Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العالم السري لضحايا الحروب والنزاعات المسلحة في مصر

ملايين المهاجرين لا يمنحون بطاقات لجوء وبعضهم يرى في ذلك "وصمة"

الإريترية عايدة سليمان التي تدير مبادرة "إيد بإيد" لدعم الأفارقة (اندبندنت عربية)

ملخص

يظهر تقرير صادر عن منظمة الهجرة الدولية في أغسطس الماضي أن إجمالي عدد المهاجرين الدوليين في مصر يبلغ نحو 9 ملايين مهاجر

أخذت الإريترية حواء إبراهيم دورها في طابور طويل خصصه رجال الأمن المكلفون تأمين مبنى مفوضية القاهرة، على أمل تقنين وضعها، وتسليم ملفها لموظفي المكتب كـ"ملتمسة لجوء". ورغم حرصها على متابعة تلك الزيارات على مدى ثلاثة أسابيع، فإنها لم تجن سوى الانتظار ساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة.

وقالت حواء التي تبحث عن بطاقة تمنحها صفة "لاجئة"، لـ"اندبندنت عربية"، "الزحام الذي وجدته بمحيط المفوضية منعني من التسجيل"، مرجعة السبب إلى "تدفق السودانيين الذين جاءوا أخيراً إلى القاهرة عبر المنافذ البرية والجوية".

وأضافت، أنها كانت مقيمة بالسودان خلال الـ10 سنوات الماضية، لكنها اضطرت إلى الفرار من ويلات الحرب، خوفاً من تعرضها إلى أذى في ظل تواصل المواجهات. وزادت حواء "كانت حياتي مستقرة بالعاصمة الخرطوم، لكن الأحداث الأخيرة دفعتني للقدوم إلى مصر".

أزمات العمل والإقامة

رغم تلك المعاناة التي واجهتها حواء، فإنها ما زالت تمتلك فرصاً للحصول على اعتراف من مفوضية الأمم المتحدة، لكن الملايين غيرها يعيشون حياة "أشباه لاجئين"، إما نتيجة رفض أوراقهم أو عدم تقدمهم من الأساس للحصول على بطاقات اللجوء، ليصنعوا لأنفسهم عالماً خاصاً بهم مليء بقصص وحكايات مأسوية تظل طي الكتمان، فهم الأكثر عرضة للترحيل إلى أوطانهم، والتعرض لانتهاكات لعدم تمتعهم بمظلة قانونية تحميهم، كما أن مزاولتهم أي مهنة تظل مرهونة بحصولهم على تصاريح صادرة عن وزارة القوى العاملة المصرية، ما يجعلهم في نهاية المطاف مضطرين إلى تمضية تلك الفترات من الحياة بتأشيرات سياحية تتجدد من وقت لآخر.

وتظهر على قسمات وجه السيدة السودانية تيسير عبدالرؤوف المعاناة، بسبب فشلها في الحصول على إقامة بالقاهرة، وروت قصتها لـ"اندبندنت عربية". وقالت إن ملفها رُفض من قبل المفوضية، مضيفة "عندما ذهبت لإنهاء إجراءات وضع الإقامة على جواز السفر الخاص بي، تفاجأت بأن الموظف يكتب عليه عبارة: حفظ لوجود بطاقة لاجئ".

وتابعت "ذلك الخطأ جعلني أعيش ظروفاً صعبة، لأنني أصبحت ممنوعة من السفر أو الإقامة بمصر، وبات وضعي القانوني الحالي سيئاً للغاية، ولا أعرف حلاً لتلك المشكلة". مضيفة، "إدارة الجوازات بالعباسية طلبت مني إحضار جواب من المفوضية يفيد بإغلاق ملفي هناك، وسلمته لهم، وما زلت أعيش في تلك الدائرة المفرغة منذ فبراير (شباط) الماضي، بينما جميع أطفالي حصلوا على الإقامات الخاصة بهم".

في 14 أبريل (نيسان) الماضي، قبل يوم واحد من اشتعال الصراع في الخرطوم، وصل المطرب السوداني وليد زاكي الدين إلى البوابة المصرية من أجل زيارة أبنائه الذين يدرسون بالجامعات المصرية، لكن الحرب الدائرة جعلته غير قادر على العودة.

وعلق على تلك الأزمة، بالقول لـ"اندبندنت عربية"، "لم أتقدم بأوراقي لطلب اللجوء، نظراً لشدة ارتباطي بوطني، إضافة إلى عدم احتياجي إلى مساعدات من أي جهة"، لكنه يضيف "بحال تأزمت الأوضاع، ووجدت صعوبة في العودة، سأدرس ذلك الخيار ضمن خيارات أخرى".

وأشار زاكي الدين الذي يستثمر وقته بالقاهرة في إقامة حفلات غنائية يعود ريعها لضحايا الحرب بالسودان، إلى أن "الزحام الشديد، والمعاملة السلبية التي تمارس ضد الراغبين بتقديم طلبات اللجوء، تمنع الأسر المتعففة، من التقدم بأوراقهم للحصول على بطاقات اللجوء، إذ لا يواجه السودانيون أزمة في الاندماج بين المصريين، طالما أن حياتهم مستقرة وغير مطلوبين في بلادهم.

وبخلاف تلك النظرة، توصلت دراسة أنجزتها الباحثة نعيمة عثمان في عام 2018 في شأن الأوضاع الاجتماعية والثقافية للاجئين في المجتمع إلى عدم ثقة السودانيين بالخدمات الصحية الحكومية، إضافة إلى تعرضهم لمضايقات من المصريين في المستشفيات الحكومية، في ظل ارتفاع معدلات البطالة بينهم، وقلة فرص العمل، وارتفاع إيجارات السكن الخاصة بهم.


صدمة الزحام الشديد

على الجانب الآخر، قال الإريتري أحمد خيري الذي يدير مركزاً لتقديم الخدمات التعليمية للأطفال، إن "الزحام الشديد أمام مقر المفوضية يصيبنا بصدمة، لكن الأسر الإريترية ليس لديها بديل آخر سوى تقديم طلبات لجوء خوفاً من الترحيل، ومن لا يسير منهم في تلك الإجراءات يقرر الهجرة غير الشرعية عبر البوابة الليبية".

وأشار خيري في حديثه لـ"اندبندنت عربية" إلى "صعوبات تواجه الإريتريين على المستوى الاجتماعي، منها عدم إتقان اللغة العربية، واختلاف ثقافة البلد المضيف".

وأكدت الإريترية عايدة سليمان التي تدير مبادرة "إيد بإيد" لدعم الأفارقة، تلك النظرة "السواد الأعظم من الإريتريين يضطرون إلى طلب الحماية من المفوضية، ولا يمكنهم الإقامة من دون بطاقة لاجئ، عكس السودانيين والعرب الذين يفضل بعضهم الاستغناء عن تلك الخدمات، لدرجة أن معظم الإريتريين التي ترفض ملفاتهم، يدخلون في أزمات نفسية".

وتنظر في الطلبات المقدمة للمفوضية وحدة يطلق عليها اسم "تحديد وضع اللاجئ"، يدرب فيها الموظفون بشكل مكثف على إجراء مقابلات مع اللاجئين للحصول على معلومات حول أسباب مغادرة بلادهم، ومن خلال توجيههم بعض الأسئلة يستقرون على حالة الطلب إما بمنح أصحابه بطاقة لاجئ أو يقرون بغلق ملفاتهم.

الموقف القانوني للمرفوضين من المفوضية

في السياق، سلط مدير مركز "حق" المتخصص بتقديم الدعم القانوني للاجئين الأفارقة ياسر فراج، الضوء على الموقف القانوني لهذه الفئة. وقال إن "مصر تعتبرهم أجانب قادمين إلى مصر للسياحة، ويتحصلون على التأشيرة بغير غرض العمل أو الإقامة للزواج، والأزمة أنهم في حقيقة الأمر مقيمون بشكل دائم، لكن الأجهزة المعنية لا تنظم آلية مناسبة لاستيعاب المهاجرين، وتقنين أوضاعهم".

وضرب فراج مثالاً واقعياً عن الأسباب التي تدفع فئات منهم إلى عدم تقنين أوضاعهم لدى المفوضية. وقال إن "القادمين الجدد من السودان ينتمون إلى الطبقة الراقية أو المتوسطة ممن استطاعوا تدبير كلفة الرحلة إلى مصر، ومعظم تلك الحالات لا يمكنها التأقلم مع الوقوف طوال اليوم في صفوف، ولا يميلون للتسجيل عبر الاتصالات الهاتفية التي تتطلب ساعات من المتابعة والانتظار، لكن الشيء الوحيد الذي يدفع بعضهم للوقوف على أبواب المفوضية هو رغبتهم بالدخول لبرنامج إعادة التوطين، لكنهم قادرون على توفيق أوضاعهم في مصر بشكل أو بآخر".

وأكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أن بلاده سمحت بدخول 164 ألف سوداني منذ اندلاع الأزمة. وأضاف في تغريدات متعاقبة نشرها على صفحته الرسمية على "تويتر" أواخر مايو (أيار) الماضي، إن مصر أصدرت آلاف التأشيرات للفارين من النزاع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يبدي اليمني وليد عبدالواسع ندمه على تقدمه للحصول على طلب لجوء موقت، متمنياً أن يعود به الزمن إلى الوراء، للتراجع عن ذلك القرار. وروى أنه أجبر على مغادرة وطنه منذ نحو أربعة أعوام، عقب حصوله على منحة علاجية مقدمة من الحكومة اليمنية لتلقي رعاية طبية مناسبة في مصر.

وأرجع عبدالواسع أسباب إصابته إلى تعرض جريدة "أخبار اليوم" اليمنية التي كان يعمل بها سكرتيراً للتحرير، لحريق من قبل جماعات مسلحة، مضيفاً "قفزت من الدور الثالث، وأصبت بالعمود الفقري والساق والقدم، ثم أصبحت عاجزاً عن العمل"، ومشيراً إلى أنه انضم إلى المفوضية مطلع العام الماضي بعد حصوله على القبول.

وعلق على تلك الخطوة "لم أتلق دعماً من المنظمات الشريكة إلا مرة واحدة، واضطررت للعمل في مطعم رغم إعاقتي الجزئية"، متابعاً "طرقت أبواب المفوضية لأنني لا أستطيع العودة إلى وطني فأنا مطلوب من جماعة الحوثي بسبب موقفي المناهض لها. أشعر أنني شبه لاجئ، لست قادراً على التوجه إلى أي دولة لإلغاء جواز سفري، ولم أستفد أيضاً من خدمات المفوضية".

من ناحية ثانية، شدد أسامة الأصبحي رئيس "مؤسسة العدالة" المتخصصة بتقديم الاستشارات القانونية لليمنيين المقيمين في مصر، على أن "اليمنيين يتم قبولهم جميعاً في المفوضية، بسبب الوضع المتأزم في اليمن، وتلك الإجراءات تستغرق نحو أربعة أشهر وفقاً لطبيعة كل حالة"، مشيراً إلى أن اليمنيين لا يمنحون توطيناً إلى أوروبا، نظراً لأنه لجوء موقت".

وقال الأصبحي، إن "هناك أعداداً كبيرة من اليمنيين ترفض التقدم للمفوضية نظراً إلى عدم وجود خدمات مغرية، إضافة إلى أن المنظمات الشريكة لا تتعامل معهم على قدر المساواة مقارنة بالأفارقة الذين يحصلون على دعم جيد"، معتبراً أن "تلك الأسباب تدفع كثيرين من اليمنيين إلى الاكتفاء بتأشيرات سياحية".


في المقابل، قال الباحث القانوني المتخصص بقضايا اللاجئين أشرف ميلاد، إن "تأشيرة السياحة يمكن أن يستفيد منها بعض الأوروبيين من كبار السن الذين يجدون فيها فرصة لقضاء فترات من حياتهم، من دون أن تفرض عليهم ضرائب ترهقهم، لكن النازحين من الحروب والصراعات الداخلية من العرب والأفارقة يكونون في مأزق عندما تغلق ملفاتهم بالمفوضية، لكن رغم أهمية التسجيل فإن أعداد غير المسجلين أكبر بكثير مقارنة بمن يمتلكون ملفات".

وأشارت المتحدثة الرسمية باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر كريستين بشاي، في تصريحات متلفزة في أبريل الماضي، إلى أن "عدد اللاجئين المسجلين في مصر يصل إلى 293 ألف لاجئ"، معترفة بوجود "نسبة كبيرة منهم لا يسجلون أنفسهم في المفوضية".

ويظهر تقرير صادر عن منظمة الهجرة الدولية في أغسطس (آب) من العام الماضي أن إجمالي عدد المهاجرين الدوليين الذين يعيشون في مصر، يبلغ نحو تسعة ملايين مهاجر، بنسبة تصل إلى 8.7 في المئة من سكان البلاد. وتكشف تلك الإحصائيات تقلص أعداد المسجلين بالمفوضية مقارنة بالعدد الإجمالي للاجئين الموجودين على الأراضي المصرية.

ولفت الباحث القانوني أشرف ميلاد في هذا الشأن إلى "سهولة ترحيل غير المسجلين إلى أوطانهم بسهولة، لأنهم يجدون صعوبة في الحصول على إقامات، لكن كثيرين من العرب يرون في كلمة لاجئ، وصمة، فعلى سبيل المثال رجال الأعمال السوريين لن يستفيدوا من خدمات المفوضية، فهم يمتلكون مشروعات تدر لهم دخلاً جيداً، ويريدون السفر باستمرار، بالتالي لا يحبذون التقدم للمفوضية بأوراقهم".

وتشير دراسة ميدانية أنجزتها خبيرة علم الاجتماع حسناء العربي في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، على عينة من السوريين بمدينة السادس من أكتوبر إلى وجود أسباب عدة دفعت عدداً كبيراً من السوريين الفارين من الحرب في بلادهم إلى اختيار مصر مقراً للإقامة والعمل، منها الثقافة المشتركة وتشابه العادات والتقاليد، وعدم وجود صعوبة في التواصل بسبب اللغة، بالتالي يسهل اندماجهم في المجتمع المصري.

وتلفت دراسة أخرى أنجزتها الباحثة نهى عادل في عام 2017، بعنوان "الحراك السكني للاجئين السوريين في القاهرة الكبرى" إلى أن "السوريين يفضلون العيش في الأماكن التي يكثر فيها مواطنوهم، على أن تتوفر فيها مجموعة خدمات وتسهيلات لازمة للإعاشة"، مشيرة إلى أنهم يراعون بعض الخصائص في الحي المراد العيش فيه مثل المستوى الاقتصادي والجودة وشكل المسكن نفسه.

آليات قبول طلبات اللجوء

وذكرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر، أنه نظراً إلى ارتفاع عدد الحالات، ليس ممكناً دائماً الالتزام بالجدول الزمني المحدد. وفي ما يتعلق بالإجراءات المتبعة خلال المقابلات مع مقدمي طلبات اللجوء، أفادت المفوضية بأنها تتخذ إجراءات مختلفة بحسب تعقيد الحالات، حيث تخضع بعض الحالات إلى مقابلات التسجيل وتحديد وضع اللاجئ معاً في المقابلة نفسها، وتجري بعض الحالات أكثر من مقابلة تحديد وضع من أجل ضمان أن المكتب لديه كمية كافية من المعلومات لإكمال تلك الإجراءات.

وحول الخيارات المتاحة بحال رفضت بعض الطلبات، تقول المفوضية على موقعها الرسمي، إنها تسمح بعملية استئناف ومراجعة الرفض والتأكد من أن القرار الذي تم اتخاذه كان صحيحاً، مشيرة إلى أنه أثناء عملية الاستئناف، يقوم موظفو حماية مختلفون بمراجعة جميع تلك الطلبات.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات