ملخص
تعاني المصارف اليمنية عدم وجود سيولة نقدية لرد أموال المودعين منذ انقلاب الحوثيين على الشرعية وسيطرتهم على البنك المركزي في صنعاء، إذ تحولت الحسابات إلى "وهمية" والأرصدة إلى "رقمية"
تنحسر الحرب العسكرية اليمنية في الميدان بين الحكومة الشرعية وحلفائها من جهة، وميليشيات الحوثي من جهة أخرى، لكن رقعتها الاقتصادية تزداد ضرواتها كل يوم لتشمل كل مناحي الحياة، مما يفاقم معاناة الناس ومأساتهم، إذ يستخدم الحوثيون الصراع الاقتصادي لخنق الحكومة المعترف بها دولياً من خلال بناء مراكز اقتصادية بديلة عبر إحلال رأس مال جديد خاضع لها يحل محل القطاع التجاري الخاص والحكومي.
معركة اقتصادية
وتعد المعركة الاقتصادية واحدة من أبشع المعارك التي تفرضها جماعة الحوثي لمصادرة ممتلكات اليمنيين ووضع يدها على لقمة عيش الناس في كل البلاد، فيما أسهمت إجراءات الحوثيين الاقتصادية إلى تقسيم البلاد عبر إيجاد انقسامات سعرية ومصرفية في اليمن.
وأعلنت جمعية البنوك اليمنية (نقابة أهلية) عجزها عن دفع أموال المواطنين بسبب نقص السيولة في المصارف، وتحولها إلى أرصدة رقمية لدى البنك المركزي اليمني الخاضع لميليشيات الحوثي.
وحذرت جمعية البنوك في خطابها إلى مجلس القضاء من تداعيات خطرة، ونتائج كارثية على القطاع المصرفي والاقتصادي بشكل عام، والذي يؤدي إلى توقف البنوك عن العمل.
وطالبت الجمعية مجلس القضاء التابع للميليشيات في صنعاء بعدم إصدار أي أحكام أو أوامر لصالح المودعين قبل عام 2016 الذين لجأوا إلى القضاء من أجل مطالبة البنوك برد ودائعهم نقداً بداعي عدم القدرة على دفع ودائع المودعين بسبب تحويل الأرصدة النقدية إلى رقمية، بينما لا تستطيع بنوك اليمن سداد أو تداول الودائع النقدية الموجودة بالبنك المركزي، لعدم القدرة على تسييل ما يقابل ودائع العملاء بأرصدة.
هيمنة مصرفية
وعن أسباب حجز ودائع ما قبل عام 2016 تحدثت مصادر مصرفية لـ"اندبندنت عربية" قائلة إن "البنوك بعد انقلاب الحوثيين وسيطرتهم على صنعاء لم يأخذوا أذون خزانة، ولم يوردوا أي أموال لمودعيهم إلى البنك الخاضع لسيطرتهم، بينما الأموال التي تحتجزها الجماعة هي ودائع بنكية سابقة".
وأوضح المصدر أن "ما بين 70 و80 في المئة من السيولة النقدية لدى البنوك في اليمن كانت تورد إلى البنك المركزي في صنعاء، قبل أن يسيطر عليه الحوثيون عقب الانقلاب على الدولة".
تسييل الودائع
وعن تقديرات المصادر المصرفية للمبالغ التي تم تحويلها من أرصدة نقدية للبنوك إلى رقمية أكدت المصادر أنه "من الصعوبة جداً معرفة ذلك، لكن المؤكد أنها مبالغ كبيرة". وتدفع إجراءات ميليشيات الحوثي المتلاحقة البنوك والمصارف إلى حافة الإفلاس، عبر سحب الودائع، وتحول الأرصدة إلى أرقام وهمية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال وزير الإعلام في الحكومة المعترف بها دولياً معمر الإرياني إن "رفض الحوثيين سداد أموال المودعين في البنوك الخاضعة لسيطرتها، بداعي انعدام وشح السيولة النقدية وعدم قدرة المصارف على سداد التزاماتها تجاه عملائها نقداً يندرج ضمن سياسة الإفقار والتجويع وأعمال النهب والسلب المنظم لأموال وممتلكات المواطنين منذ الانقلاب على الدولة".
نهب متواصل
وأوضح الإرياني في حديثه لوكالة الأنباء اليمنية أن "ميليشيات الحوثي نهبت الخزانة العامة للدولة والاحتياطي النقدي ورواتب الموظفين، وتواصل نهب الإيرادات العامة طيلة تسعة أعوام، كما مارست الابتزاز للقطاع المصرفي والخاص، وهي اليوم تسطو على الأرصدة البنكية لملايين المواطنين والمقدرة بمئات المليارات لتحولها لأرقام وهمية وحسابات إلكترونية لا يستفاد منها إلا في دفع فواتير الاتصالات والكهرباء والمياه".
وأشار وزير الإعلام إلى أن هذه الخطوة تؤكد مضي ميليشيات الحوثي في تنفيذ مخططها لتدمير القطاع المصرفي والبنوك التجارية في المناطق الخاضعة لسيطرتها، بهدف السيطرة الكلية على القطاع التجاري، والتحكم بالاقتصاد الوطني، دون أي اكتراث بالأوضاع الاقتصادية والإنسانية الصعبة.
فقدان ثقة
المتخصص في الشأن الاقتصادي وحيد الفودعي يقول إن "موضوع احتجاز أموال المودعين قديم، وما زال يتجدد في ظل تعرض القطاع المصرفي خسائر، وفقدان الثقة الدولية والمحليه للعملاء، بسبب تبعات انقلاب الحوثيين". وأضاف أن أزمة السيولة أدت إلى عدم قدره البنوك على الوفاء بالتزامتها تجاه عملائها، بسبب تجميد حسابات المصارف في البنك المركزي بصنعاء، سواء كانت هذه الحسابات جارية أو استثمارات مثل أذون الخزانة، لافتاً إلى أن مصارف اليمن لم تستطع تسهيلها حتى اللحظة.
حلول وضغوط
وتابع الفودعي القول إن بدأ بعض العملاء توجهوا إلى القضاء، أخيراً، حيث أصدر أحكامه للبنوك برد أموال المودعين، مشيراً إلى أن جمعية البنوك رأت أنها تحرر مذكرة للقضاء توضح له أن المشكلة قديمة، وأنها ليست في القطاع، بل في البنك المركزي، وأنها تعمل على تحويل الأرصدة النقدية إلى رقمية، مؤكداً أنه "إذا كان هناك من يتم إلزامه بسداد الالتزامات، فالمفترض أن يكون البنك المركزي في صنعاء بدءاً من الإفراج عن حسابات المصارف والخزانات".
وعن الخيارات المتاحة للقطاع المصرفي جراء الإجراءات التي عملت عليها الجماعة، يجيب بأنه "لا يوجد أي حلول متاحة أمام القطاع سوى الضغط باتجاه عدم قبول أي إجراءات من قبل جماعة الحوثي".
فوائد ممنوعة
وأضاف الفودعي أن "القانون الجديد الذي أصدرته الجماعة ويقضي بمنع الفوائد الربوية سيقضي على ما تبقى من القطاع المصرفي ويؤدي إلى جرف السيولة النقدية إلى مكان آخر، لأن عملاء البنوك لا يوجد لديهم أي فائدة من أرصدتهم، والأولى لهم أن يسحبوها"، منوهاً بأن المصارف اليمنية تواجه "خطر التعرض للإفلاس لأنه لا توجد أي حلول متاحه أمامها نتجية سلطة الأمر الواقع التي لا ترحم"، مشدداً على أهمية "تحريك القضية بالتنديد أو باستخدام وسائل الضغط كالإعلام، وكذلك مناشدة المجتمع الدولي بشكل مباشر أو غير مباشر، لإجبار الحوثيين على عدم التعرض للقطاع المصرفي".