لكن واقعاً، هناك خمولاً وقصر نظر، ويتوجب اتباع نهج علمي جديد عبر تشكيل خلية أزمة من خبراء ومتخصصين، فشح المياه بلغ مرحلة هي الأسوأ منذ ثلاثينيات القرن الماضي، بينما ينشغل المعنيون بإلقاء اللوم على دول الجوار، فلا حلول متوسطة أو بعيدة المدى، وحتى هذه لن تفيد طالما هناك هدر للمياه، بدليل أن الاستهلاك تجاوز 150 مليار متر مكعب، هل هناك أي دولة تصرف هذا الرقم المهول في وقت تلقت فيه تحذيرات متكررة من كل المنظمات والمؤسسات العالمية؟ وأسأل إلى أين نحن ذاهبون؟".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

و"يتوقع أن يفقد العراق أنهاره بحلول عام 2040، وهو مصنف ضمن الدول الخمس الأولى الأكثر تضرراً من التغييرات المناخية، ويأتي في المرتبة الـ39 بين الدول الأكثر إجهاداً للمياه، وفق بيانات صادرة عن منظمة الأمم المتحدة التي تشير إلى أن العراق سجل مستوى قياسياً في الجفاف وارتفاعاً في درجات الحرارة خلال العامين الماضيين لتبلغ 54 درجة مئوية، مع تراجع إيراداته المائية من 30 مليار متر مكعب في العقد الثالث من القرن الماضي إلى أقل من 10 مليارات حالياً، كما يتوقع أن يتراجع نصيب الفرد العراقي من المياه إلى أقل من 500 متر مكعب سنوياً بحلول عام 2030 وهي نسبة أقل بكثير من المعدل الذي تعتمده منظمة الصحة العالمية والبالغ 1700 متر مكعب".

وفي سياق متصل، قال خبير الاستراتيجيات والسياسات المائية رمضان محمد، إن "المخاوف قد تصدر عن مسؤولين غير ملمين بهذا المجال ويمكن أن تعطي تقييماً خطأً بالمنافع والمخاطر، لأن، علمياً ومنطقياً، إنشاء السدود الصغيرة وغالبيتها محصورة في مناطق محددة تعتمد إما على الأمطار أو الأنهر الموسمية، لن تسبب بقطع قطرة ماء عن بقية المناطق، لا بل يتم التضحية بعديد من القرى من أجل تطوير القطاع الزراعي، وإن تم قطع جزئي للمياه فإنه سيصب في صالح عموم البلاد اقتصادياً". وأكد محمد أن الإقليم "يمثل خزاناً للمياه بالنسبة إلى العراق، عبر سدي دوكان ودربنديخان الكبيرين، حتى إن سد الموصل ربما يحسب في الإقليم إذا ما وضعنا السياسية جانباً، هذه السدود بنيت قبل 40 إلى 70 عقداً، ولا شك أن الأنظمة السابقة أنشأتها بناء على جدوى، وأسأل المتخوفين: هل أثرت هذه السدود سلباً على بقية المناطق العراقية، ثم هل أقدمت الحكومات الكردية منذ عام 1991 على قطع المياه؟".

تنسيق معلن

وأكد مسؤولون أكراد أن المزاعم من أن يكون الإقليم قد تجاوز الحكومة الاتحادية في بناء السدود "غير واقعية نظراً لوجود تنسيق معلن مع بغداد"، وقد ناقش وزير الموارد المائية في الحكومة الاتحادية عون ذياب عبدالله مع مسرور بارزاني ووزيرة الزراعة في الإقليم بيكرد طالباني، في مايو (أيار) الماضي، السبل لإيجاد الحلول، وذكر بيان عقب اللقاء أن "الجانبين بحثا خطة الإطلاقات المائية من السدود التي تخدم الواقع الإروائي في عموم العراق بخاصة محافظات الوسط والجنوب ومدى إمكان إنشاء سدود وفق مخرجات الدراسة الاستراتيجية للمياه والأراضي"، ونقل البيان عن عبدالله قوله، إن "سدود وخزانات الإقليم تمثل جزءاً حيوياً من منظومة العراق المائية".

وأرجع محمد الأزمة إلى "المتغيرات المناخية وقطع الجارتين تركيا وإيران المياه عن البلاد فضلاً عن قصور وأخطاء في اتباع المناهج العلمية عند تبني الحلول". وتابع "كنا دائماً ضد بناء سدود صغيرة على مجرى الأنهر الدائمة، وإنما على العكس، اليوم يتم بناء سد منداوة على الزاب الأعلى في الإقليم الذي كان بمثابة سد تنظيمي، وهو ضمن أربعة سدود قيد الإنشاء حالياً".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير