Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تلتف روسيا على العقوبات في شحن نفطها بالناقلات؟

أسطول من السفن المارقة ينقل الشحنات في عرض البحر رغم الحظر الغربي

أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قراراً بوقف تصدير النفط للدول التي تلتزم بسقف السعر الذي فرضته دول مجموعة السبع (رويترز)

بعد نحو شهرين من بدء تطبيق الحزمة الأخيرة من العقوبات الغربية على موسكو بسبب الحرب في أوكرانيا، التي تضمنت حظر أوروبا استيراد النفط الروسي، إضافة إلى فرض سقف سعر للنفط الروسي عند 60 دولاراً للبرميل، لم يتراجع إنتاج النفط الروسي بالقدر الكبير الذي كان مقدراً من قبل.

والهدف الذي أعلنته الإدارة الأميركية وحلفاؤها الأوروبيون من فرض سقف السعر هو حرمان موسكو من عائدات صادرات النفط لتمويل حربها في أوكرانيا، وفي الوقت نفسه عدم الإضرار بالعرض في السوق العالمية بغياب الصادرات الروسية تماماً.

ورداً على العقوبات الأميركية والأوروبية الأخيرة أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قراراً بوقف تصدير النفط للدول التي تلتزم بسقف السعر الذي فرضته دول مجموعة السبع. ويبدأ تطبيق القرار في الأول من فبراير (شباط) المقبل. وتقضي عقوبة سقف السعر بمنع الشركات الغربية من توفير ناقلات لشحن النفط الخام والمشتقات التي منشأها روسيا أو تقديم خدمات التأمين للنقل البحري للناقلات إذا كان النفط المشحون سعره أعلى من سقف السعر المحدد.

في منتصف الشهر الماضي، وبعد 10 أيام من بدء تطبيق سقف السعر، ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" أن هناك على الأقل سبع ناقلات محملة بالنفط الخام الروسي تتجه إلى الهند حصلت على تأمين من شركات غربية، ذلك لأن سعر خام الأورال الروسي ما زال أقل من سقف السعر المحدد، وكان متوسط سعره في العقود الآجلة تسليم هذا الشهر والشهر المقبل عند 53 دولاراً للبرميل.

أسطول الظل 

تبدأ المشكلة حين تزيد أسعار النفط في السوق العالمية، بالتالي يرتفع سعر الخام الروسي عن سقف السعر المحدد في العقوبات الغربية. كانت روسيا استعدت لقرار فرض سقف السعر وجمعت بالفعل ما وصف بأنه "أسطول موازٍ" من الناقلات التي تتفادى القيود الملاحية من هذا النوع.

في مقابلة مع الإذاعة الوطنية الأميركية (أن بي آر) هذا الأسبوع قال كريغ كينيدي من مركز الدراسات الروسية واليوروآسيوية في جامعة هارفرد، إن لدى روسيا أسطولاً معقولاً من ناقلات النفط، لكنه لا يستطيع شحن سوى ما نسبته 20 في المئة من الصادرات الروسية. وبالطبع، هذا الأسطول الروسي من الناقلات يعمل من دون تأثر بالعقوبات الغربية أو قرار فرض سقف السعر لأنه لا يحتاج للخدمات البحرية من تأمين وغيره من شركات غربية.

وفي حال ارتفعت أسعار النفط، يقول كينيدي إن "الناقلات اليونانية مثلاً ستقول فجأة إنها لا تستطيع تحميل النفط وسعره 70 دولاراً للبرميل مثلاً، وساعتها لن يكون لدى روسيا ما يكفي من السفن لشحن نفطها للتصدير"، ومعروف أن الناقلات اليونانية تستحوذ تقريباً على أكثر من ثلثي سوق ناقلات النفط في العالم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حينئذ لن يكون أمام موسكو سوى تشغيل أسطولها من الناقلات بشكل مكثف والاعتماد على الناقلات التي استحوذت عليها ضمن "أسطول الظل" من الناقلات الخفية التي تعمل خارج قواعد الملاحة البحرية الدقيقة. ويتكون أسطول الظل هذا مما بين 200 و300 سفينة، كما يقول إريك برويكويزن للإذاعة الأميركية وهو محلل في شركة "بوتن أند بارتنرز" المتخصصة في الطاقة والنقل البحري. ويضيف أن "كثيراً من تلك السفن تم الاستحواذ عليها في الأشهر الأخيرة قبل فرض الحظر الأوروبي. والغرض الأساسي من تلك السفن هو نقل الخام الروسي في حال أصبح من الصعب من الناحية القانونية على الناقلات العادية القيام بذلك".

وهناك شبه إجماع لدى المحللين في قطاع الشحن البحري بالناقلات أن موسكو إنما تقلد تماماً الأسلوب الذي اتبعته دول تعرضت للعقوبات من قبل مثل إيران وفنزويلا. ويرى برويكويزن أنه باستثناء كونها من بين كبار مصدري النفط في العالم فإن "روسيا تبدأ صفحة من الكتاب نفسه، وكأنها تنسخ ما فعله الإيرانيون والفنزويليون".

الالتفاف القانوني

وأغلب تلك السفن من أسطول الظل مملوكة لشركت "أوفشور" حيث قواعد الشحن البحري مرنة جداً ويسهل تطويعها. وتقوم الناقلة من هؤلاء بدخول ميناء التحميل باسم وملكية معينة، وتغيرها وهي في المياه فتذهب إلى ميناء التفريغ باسم مختلف وملكية مختلفة أو قد تقوم بنقل حمولتها لسفن أخرى في عرض البحار. وأهم نقاط نقل الخام في المياه بغرض الالتفاف القانوني نقطتان: المياه المقابلة لليونان، والمياه المقابلة لجبل طارق التابع لبريطانيا على السواحل الإسبانية.

حتى الآن، لم تفرض أوروبا حظراً على استيراد مشتقات النفط المكررة من روسيا إذ يبدأ تنفيذ هذا الحظر في الخامس من فبراير (شباط) المقبل، لكن أغلب الدول الأوروبية بدأت خفض وارداتها من الطاقة الروسية منذ بداية الحرب في أوكرانيا قبل نحو عام بالتوازي مع خفض واردات الخام والغاز الطبيعي. وبحسب الأرقام والبيانات من شركة "كبلر" التي تتابع بيانات الشحن بالناقلات، فإن روسيا توجه حالياً نحو 80 في المئة من صادراتها النفطية إلى آسيا. ولا تزيد الإمدادات النفطية الروسية إلى أوروبا على 17 في المئة من صادرات النفط الروسي، نحو ثلثيها يتم عبر خط أنابيب "دروجبا" وكذلك عبر خط أنابيب كازاخستان وليس بالناقلات.

رغم أن روسيا من أكبر مصدري الغاز الطبيعي في العالم، فإن عائدات صادرات النفط الروسية تمثل القدر الأكبر من دخل موسكو من مبيعات الطاقة. ولا تتحمل موسكو خسارة القدر الأكبر من عائدات تصدير الطاقة نتيجة خفض إنتاجها وصادراتها النفطية.

قبل بداية الحرب في أوكرانيا كانت روسيا تصدر ما يزيد على ثمانية ملايين برميل يومياً من النفط. ومع حظر دول غربية استيراد النفط الروسي لم تتراجع الصادرات الروسية إلا بقدر ضئيل لتصل إلى 7.6 مليون برميل يومياً، ذلك لأن روسيا عوضت توقف صادراتها للغرب التي انخفضت بنحو مليون برميل يومياً بإيجاد مشترين لنفطها في آسيا خصوصاً الصين والهند، لكن ذلك الانخفاض زاد بما يقارب مليون برميل يومياً منذ الشهر الماضي.

استخدام طرف ثالث

لا يقتصر الالتفاف القانوني على العقوبات على روسيا التي ستلجأ لأسطول الظل من السفن الشحن "المارقة" بل إن الدول التي تفرض العقوبات تجد الوسيلة أيضاً للالتفاف على العقوبات. مثال على ذلك ما ذكرته صحيفة "الصنداي تلغراف" الأسبوع الماضي، عن وصول النفط الروسي إلى بريطانيا في شكل مشتقات مكررة في الهند، على رغم أن بريطانيا من أشد الدول وقوفاً إلى جانب أوكرانيا ضد روسيا.

وزاد المشترون في بريطانيا بقوة وارداتهم من أكبر مصافي النفط الهندية وهي المصفاة التي ضاعفت وارداتها من النفط من موسكو. وأشارت الصحيفة إلى أن المستوردين البريطانيين استبدلوا الاستيراد المباشر من روسيا بالاستيراد من مصافي تعمل النفط الروسي، بالتالي ما زالوا يدعمون عائدات موسكو من مبيعات الطاقة. وهو ما جعل أوليغ أوستينكو مستشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يقول إن تلك الشركات "تستغل حلقة ضعف في نظام العقوبات". وطالب مستشار الرئيس الأوكراني بريطانيا بالعمل على وقف تلك الممارسات. أضاف "أن على بريطانيا إغلاق تلك الثغرات التي تضر بدعم أوكرانيا لأنها تسمح بانسياب عائدات صادرات الوقود عبر الحدود"، لكن بريطانيا ملتزمة العقوبات الغربية المفروضة على موسكو، واستيراد المشتقات النفطية بتلك الطريقة لا يعد خرقاً قانونياً لتلك العقوبات.

وطبقاً لبيانات الشحن من شركة "كيبلر" التي حللتها مؤسسة "غلوبال ويتنس" فإن مصفاة "جامناغار" على الساحل الغربي للهند استوردت ما يصل إلى 215 شحنة من النفط الخام والوقود من روسيا خلال العام الماضي 2022. وتزيد تلك الكمية بمقدار أربعة أضعاف عما استوردته المصفاة العملاقة في العام السابق 2021. ومنذ بداية الحرب في أوكرانيا استوردت بريطانيا 29 شحنة بحرية، أي نحو 10 ملايين برميل، من الديزل وغيره من المشتقات النفطية من مصفاة جامناغار، وذلك مقارنة مع سبع شحنات أو أربعة ملايين برميل خلال عام 2021 كله. ويشمل المشترون للمشتقات المكررة من المصفاة الهندية شركات "شل" و"بي بي" و"تافيغورا" و"بتروتشاينا" و"إيسار".

واستيراد المشتقات بهذا الشكل من الدول التي تستورد الخام الروسي وتكرره مثل الهند والصين أسهل على الشركات الغربية، لكن بالطبع يظل هناك طريق آخر وهو استيراد الخام الروسي بعد نقله من سفن أسطول الظل إلى سفن أخرى بشكل يجعل دولة المنشأ غير محددة.

ربما كل ذلك ما جعل شركات كبرى تعدل توقعاتها لانخفاض إنتاج وتصدير النفط الروسي عن تقديراتها السابقة. وعدلت شركة "غلوبال كوموديتيز إنسايتس"، التابعة لمؤسسة "ستاندرد أند بورز"، تقديراتها لانخفاض الإمدادات الروسية لتتوقع أن يكون أقصى حد من الانخفاض عند 900 ألف برميل يومياً أقل من مستويات ما قبل حرب أوكرانيا، وذلك بدلاً من توقعاتها السابقة بانخفاض يصل إلى 1.5 مليون برميل يومياً.

كان وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك توقع أن يكون الانخفاض في الصادرات النفطية الروسية نتيجة حظر أوروبا استيراد النفط الروسي وفرض سقف السعر بما بين 500 و700 ألف برميل يومياً، وذلك أقل بكثير من توقعات وكالة الطاقة الدولية والمحللين في السوق، الذين قدروا احتمال انخفاض إنتاج موسكو بما بين اثنين وثلاثة ملايين برميل يومياً من الخام والمشتقات.

ذكر تقرير آخر من "ستاندرد أند بورز" أن دول آسيا لديها طاقة استيراد فائضة يمكنها استيعاب أكثر من نصف الصادرات الروسية إلى أوروبا التي ستتوقف بسبب الحظر. وقال رئيس أبحاث الطلب العالمي على النفط في "غلوبال كوموديتيز إنسايتس" كانغ وو، إن سقف سعر النفط الروسي عند 60 دولاراً قد لا يؤثر كثيراً في الصادرات إلى آسيا. وأشار إلى أنه "مع بدء تطبيق سقف السعر وحظر أوروبا الاستيراد ستبحث روسيا عن منافذ بديلة لتصدير ما يزيد على مليون برميل يومياً من الخام المشحون بحراً بالناقلات، وهي الشحنات التي كانت تصل إلى أوروبا. ونعتقد أن الدول الآسيوية يمكنها استيعاب نصف تلك الكمية، إضافة إلى أكثر من مليوني برميل يومياً تستوردها من روسيا قبل تطبيق العقوبات الأوروبية".

وأضاف وو "هذا ممكن لأن آسيا بحاجة إلى سد فجوة النقص الناتج عن تحويل شحنات النفط من الولايات المتحدة وأفريقيا من التوجه إلى آسيا إلى التوجه نحو أوروبا. ومع أن التحدي الذي يواجه المشترين الآسيويين هو توفير ناقلات غير أوروبية وإيجاد مصادر تأمين بديلة، فإن موسكو والمشترين الآسيويين يعملون منذ فترة على توفير تلك البدائل لضمان عدم تأثر شحن الخام الروسي إلى آسيا".

اقرأ المزيد

المزيد من البترول والغاز