Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"حتشبسوت" الملكة الفرعونية تخوض معاركها بالرقص

المخرجة كريمة بدير تسعى إلى إكساب الرقص الحديث أرضاً جديدة

من العرض المصري المسرحي الراقص (خدمة الفرقة)

تحاول المخرجة والمصممة المصرية كريمة بدير، في عرضها "حتشبسوت"، المنتمي إلى الرقص المسرحي الحديث، تقديم عمل مسرحي راقص حديث، ساعية إلى التواصل مع جمهور عام، حتى لو ذهب كل مشاهد إلى استنتاجاته الخاصة، في تلقي هذا المشهد أو ذاك.

كريمة بدير قدمت عرضها، على مسرح الجمهورية وسط القاهرة، مع فرقة "فرسان الشرق"، التي أسسها المخرج الرائد وليد عوني عام 2009 لتقديم الأعمال التراثية المصرية والعربية، وتتبع دار الأوبرا المصرية. جاء العرض في صيغة درامية راقصة، شارك فيه عدد كبير من الراقصين والممثلين. وقد تولى كتابة النص والأشعار محمد زناتي، وبطولة عدد كبير من الراقصين.

وظفت المخرجة العدد الكبير للراقصين بوعي وحرفية، ما أتاح لها تقديم مشاهد عدة مكثفة ومتلاحقة، وتغييرها بسرعة فائقة من دون خلل بالإيقاع، إلا قليلاً في بعض المشاهد، بخاصة أن هناك أزياء وإكسسوارت متنوعة يتم تغييرها من مشهد إلى آخر. وهذا عادة يتطلب حسابات دقيقة في الدخول والخروج، وإن شاب تتابع المشاهد هفوات بسيطة تم تداركها بذكاء.

مغزى الاستعادة

استعادة "حتشبسوت" هنا لها مغزاها، فهي واحدة من أشهر ملكات الفراعنة، وهي المرأة الثانية، كما هو مؤكد تاريخياً، التي تتولى حكم مصر بعد الملكة سبك نفرو. وهي كذلك حفيدة أحمس الأول صاحب الانتصار العظيم ومحرر مصر من الهكسوس، وقد درست علوم الأخلاق والسلوك الصحيح، إضافة إلى القراءة والكتابة والحساب والفلسفة والطقوس الدينية وقواعد اللغة والإنشاء. وواجهت عند وراثتها للحكم صعوبات وتحديات كثيرة، أهمها المؤامرات التي دبرت ضدها لكونها امرأة، حتى لا تتولى عرش مصر. لكنها بوعيها وثقافتها وذكائها وحيلها تغلبت عليها جميعاً، واستطاعت مصر فترة حكمها، التي بلغت 22 عاماً تقريباً، أن تتبوأ مكانتها الكبيرة، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وتوسع نفوذها الخارجي. وعلى رغم محاولات القضاء على "حتشبسوت"، سواء من الأمراء والنبلاء أوالكهنة، فقد نجت منها جميعاً، ولم تمت مقتولة، في صراع على الحكم، كما ذهب بعضهم، بل ماتت بشكل طبيعي، وعثر على موميائها سليمة، وثبت أنها ماتت متأثرة بالسرطان أو السكري.

إذاً لم تكن الاستعادة بغرض تمجيد ملكة فرعونية حققت مكانة كبيرة ولافتة بين حكام مصر، واستعراض تاريخها وإنجازاتها فحسب، وإنما أيضاً لتوصيل رسالة تشير إلى قدرة المرأة، متى توافرت لها الشخصة القوية والخبرة والثقافة والذكاء، على تحقيق نجاحات ربما عجز الرجل عن تحقيقها.خدمة الفرقة)

لا تنتصر المسرحية للمرأة على إطلاقها، ولاتنحاز كذلك ضد الرجل على إطلاقه، وكما أن المخرجة وازنت بين تقديم نوع من المسرح غير الجماهيري، والسعي إلى التواصل مع الجمهور، فقد وازنت أيضاً في معالجة فكرتها، وكأنها تقول لنا إن الأمر لايتعلق بكون البطل هنا رجلاً أم إمرأة، وإنما يتعلق بالقدرات الذهنية لهذا أو تلك، وخبرته وثقافته وقوة شخصيته، التي تؤهله للقيادة. والأهم أنها قدمت فكرتها جمالياً وليس عبر خطاب دعائي مباشر، كما يحدث في بعض العروض النسوية.

منذ اللحطة الأولى بدت المخرجة مهتمة بفكرة التواصل مع الجمهور. يفتح الستار على راقصة (رجوى حامد) التي تمثل سيدة الزمن وتدير رحاية (آلة حجرية بدائية لطحن الغلال)، وتؤدي ما يمكن اعتباره دور الراوي. ومنذ اللحظة الأولى أيضاً، ومن خلال الديكور (صممه مع الملابس أنيس إسماعيل) ندرك أننا أمام سيرة ملكة بناءة، فهناك بعض السقالات (أعمدة خشبية يستعين بها البناؤون في بداية تأسيسهم للعمارة)، وباستمرار العرض تستبدل بهذا السقالات أعمدة المعبد، معبد الدير البحري الشهير. كأن هذا الديكور، الذي يبدو بسيطاً وغريباً، يشارك فعلياً، وليس شكلياً في البناء الدرامي، وإبراز المعنى وتأكيده. وهو ما بدا كذلك في مشهد الرحلات التي قامت بها، أو سيرتها، ومنها الرحلة الشهيرة إلى بلاد بونت (الصومال حالياً) إذ تتدلى بعض الأقنعة الأفريقية ليتحدد، بواسطتها، المكان الذي يدور فيه المشهد. هكذا كان الديكور حاضراً بشكل دائم ومشاركاً في توصيل رسالة العرض.

حرية الحركة

وإذا كان الرقص المسرحي الحديث يعتمد بشكل أساسي على الحركة العشوائية، التي تعبر عما في داخل الراقص من مشاعر، وإن بحساب، ويتم توظيفها في خدمة العرض، فقد نجح الراقصون في لفت نظر الجمهور، ليس إلى كيفية الحركة ولكن إلى دوافع هذه الحركة، وهو اختبار صعب للراقص، بخاصة أننا بصدد بناء درامي محكم. هناك حرية في الحركة نعم، وهناك كذلك إمتاع وإبهار بواسطة هذه الأجساد المرنة، لكن هذه الحركة هنا ليست في الفراغ، ولاتؤدي معنى فحسب، بل هي إضافة إلى ذلك كله، تشي بما في قلب الراقص وروحه، وتشعر المشاهد بما يعتمل في صدر الراقص، بما يدفعه إلى التعبير عن ذاته، بحسب دوره في العرض، بهذه الطريقة أو تلك.

في العرض ثمة صراعات ومؤامرات وقصص حب، فالفترة التي حكمت فيها حتشبسوت، بدأت ساخنة ومحتدمة، وما إن تمكنت من الاستقرار على العرش، حتى بدأت في بناء دولتها، التي نعمت بقدر عال من الرفاهية. وهو ما تثبته الوثائق التاريخية، وتؤكده كذلك السلع التي جلبتها إلى مصر، مثل العطور والبخور، والأسماك النادرة، التي سعت في استيرادها من دول تقع على ساحل الأطلنطي عبر السفن البحرية العملاقة التي أنشأتها. كل ذلك تم تجسيده رقصاً، مع بعض الكلمات الشعرية المفتاحية، التي صاغها، بوعي شديد، محمد زناتي. ولعبت مسيرة الزمن دوراً في الربط بين المشاهد والتعليق غير المباشر عليها، كما لعبت الموسيقى (إعداد أحمد الناصر) دوراً مهماً في تجسيد تلك اللحظات الساخنة، بتدفقها وإيقاعاتها الحادة، وكذلك لحظات الحب والرخاء وغيرها، فجاءت اختياراته مناسبة ومتضافرة مع كل حالة يتم تجسديها. وكذلك الغناء (منة الله) الذي جاء باللغة المصرية القديمة، ليضفي قدراً من الفخامة على العرض.

تنوع الرقص

اعتمدت المخرجة الرقص المسرحي الحديث أساساً لعرضها، وعلى رغم ذلك فإنها لم تغفل، في بعض المشاهد، عن الاستعانة بشيء من الباليه وحركته المنتظمة الصارمة، وكذلك الرقص الشعبي، مضفرة هذا أوذاك لتوظيفه في بعض اللحظات التي تكون فيها الاستعانة بالباليه والرقص الشعبي، مقصودة للتعبير عن الحالة التي يتم تجسيدها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في عرض حتشبسوت، هناك رغبة حقيقية، وسعي حثيث، إلى إكساب الرقص المسرحي الحديث أرضاً جديداً، وتقريبه أكثر إلى الجمهور العام. لدينا بناء درامي محكم، وقصة نعرف تفاصيلها، وتشكيلات حركية ممتعة ذات مغزى، وديكور يقرب المعنى أو يوحي به. ولدينا إجمالاً صورة بصرية تمتعنا، ولا تشغلنا، في الوقت نفسه، عن التفكير في أسئلة العرض.

أدى الراقصون أدوارهم ورقصاتهم بحرفية عالية، ومنه في الأدوار الرئيسة ياسمين سمير بدوي (دور حتشبسوت)، وفاطمة الشبراوي، محمد هلال، إبراهيم خالد، أشرف كوداك، باسم مجدي، حبيبة إبراهيم، مي رزيق، ندى سيد، محمد سالم، هاني حسن، رشا الوكيل، وفي المجموعات نوران محمد، هنا مصطفى، ياسمين أحمد، فاطمة محمد، سهيلة محمد، دينا أشرف، دنيا محمد، أحمد السيد موسى، رضا إبراهيم، مازن أمين، عمرو فارس، عبدالرحمن حمدي، يوسف جاد، خالد عبدالناصر، عبدالله محمود، محمد أحمد، باسم مجدي، عبدالرحمن سيد، عبدالكريم محمد، شادي محمد، مروان عادل.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة