Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرب ساعة سوريالية في زمن جامد

مواجهات الغرائز الطائفية أفادت كل أمراء الطوائف بمقدار ما أضرت بلبنان واللبنانيين

الحرب لم تكن "حرب ساعة" بمقدار ما بدت تعبيراً عن تراكم أزمات ورفض للتحدي والاستقواء والغطرسة لدى أصحاب القرار (أ ب)

ملخص

أكبر خديعة مضحكة في #لبنان هي خطاب الحرص على #التعددية، من دون اعتبار للعدد، على ألسنة الذين يفرضون الزعامات الأحادية على طوائفهم

الزمن لم يعد حداً أو مقياساً لأي شيء في لبنان. لا للمواعيد الدستورية الثابتة، ولا للوعود والمهل المنصوص عليها في الاتفاقات والقرارات الدولية ذات الصلة بالبلد. من مواعيد الانتخابات الرئاسية المحددة في الدستور في نهايات السنوات الست لولاية الرئيس، إلى المواعيد الإجبارية كل عام لكي تعد الحكومة مشروع الموازنة العامة للدولة وتقدمه إلى المجلس النيابي، وهو أهم قانون سنوي. ومن التعهدات المحددة زمنياً في البيانات الوزارية لنيل الثقة النيابية بالحكومة إلى الالتزامات المفروضة بالاتفاقات والقرارات الدولية. انتخاب الرئيس الذي يجري في مهلة الشهرين الأخيرين من الولاية الرئاسية صار يأخذ أشهراً وسنوات من الشغور في أعلى منصب في الدولة. والموازنات لم تعد تأتي في مواعيدها، وأحياناً لا تأتي على مدى سنوات، بحيث يستمر الإنفاق على القاعدة الإثني عشرية المفترضة لشهر واحد. الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي لبدء عملية التعافي المالي والاقتصادي لا يزال معلقاً في الهواء منذ سنة بسبب التملص من الإصلاحات المطلوبة للتوصل إلى اتفاق نهائي. وكل المهل الضرورية لتحسين الأوضاع البائسة للكهرباء وتعيين الهيئة الناظمة للطاقة كشرط لتمويل من البنك الدولي بقيت كلاماً في الريح.
حتى المواقع في السلطة، فإن الزمن لا يؤثر فيها. الأشخاص الذين في الواجهة ويتحكمون بالبلد ومصيره منذ الحرب في الربع الأخير من القرن العشرين، لا يزالون في مواقعهم، باستثناء الذين رحلوا فجاء أبناؤهم مكانهم. ومن كان له دور في الحرب بقي صاحب دور في السلم. ولا دور للأجيال الجديدة. أسماء تتكرر. محاصصة ثابتة. وانهيار مالي واقتصادي واجتماعي وسياسي يكبر. لا زمن محدداً لتأليف الحكومات بحيث يستطيع رئيس الحكومة المكلف البقاء مكلفاً من دون تأليف حكومة لسنوات. والمدة المفترضة والمنطقية للشغور الرئاسي وحكومات تصريف الأعمال هي مجرد أيام، لكنها تصبح أشهراً، وحتى سنوات وتخلق عديداً من المشكلات الإضافية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في هذا المناخ وقعت "حرب سوريالية" تحت عنوان التوقيت. شيء يعيد التذكير بأسطورة يوشع بن نون الذي "أوقف الشمس". رئيس المجلس النيابي نبيه بري طلب من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الإبقاء على التوقيت الشتوي شهراً خلافاً لقرار سابق في مجلس الوزراء عام 1998 منسجم مع التوقيت الدولي. والحجة هي إعطاء الصائمين في رمضان ساعة، مع أن الصيام عبادة وتقوى وتراحم، لا مسألة ساعات، ومع أن مواعيد الصوم والإفطار محددة شرعاً بالفجر والغروب، بصرف النظر عن الساعة والمكان والبلد. كان القرار غلطة تراجع عنها ميقاتي بعد حرب سوريالية كشفت قاع المجتمع، والمسارعة إلى التعبير عن الغرائز الطائفية والمذهبية، مع أن الاعتراض مسألة تقنية، لكن الحرب لم تكن "حرب ساعة" بمقدار ما بدت تعبيراً عن تراكم أزمات ورفض للتحدي والاستقواء والغطرسة لدى أصحاب القرار. والمخيف كان لوم المعترضين من جانب الذين يمارسون المذهبية على المكشوف.
ذلك أن الطائفيات واحدة. فليست هناك طائفية وطنية وأخرى لا وطنية. ولولا الطائفية لما وصل المسؤولون إلى المناصب التي يستمرون فيها عقوداً. وأكبر كذبة مكشوفة وسخيفة هي الدعوات إلى دولة مدنية من مواقع طائفية، وحتى من مواقع مذهبية. وأكبر خديعة مضحكة هي خطاب الحرص على التعددية، من دون اعتبار للعدد، على ألسنة الذين يفرضون الزعامات الأحادية على طوائفهم. فالمعادلة واضحة: مجموعة أحاديات لا تصنع تعددية. وجمع 18 ديكتاتورية طائفية لا يصنع ديمقراطية. والخطوة الأولى على الطريق إلى المجتمع المدني ثم الدولة المدنية هي تعددية القيادة في كل طائفة، بالتالي تعددية التمثيل لا أحاديته ولا فرضه بقوة السلاح أو بقوة العدد.
حرب الغرائز الطائفية أفادت كل أمراء الطوائف بمقدار ما أضرت بلبنان واللبنانيين. والمناخ الحالي المسموم يحول حتى دون الحد الأدنى من الوفاق الوطني. وهو نجح في تعليق التحقيق في جريمة العصر التي فجرت مرفأ بيروت ودمرت نصف العاصمة، بالتالي شل القضاء وقتل العدالة. حرب ساعة تختصر التراكم المؤذي على مدى سنوات كأننا ممثلون في رواية شهيرة عنوانها "الساعة الخامسة والعشرون". وحين يصبح الزمان بلا شغل، فإن المكان يفقد جوهره، بحيث يصبح لبنان مجرد مكان لصراعات أكبر منه بدلاً من أن يكون "الوطن - الرسالة"، كما سماه الفاتيكان، لكن الأمور تعود إلى مدارها الصحيح في النهاية، بحسب المثل الروسي.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء