Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجفاف على رأس قائمة أزمات المغرب عام 2022

الموسم الفلاحي كان الأكثر قحطاً خلال العقود الأربعة الأخيرة

مغاربة يطلبون الغيث (وكالة المغرب للأنباء)

يطوي المغرب صفحة عام 2022 على أحداث وحوادث كثيرة طبعت السنة، لكن معضلة الجفاف تبقى الأبرز لجهة تأثيرها المباشر على حياة المواطنين ومعيشتهم في الراهن والمستقبل.

فقد ضرب الجفاف بقوة الموسم الفلاحي 2022 بالنظر إلى طول مدته، وأيضاً اتساع المناطق المعنية بقلة المتساقطات المطرية وندرتها، إذ إن هذه المتساقطات لم تتجاوز نسبتها الـ 13 في المئة، مما جعل هذا الموسم من أقسى المواسم جفافاً خلال العقود الأربعة الأخيرة في المغرب.

الفلاح وأسارير السماء

وعلى رغم الانفراج الذي أتت به المتساقطات المطرية التي شهدتها مناطق في المغرب خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) 2022، إلا أن بوشتى الغرباوي وهو فلاح في منطقة الغرب يؤكد أن تداعيات الجفاف طوال أشهر خلت تظل جاثمة أمام الفلاحين والمزارعين في أكثر المناطق خصوبة.

ويقول بوشتى إن الفلاحة في المغرب ترتبط بالأمطار، وإذ شحت السماء من الماء فإن الزراعة تتأزم، وأوضاع الفلاحين تتعقد كثيراً لأنهم يقتاتون من منتوجات الأرض، كما هو الحال بالنسبة إلى سكان المدن والحواضر.

وتابع الفلاح ذاته قائلاً إن الجفاف الذي ضرب المغرب خلال الموسم الفلاحي 2021 - 2022 لم تشهده البلاد تقريباً منذ ثمانينات القرن الماضي، مبرزاً أن جفاف الثمانينات طال مناطق من دون غيرها، لكن الجفاف الأخير لامس معظم إن لم يكن مناطق البلاد كلها.

وزاد الفلاح بأن الجفاف هو العدو اللدود للمزارع المغربي لأنه "يقضي على آماله وجهوده في حرث الأرض منتظراً بلهفة انفراج أسارير السماء، كما أنه يؤدي حتماً إلى ارتفاع في أسعار الخضراوات والفواكه وعلف المواشي، فضلاً عن تراجع مياه السدود والآبار".

وتفيد الأرقام الرسمية بأن الإنتاج الزراعي في المغرب يسهم بنسبة 15 في المئة من الناتج الداخلي الخام، كما أن هذا القطاع الذي يعتمد أساساً على المتساقطات المطرية الوفيرة يقوم بتشغيل 40 في المئة من المواطنين.

مطالب ووعود

واستأثر موضوع الجفاف باهتمام أعلى سلطة في البلاد، إذ خصص الملك محمد السادس خطبته الأخيرة بمناسبة افتتاح البرلمان للتحذير من "الإشكالات المعقدة التي يخلفها الجفاف، وأبرزها ندرة المياه وشبح العطش".

ودعا العاهل المغربي إلى "أخذ إشكال الماء في كل أبعادها بالجدية اللازمة، لا سيما عبر القطع مع كل أشكال التبذير والاستغلال العشوائي وغير المسؤول"، منبهاً من أن "المغرب يعيش في وضعية إجهاد مائي هيكلي ويمر بمرحلة جفاف صعبة هي الأكثر حدة منذ أكثر من ثلاثة عقود".

ملف الجفاف صار الموضوع الرئيس لمداخلات وأسئلة العديد من الأحزاب السياسية داخل البرلمان المغربي، إذ تركزت استفسارات برلمانيين موجهة إلى الحكومة حول وضعية الموسم الفلاحي 2022 الذي اتسم بنقص حاد للمتساقطات المطرية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفق مداخلات برلمانيين مغاربة فإن هذا النقص أفضى إلى انخفاض القيمة المضافة إلى القطاع الفلاحي بنسبة 14.6 في المئة خلال عام 2022، كما طالبوا باتخاذ تدابير استثنائية إضافية للتخفيف من آثار الجفاف البليغة.

من جهتها تقول الحكومة المغربية إنها أفردت غلافاً مالياً كبيراً قدره 1.12 مليار درهم للتأمين المتعدد الأخطار ضد الجفاف، كما خصص قانون المالية لسنة 2023 مبلغ 10.6 مليار درهم لمواجهة أزمة الماء المترتبة على آثار الجفاف.

ووعدت الحكومة باتخاذ مبادرات اجتماعية لمواجهة ظاهرة القحط على مستوى دعم المزارعين وتوفير الكلأ والأعلاف، في وقت دعا المجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي إلى ضرورة العناية بالبحث والتطوير في مجال اختيار البذور والزراعات الأكثر مقاومة لليباس، وتطوير تقنيات السقي والأساليب الفلاحية الأكثر ملاءمة لمناخ البلاد، وتطوير البنيات التحتية الخاصة بتحلية مياه البحر، ومعالجة استعمال المياه العادمة لأغراض السقي في القطاع الفلاحي، وتنفيذ سياسة تحسسية واسعة النطاق حول ضرورة ترشيد استهلاك الماء في خضم موسم الجفاف.

تداعيات اجتماعية

وللجفاف عواقب وتداعيات اجتماعية عدة تلخصها الباحثة السوسيولوجية ابتسام العوفير في التدهور المعيشي لسكان القرية وهجرة كثير منهم نحو الحواضر، وأيضاً في ارتفاع الأسعار بالنسبة إلى سكان المدن.

ووفق الباحثة ذاتها فإن معظم سكان القرى في المغرب يعتمدون على القطاع الزراعي أو على الرعي في تدبير معيشتهم اليومية، وبالتالي فإن الجفاف وندرة المياه تهلك الزرع والماشية، فلا يجدون ما يقتاتون منه باستثناء البدائل الحياتية والمعيشية التي يضطرون إلى مزاولتها لمواجهة الجفاف.

وتبعاً للمتحدثة فإن الوضع المعيشي المتردي في البوادي يدفع السكان وبخاصة فئة الشباب الذين يتحملون مسؤولية أسرهم إلى الهجرة نحو المدن القريبة أو حتى البعيدة، من أجل العثور على فرص عمل تتيح لهم ولعائلاتهم لقمة عيش.

وتابعت العوفير بأن القرى في المغرب تعتمد أساساً على الفلاحة التي تعتمد بدورها على عنصر الماء، وبالتالي فإن الجفاف يؤدي حتماً بالفلاحين وقاطني المناطق القروية إلى الانخراط في دوامة الهجرة إما إلى المدن أو الهجرة غير النظامية نحو أوروبا عبر ما بات يسمى "قوارب الموت".

واسترسلت الباحثة بأن الهجرة السرية هي في عدد من الحالات نتيجة انسداد الآفاق أمام شباب القرى، وتنامي نسبة البطالة وسط هذه الفئة النشيطة جراء تداعيات الجفاف.

وزادت المتحدثة بأن "أكبر هجرة قروية شهدها المغرب خلال العقود الأخيرة كانت خلال سنوات الثمانينيات من القرن الماضي بسبب توالي مواسم الجفاف"، مردفة أن "الهجرة القروية بسبب القحط الحالي لن تكون بالمستوى نفسه والحدة، ولكنها هجرة قائمة".

وتوقفت العوفير عند مظهر اجتماعي آخر من تداعيات الجفاف متمثلاً باتساع هوة الفوارق الاجتماعية والمجالية بين مجال البادية ومجال المدينة بسبب حدة الجفاف، إذ تزداد القرية فقراً وتهميشاً، بينما قد ينتعش الرواج في المدن على رغم ارتفاع الأسعار الحاصل نتيجة اليباس.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير