Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا وراء "اتفاق" نشر الأسلحة النووية الروسية في بيلاروس؟

مراقبون يرون مثل تلك الإجراءات بمثابة مواجهة لتصعيد "الناتو" وتركيز قواته على حدود جارة موسكو ما من شأنه ردع أوكرانيا والغرب

وزير الدفاع الروسي أثناء زيارته لبيلاروس (أ ف ب)

ملخص

كانت وزارة الخارجية الروسية أعربت بقدر من السخرية عن حيرتها في ما يتعلق بقلق المنافسين الجيوسياسيين في شأن احتمال نشر أسلحة نووية في بيلاروس.

لعلنا جميعاً نذكر ما سبق وقاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أكثر من مناسبة حول استيعابه من شجارات الشوارع في لينينغراد في سنى صباه، لإحدى أهم قواعدها، وتتمثل في أنه "إذا فرض عليك الشجار، فلتكن أنت البادئ بالضربة الأولى"، وذلك ما أكده الرئيس الروسي في كثير من المواقف الصدامية التي واجهتها روسيا على الصعد كافة، المحلية منها والإقليمية والدولية. ولا أحد يستطيع أيضاً نسيان ما سبق وقاله بوتين حول أنه "لا حاجة لبلاده، بعالم لا مكان فيه لروسيا"، وهو تصريح عميق المغزى بعيد الدلالة، يعلم العالم بأسره ذلك المغزى، وتلك الدلالات.

وها هو رئيس لجنة شؤون بلدان الكومنولث لدى مجلس الدوماً قسطنطين زاتولين، يؤكد في أعقاب الإعلان عن توقيع اتفاق نشر الأسلحة التكتيكية النووية الروسية في بيلاروس، ضرورة تبني مثل هذه الأساليب، سواء فيما يتعلق "بالتكتيك أو الاستراتيجية"، وعدم التوقف في منتصف الطريق، وهو ما سنأتي إليه مع ختام هذا التقرير.

ومن المعروف أن هذا الاتفاق الذي وقعه وزيرا دفاع روسيا سيرغي شويغو، وبيلاروس فيكتور خرينين، في مينسك على هامش اجتماع وزراء دفاع بلدان معاهدة الأمن الجماعي قبيل نهاية الأسبوع الماضي، لم يكن وليد مباحثات أو اتصالات اقتصرت على الأسابيع أو الأشهر القليلة الماضية، بل ولم يكن أيضاً نتيجة قرار أو فكرة تداولت في أعقاب اندلاع المواجهة المسلحة و"العملية العسكرية الروسية الخاصة" في أوكرانيا، كما أنه ليس كذلك مرتبطاً وبحسب بما سبق وطرحته موسكو على كل من الإدارة الأميركية و"الناتو" في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2021 حول متطلباتها الأمنية، وما يتعلق بتوسع "الناتو" وخطط انضمام أوكرانيا إليه، بحسب ما أعلن عنه في أكثر من مناسبة.

فالواقع يقول إن الأمر بمجمله وتفاصيله يعود إلى أغسطس (آب) 2020 تاريخ الأحداث الدموية التي اجتاحت العاصمة البيلاروسية مينسك احتجاجاً على نتائج الانتخابات الرئاسية هناك، وما أعقبها من محاولة انقلاب دبرتها الأوساط الغربية لإطاحة رئيس بيلاروس ألكسندر لوكاشينكو، وما ثبت من تورط عناصر بولندية أوكرانية وأخرى أميركية في الإعداد لهذه المحاولة الانقلابية، بحسب المصادر البيلاروسية. ويذكر المراقبون ما أعلنه لوكاشينكو آنذاك من مطالب، تنشد العون العسكري من موسكو في إطار اضطلاعها بمهام "الدفاع المشترك" بحكم بنود معاهدات "الدولة الاتحادية" التي وقعت بين البلدين اعتباراً من منتصف تسعينيات القرن الماضي، ومنها ما يتعلق بإخلائها من الأسلحة النووية، بموجب ما طالب به الرئيس جورج بوش الأب حول ضرورة تخلي كل من بيلاروس وأوكرانيا وكازاخستان عن أسلحتها النووية، وتسليمها إلى روسيا شرطاً للاعتراف بها كدول مستقلة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في نهاية عام 1991، وذلك ما نصت عليه أيضاً مذكرة "بودابست" الموقعة في 1994، حول تخلي أوكرانيا عن أسلحتها النووية بضمان كل من روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا.

