Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عاصفة الاعتداءات الجنسية على الأطفال تتردد في الكنيسة الكاثوليكية

القضاء الفرنسي يصدر حكمه بالسجن 15 سنة غيابياً على الكاهن اللبناني منصور لبكي

قداس خلال المؤتمر السنوي لأساقفة فرنسا في الكنيسة سيركز بشكل خاص على الاعتداء الجنسي على الأطفال بها   (أ ف ب)

بلغ حجم الاعتداءات الجنسية من قبل رجال الدين على الأطفال في الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا 216 ألفاً منذ عام 1950. وبحسب رئيس اللجنة التي أعدت التقرير جان مارك سوفيه أنه "إذا أضيف الأشخاص الذين تعرضوا لاعتداءات من قبل أشخاص عاديين يعملون في المؤسسات الكنسية من معلمين ومشرفين ومديرين تنفيذيين لحركات شبابية، فإن العدد يرتفع إلى 330 ألفاً"، لافتاً إلى أن "الكنيسة أبدت لا مبالاة عميقة وتامة بل وقاسية طيلة سنوات وفضلت حماية نفسها على حماية الضحايا. فالكنيسة لم تكتف بعدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الانتهاكات بل وغضت الطرف عنها بتقاعسها عن الإبلاغ، وفي بعض الأحيان تركت الأطفال في معية المنتهكين وهي على علم".

إلا أن هذا الحال تبدل مع مرور الزمن. فالكشف عن الانتهاكات في فرنسا كسر كل التابوهات وأحدث زلزالاً عصف بالكنيسة الكاثوليكية، بعد سلسلة فضائح مماثلة حول العالم خلال السنوات العشرين الماضية، كان آخرها فضيحة الكاهن اللبناني منصور لبكي، الذي أصدرت محكمة كاين الفرنسية حكماً غيابياً عليه بالسجن 15 سنة، بعد إدانته بتهم اغتصاب أطفال والاعتداء عليهم جنسياً. وتغيب الكاهن عن المحاكمة نظراً إلى أنه لجأ إلى دير تابع لرهبنة لبنانية. فعلى الرغم من صدور مذكرة توقيف دولية بحقه عام 2016، فإن السلطات اللبنانية ترفض تسليمه.

وفي هذا السياق، كان قد صرح بابا الفاتيكان فرنسيس الأول، أنه يشعر "بالخجل" بعد نشر تقرير حول اعتداءات جنسية على الأطفال داخل الكنيسة الفرنسية، داعياً جميع المسؤولين الدينيين إلى "الاستمرار في بذل كل الجهود لكي لا تتكرر هذه المأساة".

لبنان يرفض تسليم "لبكي"

أما في لبنان فكشفت مصادر مطلعة في القضاء اللبناني لـ"اندبندنت عربية"، عن أنه "في حال اقترف اللبناني جرماً في الخارج يتم محاكمته في لبنان، ولا يتم توقيفه حتى ولو كان عليه مذكرة توقيف دولية صادرة عن الإنتربول. فالتدبير الوحيد الذي يمكن أن يتخذ في حقه هو إما منعه من السفر وإما توقيفه في بلده، وهذا بالتحديد الذي حصل مع الأب لبكي"، مشيراً إلى أنه "تم التعاطي مع لبكي كإنسان عادي وليس ككاهن، إذ خضع للاستجواب وهو اليوم موجود في الدير تحت إشراف المطرانية".

ولأنه تغيب عن المحاكمة طيلة هذه السنوات، دانت محكمة كاين الفرنسية الكاهن الأب لبكي وحكمت عليه بالسجن 15 سنة غيابياً. ويوضح المصدر أن "عمر هذه المذكرة هو خمس إلى ست سنوات، وقد تم إرسال مذكرة أوروبية بتوقيفه للقضاء اللبناني ولكن كان جوابنا (أنه لا يمكننا توقيفه لأنه مواطن لبناني بغض النظر عما إذا كان كاهناً أو لا). وطلبنا منهم في المقابل ملف الاسترداد، أي الملف الذي يتضمن التحقيقات الأولية الاستنطاقية والقانون الواجب تطبيقه أي العقوبات التي يتضمنها القانونان الفرنسي واللبناني". مؤكداً أنه "على عكس ما يشاع، فقد التزمنا بالمسار القانوني خصوصاً أنه يتم تنفيذ التوقيف بناء على وجود معاهدة مع هذه الدول، وفي حال لا يوجد كما هو الحال في فرنسا وعدة بلدان أخرى يطبق قانون المعاملة بالمثل وذلك بحسب القانون الدولي. لذا، المبدأ العام يقضي بألا يتم تسليم المواطنين. ومن ناحية أخرى، لم يرسل الفرنسيون حتى الآن ملفه وهذا يعود إلى الحكم في فرنسا ومن حق لبنان الاطلاع عليه قبل اتخاذ أي إجراء".

وعن أسباب عدم إرسال السلطات الفرنسية هذا الملف، يقول المصدر "لأنهم يعلمون أننا لن نسلمهم إياه"، لافتاً إلى أن "قضية كارلوس غصن متشابهة مع هذه القضية، إذ لم يتم تسليمه للسلطات اليابانية ولا يزال اليابانيون حتى اليوم لم يرسلوا ملفه وملف زوجته لأنهم يعلمون أن لبنان لا يسلم مواطنيه، وبالتالي كل ما يمكنهم أن يفعلوه هو إصدار الحكم الغيابي بحقه ومذكرة توقيف تظل سارية ويتم تعميمها للإنتربول".

ويكشف المصدر عن أنه "لم يتم استجواب لبكي من قبل الشرطة كخطوة أولى في البروتوكول العام، وذلك احتراماً لكونه كاهناً، بل تم استجوابه فوراً من قبل القاضي المختص وإصدار مذكرة لمنعه من السفر مثل أي مجرم"، وأشار إلى أنه "في حال ارتكب المواطن مخالفة في القضايا التي تعنى بالقتل والمخدرات يتم تجاهل المعاملة بالمثل على أن يتم تسليمه فوراً للسلطات المعنية في تلك البلاد". لافتاً في الوقت ذاته إلى أن "كل مرجعية دينية وسياسية في لبنان تحمي وتغطي جماعتها، لذلك تم تخفيف عقوبته أي تم السماح له بالبقاء في الدير عوضاً عن السجن، بحجة أنه رجل مسن يبلغ من العمر 81 سنة". وعن تبرير محاميته له بأنه يعاني مرض "البيدوفيليا"، يرى أن "هذا التبرير غير كافٍ ومن الضروري إثبات ذلك".

مفهوم العنف ضد الأطفال عالمياً

الاعتداء الجنسي لا ينحصر في بلد معين، بل ظاهرة منتشرة في كل دول العالم. في هذه الحالة هو انتهاك لحقوق الإنسان والطفل والمعاهدات الدولية التي تتعلق بهذه الحقوق. وبحسب منظمة الصحة العالمية مفهوم العنف ضد الأطفال يشمل جميع أشكال العنف ضد الأشخاص دون الثامنة عشرة من العمر، سواء كانت ترتكب من الأبوين أو غيرهما من مقدمي الرعاية أو الأقران أو الشركاء العاطفيين. أما على الصعيد العالمي فتشير التقديرات إلى أن عدداً يصل إلى مليار طفل في المرحلة العمرية 2-17 سنة تعرضوا لعنف بدني أو جنسي أو وجداني أو عانوا الإهمال في العام الماضي. ويؤثر التعرض للعنف في مرحلة الطفولة على التمتع بالصحة والعافية طوال العمر. كما تنص الغاية 16-2 من خطة التنمية المستدامة لعام 2030 على "إنهاء إساءة معاملة الأطفال واستغلالهم والاتجار بهم وممارسة جميع أشكال العنف ضدهم وتعذيبهم".

في هذا الإطار، ترى الخبيرة في الشؤون الجنسانية، عبير شبارو، أنه "عند الحديث عن الاعتداء على الأطفال، المعتدون ليسوا من الغرباء بل أغلبيتهم من الأشخاص المقربين إليهم، أو أي شخص يثق بالآخر ليتم ممارسة هذا النوع من الاعتداء. وفي حالة الأب لبكي، كل الأطفال الذين وثقوا به لأنه كان مشرفاً على تربيتهم ولأنه أب، أي من خلفية دينية، أي من غير المتوقع منه أن يظهر عليه أي خطأ، وبالتالي كانت نسبة الثقة مرتفعة، خصوصاً عند ذهاب هؤلاء للاعتراف ليتقرب منهم تدريجياً ويمارس فعل التحرش كما حُكي"، معتبرة أن "هذا الفعل يعد جريمة، والأفظع من ذلك أنه عندما تتكرر هذه الممارسة تصبح جريمة عن سبق الإصرار والترصد، فست مرات في فرنسا وعدد كبير في لبنان أيضاً لا يزال هناك تكتم حيال هذا الأمر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وترى شبارو أن "فرنسا اليوم استطاعت أن تكسر تابوهات التكتم عن أخطاء رجال الدين في الكنيسة. أما في بلادنا فلا يزال نظامنا تحكمه التابوهات، خصوصاً أنه عندما يتعلق الأمر بالقضاء نرى انحيازاً في القضايا".
وعن تبرير محاميته بأنه يعاني مرض البيدوفيليا، فمفهومها بحسب الدراسات أن البيدوفيليا (Pedophile) أو الغلمانية أو الولع الجنسي بالأطفال أو الانجذاب الجنسي للأطفال، كلها مصطلحات مترادفة تشير إلى اضطراب جنسي يميل فيه الشخص البالغ جنسياً نحو الأطفال دون سن البلوغ، التي تكون عادة 13 سنة أو أصغر، وغالباً من سن سبع إلى 13 سنة، وتعتمد شهوته الجنسية على تخيل ممارسة سلوكيات جنسية مع الأطفال، وقد تصل إلى التحرش أو الاعتداء الجنسي بحالات نادرة، وقد يكون الانجذاب إلى أحد الجنسين أو كليهما.

ربما يدرك المصاب ميوله الجنسية تجاه الأطفال عند البلوغ، وقد يكون الاضطراب مستمراً مدى الحياة، وقد تقل حدته مع الوقت. عادة ما توجد النسبة الكبرى من المصابين بهذا الاضطراب بين الرجال (بنسبة 3- 5 في المئة) مقارنة بالنساء اللاتي يصبن بنسبة قليلة جداً.

وفي هذا السياق، ترى شبارو أن "البيدوفيليا عندما تصل إلى أقصاها هي غير مقبولة. فممارسة الجنس مع أي كان من دون موافقته هو جريمة. كما أن ممارسة الجنس مع أطفال هو أيضاً جريمة في كل الديانات والحضارات"، مؤكدة أن "البيدوفيليا ليست مرضاً يجب التعاطف معه، بل هي جريمة بحق الأولاد، وفي هذه الحالة لو كان هناك أي موافقة من قبل هؤلاء لما ذهبوا وقدموا الشكوى". مؤكدة "ضرورة استجوابه لكسر الشك باليقين، حتى لو كان من بعد، في ظل رفض السلطات اللبنانية تسليمه"، مشددة على أهمية "الإسراع بإجراء كهذا، لأننا نريد لبنان دولة قائمة على القانون لا شريعة الغاب، فلبنان ليس ملجأ للمغتصبين ولا المجرمين".

القانون

في لبنان هناك قانون للتحرش الذي أقره مجلس النواب عام 2020، ويقضي بتشديد العقوبة إذا تم ارتكاب الجرم على الأحداث وعلى كل من له سلطة عليهم. وبحسب القانون الذي يرمي إلى تجريم التحرش الجنسي وتأهيل ضحاياه، يعاقب بالحبس من سنتين إلى أربع سنوات وبغرامة تتراوح بين 30 و50 ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور في حال وقع الجرم على حدث أو على شخص من ذوي الاحتياجات الإضافية، أو على من كان لا يستطيع المدافعة عن نفسه بسبب وضعه الصحي الجسدي أو النفسي.

وفي هذا الإطار، تعتبر شبارو أن "قضية الأب لبكي يجب أن تكون قضية رأي عام، إذ لا يجب أن نرضى أن يكون بلدنا ملجأً للمجرمين والمنتهكين، ولا يجب أن نرضى أن يكون هناك نوع من الحماية لهم. لا نريد شريعة الغاب بل نريد العدالة الاجتماعية والمساواة. للأسف السائد اليوم منظومة مبنية على الذكورية تستغل الدين لتحقيق مصالحها ولا يوجد تطبيق فعلي للعمل الديني". مؤكدة "ضرورة الوصول إلى دولة مدنية تعمل على فصل الدين عن الدولة، وتعامل جميع المواطنين بناء على المساواة، يسود فيها حكم القانون والعدالة للجميع".

الجدير ذكره، أن القضاء الكنسي في الفاتيكان دان في 2012 منصور لبكي بالتهم ذاتها. وفي 2013، تقدم ضحايا بشكوى أمام القضاء الفرنسي في أعمال تعود إلى التسعينيات. وأسس لبكي وأدار بين 1991 و1998 مركزاً لاستضافة أطفال لبنانيين أيتام بسبب حرب لبنان في دوفر لا دليفراند (كالفادوس) قرب كاين في غرب فرنسا. وعدا عن أنه يتهم باستغلال الفتيات والتحرش بهن، إلا أن المفاجأة الكبرى أن ابنة أخت منصور لبكي أيضاً تعرضت للتحرش من قبل خالها وقد ادعت عليه في محكمة كاين الفرنسية.

المزيد من تقارير