Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فيلم "الست"... زوبعة اللحن النشاز

معارضو الفيلم يتهمونه بتزييف الحقائق ومحاولة تدمير الأسطورة ومؤيدوه يؤكدون حرية الفن

ما زالت انتقادات فيلم "الست" تشتد يوماً بعد يوم بين فريق كبير من النقاد والصحافيين والجمهور والصناع (مواقع التواصل)

ملخص

لا يمكن أن تحسم الجدل داخل نفسك وأنت تسمع من الطرفين المتصارعين وجهات النظر المختلفة حول فيلم "الست"، تشعر أن كليهما على حق في جزء من تصوره وتقييمه للتجربة، بينما يجنح إلى التطرف أو الإطراء في الجزء الآخر.

لم تهدأ عواصف الجدل منذ الإعلان عن مشروع فيلم "الست" الذي يجسد جوانب من حياة سيدة الغناء العربي أم كلثوم، فبعد عرض الفيلم انقسمت الآراء لدرجة تثير الانتباه، وكأنّ العمل أعاد الحراك الحار المفقود حول الفن، وشحن الخلاف مجدداً حول قضية تجسيد الرموز الفنية والتاريخية، وهل من حق الدراما تناول الرمز بهيكل جديد يقترب من الصورة الإنسانية بأخطائها وعيوبها إلى جانب عظمتها وأسطوريتها.

ولا يمكن أن تحسم الجدل وأنت تسمع من الطرفين وجهات النظر المختلفة حول فيلم "الست"، تشعر أن كليهما على حق في جزء من تصوره وتقييمه للتجربة، بينما يجنح إلى التطرف أو الإطراء في الجزء الآخر.

فبعضهم رأى أن تجربة أم كلثوم الفنية والإنسانية التي لا تزال مؤثرة لدرجة تفوق الخيال على مدى ما يزيد على قرن وربع القرن غير قابلة للتبسيط أو التناول كشخصية عادية، فهي تحمل من العظمة والوطنية والموهبة والشخصية والتحدي ما يخلدها ويضعها في قمة المجد من دون التفكير في المساس بهذه المنطقة.

بينما يرى الآخرون أن من حق الجميع أن يرى الجانب الإنساني البعيد من الأسطورة، لأن هذا هو الجزء الحقيقي الذي يجعل الرمز لحماً ودماً ويقربه أكثر من الناس، بحيث يفهمون عيوبه وميزاته ومشاعره التي قد حرمه المجد وصناعة الفن من التعبير عنها.

صور زائفة

وما زالت انتقادات فيلم "الست" تشتد يوماً بعد يوم بين فريق كبير من النقاد والصحافيين والجمهور والصناع، معظم الآراء انتقدت في البداية تجسيد منى زكي الشخصية، إذ لا تتناسب شكلياً ولا جسمانياً مع جسد وهيكل كوكب الشرق، كذلك لا تملك صوتاً أو خبرة غنائية تجعلها تبدو منسجمة مع دور مطربة حتى وإن أدت مغنية حقيقية الصوت بدلاً من منى كما حدث في فيلم "الست"، إذ أدت المطربة نسمة محجوب صوت أم كلثوم في بعض اللقطات بينما قامت منى بتحريك الشفاه فقط.

الجزء الثاني انتقد مكياج منى زكي وتركيب بعض الخدع بوجهها مثل الانتفاخ في منطقة أسفل الذقن أو ما يطلق عليه "اللغد"، واعتبر كثر هذه الصورة إهانة لشكل أم كلثوم التي أصابها المرض بالفعل وتغير شكل ذقنها ولكن مكياج منى جاء مثيراً للغضب، وكأنه يسخر ويسيء لشكل "ثومة"، رغم الاعتراف بقوة أداء منى زكي التمثيلي وقدرتها على تجسيد الشخصية بإحساس الممثلة.

 

قد يكون الشكل أول العناصر التي وضعت الفيلم في مرمى النيران في المرحلة الأولى بعد عرض الإعلان الترويجي للفيلم، لكن بمجرد بدء طرحه رسمياً امتدت الانتقادات لما هو أبعد لدرجة وصلت إلى التخوين والاتهام بالإساءة لشخصية وطنية بارزة.

اتفق معظم المعارضين للفيلم على نقاط عدة، منها ظهور أكثر من مشهد لأم كلثوم تتحدث عن المال بصورة توحي بالبخل، مثل مشاهدها مع أبيها عندما أكدت استياءها من شراء أخيها خالد عدداً كبيراً من الأراضي، والخوف من أن تحدث مشكلة بمسيرتها الغنائية ولا تجد المال.

كذلك اعترض بعضهم على ظهورها كشخصية عصبية تنتقد الجميع وتغضب لأتفه الأسباب وتكيل بعض الإهانات لموسيقيين مثل واقعة ربطة العنق التي اعترضت عليها، عندما ارتدى أحد العازفين ربطة غير لائقة فقالت له "إيه القرف ده"، وبدلت بها فوراً ربطة عنق النادل الذي كان يحضر لها المشروبات.

واستشهد الرافضون بأن هذا مخالف للواقع، إذ حدث هذا الموقف مع الموسيقار مجدي الحسيني الذي كان يعزف في فرقتها، وقامت بالفعل بتغيير ربطة عنقه بعد الاعتراض عليها ولكنها لم تسب أو تتلفظ بلفظ مهين مثلما جاء في الفيلم.

تدخين أم كلثوم السجائر في أكثر من مشهد كان من أسباب الخلاف أيضاً، إذ غضب المعارضون وقالوا إن هذا تشويه لصورة امرأة ملتزمة وصوت لا يتكرر، بينما استشهد مؤلف الفيلم بصور حقيقية لأم كلثوم وهي تدخن السيجارة في أكثر من مناسبة خاصة وعامة أيضاً، ومنها مباراة لكرة القدم حضرتها مع زوجها حسن الحفناوي، وكانت تدخن وهي تشاهد المباراة وتضحك بعفوية من دون أن تخفي السيجارة أو تعدها أزمة وعيباً في نظر محبيها.

انكسار العشاق

ظهور أم كلثوم في صورة عاشقة مكسورة أكثر من مرة بسبب قصة الحب التي جمعتها بشريف باشا صبري، خال الملك فاروق وشقيق الملكة نازلي، اعترض عليه جانب كبير من المخالفين للفيلم، وقالوا إن أم كلثوم كانت شامخة ولا تخضع لسخرية أو محاولة انتقاص، ومشهد سخرية الملكة نازلي منها وانتظار أم كلثوم لرضاها أمام عائلة الملك غير حقيقي ومخالف للتاريخ، إذ زارها الملك فؤاد في استوديو تصوير وهي تجسد دورها في أحد الأفلام، وكذلك الملك فاروق، ولم تبرز يوماً أي خضوع أو لهفة أمام العائلة المالكة وبخاصة نازلي.

وذهب بعض المعلقين إلى أن شريف باشا صبري لم يكن المحب الوفي كما ظهر في الفيلم، ولم يتخل عنها كما جاء في أحد المشاهد تحت ضغط من شقيقته الملكة نازلي، بل أثبت بعض المحللين أنه حارب أم كلثوم لرفضها الزواج به عرفياً، وكان السبب وراء فسخ خطبتها من محمود الشريف.

 

وانتقد قطاع من الناس ارتباك أم كلثوم عندما زارها الملك فاروق في المسرح وغنت له أغنية "يا ليلة العيد" بعدما أضافت مقطعاً له كنوع من الترحيب، وقالوا إن الملك لم يمثل رهبة لها لتكون بهذا الانبهار عند رؤيته، بل إنها كانت معتادة على معاملة الملوك والرؤساء بشكل طبيعي وشامخ.

أما فكرة ظهور أم كلثوم وحيدة في بيتها وقد قاطعها أقاربها، وقول ابن شقيقتها لها إنه لا أحد يزورها لأنهم يخافون منها، فقد رآه بعض المعلقين غير حقيقي، إذ كانت علاقتها بعائلتها قوية جداً ومنحتهم الحب والدفء حتى آخر أيام حياتها.

وحتى حصول أم كلثوم على منصب نقيب الموسيقيين المصريين كان موضع خلاف، إذ جاء في الفيلم أنها ساومت أحد العازفين للتصويت لها وهددته إن لم يفعل بأنها ستمنعه من العزف في فرقتها ولهذا اضطر إلى مساندتها.

في الثورة والغرام

هامشية علاقة الرئيس جمال عبدالناصر بأم كلثوم رآها بعضهم غير حقيقية كذلك، إذ لم تظهر المشاهد عمق العلاقة الطيبة بينهما، وجاء في الفيلم أنها رفضت إصدار بيان مؤيد للثورة خوفاً على صورتها، لأنها كانت تؤيد عصر الملك فاروق وعلى علاقة طيبة بالحكم البائد.

وعلى رغم ظهور أم كلثوم في الفيلم تدعم الجيش المصري وتتزعم حملات المجهود الحربي، فإن ذلك لم يكن كافياً لتهدئة الوضع أو تصويرها بصورة وطنية من وجهة نظر المهاجمين، وزعم بعضهم أن هذا لا يشكل جزءاً مرضياً من دورها الوطني العظيم، بل هو تقزيم وتقليص وإجحاف في حقها، إذ كانت زعيمة بطريقة خاصة، وتغني للجنود، وتبرعت بمجوهراتها وبعض ممتلكاتها لدعم الجيش.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عدم ظهور دور للموسيقيين العظام مثل محمد عبدالوهاب ورياض السنباطي وبليغ حمدي كان موضع انتقاد أيضاً، بخاصة أنهم على حسب المعارضين شكلوا أهم فترة في تاريخ كوكب الشرق، وتعاونوا معها في أغنياتها الخالدة، وتهميش سيرتهم وعلاقتهم الطيبة مع كوكب الشرق عيب في رصد وسرد تاريخ الموسيقى.

وفي العلاقات العاطفية ذهب بعض المتابعين إلى أن الفيلم تعمد تصدير فكرة أن أم كلثوم استغلت حب الشاعر أحمد رامي ورفضت الزواج منه من أجل مصلحتها، لأنها تريد أن تكون ملهمته فقط وتستفيد من النتاج الفني بينهما، بينما رحبت في العمل بحب شريف باشا صبري، خال الملك.

وفي بعض المشاهد قررت الزواج من طبيبها الذي يصغرها بنحو 17 سنة، وعندما لاحظت إعجابه بها بدأت في محادثته تليفونياً لتخلق حديثاً خاصاً بحجة فهم مفعول بعض الأدوية، وهو ما لم يرق إلى كثير من منتقدي العمل.

حتى علاقة أم كلثوم بأبيها رأى بعضهم أنها ظهرت في الفيلم بشكل مرتبك، وعلى رغم وجود أكثر من مشهد يبرز تأثر أم كلثوم بوفاة أبيها، وتخيلها له في أصعب أوقات حياتها وهي تغني على المسرح، اعترض المنتقدون على تصوير أبيها وهو يهجرها ويقرر العودة إلى القرية بسبب انشغالها أو عدم جدوى وجوده معها.

"موسم الرياض" في الصورة

واتهم بعض النقاد الفيلم بأنه تعمد تجاهل تاريخ "ثومة" السينمائي وقيامها ببطولة أفلام مهمة شكلت تاريخاً مضيئاً في صناعة السينما، كذلك اتهموا عدداً من المشاهد بأنها مسيئة ومخالفة للمنطق والتاريخ، وذهبت بعض وجهات النظر واحتدت لتصل إلى اتهام الفيلم وصناعه بتعمد تشويه رمز وطني بدافع المؤامرة لاغتيال أسطورة كوكب الشرق، بل إن هناك من اتهم "موسم الرياض" بالوقوف وراء ذلك، مما حدا برئيس هيئة الترفيه السعودية تركي آل الشيخ، إلى نشر توضيح في شأن الفيلم.

وكتب رئيس هيئة الترفيه السعودية تركي آل الشيخ، على حسابه بموقع "فيسبوك" أنه "إشارة إلى ما يتم تداوله في بعض وسائل الإعلام والحسابات حول إنتاج وإخراج وإعداد فيلم (الست)، أود توضيح أنه لا صحة لما يشاع عن أي دور لـ(موسم الرياض) في إنتاج أو إخراج أو إعداد الفيلم"، مؤكداً أن دور موسم الرياض اقتصر على الرعاية فحسب، وجاء ذلك بعد الانتهاء من إنتاج الفيلم، من دون أي تدخل في تفاصيله الفنية أو الإدارية.

 

وأضاف رئيس هيئة الترفيه أن "الفيلم حاصل على التراخيص الرسمية من الرقابة في جمهورية مصر العربية، وأية ملاحظات أو إشكالات رقابية (إن وجدت) هي من اختصاص الجهات المتخصصة في مصر".

وأكد أن "الفيلم إنتاج مصري بالكامل بنسبة مئة في المئة، إذ جرى العمل عليه من خلال شركات إنتاج مصرية، ولا توجد لي شخصياً، ولا لـ(موسم الرياض)، أية علاقة مباشرة بهذا العمل من حيث الإنتاج أو الإعداد أو التنفيذ".

وقال آل الشيخ "الزج باسمي أو باسم (موسم الرياض) على أنهما جزء من صناعة الفيلم أمر غير دقيق ولا يستند إلى معلومات صحيحة، فالمخرج والكاتب وأبطال الفيلم والشركة المنتجة جميعهم مصريون".

وأضاف أن "موسم الرياض" أول من كرم الفنانة القديرة أم كلثوم، وهذا موضع تقدير واحترام، لكنه لا يعني الارتباط بإنتاج هذا الفيلم، ويجب وضع الأمور في إطارها الصحيح، والتمييز بين الرعاية والدور الإنتاجي الفعلي.

حرية الفن

على الجانب الآخر، كان ثمة كثير من الآراء المساندة للفيلم التي دافعت عن شكل منى زكي، وذهبت إلى أن الشبه لم يكن مطابقاً بينها وبين أم كلثوم وهو أمر طبيعي، لأن الأمر يعتمد على تمثيل الأحاسيس لا التطابق الكامل في الشكل.

ودافع بعضهم عن أسرة الفيلم بأن من حق الدراما اختيار مناطق معينة للتعبير عن سيرة رمز أو نجم، ومهما كان منطق الاختيار فهو رؤية ووجهة نظر لا تجب مناقشتها لأنها تخص صناع العمل الذين يختارون ما يفيد محتوى الفيلم المرغوب في نظرهم.

مؤلف الفيلم أحمد مراد استند إلى نظرية تفكيك الأسطورة والاقتراب من إنسانيتها في العمل، وبحسب تصريحاته فقد اختار زاوية تجعل نقاط ضعف أم كلثوم ومخاوفها وانكساراتها تبدو واقعية وحقيقية مثل أي شخص طبيعي، وأراد أن يظهرها كامرأة من لحم ودم.

أما بعض النجوم مثل يسرا ومخرجون مثل المخرج يسري نصرالله وعمرو سلامة وخالد جلال والمؤلف تامر حبيب، فأكدوا أن العمل متكامل فنياً من جهة السرد الإنساني والصوت والصورة والديكورات والملابس وتاريخ الشخصيات، ومن دقته وصل إلى درجة الإبهار البصري والسردي.

ودافعوا عن صناع العمل في شأن اتهامهم بتعمد التشويه بأن "منتجي الفيلم الأساسيين تامر مرسي وأحمد بدوي مصريان ووطنيان ولا يمكن أن يكون لهما أي هدف غير التعبير الفني عن جانب خاص وإنساني في حياة أسطورة هذه السيدة الخالدة، كذلك فإن بطلة الفيلم منى زكي مشهود لها بالذكاء والموهبة، والأمر نفسه بالنسبة إلى المخرج مروان حامد الذي يعتبر من أهم مخرجي مصر والوطن العربي".

وشددوا على أن "الفيلم أظهر مراحل قوة وضعف وكبرياء وانكسار ورقة وقسوة، وهذا وارد جداً في سياق أي عمل درامي، لأن أية شخصية مهما كانت عظيمة تتعرض لتلك المراحل الإنسانية بلا شك".

حقق فيلم "الست" حتى الآن ما يقترب من 20 مليون جنيه (400 ألف دولار)، وتعرض للقرصنة على رغم مرور أسبوع واحد فقط على عرضه، مما أشعل نظرية المؤامرة على جانب آخر، إذ اتهم بعض صناع العمل فريقاً من المعارضين بمحاولة النيل منه لجعله يفشل جماهيرياً وفقاً لإيرادات شباك التذاكر.

الفيلم من تأليف أحمد مراد، وإخراج مروان حامد، وبطولة عمرو سعد وأحمد حلمي وكريم عبدالعزيز وآسر ياسين ونيللي كريم وأمينة خليل وأمير المصري ومحمد فراج وسيد رجب وأحمد خالد صالح، وغيرهم من النجوم.

اقرأ المزيد

المزيد من فنون