Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الشمع الأحمر... للملوك والعشاق وصناديق الاقتراع

كان بمثابة "كلمة سر" المراسلات القديمة ويستحضر في القرارات الرسمية والقوانين والمعاهدات

قطعة الشمع هي بمثابة الأداة التي تحل محل الشرعية العدلية التي تحتكرها الدولة لحماية نفاذ القانون على الجميع (غيتي)

غالباً ما نقرأ خبراً يفيد بأنه تم "إغلاق المكان بالشمع الأحمر"، وهكذا يمكن لكل قارئ أن يعرف أن الشرطة أقفلت المكان بأمر قضائي لمنع صاحبه من فتحه إلا بقرار من المحكمة، والشمع الأحمر هو بمثابة الحارس الذي يعني كسره أو فضه أن المخالف كسر كلمة القانون، مما يستدعي عقابه. فقطعة الشمع هي بمثابة الأداة التي تحل محل الشرعية العدلية التي تحتكرها الدولة لحماية نفاذ القانون على الجميع. كما تستخدم لإحكام صناديق الاقتراع بهدف إثبات أنه لم يتم العبث بإرادة الناخبين.

لكن الشمع الأحمر يحل بصورة أخرى في مخيلة القراء الرومانسيين الذين يتمثلون بأفلام الحب والعواطف، فالشمع الأحمر يتم إشعاله وسط طاولة مستديرة على عشاء بين حبيبين في موعد مهم أو مناسبة تعنيهما. ويترافق غالباً مع الورد الأحمر الذي يعني إهداؤه إلى شخص آخر أنه وسيلة للتعبير عن الحب. ويتحول الورد الأحمر في عيد الحب أو عيد العشاق أو عيد القديس فالانتين الذي يحتفل به معظم العالم في 14 فبراير (شباط) من كل عام، إلى المنتج الأكثر مبيعاً حول العالم ويرافقه الشمع الأحمر في اللائحة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"باسوورد" المراسلات 

الختم بالشمع الأحمر هو ما منح هذا اللون من الشمع شهرته الكبيرة حول العالم. في الأفلام تكون مشاهد ختم رسالة ما بالشمع الأحمر من اللحظات المهمة التي تدل على تصاعد درامي حين نرى ملكاً أو سلطاناً أو قائداً للجيش أو رجل دين في مجموعة سرية أو ساحراً كما في أفلام "هاري بوتر" يختم رسالته بالشمع الأحمر في نهايتها، ومن ثم في خيط يلف حول الرسالة قبل تذويب الشمع والضغط فوقه بختم قديم مهيب فوق رسالة تحمل أخباراً جليلة أو أسراراً مهمة يجب أن تصل سليمة إلى صاحبها. وختمها بالشمع الأحمر دليل على عدم فتحها في الطريق، لأن فتح الرسالة سيؤدي إلى كسر الشمع ولا يمكن إعادة ختم الرسالة إلا بالختم الخاص بحامله، وهو مقارنة بعصرنا يشبه الأرقام السرية التي تعطى للخزنات المالية الحديدية، أو كلمة السر التي يملك كل واحد منا كثيراً منها اليوم، إما للدخول إلى هاتفه أو رسائله الإلكترونية أو إلى صفحته في مواقع التواصل.

والشمع الأحمر يستحضر في كل القرارات الملكية أو الرسمية الحكومية، وفي المعاهدات والقوانين التي يجب أن يوقعها الملك كما هي الحال حتى اليوم في المملكة المتحدة وعدد كبير من الدول التي ما زالت تعتمد التوقيع بالشمع الأحمر على أي اتفاق أو قرار أو قانون أو مرسوم، وعدم ختمه بالشمع الأحمر يعني أنه لم يتم إقراره أو الاتفاق عليه بعد. فالشمع الأحمر في هذه الحال يحمل قوة وسلطات حامل الختم. فيمنع ما يمنع ويقبل ما يقبل، ويحاكم وينقذ من مشنقة الإعدام بعفو خاص بإرادة حامله، وهو حامي الأسرار العليا في الدولة، وكذا المراسلات الخاصة بين أصحاب السلطة. وكانت أي محاولة لتزوير الختم توصل صاحبها إلى حبل المشنقة. ويمكننا القول إنها تشبه وصول شخص ما إلى كلمة الدخول لملفات "البنتاغون" الأميركي، كما فعل صاحب موقع "ويكيليكس" قبل أعوام محدثاً أزمة دبلوماسية عالمية بعد نشره أسراراً كانت ممنوعة من النشر.

قوة الخاتم

يبقى الشمع الأحمر بلا ختم عليه مجرد شمع، فالقيمة المعنوية والمادية لصاحب الختم توضع بالشمع عند ختمه وتمنحه سلطته، لهذا كان لدى كل شخص في إنجلترا منذ بداية الفترة الاستعمارية ختمه الخاص، ويرتفع عدد الأختام لكل شخص بحسب موقعه الوظيفي والاجتماعي وصولاً إلى الملك الذي يملك العدد الأكبر منها، وعلى رأسها ختم خاص به لا يمكنه حتى توريثه فهو كبصمة إصبعه، ولهذا لا توجد اليوم أختام ملكية أصيلة أو متكاملة لأنه كان يصار إلى إتلاف ختم الملك عند وفاته كي لا يستخدمه أي من ورثته أو أعدائه.

والختم الذي يصنع من خشب صلب كالأبنوس وخشب الورد والأرز، أو من الرخام ثم من النحاس في القرون المتقدمة، يحمل في رأسه رسماً من الحروف أو الإشارات تكون درجة تعقيدها وسرية تركيبها أهم كلما كان منع تزويره أولوية كبيرة. وهو يشبه في وقتنا المعاصر توقيع العملاء على الشيكات أو على العقود التي يبرمونها الذي لا يمكن تزويره وإلا رفضت المعاملة، كما يشبه الرموز الموجودة في العملات الورقية على شكل صور مخفية فيها أو خيوط وأجزاء نافرة كلها مصنوعة بطريقة تمنع تزوير الأوراق المالية. ويشبه أيضاً بصمة اليد والوجه في الماكينات الحديثة. فالختم الملكي الذي يمكن أن يغير مصير أمم وشعوب هو بمثابة الملك نفسه.

كانت الأختام الإنجليزية المبكرة عبارة عن شعارات فروسية من رسوم لرحلات الصيد أو رسم لصاحبها بينما يخوض معركة ما. الملك ويليام الفاتح استخدم ختماً يؤكد فروسيته ويظهر فيه مسلحاً ومستعداً للمعركة. واستخدم الختم بالشمع الأحمر للمرة الأولى في الولايات المتحدة الأميركية الرؤساء بنجامين فرانكلين وجون آدامز وتوماس جيفرسون في الرابع من يوليو (تموز) عام 1776 بعد توقيع إعلان الاستقلال مباشرة. ومن بعد توقيع هذا الإعلان اعتمد ختم الشمع الأحمر بشكل دائم في الكونغرس الأميركي وما زال سارياً حتى اليوم.

الألوان ودلالاتها

كتبت المساعدة المسؤولة في أرشيف البرلمان الإنجليزي كاثرين إيمري أن أرشيف البرلمان يضم مجموعة كبيرة من الوثائق الموقعة بأختام الشمع الأحمر ومعظم المخطوطات مصنوعة من جلود الحيوانات القوية والمرنة. وعلى رغم شيوع استخدام عبارة الختم بالشمع الأحمر فإن الأختام الشمعية لم تكن حمراء دائماً بل كان يستخدم الشمع الأخضر الداكن لتأكيد وتثبيت براءات الاختراع التي ترفع الأفراد إلى مرتبة النبلاء، أما الأختام بالشمع الأزرق، فمخصصة للمستندات المتعلقة بأحد أفراد العائلة المالكة. والختم الأحمر القرمزي أكثر شيوعاً ويستخدم لتعيين الأساقفة. لكن الأختام الملكية الحمراء كان شيوعها كاسحاً لأنها استخدمت في الشؤون العامة وحتى الأميين كانوا يتمكنون من معرفة أهميتها من لون الختم وشكله.

الشمع الذي يستخدم في الختم قبل بدء تصنيعه في المصانع الحديثة كان يصنع من شمع العسل العازل للماء، وهو قابل للتشكيل والضغط ويمكن إذابته بنار خفيفة، وبعد أن يبرد يصبح قاسياً ومتيناً.

في القرن الـ19 برزت الأختام رخامية اللون التي تتشكل من خلط ألوان معينة من الشمع فتبدو كالرخام حين تبرد وتتجمد، وقام الفرنسيون بتعطير شمع الختم بالمسك أو بأنواع معينة من العطور كل منها يدل على معنى معين، وفي أواخر القرن اقتصر استخدام أختام الشمع على مراسلات المحاكم والطرود السريعة التي تحتوي على الأشياء الثمينة للأمن والطرود المالية المرسلة عن طريق الإرساليات السريعة أو الأجنبية.

المؤسسات الرسمية المعاصرة والشركات التي تقدم خدمات تزيين وتنظيم الحفلات والاحتفالات أوجدت وظائف جديدة للأختام بالشمع بألونه المختلفة، فمثلاً يمكنها إرسال رسالة إلى العميل مختومة بالشمع الأخضر والشمع الأبيض للدعوات الرسمية أو حفلات الزفاف. أما الأختام الوردية، فهي لرسائل التهنئة، لكن الرهبة الكبرى كانت تمنح للرسائل المختومة بالشمع الأسود الذي لطالما كان لون الحداد والموت أو التعبير عن الأخبار المؤلمة والكارثية.

في ثلاثينيات القرن الـ19 ونتيجة تراكم كميات كبيرة من الشمع الأحمر في الإدارات الفرنسية بسبب المعاملات والأوراق الرسمية، تم البحث عن طريقة لتصريف هذا الشمع عبر إعادة استخدامه، فجاء الحل عبر تجميعه في سلة سلكية بشبكات مفتوحة تعرض الشمع للبخار ليذوب ويمر من خلالها فيفصل عن الورق لتتم إعادة صهره واستعماله مرة أخرى.

المزيد من منوعات