Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الفن الكويتي يصطبغ بروح "صالح وداوود" اليهوديين

ولدا في الكويت ولحنا لرموز الأغنية العربية بعد الهجرة نحو العراق

لا تزال أعمال الأخوين "صالح وداوود" تعرض على شاشة تلفزيون الكويت حتى اليوم (ويكيبيديا)

ملخص

لا يزال أرشيف الفن الكويتي وروحه يصطبغان بأثر تركه يهوديان عاشا في البلاد خلال حقبة الثلاثينيات من القرن الماضي، وكان لهما دور رائد في الموسيقى الكلاسيكية الحديثة

لا يزال أرشيف الفن الكويتي وروحه يصطبغان بأثر تركه يهوديان عاشا في البلاد خلال حقبة الثلاثينيات من القرن الماضي، وكان لهما دور رائد في الموسيقى الكلاسيكية الحديثة.

الحديث هنا عن الأخوين "صالح وداوود" اللذين على رغم أنهما لم يحملا الجنسية الكويتية يوماً، فإن كل واحد فيهما يحمل كنية ولقب "الكويتي" لارتباط يتعلق بالمولد والروح وأيام الصبا، وهما اللذان ما زالت أغانيهما جزءاً من التراث الشعبي في الكويت والعراق، إذ لا يزال التلفزيون الكويتي الرسمي يبث جزءاً من تراثهما الفني، كما أن تاريخهما الفني بات يمثل حقبة طربية لا يمكن تجاوزها في منطقة الخليج العربي. ولربما أن تلك الحياة التي عاشاها والحقبة التي "ملآ الدنيا فيها وشغلا الناس" هي من دعت ابن أحدهما إلى تأليف كتاب يوثق تلك المرحلة المهمة.

ففي 2014 أصدر سليمان الكويتي (نجل صالح) كتاباً بعنوان "صالح الكويتي... نغم الزمن الجميل"، تناول فيه السيرة الفنية لوالده وعمه داوود، وعرج على تأثيرهما في البناء النغمي للموروث الغنائي في الكويت، ومن بعدها العراق الذي كان لهما باع طويل فيه.

ولدا في الكويت

والأخوان صالح وداوود ابنا عزرا يعقوب، يهوديان عراقيان، ولدا في الكويت (1908-1910)، وكانا موسيقيين، واشتهرا في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين بوضع ألحان لمغني تلك الفترة، إضافة إلى مساهمتهما في وضع عديد من المقدمات واللزمات الموسيقية.

وكان شغف وحب الموسيقى وآلاتها هما ما دعا صالح وداوود لتعلم الألحان الكويتية والبحرينية واليمانية والحجازية، كما أنهما تعرفا إلى الموسيقى العراقية والمصرية بالاستماع إلى أسطوانات عمالقتها. وفي مهد الموهبة التي أجاداها فيما بعد، فإن البداية كانت في العزف والغناء حين أخذا يشتركان في إحياء الحفلات الخاصة، لا سيما تلك التي كانت محفوفة بمعارفهما قبل أن تتطور شيئاً فشيئاً ليصبحا عازفين مشهورين في مناسبات الشيوخ والوجهاء في الخليج، وبخاصة الكويت.

 

 

وكان صالح ماهراً في العزف على الكمان واشتهر أخوه داوود وعرف بالعزف على العود. وكان الاثنان يترددان على العراق لتسجيل أعمالها بسبب تطور أدوات بغداد في تلك المرحلة. وفي عام 1927 رافقا المطرب الكويتي المعروف عبداللطيف الكويتي إلى البصرة لتسجيل أسطوانات.

الهجرة طواعية

تقول أستاذ التاريخ بجامعة الكويت نور الحبشي إن "الأخوين صالح وداوود استأنسا بحياتهما الشخصية والفنية في الكويت، إلا أنهما هاجرا إلى العراق طواعية عام 1929 بسبب وجود استديوهات لتسجيل الأغاني والصوتيات هناك، إذ استطاع صالح وأخوه داوود أن يؤسسا معهداً موسيقياً في بغداد عام 1931"، مشيرة إلى أن "صالح الكويتي أسهم في تأسيس إذاعة بغداد عام 1937، واختارته الحكومة لرئاسة جوقة الإذاعة قبل أن يؤسس مع شقيقه داوود ملهى (أبي نواس) عام 1944، والذي دعا فيه نخبة من العازفين والعازفات العراقيين للعمل في الملهى".

وأضافت أن "صالح استطاع خلق أنماط موسيقية جديدة في المقام العراقي، وساعده على ذلك شقيقه داوود، حتى نالا إعجاب المطرب وعازف العود العراقي عزوري هارون الشهير بـ(العواد)، فعرض عليهما إقامة حفلات موسيقية عدة في الملهى الذي يفد إليه المصريون، ففتحت تلك الخطوة الباب لهما للعمل مع زكي مراد والد المطربة المصرية ليلى مراد، وكذلك المطربة بثينة محمد ورجاء عبده وماري جبران، إضافة إلى التعاون مع الموسيقار المصري محمد عبدالوهاب ومحمد القصبجي ورياض السنباطي ومحمد العقاد".

لحنا لكبار رموز الأغنية العربية

تابعت الحبشي "لقد أثرى الأخوان صالح وداوود الموسيقى العراقية بتعاونهما مع المطربة العراقية المشهورة سليمة باشا مراد، إذ لحن لها صالح أغاني عدة ومطلع إحدى الأغنيات (قلبك صخر جلمود، هوه البلاني، آه يا سليمة، ما حن عليَّ، منك يا لاسمر، خدري الجاي خدريه، شيبوني وأنا توني شباب)، والتي عرضها التلفزيون الكويتي"، مضيفة أن "صالح قام بتلحين قصيدة الشاعر الهندي الشهير طاغور (يا بلبل غني لجيرانك) التي كتبها عندما زار بغداد عام 1934، وترجمها جميل صدقي الزهاوي، وغنتها المطربة السورية زكية جورج، قبل أن يغنيها المطرب عبداللطيف الكويتي، وما زال حتى اليوم يتم عرضها على شاشة تلفزيون الكويت، كما لحن لسيدة الغناء العربي أم كلثوم أغنية (قلبك صخر جلمود)، والتي غنتها قبلها المطربة سليمة مراد عام 1930".

وأشارت نور الحبشي إلى أن صالح وداوود كانا يحملان في قلبهما حباً كبيراً للكويت، حيث تمت تسمية أحد أحفادهم بـ"صباح" كناية عن حبهما للأسرة الحاكمة "آل الصباح"، فعلى رغم أنهما هاجرا إلى إسرائيل عام 1951 لم يتخليا عن لقبهما "الكويتي"، حيث حافظا على اللقب حتى في الأغنيات التي تبثها الإذاعة الإسرائيلية، لافتة إلى أن أغاني صالح وألحان شقيقه لم تلق قبولاً في إسرائيل، وهي التي بلغت 200 لحن. وفي روايات أخرى يقال إنها تجاوزت الـ500 لحن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فريج اليهود

بدوره، قال الباحث والإعلامي حمزة عليان إن "رواج الأغاني القديمة في الأسواق بالكويت يرجع إلى قرون عدة عندما هاجر اليهود إليها من المناطق المجاورة لازدهارها التجاري، وبحثاً عن الأمن والأمان، حيث تركز وجودهم في منطقة شرق، قرب مناطق الأسواق في الكويت القديمة، سكناً وعملاً، وأطلق على الحي الذي يسكنون فيه (فريج اليهود)، والمعروف الآن بالسوق أو البوالط والصفافير، والذي يقع في شارع الغربللي قرب سوق الصاغة"، مشيراً إلى اعتزازهم بلقب "الكويتي"، ومنهم التاجر يوسف الكويتي الذي أسس معهد التجار مع أحد الأفغان، لافتاً إلى عائلاتهم، ومنها عائلة "عزرا" التي تحدر منها الفنانان صالح وداوود عزرا، والملقبان بصالح وداوود الكويتيين.

تعلما التراتيل الدينية

وأشار نبيل الربيعي في كتابه "اليهود في الخليج" إلى أن صالح وداوود تعلقا بالموسيقى منذ الصغر، إذ تعلق الأخوان بالموسيقى من خلال تعلم التراتيل والتسابيح الدينية في "الكتاب"، وكذلك خالهما "رحمين" الذي جلب لهما من الهند آلة "الكمان" لصالح وآلة "العود" لداوود، لتكون هاتان الآلتان نقطة تحول في حياة الطفلين، وذلك قبل أن يأخذهما والدهما إلى العازف الكويتي خالد البكر، ليقوم بتدريبهما على العزف والغناء، موضحاً أن أول أغنية لهما كانت "والله عجبني جمالك".

 

 

ثراء فني وإرث عتيق تركه صالح الكويتي وشقيقه داوود، فما زالت الألحان تشدو في ساحات الأسواق الكويتية وجنبات المحال القديمة، فعلى رغم أن والدهما هاجر طوعاً إلى الكويت، ثم انتقل الأخوان إلى العراق بحثاً عن تطوير فنونهما الموسيقية، ومروراً بالهجرة قسراً إلى إسرائيل، فإن لقب "الكويتي" كان مصدر فخر لهما، ولم يتخليا عنه حتى الممات، وتوارثه أبناؤهما من بعدهما، ويبقى الفن منزوع السياسة رسالة سلام تهفو بها قلوب المحبين وعاشقي الفنون، وتخاطب بها النفوس البشرية المتصالحة مع المجتمع والحياة.

اقرأ المزيد

المزيد من فنون