في سباق مع الزمن، يسارع أهالي قرية المقيبلة داخل إسرائيل، للمحافظة على ما تبقى من أراضيهم الزراعية السهلية المعروفة على مستوى المنطقة بجمالها الاستثنائي، فاللجنة الإسرائيلية اللوائية للتخطيط والبناء قررت إحياء مخطط قديم لسكة حديد، ظل مقيداً طوال 20 سنة ماضية، ويتطلب مصادرة ما يقرب من مليوني متر مربع من أراضي الفلسطينيين الخاصة، التي تشكل نصف الأراضي الزراعية لأهالي القرية، التي لا تتجاوز مساحتها ثلاثة ملايين و800 ألف متر مربع. ووفقاً للرؤية الإسرائيلية للمخطط، فإن هذه السكة ستخدم توصيل البضائع من المنطقة الصناعية الدولية الحرة في جنين شمال الضفة الغربية، إلى مدينة العفولة داخل إسرائيل، وسيتم ربطها بـ"خط سكك حديد مرج بن عامر" على بعد حوالى كيلومترين من العفولة، وسيسمح هذا الربط بالحركة باتجاه الشرق نحو بيسان، ومن هناك إلى الأردن مستقبلاً، وكذلك إلى ميناء حيفا في الغرب. ويشمل المشروع الذي تقدر تكلفته بنحو ثلاثة مليارات ونصف المليار شيكل ( قرابة 883 مليون دولار) إنشاء طريق مزدوج المسار بطول حوالى 15 كيلومتراً، ونظام جسور وأنفاق مع تخصيص منطقة لتخزين البضائع وأخرى لمعبر حدودي ومحطة للركاب.
خسائر فادحة
بحسب الأهالي، فإن مد سكة الحديد بمحاذاة قرية المقيبلة سيحولها إلى "قرية محاصرة" بالخط الأخضر شرقاً على الحدود مع الضفة الغربية من جهة مدينة جنين، والبلدات اليهودية وسكة الحديد الجديدة ومعبر الجلمة شمالاً، الأمر الذي سيكبدهم خسائر مالية فادحة وسيقضي بالكامل على أي إمكانية مستقبلية للتوسع والتطور، حسب تعبيرهم، بخاصة أن سكة الحديد سترتفع عن مستوى الأرض بعلو 15 متراً، مع وجود جدار عازل سيبلغ طوله 21 متراً من الجهة الغربية للقرية، وكذلك الحال من جهته الأخرى.
وقال محمود صالح أحد أهالي القرية المتضررين، "جربنا كل الطرق لإيقاف المشروع من أجل الحفاظ على أراضينا الزراعية ومنع الاستيلاء عليها، لكن سلطة التخطيط ماضية في تنفيذ مشروعها دون استشارتنا أو حتى سماع اعتراضاتنا، في حين أن البلدات اليهودية المحيطة بنا على رغم أنها ليست متضررة من المشروع، كانت شريكة في نقاشات المخطط ووضعت ملاحظاتها"، وأضاف أن "80 ألف متر مربع من أرضي ستسحق من أجل القطار الذي يعد مشروعاً وطنياً بالنسبة إلى إسرائيل، وسأتكبد خسائر فادحة بسبب هذا المخطط، وبفقدان الأرض سأخسر مشروعي الذي ادخرت من أجله سنوات عمري أنا وعائلتي".
غياب التنسيق
إلا أنه بواسطة المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل (عدالة) ومنظمة "المخططون لحقوق التخطيط" (بمكوم)، قدم سكان القرية اعتراضاً على المخطط ادعوا فيه أن "شركة قطارات إسرائيل لم تفحص أي بدائل لمسار السكة، ووضعت شروطاً لا يستطيع أي مسار بديل ملاءمتها"، وأشار الاعتراض إلى أن "المخطط بمساره المقترح، لا يصل مباشرةً إلى المنطقة الصناعية الحرة في جنين، ولا يمكن ربطه مستقبلاً بأي مخطط قطارات في الضفة الغربية كما تنص الشروط"، وشدد الأهالي في اعتراضهم على أن "الافتقار إلى التنسيق بين جهات التخطيط الثلاث العاملة في المنطقة (الجهة الإسرائيلية الرسمية، والإدارة المدنية المسؤولة عن التخطيط والبناء في المناطق ج في الضفة الغربية، والسلطة الفلسطينية)، تسبب بوضع تتعارض فيه مخططات البنى التحتية، إذ يتعارض مسار سكك الحديد الجديد مع مخططات أخرى تمت الموافقة عليها بالفعل، وستبنى بموجبها محطة كهرباء ومحطة وقود يغذيها خط أنابيب سيمر عبر الخط الأخضر قرب المنطقة الصناعية الدولية في جنين".
وأوضح مركز عدالة عبر الاعتراض أن "الدفع بالمخطط الإسرائيلي من جانب واحد، دون تنسيق مع السلطة الفلسطينية وخلافاً لما خططت له، قد يرقى إلى حد انتهاك القانون الدولي".
وتمت الإشارة في اعتراض السكان إلى أنه "حسب كل المعايير المنطقية، يجب أن نعتبر هذه الوثيقة مسودة حفظت، ليس أقل من ذلك، ويجب ألا يعطى لها أي وزن، أو التخطيط بحسبها".
كذلك قالت سيزار يهودكن، من جمعية "بمكوم"، إن الخطة المقترحة "لم تتطرق للواقع على الأرض، وستضر بسكان المقيبلة، ونأمل أن تستيقظ مؤسسات التخطيط وتلغي المسار المقترح لصالح بديل أكثر اتزاناً".
وكانت السلطة الفلسطينية رفضت في عام 2019 مقترحاً إسرائيلياً للمشاركة في مشروع بناء سكة الحديد، وكتب رئيس هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية، حسين الشيخ، عبر حسابه في "تويتر" في وقت سابق "عرض على السلطة الفلسطينية المشاركة في سكة حديد من جنين إلى حيفا ومنها إلى عديد من العواصم العربية، لكنها رفضت ذلك رفضاً قاطعاً"، ورفض أي اجراء باتجاه السلام "قبل زوال الاحتلال الإسرائيلي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مشروع استراتيجي
وبحسب "شركة قطار إسرائيل" ودائرة التخطيط في وزارة الداخلية الإسرائيلية، فإن هذا المخطط الذي يسعى إلى إحياء خط سكة حديد الحجاز التاريخية الذي أقيم مطلع القرن العشرين ليربط بين الشام والحجاز، يعد بنية تحتية ذات أهمية استراتيجية كبيرة لمستقبل المنطقة وتطورها، حيث سيمكن من نقل البضائع بين إسرائيل والأردن ومناطق السلطة الفلسطينية، ويقلل بشكل كبير من ازدحام حركة الشاحنات على الطرق، كما سيؤدي الفصل على مستوى المسار عند تقاطعات الطرق والجسور فوق الجداول، إلى تحسين السلامة والأمان على الطرق، وستستكمل شبكة قطار الركاب حسب الخطة الاستراتيجية لقطار إسرائيل لعام 2040.
ووفقاً لموقع وزارة المواصلات والأمان على الطرق الإسرائيلية الرسمي، فإن المشروع "ضخم وسيغير وجه الاقتصاد الإقليمي في الشرق الأوسط، وسيربط إسرائيل بعديد من دول المنطقة عبر السكك الحديدية، التي ستكون بالنسبة إليهم بوابةً إلى البحر الأبيض المتوسط". وأشارت البيانات والصور المرفقة بالموقع، إلى أنه سيتم قريباً الانتهاء من الجزء الرئيس من خط القطار بين المناطق، الذي سيربط خليج حيفا بالأردن. وسيربط بين محطة القطار في بيت شان (مدينة بيسان) شمال إسرائيل مع معبر الملك حسين (نهر الأردن) على الحدود الإسرائيلية - الأردنية، وسيسمح بحركة تجارية فعالة وسلسة بين الشرق والغرب بواسطة القطار، وعلى طول مسار الخط، ستشغل ثلاثة قطارات في كل اتجاه خلال ساعات الذروة، في الصباح وبعد الظهر.
في السياق، رأت عضو الكنيست الإسرائيلي ميري ريغفيف أن "الموافقة على الخطة هي بداية تحقيق رؤية للواقع وتغيير تاريخي في وجه المنطقة، وهو بمثابة وضع الأساس لسلام اقتصادي إقليمي حقيقي".
خطط مستقبلية
وفي تفسيرات الخطة، أشارت دائرة التخطيط إلى أنه في وقت لاحق من المشروع في قرية المقيبلة، يمكن أن تربط بالقطار الذي سيخرج من جنين حسب خطة هيكلية إقليمية (جزئية) لسكة الحديد في الضفة الغربية، كانت أودعتها الإدارة المدنية قبل 12 سنة تقريباً، وتهدف إلى إقامة 11 سكة حديد عبر 30 محطة قطارات، ستخدم وفقاً للرؤية الإسرائيلية، "الإسرائيليين والفلسطينيين معاً".
وكانت الحكومة الاسرائيلية صادقت في عام 2018 على مخطط مشروع سكك الحديد والقطار بتكلفة إجمالية تصل إلى نحو أربعة مليارات شيكل (مليار و150 مليون دولار)، وبطول يصل إلى نحو 35.5 كيلومتر، سيكون مساره الأول بلدة رأس العين في إسرائيل حتى مشارف مستوطنة "أرئيل" وسط الضفة الغربية، على أن تتم معاينة مسار القطار وإقراره بشكل نهائي بغية الشروع بأعمال البناء وتطوير البنى التحتية للشبكة، حيث من المتوقع الانتهاء من مشروع المواصلات الاستيطاني بحلول عام 2025.
وزعم عضو الكنيست، يسرائيل كاتس أن "مشروع القطار سيخفف من أزمة السير واكتظاظ المواصلات في مركز البلاد، الأمر الذي من شأنه أن يوفر ملايين ساعات العمل سنوياً". وأضاف "وضعنا تركيزاً خاصاً على الدفع بتخطيط وتنفيذ مشاريع استراتيجية في يهودا والسامرة (المسمى الإسرائيلي للضفة الغربية)".
ولإجراء تجربة واقعية، باشرت وزارة النقل والمواصلات الإسرائيلية منذ العام الماضي بتنفيذ ما يعرف بالقطار الخفيف. وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية إن القطار الخفيف يعمل على عجلات، وهو مزيج من سكة حديد خفيفة وحافلة، يمكن أن تحمل ما يصل إلى 500 راكب، وقال يوسي دغان، رئيس تجمع المستوطنات الإسرائيلية في شمالي الضفة الغربية، إنه "من المستحيل المبالغة في أهمية طرق النقل للمستوطنات، إنها المفاتيح لتطوير الاستيطان"، ووصف دغان تدشين الطرق الجديدة "ببداية حقبة جديدة من الاستيطان".