Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تفجير المرفأ يدخل القضاء اللبناني في معارك الصلاحيات

عويدات يتمرد على قرارات البيطار ويستدعيه للتحقيق والأخير يعد القرار انقلاباً على القانون

وجه النائب العام اللبناني القاضي غسان عويدات اتهامات إلى القاضي طارق البيطار الذي يحقق في انفجار مرفأ بيروت، وأمر بالإفراج عن جميع من جرى اعتقالهم بخصوص الانفجار، ما يعرقل مساعي استئناف التحقيق في الحادثة المدمرة.

ويشير قرار عويدات إلى تصاعد معارضة المؤسسة الحاكمة في لبنان لجهود القاضي البيطار لاستئناف التحقيق في الانفجار الذي وقع في الرابع من أغسطس (آب) 2020 وأودى بحياة أكثر من 220 شخصاً.

وقال البيطار لـ"رويترز" إن عويدات "ليس له الحق" في توجيه اتهامات أو الإفراج عن المعتقلين لأن عويدات نفسه ضمن المتهمين بخصوص الانفجار. وأضاف أنه سيواصل التحقيق إلى أن يُصدر لائحة اتهام.

أما عويدات فقال، بدوره، إنه استدعى البيطار للاستجواب لكنه لم يذكر ما إذا كان قد وجه إليه اتهامات.

معسكران

وكما العادة وككل استحقاق ينقسم اللبنانيون حول تقييمه إلى معسكرين، وهذا ما تكرر مع استئناف المحقق العدلي القاضي طارق البيطار عمله على رأس تحقيقات تفجير مرفأ بيروت. فبات بالنسبة إلى الذين يشعرون باليأس من محاسبة المسؤولين بارقة أمل في احتمال أن تتحقق العدالة في بلد لطالما كان الإفلات من العقاب فيه القاعدة، في مقابل فريق آخر يعتبره رمزاً للفتنة الداخلية وأداة للمشاريع الخارجية.

هذا الانقسام العمودي وغير المسبوق برز بشكل واضح في حرب الصلاحيات والفوضى العارمة التي تشهدها "العدلية" وفي ملف التحقيق الذي أصبح في مهب الضياع والتسييس والادعاءات المتبادلة بين المؤسسات القضائية، إذ وفي تطور مفاجئ يعكس خطورة ما وصلت إليه الأمور في لبنان، قرر المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات إخلاء سبيل الموقوفين الـ17 في قضية تفجير مرفأ بيروت بعد عامين ونصف العام على احتجاز معظمهم، ضارباً بقرار البيطار بإخلاء خمسة منهم لعدم توافر الأدلة الكافية لاستمرار توقيفهم عرض الحائط، واستتبع خطوته بادعاء على البيطار وأصدر قراراً بمنعه من السفر.

واستند عويدات إلى نص المادة 306 أي اغتصاب سلطة والمواد 375 و376 و377 أي ممارسة المواد القضائية بعد كف يده وممارسة مهمات مخالفة لواجباته الوظيفية وإساءة استعمال السلطة أو النفوذ المستمد من الوظيفة.

في المقابل، صرح البيطار بأن أي تجاوب من قبل القوى الأمنية مع قرار النائب العام التمييزي بإخلاء سبيل الموقوفين سيكون بمثابة انقلاب على القانون، موضحاً أن "المحقق العدلي وحده من يملك حق إصدار قرارات إخلاء السبيل، بالتالي لا قيمة قانونية لقرار المدعي العام التمييزي غسان عويدات".

خطة البيطار

ووفق مسؤول قضائي فإن عويدات أرسل ضابطاً من المباحث الجنائية لإبلاغ البيطار في منزله في الرابية دعوة للاستماع إليه، غداً الخميس، في موضوع الادعاء عليه بجرم اغتصاب السلطة وغيره، إلا أنه وفق المعلومات رفض الأخير تسلم التبليغ في إشارة واضحة إلى رفض المثول أمام عويدات.

وتذكر المعلومات أن البيطار يعتبر جميع القرارات التي أصدرها عويدات تشكل اعتداء على القوانين وأصول المحاكمات وأن إطلاق سراح الموقوفين الـ17 استمرار لنهج عرقلة العدالة، وهناك توجه للادعاء عليه بجرم تجاوز حد السلطة واستغلال موقعه لتهريب وحماية مدعى عليهم.

ووفق مصدر قريب من البيطار، فإن "المحقق العدلي ماضٍ في تحقيق العدالة حتى الرمق الأخير" وينتظر مثول المدعى عليهم أمامه خلال فبراير (شباط) وفق الجدول الذي أصدره وإن عدم مثولهم سيعتبر "فراراً" من العدالة، بالتالي هناك توجه لإصدار مذكرات توقيف بحقهم.

وكشف أن لدى المحقق العدلي توجهاً بإصدار القرار الظني شبه الجاهز نهاية الشهر المقبل، مؤكداً وجود قرائن ستصدم الجميع نظراً إلى دقتها ومستوى الشخصيات المتورطة ومشدداً على أن التحقيق السري الذي يجريه وصل إلى خلاصات في شأن إدخال باخرة النيترات إلى لبنان والجهات التي استخدمتها طيلة الفترة الماضية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعادت بعض القوى السياسية المقربة من "حزب الله" للمطالبة بضرورة إقالة البيطار، إذ يرى مصدر قريب من الحزب أنه لا يحقق في التفجير بقدر ما يستغل القضية لإبراز نفسه سياسياً وأنه يدار من جهات دولية مشبوهة.

ويتوقع أن ينعقد مجلس القضاء الأعلى، الخميس، لمناقشة قضية المرفأ وتضارب الصلاحيات والادعاءات، وتشير مصادر قضائية الى إمكانية أن يطرح بعض الأعضاء عزل البيطار وتعيين قاض آخر، إلا أن فرص نجاح هذا الطرح ضبابية لأسباب عدة منها تغييب بعض القضاة المؤيدين لاستمرار البيطار بعمله وإفقاد النصاب، إضافة الى جدل قانوني حول آلية عزله، لا سيما أنه عين بموجب مرسوم صادر عن مجلس الوزراء.

في المقابل كشف ‏عويدات أن ليس هناك أحد يريد إقالة البيطار وليكمل كما بدأ وستشهدون في الأيام المقبلة تجاوزات قانونية بحقي من قبل البيطار، موضحاً أن "لا علاقة للعقوبات الأميركية بإخلاء سبيل الموقوفين".

انقسام الضابطة العدلية

وفي إطار القرارات المتتالية الصادرة عن عويدات، كانت لافتة مخاطبته الضابطة العدلية لعدم تنفيذ أي من القرارات الصادرة من قبل البيطار، مؤكداً أنها خاضعة لسلطة النيابة العامة التمييزية وتتحرك وفقاً لإشارتها.

وبالفعل كان واضحاً إطلاق سراح 17 موقوفاً على ذمة التحقيق مباشرة بعد صدور قرار عويدات، مما يشير إلى أن الضابطة العدلية سواء لناحية المباحث الجنائية أو جهاز أمن الدولة وقوى الأمن الداخلي، انحازت إلى جانب عويدات ونفذت إشارته القضائية.

في المقابل تخوف مرجع قضائي كبير من أن يؤدي التفتت داخل القضاء إلى ازدواجية في تنفيذ الإشارات القضائية، بالتالي إدخال المؤسسات الأمنية في صراع المرجعيات الذي يشهده القضاء، في حين بات من غير الواضح موقف الجيش اللبناني الذي يتولى عبر وحدة مكافحة الشغب حماية البيطار، إضافة الى ضبابية حول موقف استخبارات الجيش لناحية تنفيذ الإشارات القضائية ومرجعيتها.

توتر "حزب الله"

ومما لا شك فيه أن عودة ملف تفجير المرفأ إلى الواجهة بعد "هدنة" قصرية امتدت لأكثر من عام، رفعت منسوب "التوتر" في البلاد إلى مستويات خطرة، وهذا ما عززته مؤشرات عدة منها التحركات الشعبية المحدودة نسبياً حتى الآن وقطع بعض الطرقات من حين لآخر.

ولعل المؤشر الأخطر هو "الاشتباك" بين عدد من النواب في المجلس النيابي أثناء انعقاد لجنة الإدارة والعدل النيابية وفق أحد النواب المشاركين الذي قال "شهدنا حلبة صراع بين فريق حزب الله الذي اتهم النواب الآخرين بتسييس القضاء واتهامات بالتخوين واستخدام لألفاظ عالية النبرة"، معتبراً أن هذا الحدث يكشف عن توتر الحزب وحلفائه من عودة ملف المرفأ للواجهة من جديد.

مواجهة وتحقيق دولي

أما الصدمة المستجدة، فتتمثل في أن أهالي ضحايا مرفأ بيروت دعوا إلى تجمع في مركز الجمعية بعد قرار الادعاء على البيطار وإطلاق سراح جميع الموقوفين في التفجير للاتفاق على تحركات مرتقبة.

ولفت إيلي حصروتي، نجل أحد ضحايا التفجير إلى أن الأهالي في الوقت الراهن في حال ترقب ولا يفهمون كل ما يحصل، موضحاً أنهم مصدومون منذ تاريخ التفجير ومؤكداً أنهم سيتابعون الملف بشكل قانوني، لكنه أشار إلى أن المشكلة تكمن في أن القانون بات وجهة نظر، بينما المطلوب أن تكون هناك مرجعية قادرة على ضبط الأمور.

بدوره كشف ويليام نون، أحد أبرز المتحدثين باسم أهالي الضحايا، عن خطوات مرتقبة بالتنسيق مع المحامين بعد شرح الواقع القانوني للحدث، وقال "يبدو أن هناك ما هو أكبر مما يحدث وأكثر من نكايات بين القضاة".

وأشار إلى أن ما وصلنا إليه هو بسبب القضاة الذين ينفذون أجندات ولا يحترمون القانون، مستغرباً الانقسام الواقع داخل المجلس النيابي وبين القضاة وكيف أن كل قاض يتخطى صلاحيات الآخر ومعتبراً أن هذا الأمر غير مقبول. وأكد أن "ما يجري يجعلنا مجدداً نطالب بالتحقيق الدولي".

تهديد واغتيالات

وفي السياق رأى مرجع قضائي مستقيل، طلب حجب اسمه، أن قضية تفجير مرفأ بيروت أكبر من القضاء اللبناني بكثير، معتبراً أن القضاء منذ أعوام يعاني التدخلات السياسية التي أدت إلى تصدعات خطرة في داخله وأسفرت تدريجاً عن وصوله إلى مرحلة الانهيار الخطر التي نشهدها.

وأوضح أن بعد التفجير بأسابيع عدة بدأت عمليات الاغتيالات المرتبطة بالملف تتوالى، إذ سجلت أربعة اغتيالات بطريقة حرفية من دون أن يكون هناك أي تحقيق جدي للتوصل إلى الكشف عن الفاعلين، إضافة إلى التهديد الجدي الذي أطلقه القيادي في "حزب الله" وفيق صفا ضد القاضي طارق البيطار بعد اقتحامه قصر العدل من دون أن يتجرأ أي قاضٍ على مساءلته.

تحقيق ثلاثي

وفي السياق ذاته سأل عن سبب تمنع دول كبرى عن تسليم لبنان ما أظهرته الأقمار الاصطناعية في شأن التفجير، إذ برأيه أن هذه التسجيلات تكشف عن كثير من الأسرار، موضحاً أن التحقيق يجب أن ينطلق من ثلاثة أبعاد ولا ينحصر ضمن إطار الإهمال الإداري والوظيفي.

ويفند تلك الأبعاد بقوله، "بداية يجب العمل على الطريقة التي أدخلت من خلالها باخرة ’روسوس‘ المحملة بأطنان النيترات إلى مرفأ بيروت. الباخرة خرجت من مرفأ باتومي في جورجيا متوجهة إلى الموزمبيق، إلا أنه قبيل وصولها إلى قناة السويس أدركت عدم تمكنها من دفع رسوم عبورها، وبشكل مفاجئ أبرمت صفقة مع وزارة الطاقة اللبنانية للدخول إلى المرفأ وتحميل معدات للمسح الزلزالي"، وبرأيه التحقيق في هذا المسار هو أساس لمعرفة من أدخلها إلى بيروت والنية وراء ذلك والجهة التي أتت لمصلحتها".

يتابع، "البعد الثاني للتحقيق يجب أن يركز على الجهة المستفيدة منها، إذ خلال سبعة أعوام تناقصت كمية نيترات الأمونيوم من 2750 طناً إلى ما دون 300 طن وفق تقارير غربية عدة، الأمر الذي بقراءته يكشف عن أن هناك جهة تستخدمها"، لافتاً إلى أن البعد الثالث يتمثل في الإهمال الإداري.

المزيد من العالم العربي