Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عندما تحول محمد عبدالوهاب من موسيقي عظيم إلى ممثل فاشل

بطل عاشق في سبعة أفلام وسيد أوركسترا لا يضاهى في أعمال على هامش السينما

محمد عبدالوهاب (موقع الفنان)

ملخص

اليوم إذ تمعن #الشاشات_الصغيرة في استعادة تلك الأفلام يسر متفرجوها وهم يقهقهون ضاحكين حتى إزاء مشاهد حزينة أو جدية أدى فيها #مطرب_الأجيال أداء تمثيلياً لا يصل إلى ولو جزء من أدائه الغناني

"لو سألني سائل قبل بضعة أشهر عن السينما لأجبته بثقة ومن دون تردد ولو للحظة، بأنها عمل سهل التناول، بسيط المأخذ لا تعرف الصعوبة إليه سبيلاً، ليس على الشخص فيه إلا أن يواجه الكاميرا ويؤدي الحركات التي يستلزمها دوره فتلتقط صورته تبعاً للأوضاع المطلوبة من دون جهد وعناء. وكان هذا اعتقادي في السينما حتى اللحظة التي ملأت رأسي فيها فكرة الظهور على الشاشة. ولكني ما كدت أخطو الخطوة الأولى في التنفيذ، حتى تبخر ذلك الاعتقاد القديم وحل محله رأي حازم بأن الله لم يخلق المشقة والعناء في هذا العالم، إلا ليجعلهما من مستلزمات السينما وأولوياتها".

هذه العبارات التي لا تضاهي طرافتها سوى سذاجتها، يمكن اعتبارها من أوائل التصريحات الصحافية التي أدلى بها الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب الذي كان حينها يلقب بـ"مطرب الملوك والأمراء". وكان ينتظر منه أن يقوم بأعمال فنية لا تضاهى ففوجئ محبوه به يتحول حينها إلى نجم سينمائي ونجم ناطق في فيلمه الأول "الوردة البيضاء" من إخراج محمد كريم. وهو فيلم يعتبر عادة أول فيلم غنائي ناطق في مصر.

نساء رائعات

لقد وقع محمد كريم الذي سيحقق الأفلام الستة التالية التي لعب فيها عبدالوهاب دور البطولة في مسار سينمائي عشقه المعجبون وتألقت إلى جانبه فيه بعض أجمل وأشهر نجمات ذلك الزمن حتى وإن كان اسم سميرة خلوصي التي قاسمته بطولة الفيلم الأول "الوردة البيضاء" يبدو منسياً اليوم. وكانت هناك ليلى مراد واللبنانية نور الهدى ومديحة يسري، بل حتى فاتن حمامة التي كانت طفلة حين مثلت إلى جانبه في فيلمه الرابع "يوم سعيد".

 

واليوم إذ تمعن الشاشات الصغيرة في استعادة تلك الأفلام يسر متفرجوها وهم يقهقهون ضاحكين حتى إزاء مشاهد حزينة أو جدية أدى فيها "مطرب الأجيال" أداء تمثيلياً لا يصل إلى ولو جزء من أدائه الغناني، وهم يكتشفون للمرة الألف أن مطربهم الكبير وموسيقيهم المبدع لم يخلق ليمثل، بل ليلحن ويغني. ومع ذلك لا شك أن ثمة متعة خالصة تكمن في تلك الأفلام بل حتى في المشاهد التي يتحف فيها عبدالوهاب الجمهور بحضوره.

فهو بعد كل شيء حضور بديع وطريف، لعل الفنان المعني نفسه يبدو الأكثر قدرة على التعبير عنه حين يتابع كلامه السابق مستطرداً: "وإني لأذكر - بعد أن انتهينا من تصوير الفيلم بيومين وبعد أن حمدت الله على خلاصي من الأضواء المحرقة التي اكتويت بلفحها واصطليت بنارها - أذكر تلك اللحظة التي جاءني فيها كريم مقطب الجبين معقوده، وقال: يجب أن نعيد تصوير أنشودة (ضحيت غرامي) لأن تصويرها لم يعجبني حين رأيتها على الشاشة".

"وأظلمت الدنيا في عيني"

على الفور أظلمت الدنيا في عيني الموسيقار الكبير، كما يروي، متابعاً أن ذكرى "الأهوال التي قاسيتها، والدموع التي ذرفتها" لم تفارقه أبداً، لكنه بالطبع رضخ "لحكم الفن وأعيد تصوير المشهد لكن ليس مرة واحدة كما أراد كريم بل خمس مرات!". ومهما يكن ها هو فناننا يضيف قائلاً هنا إن "ذلك بعض ما يصادف ممثل السينما، ولكن، ما أسعدها لحظة حين يجلس بين المتفرجين ويرى نفسه ويستمع إلى ما يقوله من حديث. إنها لحظة تنسيه آلام الحياة كلها، لا آلام العمل وحدها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويخبرنا الفنان هنا أن ذلك ما شعر به في الوقت الذي شاهد الفيلم مع فريق العمل حين قدم في عرض باريسي خاص بعد أن أنجزت أعماله التقنية في أحد استديوهات العاصمة الفرنسية، يقول "فوجدتني أنساق من دون وعي إلى التأوه طرباً ومجاراة من حولي من الأصدقاء والإخوان في الإعجاب بذلك (الممثل – المغني) الذي يسمعنا من أعلى الشاشة أناشيد تبدو وكأنها لم تطرق آذاننا من قبل. ولعلكم حزرتم أن ذلك المطرب الذي كنت أسمعه وأشارك الحضور إعجابهم به، لم يكن سوى صديقكم الضعيف... محمد عبدالوهاب".

