Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الباليه: وهم الكمال الذي يعلم الفتيات أن يكن نحيلات وصامتات وخاضعات

تتحدث المؤلفة أليس روب عن كتابها الذي يستكشف الألم والتضحية في تدريب الباليه حتى بالنسبة إلى الراقصات اللاتي لا يصلن إلى القمة، وكيف يخلد المعايير المثالية التقليدية للأنوثة

في كل سنة من السنوات الثلاث التي قضتها روب في مدرسة الباليه، كانت واحدة من الأطفال الذين شاركوا في العرض الاحترافي لـ"كسارة البندق" الذي صممه جورج بالانشين لشركة "نيويورك سيتي للباليه" (غيتي)

ملخص

الباليه يكرس الأدوار التقليدية عن النساء والأنوثة والجمال. بينما تدعو أليس روب في كتابها إلى نهج مختلف في تدريس الرقص والتركيز على جماليته والخيال فيه. #الباليه #الرقص #المسرح

بين التاسعة والثانية عشرة من عمرها، كانت أليس روب طالبة في مدرسة الباليه الأميركية في نيويورك. لديها الصور والندبات النفسية [المعاناة النفسية] التي تثبت ذلك. تخلت عن الباليه عندما بلغت الـ15 وكونت مسيرة مهنية ناجحة كصحافية وكاتبة. ومع ذلك فقد شكلت تلك التجربة ملامحها منذ ذلك الحين.

كتاب "لا تفكري، يا عزيزتي: عن حب وهجر الباليه" Don't Think, Dear: On Loving and Leaving Ballet، هو مرثاة كتبتها عن حلمها الضائع منذ فترة طويلة بالرقص لصالح شركة الباليه الرائدة في أميركا "نيويورك سيتي للباليه"، لكنه أيضاً محاولة لفهم وكشف كيف أثر فيها ذلك التدريب الذي تلقته في مرحلة مبكرة، والتأثيرات التي قد يحدثها على جميع الفتيات الصغيرات التواقات إلى أن يصبحن راقصات باليه.

أوردت في مقدمة الكتاب: "لا يوجد الباليه في الفراغ... إنه مختبر للأنوثة - عالم تجارب في وسط نيويورك الحديثة أو لندن أو باريس، حيث تتم فيه المبالغة في الأنوثة التقليدية. السمات التي يتعامل معها الباليه بتطرف - الجمال، والنحافة، والرصانة، والصمت، والخضوع - يتم تقدير امتلاك الفتيات والنساء لها في كل مكان. يمكننا من خلال التنقيب في نفسية الراقصة فهم التناقضات والتحديات التي تواجهها المرأة اليوم".

ينطلق الكتاب من صورة اكتشفتها لفصلها في مدرسة الباليه الأميركية عندما كانت في الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمرها. هناك 20 فتاة في الصورة، شعورهن مشدودة إلى الخلف، وظهورهن منتصبة، وأعناقهن مشدودة. من بين أولئك، لا تزال واحدة فقط راقصة محترفة، لكنهن جميعاً يحملن علامات وسمات محددة اكتسبنها خلال السنوات التي حاولن فيها تحقيق طموحاتهن، إذ يعانين من اضطرابات الأكل وفقدان الثقة بالنفس والاكتئاب الشديد.

إنهن لسن الوحيدات في هذه المعاناة. تقتبس الكاتبة من استطلاع أجرته مجلة "تين فوغ" Teen Vogue قدر أنه من بين كل 300 ألف فتاة يتلقين تدريباً احترافياً كل عام ولديهن نية جادة لأن يصبحن راقصات باليه فإن اثنين في المئة فقط منهن سيتعاقدن مع شركات، بينما لا تشمل هذه النسبة أولئك اللاتي يمارسن الباليه كهواية. تقول روب: "قرأت الكثير من مذكرات أشخاص لهم علاقة بالباليه... لكنها قصص عن النجاح في الباليه. يميل السرد إلى ذكر أن كل هذا الألم والتضحية موجود لكن انظروا ما ثمارهما. ومع ذلك، فإن جميع الأشخاص الذين كادوا يحققون النجاح يقدمون التضحيات نفسها تماماً ويعانون القدر نفسه من الألم، لذلك أعتقد أن هذه القصص أيضاً تستحق أن تروى". 

ندردش عبر تطبيق زوم لأن روب مقيمة حالياً في نيويورك، على رغم أنها على وشك الانتقال إلى لندن حيث يعيش ويعمل صديقها. إنها فتاة جذابة في الـ31 من العمر، تمشط شعرها بالكامل وتشده إلى الخلف وتتحدث بأسلوب دافئ ومهتم. تتابع قائلة، "لا يزال الباليه يسيطر بقوة على الخيال الأنثوي... يمر كثير من الفتيات الصغيرات بمرحلة الباليه، لذلك أعتقد أنه يشبه جزءاً لم يستكشف أو يحلل جيداً من الأنوثة. إنه يمتلك جاذبية ثقافة الأميرة نفسها، لكنه أكثر قابلية للتطبيق". 

كان هذا العنصر هو الذي جذبها في الأصل. تقول مبتسمة: "أحببت كم هو أنثوي ببساطة"، لكنها واصلت طموحها بتصميم فولاذي. رفضتها مدرسة الباليه الأميركية مرتين قبل أن تقبلها، واصلت الرقص في أكاديميات مختلفة عندما طردت، وحتى لما صار واضحاً أن جسدها ينمو بطريقة جعلت احتراف الباليه مستحيلاً بالنسبة إليها، إذ كان عرض وركيها مستمراً في الازدياد بينما رفضت قدماها التقوس. لسنوات بعد ذلك، كانت تحلم بأنها ستقدم اختبار أداء لدور ما، وتشعر فجأة بالغبطة لفكرة أن الوقت لم يفت بعد، وأنها لا تزال قادرة على أن تصبح نجمة.

إنه مستوى من الهوس تتفحصه بأدق التفاصيل، لكن لماذا كان مسيطراً عليها لفترة طويلة؟ تشرح قائلة، "كانت مدرسة الباليه الأميركية الهدف الحقيقي في طفولتي... وعلى رغم أنني كنت طالبة فيها لثلاث سنوات فقط، فإنني التحقت بعد ذلك أيضاً بالبرامج الصيفية والصفوف الإضافية ومدارس أخرى. علاوة على ذلك، كنت أتدرب في المنزل، أمارس تمارين المرونة يومياً، أحاول المشي وقدماي متقوستان، وأرقص كل يوم سبت. الباليه كان حقاً هويتي.

أعتقد أنني كنت مدركة لوجود شيء مغرٍ في الباليه والطريقة التي كنت أتصرف بها في عالم الباليه. كنت بالتأكيد طفلة خجولة مثل عديد من الراقصات، وكان من المريح بطريقة ما اتباع التعليمات فقط. معرفة القواعد حتى إذا كنت تحاولين القيام بأشياء تشكل تحدياً بدنياً كبيراً أو حتى مستحيلة، في حين أن العالم الخارجي قد يبدو عالماً عشوائياً مخيفاً. بالتحديد خلال نشأتي، أعتقد أنه كان هناك ضغط لاغتنام الفرص التي لم تتمكن النساء من الوصول إليها في الأجيال السابقة. كان الباليه وسيلة لتفادي كل ذلك. بالطبع، كنا جميعاً طموحين للغاية، لكننا شعرنا بشيء من الراحة من خلال القواعد والهيكل والشعور بوجود سلم للتقدم يمكنك فقط وضع قدم أمام الأخرى وتسلقه".

في كل سنة من السنوات الثلاث التي قضتها روب في مدرسة الباليه، كانت واحدة من الأطفال الذين شاركوا في العرض الاحترافي لـ"كسارة البندق" الذي صممه جورج بالانشين لشركة "نيويورك سيتي للباليه". تضيف: "القرب من تلك الراقصات المحترفات كان مؤثراً للغاية... أعتقد أنني ما زلت أحمل في ذهني تلك الصورة الرومانسية المثالية التي ترى الراقصات كنساء كاملات، وجميلات، وخاضعات للسيطرة لكنهن مؤثرات أيضاً".

ومع ذلك، فإن كتابها شهادة لاذعة تكشف ثمن ذلك الكمال. تمتلئ صفحاته بقصص القمع والألم، وعنوانه مأخوذ من اقتباس لبالانشين، مصمم الرقص الجورجي الأميركي الذي شارك في تأسيس كل من مدرسة الباليه الأميركية في عام 1934، وشركة نيويورك سيتي للباليه في عام 1948 إذ كان مديرها الفني لمدة 35 عاماً تثير الإعجاب. اشتهر بقوله إن "الباليه امرأة"، وكانت أعماله مستوحاة من الراقصين الذين يعمل معهم وأغلبهم من النساء اللاتي كان يحبهن. تزوج خمس راقصات باليه وصنع عطراً خاصاً لكل واحدة منهن. كانت الراقصات يعشقنه إلى حد كبير ويطمحن إلى أن يكن مصدر إلهامه، لكنه طور أسلوباً في الرقص يعطي أهمية كبيرة للوزن المنخفض للغاية. تقتبس روب منه ما قاله لإحدى فرق الباليه: "أنتم مثل من يعيش داخل شرنقة، لن تنكشف شخصياتكم الحقيقية إلا عندما تختفي كل الدهون، وتبقى عظامكم فقط". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

توفي في عام 1983، لكن تقاليده استمرت بفضل خليفته بيتر مارتينز الذي ترك الشركة في عام 2017 بعد ظهور مزاعم بوقوع اعتداء جنسي (الأمر الذي نفاه). ولا يزال ظل بالانشين المهيمن يطارد تصور روب عن ماهية أن تكون راقصة باليه. لقد أثر هذا الهوس بشكل معين من الجسم في نظرتها لما يجب أن تكون عليه الراقصة منذ ذلك الحين، كان تحريض زملائها في الفصل باستمرار على "الوقوف بشموخ" و"امتلاك جسد مشدود" رسائل مقنعة مفادها أنه ينبغي عليهن خسارة الوزن إلى مستويات منخفضة خطرة. لا تستشهد روب فقط بأمثلة عن راقصات باليه شهيرات جوعن أنفسهن للوصول إلى الوزن المثالي، لكنها تتحدث عن زميلة لها لم تعد قادرة في نهاية المطاف على هضم الطعام ما لم يكن سائلاً. 

تمجيد النحافة هو موضوع متكرر، لكنه أيضاً تضخيم للهواجس في عالم يتجاوز الرقص. تقول روب: "أنت تسمعين كثيراً من التبريرات... مثل ’يبدو الباليه أفضل على شكل معين من الأجسام أو النحافة مطلوبة حتى تكون حركات الرقص واضحة’، لكن هذه كلها أعراف، والباليه فن مختلق. عندما هجرت الباليه، شعرت بشيء من الراحة لإدراكي أنني لم أعد مضطرة إلى ارتداء زي الرقص، ولا يهم إذا اكتسبت بعض الوزن، لكن لم يكن الأمر كما لو أنني خرجت إلى عالم حيث لا أهمية للمظهر والوزن. لا يزال الناس يهنؤون ويكافؤون لكونهم نحيلين".

لا تقتصر كلفة الباليه على النظرة المشوهة للجسم فقط كما تحدد روب من خلال سرد قصص راقصين مشهورين وغير معروفين. إنها تدرك أيضاً أن الباليه - والباليه على وجه التحديد أكثر من أي شكل آخر للرقص - يتطلب التضحية بالنفس، والابتعاد عن الذات، وتحمل جميع أنواع المشقة الجسدية والنفسية. كلها صفات مقدرة عند النساء، لكنها نراها بأكثر درجاتها تطرفاً في الباليه.

تتحدث عن مارغوت فونتين التي كانت في نظرها ونظر كثير من الأجيال أعظم راقصة باليه، والتي كانت دائماً تحت إشراف وتصرف رجال وضيعين، من نجمة الباليه الأميركية غيلسي كيركلاند، الراقصة الرئيسة في شركة نيويورك سيتي للباليه ثم في مسرح الباليه الأميركي في السبعينيات والثمانينيات التي انجرفت نحو إدمان الكوكايين في محاولتها لإثبات قيمة نفسها. تصف روب الطريقة التي يمكن أن تكون بها قاعات تدريب الباليه بسهولة أرضاً خصبة لإساءة معاملة الفتيات الصغيرات من قبل رجال أقوياء ولزراعة انخفاض احترام الذات بين الفتيات اللاتي يتعلمن هناك. 

تقول: "عندما أفكر في سبب تأثير الباليه فيَّ، أدرك أنني كنت أمارسه في مرحلة تكون مهمة... أنت تكتشفين من أنت وما علاقتك بجسدك. ومع ذلك، سيقول الناس طوال الوقت إن جسدك هو أداتك. هذه مجرد طريقة مختلفة للتواصل مع جسدك. أنت تتعاملين مع نفسك كشيء، وتتعلمين رؤية جسمك وكأنه ليس ملكك بالضبط، لكنه عنصر يخدم فناً ما". 

هذا تفسير مقنع، لكنني أتساءل إلى أي مدى تشذبت وجهة نظرها من خلال منظور شركة نيويورك سيتي للباليه التي أسسها بالانشين؟ تجيب: "أعتقد أن تلك الشركة واجهت صراعاً دقيقاً في قدرتها على الاستمرار من دون بالانشين... لكنني لا أعتقد أن هناك اختلافاً كبيراً. وجهة النظر هذه عالمية في جزء كبير منها. أعتقد أن ثقافة الباليه وتدريبه هما نفسهما إلى حد كبير في كل مكان".

على رغم كل انتقاداتها اللاذعة، من الواضح أنها تقدر الباليه باعتباره شكلاً من أشكال الفن - مع أنها تعترف بأنها تجد صعوبة في مشاهدته لأنه "ما زال قادراً على تعكير مزاجي. أقول هذا وأنا مدركة مدى سخافة كلامي، لأنني لم أكن على وشك أن أصبح راقصة محترفة على وجه التحديد، لكن مشاهدته قد تشعل فيَّ مشاعر الحنين والندم على عدم القيام بذلك".

مع اقتراب الكتاب من نهايته، تشير أيضاً إلى بعض علامات التغيير والأمل. يجد زملاؤها في الفصل أشكالاً مختلفة من التصميم في علاقتهم بالباليه، تواصل صديقتها التي عانت اضطرابات الأكل الشديدة الرقص وتعيش أهم وأفضل سنوات حياتها المهنية مع شركة رقص معاصر. تذهب روب لمشاهدة فرقة شمال غربي المحيط الهادئ للباليه في سياتل وتلاحظ مظهراً جديداً للشمولية. 

تقر روب بأن تأليف الكتاب كان بمثابة علاج لها. تقول معترفة: أعتقد أن الأمور تتغير... لكنني لم أركز على ما يحدث الآن لأنني أردت إلقاء نظرة على التأثير طويل المدى لهذا التدريب الذي طال الناس في التسعينيات... بالتالي نعم، إن المشهد يتغير، لقد بدأت في رؤية مشاركة راقصين متنوعين وغير ثنائيي الهوية الجنسية. بذلت ميستي كوبلاند جهداً كبيراً لتغيير صورة الباليه، سواء من خلال جسدها بارز العضلات أو انتمائها العرقي الواضح، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي منحت الراقصين المحترفين قوة أكبر ومساحة تعبير أوسع، لكنني أعتقد أن الباليه لا يزال عالماً منعزلاً للغاية، ولا يزال تنافسياً بشدة لدرجة أن الناس يشعرون بأنهم غير قادرين على التحدث علانية".

بالنظر إلى الماضي، هل تشعر بأن الباليه أضاف لها أي شيء؟ تجيب مبتسمة: "أوه نعم... أتحدث مطولاً عن السلبيات، لكن كان هناك عديد من الإيجابيات أيضاً. أعتقد أن أكثرها وضوحاً هو على الأرجح انضباط الباليه. عليك الحضور للعمل يومياً. إنه يهيئك لأشياء كثيرة، بما في ذلك أن تكوني كاتبة مستقلة. أنا أمتلك دافعاً جوهرياً وألتزم بالمواظبة". 

كتاب "لا تفكري، يا عزيزتي: عن حب وهجر الباليه" لأليس روب متوفر حالياً.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة