Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل عصفت الحرب وأزمة الطاقة بقضية المناخ؟

الصراعات الأمنية والسياسية حرفت الاهتمام بقضايا البيئة والعودة للوقود الأحفوري تنذر بأخطار "غير مسبوقة"

الجفاف والتغير العالمي في نسق سقوط الأمطار أديا إلى فشل المحاصيل وزيادة أسعار الأغذية (أ ف ب)

بينما تتسارع حدة الصراعات الأمنية والعسكرية والسياسية في عدد من بؤر التوتر الدولية، مخلفة وراءها أزمات غير مسبوقة لم يشهد العالم سخونتها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، يحذر المراقبون من تراجع الاهتمام بقضية التغير المناخي على رغم مصيريتها على سكان الأرض، وذلك مع اقتراب انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للأطراف في شأن التغير المناخي في دورته السابعة والعشرين بمدينة شرم الشيخ المصرية نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

وبعكس الحشد والاهتمام الواسعين اللذين صاحبا النسخة الماضية من المؤتمر ذاته في مدينة غلاسكو الاسكتلندية، والذي أقر في ميثاقه النهائي، "حالة الطوارئ والاستنفار البالغة من الأنشطة البشرية" في شأن التغيرات المناخية، مع الضرورة الملحة للعمل "في هذا العقد الحرج"، على تقليل الانبعاثات الكربونية، تتصدر ارتدادات الحرب الروسية - الأوكرانية وما خلفته من أزمات في قطاعي الطاقة وإمدادات الغذاء، مع عودة احتمالات استخدام الأسلحة النووية والذرية، والتنافس المحتدم بين بكين وواشنطن، وسباقات التسلح والعسكرة، الأولويات الدولية وعناوين الصحف العالمية.

وفيما تحذر غالب التقديرات الدولية من تفاقم الكلفة البيئية والاقتصادية للتغير المناخي العالمي، أعادت أزمة الطاقة التي يشهدها العالم عرقلة التحول الدولي إلى مصادر الطاقة النظيفة، وعودة الاستخدام الواسع للوقود الأحفوري ومصادر الطاقة التقليدية، في محاولة لإنقاذ الاقتصادات الوطنية من موجات التضخم الركودي غير المسبوقة التي تضربها، مما يزيد معها نسب الانبعاثات الكربونية، بالتالي المخاوف في شأن مستقبل الأرض.

تراجع "المخاوف المناخية"

وأمام تلك البيئة العالمية "المضطربة"، وثقت استطلاعات للرأي، تراجع المخاوف العالمية من تغير المناخ، أمام "جائحة كوفيد-19، وقضايا ومشكلات أكثر إلحاحاً مثل الصحة وسبل المعيشة، والأزمات الاقتصادية".

وذكرت دراسة مسحية أجرتها مؤسسة "غالوب" الأميركية، ونشرت نتائجها الأسبوع الماضي تراجع المخاوف العالمية من تغير المناخ، إذ يعتقد أقل من نصف من شملهم المسح أنه يشكل "تهديداً بالغ الخطورة" على دولهم على مدى السنوات العشرين المقبلة، وذلك مع اعتماد الدراسة على إجراء أكثر من 125 ألف مقابلة في 121 دولة.

وفيما أظهر المسح أن 20 في المئة فقط من المشاركين من الصين (أكبر مصدر للانبعاثات الضارة في العالم) يعتقدون أن تغير المناخ يشكل تهديداً بالغ الخطورة، في تراجع بواقع ثلاث نقاط مئوية عن المسح السابق في 2019، ارتفع الوعي بالتغير المناخي قليلاً في الولايات المتحدة (ثاني أكبر الدول تلويثاً للهواء في العالم) في 2021 إلى 51.5 في المئة. أما المناطق المعرضة لأكبر الأخطار البيئية فهي في المتوسط الأقل قلقاً من التغير المناخي، إذ أبدى 27.4 في المئة من المشاركين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا و39.1 في المئة من جنوب آسيا قلقهم من تلك الأخطار.

ووفق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فقد فاقمت الحرب الروسية - الأوكرانية المشتعلة منذ فبراير (شباط) الماضي "أزمة ثلاثية الأبعاد: أزمة غذاء وأزمة طاقة وأزمة اقتصاد"، مما انعكست بآثارها المدمرة "على أكثر الناس والبلدان والاقتصادات هشاشة في العالم".

ولطالما شغلت قضيتا الأمن الغذائي والطاقة كثيراً من حكومات العالم، لما لهما من تأثيرات مباشرة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، إذ قد يؤدي انعدام إحداهما إلى عدم الاستقرار والاضطرابات والهجرات الجماعية في بعض الأحيان.

وبحسب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ فقد قادت الحرب الروسية - الأوكرانية إلى العودة لمصادر الطاقة "شديدة التلوث"، على عكس الالتزامات السابقة بالتحول إلى الطاقة النظيفة، مشيرة إلى أنه أمام أزمات فقدان إمدادات النفط والغاز، فضلاً عن ارتفاع الأسعار، اتجهت عديد من البلدان إلى مصدر طاقة رخيص لكنه شديد التلوث، وهو الفحم.

وخلال السنوات الأخيرة كانت هناك التزامات دولية للمضي قدماً ضمن خطة لتخفيض الاعتماد على الفحم. في قمة غلاسكو للمناخ، دعا عديد من الدول إلى فرض حظر كامل على الفحم، لكن بعد الحرب الروسية - الأوكرانية توقفت خطط إغلاق محطات الفحم.

ووفق تقرير سابق لصحيفة "الغارديان" البريطانية دفعت الحرب وأزمة الطاقة التي خلفتها إلى اتجاه شركات الوقود الأحفوري نحو استكشافات وعمليات حفر جديدة، مشيرة إلى نحو 200 مشروع وقود أحفوري أصبح في الأشهر الأخيرة بمراحل التطوير، ومن المتوقع أن تصدر مليارات الأطنان من الانبعاثات الكربونية في الهواء حال تشغيلها، أو ما يعادل 18 عاماً من الانبعاثات الحالية، وهذا من شأنه أن يطيح هدف الحد من حرارة الأرض لعدم تجاوزها 1.5 درجة مئوية أعلى من مستواها قبل الثورة الصناعية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي عام 2015 ألزم اتفاق باريس للمناخ الدول العمل على بقاء متوسط الزيادة في درجة حرارة الكوكب دون درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، واستهدف قصر الزيادة على 1.5 درجة مئوية. وقال العلماء إن تجاوز مستوى 1.5 درجة يمثل مجازفة بإطلاق تداعيات أشد قسوة في التغير المناخي على البشر والحياة البرية والنظم البيئية.

ويستلزم الحيلولة دون ذلك تقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى النصف تقريباً بحلول 2030 عن مستواها في 2010، وخفضها إلى الصافي الصفري بحلول 2050.

وبحسب هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" ارتفعت بالفعل درجة حرارة كوكب الأرض نحو 1.1 درجة مئوية عما كانت عليه قبل الثورة الصناعية، وزادت الحرارة في كل عقد من العقود الأربعة الأخيرة عما كانت عليه في أي عقد منذ عام 1850.

ووفق دراسة نشرها معهد "شاثام هاوس" للأبحاث في لندن فإنه منذ قمة "كوب 26" نوفمبر الماضي في غلاسكو، انحرف اهتمام عدد من حكومات العالم المؤثرة بأزمة المناخ بسبب آثار الأحداث الدولية المتسارعة، التي فاقمت من التحديات على المستوى الوطني، موضحة أنه على الصعيد الأوروبي أثارت الاستراتيجيات السياسية في التعامل مع الحرب والزيادات الكبيرة في الأسعار تساؤلات حول أمن الطاقة، والقدرة على تحمل الكلف وكيفية دعم كل منهما الآخر بشكل أفضل، في الوقت الذي تواجه غالب بلدان القارة العجوز أزمة كلفة معيشة ناجمة عن الطاقة إلى حد كبير مع اقتراب فصل الشتاء، كما أن ارتفاع أسعار الطاقة وفر مساحة لأولئك الذين يجادلون بأن تكاليف الانتقال إلى "صفر انبعاثات" تمثل عبئاً إضافياً وغير ضروري، في وقت يكافح عديد من العائلات والشركات لدفع فواتير الطاقة الخاصة بهم.

تداعيات مناخية "كارثية"

وأمام تزايد الكلفة البيئية والاقتصادية للتغير المناخي عالمياً، وتفاقم الأزمة مع التغيرات الجيوسياسية المتسارعة حول العالم، حذرت دراسات حديثة من التداعيات الكارثية لاستمرار تفاقم أزمة التغيرات المناخية، إذ خلصت دراسة أجراها معهد الاقتصاد والسلام (مقره أستراليا) في 228 دولة ومنطقة إلى أن 750 مليوناً حول العالم متضررون حالياً من سوء التغذية وتبعات تغير المناخ وزيادة التضخم والحرب الروسية في أوكرانيا التي ستفاقم انعدام الأمن الغذائي في المستقبل.

وأظهرت الدراسة أن أكثر من 1.4 مليار شخص في 83 دولة يواجهون "الإجهاد المائي"، حيث لا يجد أكثر من 20 في المئة من السكان مصدراً لمياه الشرب النظيفة.

ووفق دراسة معهد الاقتصاد والسلام فإن تلوث الهواء بات يكلف العالم سنوياً 8.1 تريليون دولار، ويتسبب في ما بين ستة وتسعة ملايين وفاة، كما وصل متوسط كلفة الكوارث الطبيعية عالمياً إلى 200 مليار دولار سنوياً، بما يشكل زيادة بأربعة أمثال على ثمانينيات القرن الماضي.

في الأثناء، نشر مجموعة من الباحثين حول العالم دراسة حذرت من أن التغير المناخي الناجم عن النشاط الإنساني "زاد 20 مرة في الأقل من احتمالات حدوث الجفاف في النصف الشمالي من الكرة الأرضية".

وفي تلك الدراسة التي نشرتها في الأسبوع الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي شبكة "وورلد ويذر أتريبيوشن" التي تضم عدداً من العلماء الرواد في مجال دراسة العلاقة السببية بين الظواهر الطبيعية المتطرفة والتغير المناخي، قالت إن "التغير المناخي الناجم عن النشاط البشري أدى إلى زيادة احتمالية حدوث الجفاف السطحي بمقدار خمس مرات في الأقل، وزيادة احتمالية حدوث الجفاف الزراعي والبيئي بمقدار 20 مرة في الأقل".

وعانت ظاهرة الجفاف في فصل الصيف دول أوروبية عدة، بدءاً بفرنسا حيث جفت أنهار واضطرت مناطق عدة إلى فرض نظام تقنين لاستخدام المياه، كما تأثرت بهذه الظاهرة أجزاء من الولايات المتحدة والصين. وانعكست تداعيات هذا الجفاف على القطاع الزراعي، إذ انخفضت المحاصيل في وقت يشهد فيه العالم ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية. وأدى الجفاف أيضاً إلى حرائق غابات كما تسبب باضطرابات في إنتاج الكهرباء، وبخاصة الطاقة الهيدروليكية والنووية.

في المقابل، أغرقت الأمطار الغزيرة العام الماضي الصين وغرب أوروبا وتسببت في مصرع المئات. وسقط مئات آخرون قتلى عندما وصلت درجات الحرارة في منطقة شمال غربي المحيط الهادئ إلى مستويات قياسية. وشهدت جرينلاند ذوبان كتل جليدية هائلة، وأحدثت حرائق الغابات خسائر كبيرة في منطقة البحر المتوسط وفي سيبيريا، وأصاب جفاف لم يسبق له مثيل مناطق في البرازيل.

وتقول منظمة "يونيسف" التابعة للأمم المتحدة إن "الجفاف والتغير العالمي في نسق سقوط الأمطار أديا إلى فشل المحاصيل وزيادة أسعار الأغذية، مما يعني انعدام الأمن الغذائي والحرمان من الأغذية للفقراء، وهذا قد يؤدي إلى تأثيرات تمتد مدى الحياة، إضافة إلى تدمير سبل العيش وزيادة الهجرة والنزاعات وكبح الفرص للأطفال واليافعين".

كذلك كتب أندرو ستانلي، في مجلة التمويل والتنمية، التابعة لصندوق النقد الدولي، أن الحرب الروسية - الأوكرانية والصراع الروسي مع الغرب قادا أسعار الأغذية إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، نتيجة لاضطراب تدفقات السلع الأولية من اثنين من أكبر بلدان العالم المصدرة للقمح والسلع الاستهلاكية الأساسية الأخرى (روسيا وأوكرانيا).

ارتفاع درجة حرارة الأرض

وعلى وقع تراجع قضية المناخ، تحذر هيئة الأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ من أن عدم وفاء الدول بالتزامات الحد بشكل عاجل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وبناء القدرة على الصمود والتكيف مع الآثار الحتمية لتغير المناخ، ينذر بتداعيات كارثية. وتقول إن موجة الحر الشديد المتطرفة التي كانت تحدث مرة كل عقد في مناخ لا تأثير فيه للعنصر البشري ستتكرر 4.1 مرة كل عقد عند بلوغ الزيادة في درجة الحرارة 1.5 درجة مئوية، و5.6 مرة إذا بلغت الزيادة درجتين مئويتين. وإذا حدث وقفزت الزيادة إلى أربع درجات مئوية فستتكرر هذه الموجة 9.4 مرة خلال العقد الواحد.

كذلك فإن ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي يمكن أن يؤدي إلى زيادة الرطوبة في الجو، مما يفضي إلى مزيد من الأمطار شديدة الغزارة ويزيد أخطار حدوث الفيضانات والسيول، كما أنه يزيد أخطار تبخر المياه مما يؤدي إلى مزيد من موجات الجفاف المتطرفة.

كذلك يؤثر ارتفاع درجات حرارة الأرض في ارتفاع منسوب البحار مما قد يؤدي إلى تغير كبير سيقود إلى تآكل مناطق ساحلية وإغراق بعض الدول الصغيرة القائمة على جزر ومدن ساحلية، إذ إن تجاوز درجة الحرارة درجتين مئويتين سيؤدي إلى انهيار الغطاء الجليدي وارتفاع منسوب البحار بما يصل إلى عشرة أمتار، على رغم أن الوتيرة التي قد يحدث بها ذلك غير مؤكدة، وفق الأمم المتحدة.

كذلك فإن زيادة الحرارة 1.5 درجة مئوية من شأنها أن تدمر ما لا يقل عن 70 في المئة من الشعاب المرجانية، لكن زيادة بواقع درجتين ستؤدي إلى فقدان أكثر من 99 في المئة منها. ومن شأن ذلك القضاء على بيئات نمو الأسماك والمجتمعات البشرية التي تعتمد على الشعاب في الحصول على غذائها وأرزاقها، وتحذر الأمم المتحدة من تزايد أخطار الوصول إلى "نقطة التحول"، مع ارتفاع درجة حرارة العالم، حيث تتجاوز عندها نظم الأرض عتبة تنطلق فيها تداعيات متعاقبة أو لا رجوع عنها.

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة