Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل فقدت الزوايا الدينية قدرتها على اجتذاب التونسيين؟

طالما استغلت سياسياً وتعاني التهميش الحكومي بعد مرحلة من تطرف الإسلاميين

تونسية تزور ضريح سيدي الصحبي (رويترز)

في منطقة الحفصية الواقعة بالعاصمة التونسية تهز الأذكار وتوحيد الله زاوية "سيدي إبراهيم الرياحي"، التي يتوافد عليها عشرات الأشخاص من النساء والرجال بشكل يومي، فيما تشهد الزوايا تراجعاً لافتاً في دورها، حيث يهجرها روادها لا سيما الشباب منهم.

بعد ثورة 14 يناير (كانون الثاني) 2011، التي وضعت حداً لحكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، الذي امتد لـ23 عاماً، تعرضت العديد من هذه الزوايا للتخريب والحرق من قبل المتشددين، الذين كانوا طليقي الأيدي في فترة حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة، الذراع السياسية لتنظيم الإخوان، حيث يعتبر هؤلاء الزوايا والمقامات الصوفية نوعاً من الشرك بالله.

انتشار الفكر المتطرف، الذي قاد الآلاف من التونسيين إلى "المحرقة" السورية، حيث انضموا إلى حركات تكفيرية مع بداية الحرب الأهلية هناك، جعل الزوايا الدينية تضطلع بدور هام في إدارة المرحلة الانتقالية، التي شهدتها تونس حيث يعرف عن هذه الزوايا ومشايخها تسامحهم الديني.

تبرز أدوار الزوايا والمقامات في العديد من المواكب الدينية على غرار "الخرجة"، التي يقوم بها المتصوفون سنوياً، وهي مناسبة باتت تمثل ما يشبه الكرنفال الشعبي، الذي يغري التونسيين شأنهم شأن السياح الذين يتابعون باهتمام أدق تفاصيلها.

وخلال الفاعلية يخرج المئات وهم يحملون البندير ويرددون أغاني شعبية وأذكاراً وترانيم دينية بألبسة تقليدية تضفي على هذه الاحتفالية بعداً روحانياً، كما تتجلى مظاهر الصوفية في المولد النبوي، الذي يتم إحياؤه من المتصوفين بشكل لافت.

تراجع ولكن

في ظل طغيان مواقع التواصل الاجتماعي على يوميات التونسيين، كما غيرهم في شأن الأزمات التي تحاصرهم، تزداد التساؤلات حول قدرة الزوايا الدينية وغيرها من الطرق الصوفية والروحانية على اجتذابهم وخصوصاً الشباب.

الشيخ إبراهيم، وهو القائم على زاوية "سيدي إبراهيم الرياحي"، قال "صحيح هناك تراجع في إقبال الناس، خصوصاً من الشباب، على الزوايا والمقامات الدينية عموماً، لكن الأبعاد الروحانية تظل راسخة لدي التونسيين".

وأضاف إبراهيم، لـ"اندبندنت عربية"، أن "سيدي إبراهيم الرياحي مثلاً الذي له زاوية هنا في منطقة الحفصية، هو عالم وقاضٍ قبل كل شيء، وكان إمام أول في جامع الزيتونة المعمور، وكان مفتياً أيضاً ولد عام 1766 وتوفي عام 1850".

 

 

وبحسب العديد من المؤرخين، فإن زاوية "سيدي إبراهيم الرياحي" تم تشييدها بأمر من المشير أحمد باي عام 1850، وهي لا تزال صامدة إلى الآن، وتتبع الطريقة التيجانية المعروفة في منطقة شمال أفريقيا.

كما أن هناك العديد من الزوايا الأخرى، التي تنتشر سواء في تونس العاصمة أو المدن الداخلية، وتتبع طرقاً صوفية مختلفة مثل الطريقة القادرية والشاذلية وغيرهما.

ومن بين تلك الزوايا ومقامات الأولياء الصالحين المعروفين في تونس زاوية "سيدي محرز" و"السيدة المنوبية" و"سيدي بوسعيد الباجي"، حيث يتبرك التونسيون بهؤلاء، سواء عند سعيهم إلى تحقيق أهداف لهم أو غيرها.

وتجمع العشرات من الرجال والنساء في زاوية "سيدي إبراهيم الرياحي" منفصلين في قاعتين حيث بدأ في كل قاعة ترداد الأذكار وترانيم خاصة بالزاوية والطريقة التيجانية.

 

 

وقال الشيخ إبراهيم "في الماضي كانت هذه الطقوس تتم مرة كل أسبوع، أي يوم الجمعة، لكن منذ 30 سنة تقريباً أصبحت هذه الطقوس يومياً"، لافتاً إلى أن "هناك تشبثاً بالدين الإسلامي والمميزات الهوية والشخصية التونسية، وهو تشبث جعل دور الزوايا هاماً في حث الناس على التمسك بجذورهم".

خلال العقود الأخيرة، برزت موجات عدة للتشكيك في دور الزوايا الدينية وحتى اعتبار ما يقوم به المؤمنون بها وبالأولياء الصالحين مشركين بالله.

ولفت الشيخ إبراهيم إلى أن "هناك من يتحدث عن الشعوذة، لكن هذا موجود في العالم أجمع، وهناك بعض الناس فقط لا تفرق بين الولي الصالح والخالق، هناك من يعتقد أن الولي الصالح بإمكانه أن يلبي لهم طلباتهم، لكن هؤلاء يبقوا قلة، لأن كثيرين يدركون أن الخالق وحده قادر على كل شيء فقط نحن نتوجه للأولياء الصالحين تبركاً بهم".  

تهميش حكومي

في المقابل، تعتبر أوساط صوفية أن الزوايا والمقامات الدينية بتونس تتعرض لتهميش حكومي متزايد ما قد يؤدي إلى اضمحلالها أو تحجيم دورها إلى حد كبير، لا سيما في ظل التطورات التكنولوجية والأزمة التي يرزح تحتها المواطنون.

رئيس اتحاد الطرق الصوفية المغاربية في تونس محمد عمران قال "اليوم هناك على الأقل 70 في المئة من الزوايا الدينية والمقامات تعيش شللاً ومغلقة بتوجه من وزارة الشؤون الثقافية، التي أصبحت تلك الزوايا ترجع لها بالنظر وهذا فيه تهميش لها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف عمران، في تصريح خاص، أن "هناك تراجعاً كبيراً للزوايا لأسباب عدة، في فترة الاستعمار عمل المستعمر (الفرنسي) على ضرب الزوايا، لأنها تلعب دوراً هاماً في مواجهته، دور الزوايا ليس فقط تحفيظ القرآن، بل تعليم الفقه، وتوفر حصانة لمن يقصدها وتطعم الفقير".

تعرضت العديد من الزوايا للحرق بعد الثورة التي شهدتها تونس عام 2011 عقب نجاح السلفيين وغيرهم من المتشددين في ترسيخ نفوذهم خلال الفترة الممتدة من 2011 – 2013.

وبين محمد عمران أن "هناك 94 زاوية حرقت بشكل ممنهج، لأنهم يعرفون من يستهدفوا بالضبط، حرقوا الأثاث فقط، لكن ليس بمقدورهم المساس بالأولياء الصالحين".

تشابك مع السياسة

لا يمكن نفي تشابك السياسة مع الزوايا الدينية بعد 2011 في تونس، حيث أدت الهجمة التي تعرضت لها وأثارت تعاطفاً شعبياً معها إلى لجوء العديد من القادة السياسيين المتنافسين على السلطة للزوايا والمقامات الدينية من أجل استمالة الناخبين.

وحصل الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي على دعم قوي من الصوفيين عندما قال في كلمة له خلال زيارته زاوية "سيدي بلحسن الشاذلي" عام 2014، "إذا تم انتخابي لن تحرق أي زاوية"، باعثاً برسائل طمأنة آنذاك للصوفيين بأنه سيوقف سلسلة الاستهداف التي طاولتهم.

كما زار زعيم حزب العمال اليساري في العام نفسه، أي 2014، مقام الولي الصالح "سيدي علي نصر الله" في محافظة القيروان (وسط تونس).

 

 

وقال محمد عمران إن "المرحوم الباجي قائد السبسي عندما ذهب إلى زاوية سيدي بلحسن الشاذلي نحن كصوفيين شجعناه على ذلك، لأنه لم يكن أمامنا خيار لتحصين تونس من التطرف، كان يمثل لنا حلاً بالتعاون معه للتصدي إلى المتطرفين في وقت كانت تونس مهددة من قبل "داعش" وغيره من التنظيمات المتشددة".

وأكد "نحن شجعناه بصرف النظر عن الخيارات السياسية التي ذهب فيها في وقت سابق، كان هو الوحيد القادر على الدفاع على الصوفية التي هي ليست مشروعاً أو أصلاً تجارياً، لدينا مبادئ وتاريخ يمثل الماضي والحاضر والمستقبل، نحن نريد الانفتاح والتسامح".

تتجه إلى الاندثار

في ظل استمرار التهميش الحكومي وتراجع دورها فإن مكانة الزوايا والمقامات الصوفية في تونس باتت على المحك بحسب مؤرخين ومتصوفين.

وقال المؤرخ التونسي محمد ذويب إن "الزوايا مواقفها لم تكن موحدة، عموماً كان هناك زوايا مقربة من السلطة وأخرى بعيدة منها تاريخياً، وذلك كان منذ عقود، ففي ثورة علي بن غذاهم مثلاً قامت الزاوية القادرية بتوريطه واستدرجته إلى قصر الباي حيث قبض عليه".

وعلي بن غذاهم، الذي يشير إليه ذويب، هو قائد انتفاضة شعبية عرفتها تونس عام 1864 ضد حكم محمد الصادق باي، لكن تلك الانتفاضة فشلت حيث تم إخماد الاحتجاجات ثم القبض عليه عام 1866 ليفارق الحياة في سجنه عام 1867، وتشير بعض المراجع إلى أنه تعرض إلى الخيانة من قبل أحد أقربائه وهو من أتباع ومريدي الطريقة التيجانية.

 

 

وشدد ذويب، في تصريح، على أن "مواقف الزوايا لم تكن موحدة تاريخياً حتى بدخول المستعمر، كانت هناك زوايا مع المستعمر والأخرى ضده، وكان هناك حتى صراع على امتلاك هذه الزوايا في العديد من المناطق بالبلاد".

وأشار إلى أنه "في 2011 قام السلفيون طبعاً بهجمة قوية ضد الزوايا التي يعود تراجع دورها في الواقع إلى أسباب تاريخية، فمنذ تولي الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة الحكم عام 1956 تم انتزاع الأراضي التي تسيطر عليها الزوايا وضمها إلى الأراضي التابعة للدولة، لأن هؤلاء كانوا يجمعون أموال الناس بغرض بناء المساجد وغيره، لكن الدولة بعد 1956 انتهجت سياسة واضحة لتحجيم دورهم".

وأردف ذويب أن "مواقف الزوايا من الإرهاب تقريباً واضحة، فهم ضد التطرف وليسوا متشددين، خصوصاً بعد تعرضهم للهجمة من قبل السلفيين، لكن تطور التعليم ونسق الحياة وفقدان الزوايا للموارد المالية التي كانت لديها جعل دورها يتراجع بشكل كبير وهم يتجهون إلى الاندثار في الواقع".

واستدرك المؤرخ التونسي بالقول "لكن على الدولة أن تعمل على الحفاظ عليها، سواء كمعالم دينية أو مزارات سياحية".

وفي ظل الأزمات التي تحاصر تونس، فإن مسألة التفاتة السلطات إلى واقع الزوايا والمقامات الصوفية يبقى أمراً غير مؤكد، حيث تنشغل حالياً بتأمين الانتقال السياسي الذي تعرفه البلاد، والبحث عن مخارج للانهيار الاقتصادي.

المزيد من تقارير