ملخص
#إضراب لمعلمي #المدارس الخاصة في #لبنان مطالبين بحوافز تساويهم بمعلمي القطاع الرسمي
يوماً بعد يوم، تكبر كرة ثلج الأزمات التربوية في لبنان، فقد جاء "إضراب المعلمين في القطاع الخاص" يوم الثلاثاء 14 مارس (آذار)، لينضم إلى الصرخة التي بدأها التعليم الرسمي بفعل الوضع الاقتصادي المأزوم وعدم تصحيح الأجور، ترافق ذلك مع تجاوز سعر صرف الدولار عتبة 100 ألف ليرة لبنانية للمرة الأولى، مع ما يعنيه من صعود في كلف المعيشة والخدمات المختلفة.
الإضراب المتأخر
منذ أشهر يشكو معلمو القطاع الخاص عدم القدرة على الاستمرار وفق الظروف الراهنة، وتتلاحق التهديدات بإعلان الإضراب، لم تأت تلك الدعوات من فراغ، فقد تزامنت مع إضراب في القطاع الرسمي، لتظهر عراقيل حقيقية لدى القطاع الذي أُريد له أن يكون بديلاً من التعليم الرسمي، ويشكل إنذاراً حول خطورة انسحاب الدولة من دورها الضامن للحقوق الأساسية للإنسان، وعلى وجه التحديد الحق في التعليم.
يصف نعمة محفوض، نقيب المعلمين في المدارس الخاصة، الإضراب بـ "الصرخة" في وجه المدارس الخاصة غير العابئة بأوضاع المعلمين، متسائلاً "هل يُعقل أن هناك مدارس تستمر بدفع أجور بخسة في حدود المليونين لمعلم يعمل خمسة أيام في الأسبوع"؟ ويتطرق إلى الصعوبات التي تعترضهم، لأنهم "أصبحوا من الفئات الأكثر حرماناً"، فبحسب محفوض "أصبح 20 لتراً من البنزين بمليوني ليرة لبنانية، ولا قدرة على التوجه إلى مراكز عملنا المدارس، المعلم يعيش ظروفاً صعبة، فبعضهم ليس لديه كهرباء في منزله بسبب الصعود الصاروخي للدولار الذي بلغ 100 ألف ليرة لبنانية".
يشير محفوض "في التشريع اللبناني، هناك القانون 266، وهو ينص على مساواة القطاعين العام والخاص في بدل النقل"، من هنا يطالب نقيب المعلمين في المدارس الخاصة بتحديد بدل نقل المعلمين في القطاع الخاص، على ضوء المقررات الحكومية، التي وعدت القطاع الرسمي ببدل لقيمة خمسة لترات بنزين عن كل يوم عمل.
النقابة تغطي الإضراب
جاء إضراب 14 مارس كخطوة تصعيدية لقطاع المعلمين في مواجهة إدارات المدارس الخاصة، وبحسب نعمة محفوض "الإضراب في المدارس الخاصة غير مفتوح، وإنما يأتي لتوجيه رسالة بتضاؤل القدرة على التحمل"، ويلفت أن "الكوادر التعليمية التي تدفع الأجور (المدولرة) ستستأنف العمل في الغد، أما المدارس التي تدفع الأجور باللبناني فقط، أو مبالغ ضئيلة بالدولار إلى جانب الأجر اللبناني، فسيستمر الإضراب، وستغطي النقابة هؤلاء المعلمين المُصرِين بأن يتوقفوا عن العمل".
من جهة أخرى، يعتقد محفوض أن "المدارس الخاصة مهتمة بإكمال العام الدراسي، وستدخل في مفاوضات مع المعلمين لتحسين أجورهم"، رافضاً الاتهامات بأن "المعلمين يسهمون في حرمان الطلاب من حقهم في التعليم". ويقول "نحن نعمل منذ 15 سبتمبر (أيلول) بمعدل خمسة أيام في الأسبوع، ولم نمتنع عن صفوفنا على رغم كل الظروف الصعبة التي نعيشها، وعلى الأهل أن يشعروا معنا، فالإضراب ليس موجهاً ضدهم وضد الطلاب، وإنما لتحسين ظروف عمل المعلمين".
"الدولرة" الشاملة
مع بداية العام الدراسي الراهن، اعتمدت المدارس الخاصة نظام التسعير المزدوج، حيث قسَمت الأقساط إلى جزءين، جزء بالعملة الوطنية أي الليرة اللبنانية وآخر بالدولار الأميركي "الفريش"، وقد تفاوتت قيمة الأقساط على ضوء حجم المؤسسة والمنطقة والمنهاج ونوعية التعليم، كما اعتمدت المدارس إجراءات طارئة، وطلبت من الأهالي زيادات على الأقساط لمجاراة الارتفاع الهستيري والسريع لسعر صرف الدولار لقاء العملة الوطنية، فقد أغلق عام 2022 على سعر صرف يقارب 43 ألف ليرة لبنانية، ليتجاوز مع منتصف مارس (آذار) 100 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد.
ويطرح نعمة محفوض على الطاولة "سؤال الشفافية الذي يجب أن تضمنه لجان الأهل"، ويعطي محفوض مثالاً أن "بعض المدارس يتقاضى 900 دولار "فريش"، لا يحصل المعلم منها إلا على 200 دولار، أما في أخرى تستحصل المدارس من الأهل على 250 دولاراً، يصل 200 دولار منها إلى المعلمين"، لذلك، يطالب محفوض لجان الأهل بتدقيق الموازنات المالية للمدارس للتأكد من شفافيتها ومصداقيتها.
من ناحية أخرى، يرى محفوض "الحل يكمن في "دولرة" أجور القطاع التعليمي، بعد أن حصلت "دولرة" كل شيء، من الاستشفاء والدواء، إلى المحروقات والبنزين، والكهرباء، والاتصالات، والخدمات كافة". وعليه، "لا يمكن للمعلمين الاستمرار إلا في ظل تصحيح فعلي للأجور".
مستقبل العام الدراسي
يتضح أن القطاع التربوي لا يعيش في ظروف سليمة، فهو يعاني أزمة عميقة على غرار مختلف القطاعات السياسية والاقتصادية في لبنان، وقد فتحت سلسلة الإضرابات باب الخوف على مستقبل الشهادة الرسمية، ينفي محفوض ما يشاع عن "إنهاء العام الدراسي مع قدوم شهر أبريل (نيسان)"، معتبراً أن "المدارس الخاصة قطعت شوطاً كبيراً في إنجاز المناهج التعليمية، كما بدأ التعليم الرسمي بالتدريس بعد انقطاع، وقد يعود للانتظام بالكامل خلال أسبوع من الزمن".
من هنا، يعتبر محفوض أن "هناك مصلحة في إنجاز الشهادة الرسمية، حتى لو مدد العام الدراسي في المدارس الرسمية، وتأخرت مواعيد الشهادات إلى 15 يوليو (تموز)". لم تلتزم المدارس الخاصة كافة الإضراب، وسجلت خروقات واسعة في بيروت وجبل لبنان، على خلاف مناطق الأطراف التي تمسكت بالقرار النقابي وأغلقت أبواب مدارسها.
رأي المدارس الكاثوليكية
ويعرب الأب بطرس عازار، الذي كان الأمين العام للمدارس الكاثوليكية عن معارضته "لإضراب غير واضح الوجهة، كما أن بعض المدارس الممثلة في هيئة نقابة المعلمين التي دعت للإضراب لم تلتزمه، وفتحت أبوابها، ووافقت عليه مسايرة للنقيب"، متحدثاً عن "مؤامرة لضرب التعليم في لبنان بشكل عام". ويؤكد الأب عازار أن كثيراً من المدارس الخاصة قامت بتصحيح أوضاع المعلم على قدر المستطاع، ففي المدرسة التي يرأسها في منطقة البوشرية، حصل الأساتذة على زيادة 35 في المئة على الأجر، ومساعدة 200 دولار لأساتذة الملاك، إلى جانب مساعدة ظرفية في الأعياد وعند المرض، لذلك لا بد من التحرك ضد المدارس التي لا تنصف أساتذتها، وعدم إجمال القطاع بأكمله.
ويطالب عازار بأن يكون الإضراب عاماً، ولا يقتصر على قطاع واحد، وأن تكون وجهته الضغط على السلطة لانتخاب رئيس للجمهورية لإعادة الانتظام إلى المؤسسات.
وينطلق عازار مما سبق، ليطالب بأخذ وضع الأهالي المتعبين من الأزمة في بالاعتبار، فقد أصبح سعر صفيحة البنزين قرابة مليوني ليرة لبنانية (نحو 20 دولاراً)، و"الزيادة في الأجور ستأتي من الأقساط التي يجد هؤلاء صعوبة في دفعها"، ويسأل عن مصير 500 مليار ليرة لبنانية أقرتها الدولة لمساعدة المدارس في لبنان، بمعدل 350 مليار ليرة للقطاع الخاص، و150 مليار ليرة للقطاع العام، ناهيك، عن عدم قيام الحكومة بتحويل مستحقات المدارس شبه المجانية للسنة الخامسة على التوالي.
لا يخفي عازار تخوفه على مستقبل التعليم في لبنان والشهادة الرسمية، لأن هناك مشكلة حقيقية في ظل استمرار إضراب التعليم الرسمي. من هنا، يعتبر أن "هناك ضرورة لإجراء الشهادة الرسمية التي تشكل حاجة ضرورية للطلاب من أجل تقييم المستوى، ومواصلة مسيرة التعليم الجامعي"، كما يعبر عن انتقاده لبعض المخارج التي طرحت وتطرح لتنظيم الشهادة كيفما كان، "ففي العام الماضي، ألغي جزء كبير من المنهاج التعليمي، وتم العمل بنظام المواد الاختيارية، وهو ما أدى إلى تراجع في مستوى الشهادة وسمعتها"، لذلك فهو يرفض تقزيم التعليم ليصبح الهدف هو مجرد الحصول على الشهادة، ويتساءل "هل نريد تخريج أطباء ومهندسين يقتلون الناس"؟
من جهته ينوه محفوض أن "بعض المدارس في زحلة وجبيل دخلت في مرحلة الإضراب حتى قبل إضراب النقابة بسبب انعدام القدرة على التحمل"، كما يتحدث من ناحية أخرى عن مصير مجهول للأساتذة من بلغ منهم أو سيبلغ سن التقاعد، فهؤلاء سيجدون أن أجورهم التقاعدية أو التعويض لم يعد يساوي شيئاً.
يقول نعمة محفوض "يوجد ستة آلاف أستاذ متقاعد يتقاضون معاشاً تقاعدياً يتراوح بين 800 ألف ليرة، ومليون ومائتي ألف ليرة لبنانية فقط"، متسائلاً "هل يعقل أن يصبح أجر من بنى أجيالاً وصنع نخبة المجتمع ثمانية إلى 12 دولاراً؟ كيف يعيش هؤلاء؟ وكيف يمكن أن نطلب ممن بلغ السبعين والثمانين البحث عن عمل لتأمين مصدر دخل جديد؟". لذلك، يطالب محفوض بتحرك سريع لتحسين أوضاع القطاع التعليمي والمعلمين، وأخذ المتقاعدين في الاعتبار "لأن النظام يؤثر في الجميع، وحتى الأقلية من أساتذة القطاع، ممن يعيشون في يسر بفعل الأجور "المدولرة"، سيكون مآلهم التقاعد والحرمان من الامتيازات".