أسلحة نووية تكتيكية

ويذكر المراقبون كذلك أن الرئيس لوكاشينكو أعلن صراحة في 30 نوفمبر 2021 أنه سيقترح على نظيره الروسي فلاديمير بوتين إعادة الأسلحة النووية إلى بيلاروس إذا ما أقدم "الناتو" على إرسال الأسلحة النووية إلى بولندا، في إطار تعليقه على تصريحات ينس ستولتنبرغ الأمين العام للناتو حول أن رفض ألمانيا لقبول الأسلحة النووية، يمكن أن يسفر عن ظهور مثلها في بولندا. واعترف لوكاشينكو آنذاك بأنه، وبحكم طبيعته، وما يتسم به من حرص، لم يقدم على تدمير البنية التحتية لوجود مثل هذه الأسلحة في بلاده، بعد قرار نقلها إلى روسيا.

وذلك ما سبق وأعاده الرئيس بوتين إلى الأذهان في تصريحاته إلى برنامج "موسكو. الكرملين. بوتين" المعروف بوضعيته شبه الرسمية قريباً من الكرملين على مدى سنوات طوال، والتي قال فيها إن رئيس بيلاروس أثار منذ فترة طويلة مسألة إمكانية نشر أسلحة نووية تكتيكية روسية في بلاده. وأضاف بوتين أنه "تم بالفعل نشر 10 طائرات قادرة على حمل أسلحة نووية تكتيكية في أراضي بيلاروس". ومضى الرئيس الروسي ليشير إلى أن "ألكسندر غريغوريفيتش (لوكاشينكو) على حق، حين قال حسناً، اسمع، نحن أقرب حلفائك".

وتساءل بوتين في هذا الصدد، عن "الأسباب التي تدفع الأميركيين إلى القيام بمثل ذلك لحلفائهم، وينشرون، ويعلمون بالمناسبة كوادرهم، وطياريهم استخدام هذا النوع من الأسلحة إذا لزم الأمر". وخلص إلى القول، "اتفقنا على أن نفعل الشيء نفسه، دون انتهاك التزاماتنا، أؤكد، دون انتهاك التزاماتنا الدولية، في شأن عدم انتشار الأسلحة النووية، وساعدنا بالفعل زملاءنا البيلاروسيين في تجهيز طائراتهم. وهناك عشر طائرات جاهزة لهذا النوع من الأسلحة". وكانت روسيا أعلنت إمدادها لبيلاروس في أبريل (نيسان) الماضي بمنظومات صواريخ "إسكندر" التي يبلغ مداها 500 كلم وتستطيع حمل الصواريخ النووية قصيرة المدى.

ولم يمض من الزمن كثير، حتى وقع وزيرا دفاع روسيا الاتحادية وبيلاروس اتفاقية نقل أسلحة تكتيكية نووية إلى أراضي بيلاروس، مع تأكيد أن هذه الأسلحة ستكون تحت تصرف وإدارة الجانب الروسي، وهو ما أشار إليه بوتين خلال مباحثاته التي عقدت في موسكو الخميس الماضي مع نظيره البيلاروسي، مؤكداً أن بلاده لم تفعل أكثر مما فعلت الولايات المتحدة، وما تنشره من أسلحة نووية في بلدان "الناتو"، ومنها ألمانيا وتركيا وهولندا وبلجيكا وإيطاليا واليونان.

