Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران وخشبة الخلاص البابوية

البابا فرنسيس طالب بإعادة استئناف المفاوضات بين طهران وواشنطن لتجنب الشرق الأوسط حرباً محتملة

البابا فرانسيس يقود قداسا في كاتدرائية القديسة ماري الكبرى في روما (أ ف ب)

هل يشكل النداء، الذي أصدره البابا فرنسيس، رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم، لإعادة استئناف المفاوضات النووية بين إيران والمجموعة الدولية، المدخل الذي يفتح الطريق أمام طرفي الأزمة، وتحديداً طهران وواشنطن لعبور حالة المراوحة بالعودة إلى المسار التفاوضي لتجنيب منطقة الشرق الأوسط حرباً محتملة نتيجة تصاعد التوتر؟

هذه الدعوة من زعيم الفاتيكان تأتي في وقت صدرت مؤشرات عن طهران وواشنطن على وجود قنوات تواصل بين الطرفين، خلف الكواليس وعبر أطراف يتمسك الجانبان حتى الآن بعدم الكشف عنها وعن دورها، وأن رسائل يتم تبادلها تتعلق بعديد من القضايا والمسائل بينهما.

من تلك الرسائل ما كشف عنه المتحدث باسم خارجية واشنطن نيد برايس عن وجود اتصالات غير رسمية مع إيران حول المعتقلين الأميركيين في طهران، وحجم التورط الإيراني في الحرب الأوكرانية إلى جانب روسيا، ومسألة حقوق الإنسان والممارسات التي لجأ إليها النظام خلال التعامل مع الحركة الاعتراضية، نافياً في الوقت نفسه أن يكون الموضوع النووي والتفاوض حوله على رأس اهتمامات إدارة البيت الأبيض خلال هذه المرحلة.

من ناحية طهران، وعلى العكس من الأجواء السلبية المسيطرة على علاقاتها مع واشنطن والترويكا الأوروبية، وتصاعد التشدد الذي لم يعد مقتصراً على الولايات المتحدة، بعد دخول هذه العواصم على خط فرض عقوبات اقتصادية على النظام الإيراني وشخصيات سياسية واقتصادية وصناعية على خلفية الدور الإيراني في أوكرانيا، لا تزال تؤكد وجود قنوات تواصل ورسائل متبادلة في مختلف المواضيع والمسائل بينها وبين واشنطن، وأن بعضاً منها يتعلق بمسألة إعادة تفعيل الحوار لاستئناف المفاوضات حول الملف النووي.

وهنا لا تقتصر هذه المواقف، وفق ما أعلنه المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني بالتزامن مع نظيره الأميركي برايس، بل تخطتها إلى تفعيل النشاط الدبلوماسي في هذا الإطار، من خلال الجهود التي بذلها وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان في لقائه مع منسق العلاقات الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في العاصمة الأردنية على هامش قمة "بغداد 2"، والزيارة التي قام بها إلى سلطنة عمان، وتكليف السلطان هيثم بن طارق آل سعيد باقتراح المبادرة التي يراها مناسبة لإعادة تفعيل الحوار بين إيران وواشنطن واستئناف المفاوضات النووية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي الوقت الذي يؤكد فيه الطرفان الأميركي والإيراني وجود تواصل يتعلق ببعض المسائل التي تشكل مناطق تداخل أو اشتباك بينهما، وأن هذا التواصل أو تبادل الرسائل أسهم في التخفيف من إمكانية الوصول إلى نقطة التصادم، وأرسى نوعاً من التفاهمات التي سهلت كثيراً من الأمور، كما حصل في العراق وأزمة تشكيل الحكومة قبل أشهر، فإن واشنطن ذهبت إلى اعتماد الأسلوب والمنهج نفسه الذي تستخدمه واستخدمته طهران في المفاوضات، بإعلان الفصل بين المسارات، أي حصر التفاوض فقط حول الملف النووي، ورفض التطرق إلى أي من الملفات الأخرى المتعلقة بالبرنامج الصاروخي أو ملف النفوذ الإقليمي.

واشنطن خلال الأشهر الأخيرة التي شهدت تصاعداً بالحركة الاعتراضية داخل إيران، والكشف عن دورها في دعم الأعمال العسكرية الروسية بالحرب الأوكرانية، وأمام الإصرار الأميركي على استخدام جميع وسائل الضغط على إيران لإجبارها على تقديم التنازلات، التي تصب في إطار التوصل إلى تفاهمات حول الأنشطة النووية، وهي ثابتة بالسياسة الأميركية ومحط إجماع دولي بأن لا تسمح بالانتقال إلى امتلاك سلاح نووي، فإنها تعمل في المقابل على صياغة تفاهم يختلف عن اتفاق عام 2015 يكون بمثابة مرحلة انتقالية.

يقوم التفاهم الذي تسعى له واشنطن على الحد الأدنى من النقاط التي كان يتضمنها الاتفاق القديم، بحيث يتم تخفيض حدة العقوبات على قطاعي النفط والغاز وبعض العمليات التجارية التي تساعد في تسيير الحياة اليومية للمواطن الإيراني من خلال تقليص التشدد والعقوبات على عمليات التبادل المالي لعائدات بيع النفط، وهو اتفاق إذا ما حصل فإنه لن يسمح لإيران بالعودة الطبيعية إلى الأسواق العالمية والمجتمع الدولي.

هذا التوجه الأميركي، أي تمرير تفاهم بالحد الأدنى، قد يكون بديلاً مرحلياً في حال عدم قدرتها على التوصل إلى تفاهم أشمل يحل مكان الاتفاق السابق ويترجم الهدف الأخير الذي تسعى إليه الإدارة الأميركية، خصوصاً في الحد من التقارب الإيراني الروسي والتعاون الواسع الذي بدأ يأخذ أبعاداً أخطر وأكبر، بعد انتقاله إلى التعاون العسكري وإمكانية أن تحصل إيران على تقنيات عسكرية وأسلحة متطورة كانت موسكو تمتنع في السابق عن تقديمها لإيران، على غرار ما يجري الحديث عنه من إمكانية حصول إيران على عدد كبير من طائرات سو 35 الاستراتيجية الروسية، إضافة إلى وقف طهران تزويد موسكو بالسلاح بعد الكشف عن استخدام روسيا طائرات مسيرة إيرانية نوع شاهد 136 في الحرب على أوكرانيا.

هذه الجهود والمساعي لا تعني عدم لجوء واشنطن وحلفائها في الترويكا الأوروبية إلى وضع خطط بديلة في حال فشل سيناريو الحوار والتفاهم، وهو ما بات يعرف بالخطة B، التي قد يكون أحد آلياتها نقل أزمة الملف النووي والمفاوضات مرة جديدة إلى مجلس الأمن الدولي، من أجل تفعيل آلية الزناد التي تسمح بإعادة فرض كل العقوبات الدولية السابقة التي تضمنتها قرارات مجلس الأمن الدولي منذ عام 2006 إلى ما قبل التوقيع على اتفاق فيينا وهي ستة قرارات، من دون أن يكون حلفاء إيران، أي روسيا والصين قادرين على استخدام حق النقض الفيتو ضدها.

وانطلاقاً من كون واشنطن قد فقدت الحق في اللجوء إلى مجلس الأمن بعد قرار الرئيس السابق دونالد ترمب الانسحاب من الاتفاق عام 2018، فإن هذه المهمة ستكون بعهدة دول الترويكا الأوروبية، التي بدأت مسارات تصعيدية وفرض عقوبات على إيران بعد الانتهاكات الكبيرة لحقوق الإنسان في الحراك الشعبي الأخير، وسيكون مفتاح هذا الدور في الخطوة التي من المفترض أن تصدر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس حكامها، إذا ما أصدر قراراً يدين إيران بعدم التعاون في سد الثغرات والإجابة عن الأسئلة حول أنشطتها السرية والمواقع التي لم تعلن عنها، وإحالته إلى مجلس الأمن.

أمام هذا المشهد يمكن القول إن الكرة خلال هذه المرحلة في الملعب الإيراني أكثر من أي وقت مضى، وهي إن كانت قد بعثت برسائل تحمل ليونة واضحة بما يتعلق بشروطها على استئناف المفاوضات مع واشنطن وأبقت على شرط واحد يتعلق بالضمانات، فإن المطلوب منها لقطع الطريق على التصعيد الأوروبي أن تبدي أعلى درجات التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والأسئلة والاستفسارات والشكوك التي أعلنتها بعد الكشف عن ثلاثة مواقع سرية لم تعلن عنها إيران، إذا ما كانت تريد التوصل إلى حلول جدية تبعد عنها شبح عقوبات جديدة لا ترغب مطلقاً فيها، في ظل ما تعانيه من أزمات داخلية يعود السبب في جزء كبير منها إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة نتيجة العقوبات القائمة حالياً.

المزيد من تحلیل