انطباعات صادقة

والحال أن الفنان يبدو صادقاً كل الصدق في هذه الانطباعات التي بقيت لديه حية عن مشاركته الأولى في بطولة فيلم سينمائي سيكون علامة في تاريخ الفن السينمائي المصري الذي لم يكن قد مضى على ولادته سوى نحو نصف دزينة من السنوات. وكان هو فيه أول السلسلة من نجوم الغناء الكبار الذين حولتهم "الشاشة الفضية" - كما كان اسمها المتداول - إلى نجوم سينمائيين، بل إن الأداء الذي قدمه الفنان الكبير في "الوردة البيضاء"، وهو أداء أخرق بكل المقاييس، سيكون "قدوة" لمن أتوا بعده من نجوم غناء كبار أسسوا للحداثة الفنية والموسيقية في مصر، من فريد الأطرش إلى أم كلثوم وحتى سعد عبدالوهاب وكارم محمود وعبدالعزيز محمود وصولاً إلى عبدالحليم حافظ ومحرم فؤاد وغيرهما، لكن "قدوة سيئة" بالطبع. فبالنسبة إليهم، إذا كان الجمهور العريض قد تقبل أداء عبدالوهاب غير مدرك لسوئه مقارنة مع أدائه الغنائي والموسيقي الرائع، لا شك في أن هذا الجمهور قادر على أن يتقبل ما يوازي ذلك بل يقل عنه بالنسبة إلى نجوم الغناء التالين له.

ضيف شرف من دون مبرر

ومهما يكن من أمر هنا، لا شك في أن فن الأداء التمثيلي في السينما المصرية كان عليه أن ينتظر ظهور المغنيات الإناث وإبداعهن الغنائي المتضافر مع إبداع تمثيلي حقيقي وصادق، حتى تخلق الأدوار الغنائية - التمثيلية بكل زهوها. وطبعاً نقول هذا وفي ذهننا شادية وصباح وصولاً إلى الرائعة سعاد حسني التي ما إن اكتشفت مواهبها المزدوجة ممثلة ثم مغنية تؤدي غناء شديد الخصوصية - كما في "يا واد يا تقيل" التي وفق صلاح جاهين في كتابتها لها - حتى أضحت خلال فترة يسيرة صاحبة الأغنية المرجعية في عالم الاستعراض الغنائي السينمائي.

 

على أية حال وبالنسبة إلى السينما التي شهدت في أفلامها ظهور محمد عبدالوهاب على شاشتها تحدثنا في البداية عن أفلام سبعة لعب فيها أدواره التي نالت إعجاب جمهوره، ومع ذلك فإن اللوائح الأكثر اكتمالاً تتحدث عن عشرة أفلام. فما الحكاية؟ الحكاية ببساطة هي أن الفنان الكبير ظهر في ثلاثة أفلام أخرى لكن ليس كممثل يلعب دوراً، بل بوصفه محمد عبدالوهاب شخصياً وذلك باستثناء واحد من تلك الأفلام الإضافية الذي كان روائياً، لكنه أفرد لعبدالوهاب نفسه حضوراً في السياق الروائي بشكل نراه في منزل فخم تدخله شخصيات الفيلم الروائية (ليلى مراد ونجيب الريحاني وأنور وجدي إن لم تخنا الذاكرة) وهو يقود أوركسترا محشورة في صالون بالمنزل تؤدي على سبيل التمرين أغنيته الرائعة "عاشق الروح".

إذاً إلى جانب هذا الحضور كضيف شرف من الصعب إيجاد أي مبرر له في الفيلم الذي لا شك أن القارئ أدرك أنه ليس سوى "غزل البنات" (1949)، هناك شريطان يظهر في أولهما الفنان الكبير وهو يقود الأوركسترا مشاركاً في غناء أنشودته الوطنية "الوطن الأكبر" من إخراج عز الدين ذو الفقار (1961)، وذلك قبل عامين من ظهوره في الشريط الموسيقي المصور "منتهى الفرح" من إخراج محمد سالم الذي به اختتم "جهوده السينمائية" المتمثلة في حضوره بضعف نظره وجلده الحساس تحت تلك الأضواء التي ربما يكون سوء أدائه قد أنقذه من استمرارها في تدمير بصره وإحراق جلده!

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة