Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل حقا إسرائيل جزء من هوية اليهودي الأميركي؟

"لسنا واحداً" كتاب حديث يكشف عن اختلاف يهود الولايات المتحدة حول "الصهيونية" ويؤكد أن دعم الدولة العبرية لم يكن موضع إجماع

اليهود الأميركيون ليسوا واحداً في ما يتعلق بدعم إسرائيل (أ ف ب)

ملخص

لم يكن دعم #إسرائيل موضع إجماع من #يهود_أميركا إلا بالهولوكوست أولاً ثم لم يعد جزءاً مركزياً من الهوية اليهودية نفسها إلا بحرب 1967

تابعت الأوساط السياسية والإعلامية في الولايات المتحدة الأميركية أخيراً الصحافي توماس فريدمان وهو يناضل من أجل الديمقراطية نضالاً لعله لم يناضل مثله من قبل، ولم يكن هذا من أجل الديمقراطية الأميركية، وإنما من أجل الديمقراطية الإسرائيلية، فقد خالف الصحافي والخبير المخضرم في شؤون الشرق الأوسط، المقرب من دوائر صنع السياسات الأميركية، إيقاعه المعتاد في النشر، فكتب أحياناً أكثر من مرة واحدة في الأسبوع الواحد، ودائماً في الموضوع نفسه، وهو نوايا رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد بنيامين نتنياهو وخططه للقضاء على القضاء في إسرائيل.

وقف فريدمان بوضوح في خندق المعارضة الإسرائيلية لخطط "الإصلاح" القضائي. فهاجم مشروع القانون الإسرائيلي من كل الزوايا الممكنة، مؤكداً أن القضاء الإسرائيلي هو موضع احترام العالم، وأنه المدافع الأول عن الأقليات في إسرائيل، وأن سلبه قدرته على نقض القوانين التي يمررها الكنيست هو بمثابة هدم لأحد أعمدة واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط كما يحلو لإسرائيل أن ترى نفسها.

حذر فريدمان من أن إجازة هذا الإصلاح كفيلة بتقويض علاقة إسرائيل الخاصة بالولايات المتحدة، إذ ستستوي بأي بلد ديكتاتوري آخر في المنطقة. وحاور سياسيين وقانونيين ورجال أعمال كلهم من معارضي الإصلاح أو استشهد بأقوالهم. وحذر أيضاً من هرب المواهب من إسرائيل، ورحيل رواد الأعمال عنها. ورصد خروج رؤوس أموال من بنوك تل أبيب.

وبالإجمال، لم يترك فريدمان في جعبته سهماً إلا ورمى به. وأخيراً، ألقى بسهم له قوة 46 سهماً، إذ استخلص من جو بايدن شخصياً تصريحاً مؤلفاً من 46 كلمة، أسهب فريدمان في شرح رفضه للإصلاح، مبرزاً أن تلك نادرة غير مسبوقة في السياسة الخارجية الأميركية إذ تتدخل مباشرة في شأن داخلي إسرائيلي.

خاض فريدمان المعركة بحماس، ثم سكت فجأة، لتبدأ أصوات أخرى في الصحافة الأميركية تتحدث عن توتر العلاقات بين واشنطن وتل أبيب. سكت بعد أن اطمأن إلى أن جهوده آتت ثمارها، ووفرت للمتظاهرين الإسرائيليين الرافضين لخطط نتنياهو 46 كلمة قوية صالحة للافتاتهم كما لمح في إحدى مقالاته.

ليس اختلال العلاقات بالجديد على أميركا وإسرائيل، فلا يخفي أن اختلافات تطرأ بين الحين والآخر بين حكومتي واشنطن وتل أبيب، فمنها على سبيل المثال قضية الاستيطان، ولا يخفى أن الاختلافات بينهما قد تصل أحياناً إلى ما تصفه لغة الدبلوماسية بالتوتر، الذي قد يبلغ في بعض الأحيان درجة الجفاء، إذا ما تربع على حكومتي البلدين نقيضان مثل نتنياهو وباراك أوباما، ولكن لا يخفى أيضاً على أي متابع للقضية الفلسطينية أن العلاقة الأميركية - الإسرائيلية أقوى من أي اختلافات قد تعرض بين الحين والآخر، وأن أي مرشح للرئاسة في أميركا لا يملك إلا أن يؤكد، منذ أولى خطواته على الطريق إلى البيت الأبيض، تاريخية هذه العلاقة وأبديتها.

اختلاف حول الدعم

غير أن مياهاً أخرى لعلها بدأت تجري أخيراً في هذا النهر، أو لعلها كانت تجري منذ بعض الوقت، إذ صدر حديثاً عن "هاتشيت بوك غروب" في الولايات المتحدة كتاب عنوانه "لسنا واحداً: تاريخ صراع أميركا على إسرائيل" لإريك ألترمان، وهو أستاذ للغة الإنجليزية والصحافة بجامعة مدينة نيويورك. وكتابه هذا، على حد قول لويد غرين في استعراضه له، نتاج جهد بذله الرجل وصبر وبحث على مدار أربعة عقود، حتى إن "الحواشي الداعمة لحججه تحتل 60 صفحة من الكتاب، وبعض هذه الحواشي مكتوب منذ أيام دراسته في المرحلة الجامعية".

40 عاماً إذن قضاها إريك ألترمان قبل أن يقول كلمته عن الأميركيين، أو اليهود الأميركيين: أنهم ليسوا واحداً في ما يتعلق بدعم إسرائيل. فإن لم يكن الصمت لـ40 سنة قبل النطق بكلمة مسوغاً كافياً لأن نصدقها، فهو ولا شك مسوغ أكثر من كاف لضرورة أن ننصت إليها.

في استعراضه للكتاب بـ"نيويورك جورنال أوف بوكس"، ينقل روبرت س. ديفيس، أستاذ التاريخ والجغرافيا الأميركي المرموق، عن إريك ألترمان قوله في أول سطر من كتابه إن "الحيز الذي تحتله إسرائيل في الجدال السياسي الأميركي استثنائي وفقاً لأي مقياس" وأن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل "يتخذ أشكالاً لا حصر لها" فمنها استطلاعات الرأي والمساعدات الأجنبية التي "لا مثيل لها حرفياً في تاريخ أي بلد". و"تتضمن مساعدة الدولة اليهودية أيضاً استخدام حق النقض والتصويت في الأمم المتحدة والمساعدة العسكرية غير الخاضعة تقريباً لأي قواعد تنظيمية". ويمضي ديفيس إلى أن يتساءل "فهل اقترفت أميركا الأبارتيد أو أي من جرائم الحكومة الإسرائيلية الأخرى؟" وهو سؤال ربما يكون طرحه أهم من إجابته.

يكتب ديفيس أن "الدعم العام لإسرائيل حتى وقت قريب شمل تقريباً كل الأميركيين دونما اعتبار لدين أو حزب سياسي. ومع ذلك لم يكن صوت واحد جامعاً قط لكل الأميركيين، أو حتى لكل اليهود الأميركيين، في ما يتعلق بفلسطين والطموحات الفلسطينية".

يعد ديفيس هذا تناقضاً، ولعله كذلك، إذ ربما ينبغي أن يعكس الموقف الرسمي للدولة هذا الاختلاف الشعبي، لكن الحقيقة أنه لا يعكسه، وقد نجد تفسيراً لذلك في تناول آخر للكتاب، لكن ديفيس يرجع جذور هذا التناقض البادي إلى تناقض آخر في "العالم القديم" إذ "كان الناس في شتى أرجاء الأرض" بحسب ما يكتب ألترمان "يعجبون لقوة اليهود الغامضة على المجتمعات" لكن في الوقت نفسه "كان اليهود يحكمون على وضعهم بأنه حلقة من حلقات لا نهاية لها من العجز والضعف السياسيين".

وكان الأميركيون يلقون اللوم ظلماً على يهود بلدهم في كثير من أخطاء الشركات الكبرى ويعربون في الوقت نفسه عن تعاطف عظيم معهم إثر مقتل ملايين في الهولوكوست"، فكأن ديفيس، من بعد ألترمان، يرى أن التناقض محيط دائماً بالموقف من اليهود.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في مقالة عن الكتاب بـ"بوسطن رفيو" (23 فبراير/ شباط 2023) يكتب جيريمي بريسمان أن الحرب العربية - الإسرائيلية في عام 1967 رسخت الدور الإسرائيلي في الهوية اليهودية الأميركية، إلى درجة أن أصبح "الخطاب اليهودي المتعلق بالصهيونية هو الخطاب المتعلق بالهوية اليهودية نفسها". قبل تلك الحرب، أو النكسة كما يطلق عليها في أدبيات السياسة العربية، لم يكن الوضع كذلك طوال الوقت. "ففي العقد الأول من القرن الـ20 كان يهود الولايات المتحدة، واليهود في بلاد أخرى، يرفضون الصهيونية إلى حد كبير ويرونها حركة هامشية، وفي ظل افتقار اليهود إلى دولة أو وطن، كان المتدينون منهم ينتظرون خلاصاً إلهياً لا خلاصاً بشرياً في (أرض إسرائيل)، وكان أغلب اليهود يأبون إلا البقاء في أوروبا وولايات الدولة العثمانية المختلفة ومن يهاجر منهم من أوروبا وروسيا فإنما يهاجر غرباً إلى الأميريكتين. وحتى بعد تأسيس دولة إسرائيل عام 1948 أو استقلالها على حد تعبير جيريمي بريسمان، بقيت الجالية اليهودية منشقة في مسألة دعم إسرائيل، ولو أن أغلب يهود أميركا كانوا يقدرون البلد الجديد ويساعدونه بحسب ألترمان.

فيما كانت الأجواء تتوتر سياسياً وعسكرياً عشية الخامس من يونيو (حزيران) 1967، وفيما كان الأميركيون يخشون وقوع هولوكوست أخرى على يد العرب، إذا بإسرائيل تشن "هجوماً مفاجئاً قضى على خصومها. واستولت على مساحات شاسعة من أراضي البلاد العربية وزادت مساحتها إلى ثلاثة أمثال ما كانت عليه. وفي حين أن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين كانوا يتوقعون سراً في عشية الحرب انتصاراً سريعاً لإسرائيل، إذا بالانتصار يأتي ساحقاً، وشحذ الاستيلاء على الأراضي الإنجيلية مشاعر فئات من اليهود في كل من إسرائيل والولايات المتحدة". فإذا كان عام 1948 هو العام الذي شهد تأسيس دولة إسرائيل على الأرض، فإن عام 1967 ربما هو الذي شهد تأسيسها في الوجدان الأميركي.

ملاذ نفسي لليهود

يكتب جيريمي بريسمان أن إسرائيل بعد حرب الـ67 باتت "ملاذاً سيكولوجياً ونفسياً لليهود" فلعل تلك الحرب لم تمح ندبة الهولوكوست بالضبط، ولكنها "ربطت ذكراها بفكرة أن وجود دولة يهودية هو الضمان للوقاية من هجمة أخرى تبيد اليهود أينما هم، فقد كان ثمة شعور في عشية حرب 1967 بأن هذه الحرب قد تكون فاتحة لإبادة أخرى".

"في السبعينيات والثمانينيات ناصر كثير من اليهود الأميركيين جماعات المصالح الموالية لإسرائيل في واشنطن، فسارعت إلى حشد الموارد وتعزيز نفوذها السياسي، وبحلول تسعينيات القرن الماضي كان أغلب القيادات اليهودية الأميركية يتبنون دولة إسرائيل لا لأجل البلد فقط ولكن اعتقاداً منهم بأن مناصرة إسرائيل أساسية لبقاء يهود الولايات المتحدة أنفسهم، وهم أكبر جالية يهودية خارج إسرائيل، ومنذ 1967 تعمقت مركزية الهوية اليهودية لدى يهود أميركا، وأوضح تجليات ذلك هو برنامج بيرثرايت (حق الميلاد) الذي بدأ عام 1999 وذهب من خلاله 800 ألف يهودي أميركي شاب إلى إسرائيل في رحلات مجانية لعشرة أيام أو أسبوعين.

لقد أصبحت إسرائيل جزءاً من هوية اليهودي الأميركي، بعضاً من تصوره عن ذاته، عنصراً أساسياً مما يراه حينما ينظر إلى نفسه في المرآة.

غير أن الدعم الأميركي شبه المطلق لإسرائيل بدأ يختل في الثمانينيات، ويبدو أن من تناولوا الكتاب في الصحافة الأميركية قد تجاوزوا شيئاً ما وقع في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973، إن لم يكن الكتاب نفسه قد تجاوزه، لكنهم يشيرون، على أية حال، إلى أن عقد الثمانينيات شهد شروع منتقدين، وبخاصة في أوساط اليهود، في التساؤل عن الطبيعة المحافظة للحكومة الإسرائيلية وعن سوء معاملتها للفلسطينيين. وأصبح تدخل إسرائيل في سياسات أميركا موضع جدال ساخن.

تزامن ذلك الاتجاه مع ميل الحكومات الإسرائيلية المتتابعة إلى اليمين، باستثناءات قليلة، وظهور النزعة المحافظة عليها وعلى المجتمع الإسرائيلي نفسه، لكن قارئاً ما قد يتصور أن تأييد يهود أميركا لإسرائيل يتحرك صعوداً وهبوطاً مع قوتها، فإذا كانت القوة التي ظهرت عليها في حرب 67 هي التي جعلتها جزءاً من هوية يهود أميركا وتصورهم عن أنفسهم، فلا بد أن الضربة المخزية التي تلقتها في حرب أكتوبر كانت على الأقل من جملة الأسباب التي أدت إلى شق هذا الإجماع.

الدولة الصهيونية

يكتب روبرت س. ديفيس أن الدولة الصهيونية الحديثة بدأت بهجرات واسعة لليهود الروس الهاربين إلى فلسطين من أهوال روسيا القيصرية وبرامجها المعادية للسامية، غير أن الأزمة الإنسانية نفسها تسببت في هجرات روسية وأوروبية أخرى موسعة إلى الولايات المتحدة، و"كانت في الولايات المتحدة آنذاك حركة إنجيلية مسيحية تدعو إلى إقامة دولة يهودية في فلسطين، لكنها لم تلق إلا التجاهل، شأن اليهود الذين كانوا قلة آنذاك"، ثم وقعت واقعة غيرت من ذلك الفتور تجاه الدولة اليهودية فكرة أو تطبيقاً: واقعة الهولوكوست.

يكتب ديفيس أن الأفكار الصهيونية بعامة، وفكرة الدولة اليهودية بخاصة "سرعان ما انتصرت بسبب الهولوكوست، ونشأت درجة من الوحدة بين المسيحيين واليهود وبات الناجون من الهولوكوست الساعون إلى بدء حياة جديدة في فلسطين يعدون من قبيل الأبطال في العقل الشعبي الأميركي. وصار لليهود الأميركيين آنذاك هدف واحد وقضية مشتركة" بحسب ما يكتب ألترمان، لكن "لم يكن الجميع في الولايات المتحدة متفقين تمام الاتفاق على كل ما يرتبط بالصهيونية، بل إن بعض اليهود كانوا يشككون في أخلاقية الإرهابيين اليهود وكان بعض القادة اليهود يخشون من أن الصهيونية قد تؤجج لهيب معاداة السامية".

 

ذلك إذاً ما تبدو عليه الصورة: لم يكن دعم إسرائيل موضع إجماع من يهود أميركا إلا بالهولوكوست أولاً، ثم لم يعد جزءاً مركزياً من الهوية اليهودية نفسها إلا بحرب 1967. فالأولى أدت إلى "إحدى أنجح وأطمح حملات الضغط السياسي في التاريخ السياسي" على حد وصف ألترمان للجهود التي بلغت ذروتها بـ"اعتراف الرئيس هاري ترومان شبه الفوري بحكومة دولة إسرائيل"، مضيفاً أن "هذا الضغط وهذا الانحياز لم يزالا قائمين إلى اليوم"، لكن هذا الاعتراف لم يمنع إجماعاً من المؤسسة الأميركية على غير هذا، إذ يكتب ألترمان أن "مؤسسة الأمن الأميركية كانت تبدي إجماعاً واتساقاً نادرين في كل ما يتعلق بالصهيونية، لكنه إجماع على معارضتها"، فقد رأت المؤسسة أن "من شأن دعم الهجرة إلى إسرائيل أن يهدد بشدة علاقات أميركا بالبلاد العربية".

"لقد كانت الدولة اليهودية بحاجة إلى مساعدة مالية لكن ما كان يأتي من الولايات المتحدة كان مفهوماً للجانبين أنه غير مقدم بدافع من الكرم وحده لكن أيضاً بدافع من الإحساس بالذنب الناجم عن عدم إنقاذ مزيد من اليهود من الإبادة في أوروبا. ولم تكن اشتراكية إسرائيل تلقى قبولاً حسناً لدى كثير من الأميركيين في ظل تزايد البارانويا الأميركية من الشيوعية. كما كانت إسرائيل منذ بداياتها تتجاهل مناشدات أميركا بإعادة اللاجئين العرب الذين تجاوز عددهم 750 ألفاً".

هذه جميعاً كلمات مألوفة في وأسباب معتادة تسهم في صياغة علاقة الدول بعضها ببعض، وما من حديث عن علاقات أبدية، أو دعم مطلق مهما تكن السياسات ومهما اعترض المعترضون. إنما كان الدعم الأميركي لإسرائيل في ما يبدو، وشأن أي موقف تتخذه قوة عظمى في سياستها الخارجية، قائماً على حسابات المصالح، فإذا كان ثمة ضغط شعبي يمكن اجتنابه، وأصوات انتخابية يمكن نيلها، من خلال دعم إسرائيل فليكن دعماً لها، وإذا كانت مصالح مهمة مع بلاد في المنطقة تدعو إلى عكس ذلك، فليكن الدعم متوازناً. إلى أن كانت هزيمة العرب في 1967، وتأججت مشاعر عبادة القوة في صدور اليهود الأميركيين، فلم يبق من مجال كبير لحسابات المصالح، ولم يبق من سبب لكبح المشاعر وإعمال العقل.

العنوان: We Are Not One: A History of America"s Fight Over Israel

تأليف: Eric Alterman

الناشر: Hachette Book Group

المزيد من كتب