ومن اللافت في هذا الصدد أن كثيراً مما تتخذه موسكو من قرارات، يبدو مواكباً لتصريحات لطالما أعلنها هنري كيسينجر عميد الدبلوماسية الأميركية الأسبق، ومنها ما صدر أخيراً بمناسبة الذكرى المئوية لميلاده في مايو (أيار) الجاري حول أن "الصراع في أوكرانيا حدث بسبب رغبتها في الانضمام إلى (الناتو)". وعلى رغم اعترافه بأنه "يعتقد في أن اقتراح قبول انضمام أوكرانيا إلى (الناتو) كان خطأ فادحاً وأدى إلى حرب"، فإنه عاد ليقول في مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال" نشرت الجمعة الماضي، إن الولايات المتحدة الآن "محقة تماماً في معارضة روسيا"، وإنه يدعم سياسة الرئيس الأميركي جو بايدن تجاه أوكرانيا. وأضاف أنه ومن وجهة نظره، "انتصرت الحرب الأوكرانية، بمعنى أنها حالت دون هجوم روسي على دول حليفة في أوروبا"، وإن اعترف أيضاً بأنه ومع ذلك، وبحسب اعتقاده، فقد تظهر مخاطر أخرى مرتبطة بروسيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولذ فلم يكن غريباً أن يسارع الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الإعلان عن رد فعله "السلبي للغاية"، تجاه توقيع اتفاق نشر الأسلحة النووية الروسية في بيلاروس. وكان مفوض الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل كشف عن موقف مماثل بإعلانه أن "بروكسل تدين مثل هذا القرار الذي اتخذه الكرملين"، وتأكيده أن الاتفاق "يتعارض مع مذكرة بودابست" التي أشرنا إليها عاليه.

أما في ما يتعلق بتبعات تنفيذ اتفاق نشر أسلحة نووية روسية في أراضي بيلاروس، فثمة من يقول إنها لا بد أن ترفع درجة سخونة المواجهة، بما قد يدفع بها إلى درجة "الانفجار". وفي معرض التعليق على ما تشهده ساحات المواجهة الواقعية والافتراضية من تطورات في هذا الشأن، نقلت وكالة أنباء "ريا نوفوستي" عن كيريل كوكتيش الأستاذ في قسم النظرية السياسية في جامعة "العلاقات الدولية" التابعة لوزارة الخارجية الروسية تعليقه حول نشر روسيا الأسلحة النووية التكتيكية في بيلاروس، الذي يؤكد فيه أن مثل هذا القرار "يوازن استفزازات الغرب خلال العملية العسكرية الروسية الخاصة" في أوكرانيا.

ومضى ليضيف أن "مثل هذه الإجراءات تواجه تصعيد الدول الغربية، وتركيز قوات حلف شمال الأطلسي على حدود بيلاروس، وفي المقام الأول في بولندا، بسياستها العدوانية، ونوايا بريطانيا حول تزويد كييف بقذائف اليورانيوم". وأعرب كوكتيش عن رأي مفاده أن "نشر الأسلحة النووية التكتيكية من شأنه أن يردع أوكرانيا، فضلاً عن دعوة الدول الغربية إلى التفكير ووقف التصعيد".

وكانت وزارة الخارجية الروسية أعربت بقدر من السخرية عن حيرتها في ما يتعلق بقلق المنافسين الجيوسياسيين في شأن احتمال نشر أسلحة نووية في بيلاروس، ولا سيما بعد إعلان الولايات المتحدة وحلفائها في حلف "الناتو" نوايا "إلحاق هزيمة استراتيجية" بروسيا، وذلك ما وضعه الرئيس الروسي نصب عينيه رداً على تخطي الغرب لكل ما وصفه بـ"الخطوط الحمراء وغير الحمراء".

ولم ينكر أو يستبعد الرئيس بوتين في وقت سابق لتوقيع الاتفاق المذكور مع بيلاروس أن ألكسندر لوكاشينكو أثار مسألة نشر أسلحة نووية تكتيكية روسية على أراضي بلاده، وهو إجراء مشابه لما سبق وفعلته الولايات المتحدة منذ عقود، يوم وضعت أسلحتها النووية في ألمانيا وتركيا وهولندا وبلجيكا وإيطاليا واليونان. ويذكر المراقبون ما قاله بوتين حول أنه وبيلاروس سيفعلان الشيء نفسه "دون انتهاك التزاماتهما الدولية في شأن حظر انتشار الأسلحة النووية".

مكافآت جيوسياسية

ويتوقف مراقبون كثر في موسكو وخارجها، ومنهم ميخائيل ريميزوف رئيس معهد الاستراتيجية الوطنية، عند عدد من تبعات توقيع ذلك الاتفاق بين روسيا وبيلاروس، ومنها إضافة إلى المزايا الدفاعية، ما قد يمكن أن يضاف إلى "المكافآت الجيوسياسية" التي أشار ريميزوف إلى بعضها، وفي مقدمتها أنه "يربط بقوة بين روسيا وبيلاروس على المدى الطويل، بمعنى أنهما يخططان الآن وبشكل مشترك لمستقبلهما الجيوسياسي، ويمكن للمعسكر الغربي التوقف نهائياً عن محاولة التأثير في بيلاروس، على أمل فصلها عن روسيا"، على حد تعبيره.

ونأتي إلى قسطنطين زاتولين مدير معهد بلدان رابطة الدول المستقلة ورئيس لجنة شؤون بلدان الكومنولث في مجلس الدوما الذي قال إن "مثل هذا الشكل من التحالف بين البلدين سيكون أقوى وأكثر موثوقية من مجرد دولة الاتحاد، وسيسمح بحل عدد من المشكلات". ومما قاله أيضاً إنه "بفضل التعاون النووي مع بيلاروس، نجد استجابة مناسبة لتصعيد التوتر وخيار الردع النووي لخصومنا الجيوسياسيين في الغرب".

وأضاف زاتولين أن "نشر أسلحتنا النووية التكتيكية في بيلاروس يجعل بولندا أكثر عرضة للخطر، وهي التي تلعب دور زعيم المجموعة والمبادر لجميع الهجمات والأعمال المحتملة ضد روسيا، وليس فقط الحرب في أوكرانيا، وذلك إضافة إلى أن ذلك سيكون عاملاً لإرغام الأطراف الأخرى على المناقشة والاستماع إلى ما نقوله ومراعاة حقيقة أن روسيا قوة نووية"، وذلك نظراً إلى أن هذه الأطراف تبدو "وكأنما توصلت إلى قناعة مفادها أنه يمكن تنفيذ أعمال عدائية ضد روسيا دون مراعاة إمكاناتها النووية، في الوقت الذي يناقش الغرب الآن بحرية كيف سيفكك أوصالها، ويلحق بها هزيمة استراتيجية، ويعتقد أنه يمكن القيام بذلك".

أما الأخطر في ما قاله زاتولين خلال الأيام القليلة الماضية، فقد يتمثل في "اعترافاته"، بل وفي "دعوته" التي كشف عنها في حديث خص به برنامج "اللعبة الكبرى" على شاشة القناة الأولى بالتلفزيون الروسي مع دميتري سايمس المعلق السياسي الأميركي، الروسي الأصل. وقال فيها مما قال، بضرورة "عدم التراجع عما أعلنه الرئيس بوتين من أهداف في مستهل العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، ومواصلة ما بدأته روسيا من عمليات وعدم التوقف في منتصف الطريق".

وفي ذلك دعوة مباشرة إلى ضرورة مواصلة القتال حتى انتزاع موافقة أوكرانيا على عدم الانضمام إلى "الناتو"، وعدم نشر أية أسلحة استراتيجية في أراضيها، والاعتراف بالأمر الواقع الراهن في شأن ضم روسيا لكل المناطق الجديدة. أو بقول آخر، إلى الاستسلام، ومعها "الغرب الجماعي" أمام المتطلبات الأمنية لروسيا التي سبق وأعلنت عنها في مذكرتيها إلى كل من الإدارة الأميركية و"الناتو" في نوفمبر 2021. وإذا أضفنا إلى كل ذلك ما سبق وأعلنه دميتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسية من تهديدات حول "زوال أوكرانيا"، فإن العالم لا بد أن يكون أمام تزايد احتمالات "صدام نووي"، يعلم القاصي والداني مدى جسامة وأخطار عقباه.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير