Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تسحر بوسترات المونديال قلوب المشاهدين؟

يعد شعار بطولة الولايات المتحدة الأفضل لأنه جاء وفق طابع احتفالي مظهراً الفرح والسرور

الملصق الرسمي لكأس العالم 2022 في قطر (أ ف ب)

لا شك أن الأغاني والموسيقى والأزياء ومظاهر الاحتفال التي تعرفها مونديالات كرة القدم غدت اليوم بمثابة تقليد عالمي يجعل كل الدول تتسابق فيما بينها وتتنافس من أجل تقديم فرجة بصرية وصناعة إشهارية وإنتاج موسيقي تستطيع من خلاله التأثير في كواليس المونديال وتلقيه من طرف المشاهد قبل بداية المباريات. فالغاية هنا تبقى ترفيهية واحتفالية بدرجة أولى تروم إلى جذب أنظار العالم حول هذا الحدث الرياضي الاستثنائي. لهذا نلاحظ مع كل مونديال ارتفاعاً كبيراً لمنسوب الأغاني وموسيقاها لحد أنها أصبحت أهم من المباريات أحياناً على مستوى تلقيها ومتابعتها، وذلك بسبب تأثيرها في الجماهير العالمية.

من الأغاني إلى البوستر

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل غدت الأغاني بمثابة صناعة موسيقية رائجة، وأضحى الفنانون في العالم يصدرونها تزامناً مع مباريات المونديال وكأس أفريقيا والألعاب الأولمبية، وغيرها، لكن إذا كان باقي الأنواع الرياضية الأخرى لم تحظ بهذا القدر أو ذاك من الاهتمام، كما هو الحال مع التنس أو الجري أو كرة السلة، فإن كرة القدم باعتبارها الأكثر شعبية في العالم سحرت عديداً من الفنانين العرب وجعلتهم ينسجون أغانيهم بالاستناد إلى حساسيتهم الجمالية تجاه هذه الرياضة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

وإذا كانت هذه العناصر الفنية تشكل منظومة فنية لإدراكاتنا البصرية، فإن بوسترات المونديالات غدت بالنسبة لـ"الاتحاد الدولي لكرة القدم" (الفيفا) مطلباً كبيراً لا يتم الاستغناء عنه، وذلك باعتبار أنها تعد أول خيط رابط بين المونديال وجماهير كرة القدم، إذ من خلالها يتعرف الناس على تفاصيل المونديال ومدى حرص البلد على العناية بالجانب البصري للمونديال، فكل الأهداف والأحداث والمشاعر والأحاسيس يتم نسيانها بعد الخروج من المباراة وانتهاء الحدث، باستثناء الأغاني والبوسترات التي تبقى في ذاكرة الناس وأحلامهم، لذلك لا تعد صناعة بوسترات المونديال صناعة هامشية بقدر ما هي مركزية في يوميات البلد منذ مونديال الأوروغواي عام 1930، وصولاً إلى مونديال قطر 2022.

بوستر قطر

يبرز الملصق الرئيس لكأس العالم 2022 الاحتفال بكرة القدم وشعبيتها الواسعة في أنحاء العالم العربي من خلال تصوير مكونين من غطاء الرأس التقليدي للرجال في قطر والمنطقة، وهما الغترة والعقال، يلوحان في الهواء مع كلمة "هيا". وفيما يصور الملصق الرئيس الغترة والعقال، تعكس الملصقات السبعة الأخرى مشاعر الحماس والإثارة المرتبطة باللعبة.
 
 
وبحسب بيان للاتحاد الدولي (فيفا)، "للمرة الأولى في تاريخ كأس العالم تشهد هذه النسخة من البطولة ابتكار مجموعة من الملصقات الرسمية التي من شأنها تعزيز أجواء الحماس والإثارة لدى المشجعين تجاه البطولة".

جماليات الصورة

وعلى رغم الإبدالات الفنية والجمالية التي رافقت سيرة البوسترات على مستوى الألوان والأشكال والخطوط والرسومات، فإن الأمر ظل يضمر في طياته مختلف التحولات التي طاولت مفاهيم الصناعة، والفن بشكل عام. فداخل كل شعار نعثر على مجموعة من الألوان الخاصة بكل بلد، كما أن أساليب التصوير تتغير من بوستر إلى آخر. فتارة نعثر على شعار عبارة عن خطوط وألوان بداخلها كرة، كما يتبدى ذلك في مونديال الأرجنتين عام 1978 ومونديال فرنسا عام 1998، ثم مونديال أميركا عام 1994. فهي تصميمات يطغى عليها النفس التجريدي الذي يحول البوستر إلى علامة بصرية يصعب تحليل ميكانيزماتها خارج السياق الرياضي الذي ظهرت فيه، لكن ما يجعل بوسترات مونديال فرنسا وأميركا وإيطاليا وألمانيا ضعيفة، أنها لا تخرج عن الجانب الدعائي أو الإشهاري، وذلك بما يجعلها أعمالاً فنية تعانق رحابة الإبداع والابتكار. إذ غالباً ما تم التعامل معها بكونها إعلانات إشهارية ذات علاقة بحدث رياضي، وإن تغيرت طبيعة هذه الرؤية في السنوات اللاحقة بعد ظهور "البوستر" كصناعة قائمة الذات داخل المؤسسات الرياضية. 
 
يقول الكاتب جمال حسن، "لم تتغير وظيفة الشعارات لإعلان البطولة على رغم تطور البث التلفزيوني واحتوائه على جميع العناصر المرئية اللازمة، فإن الشعار وملصقاته تتخذ حيزاً تعبيرياً كثيفاً، يشكل سجلاً في خزانة التاريخ لنمو الرياضة الأكثر شعبية".
 

 

صناعة فنية 

وعلى رغم أهمية الصورة التلفزيونية منذ بداية سبعينيات القرن الـ20 وما لعبته من دور كبير في التوعية ببعض القضايا، لم يستطع التلفزيون القضاء على شعارات المونديال، ولم يخف وهجها الأيقوني، إذ مع كل مونديال نلاحظ تطوراً كبيراً على مستوى الديزاين والمنطلقات الفنية والجمالية التي تؤسس شرعية هذا الشعار. فعلى المستوى الجمالي غالباً ما تم التخلي عن الرسم المباشر لصالح بهجة الألوان وأبعادها الدلالية، بعد أن أصبح الرهان على الجانب التخييلي. 
ولم يعد جمال البوستر ما تراه العين ويشعر به الجسد، ولكن ما تنسجه معه المخيلة من أفكار ودلالات تزيده عمقاً ووعياً في ذهن كل من يشاهده. وعلى رغم أن عديداً من الرياضيين يعدون أن بوستر مونديال أوروغواي عام 1930 يظل الأجمل على الإطلاق، بسبب ما اعتبروه بساطة في اللون ونضجاً في رسم الجسد وعدم الكشف عن ملامحه، لكن بالاستناد إلى مفاهيم النقد الفني يكتشف المتابع أن تصميم جيليرمو لابورد لا يقدم أي جديد يعول عليه، طالما يلجأ إلى عملية تجسيد لحارس المرمى وهو يهم بالتقاط الكرة في الزاوية 90. في وقت اعتمدت فيه بعض المونديالات على عملية تخييل مركزة من دون أي رسم تعريفي للبوستر، بحيث تجعل المشاهد يطلق العنان لمخيلته وتدعوه إلى السفر بروحه وعقله من خلال الأفيش ومدى كثافة صوره وارتفاع الجانب الرمزي فيه.
 

 

 
أما الجانب الإشهاري فقد تم التخلي عنه لصالح البعد الجمالي. هكذا تحول عديد من البوسترات بعد انتهاء المونديال إلى عمل فني باقٍ في ذاكرة المؤسسات. 
وتتميز بوسترات المونديال بطابعها التصويري المجرد الذي يحول حدثاً واقعياً إلى صورة تتخذ بعداً تجريدياً وذاكرة رمزية. فكل شعارات كأس العالم تحمل دلالات رمزية توحي بمظاهر الاحتفال الكروي، لكنها لا تقدم أي معلومة مباشرة عن المونديال.
من الإشهاري إلى الجمالي
تاريخياً، لا توجد فكرة واضحة المعالم والرؤى حول بداية صناعة البوسترات الفنية في العالم، فما هو متعارف عليه أن صناعة البوسترات تختلف من فن إلى آخر، فبوسترات المعارض تختلف عن الفيلم السينمائي، لكنها تجتمع في البعد الترويجي للمنتج الفني، غير أن ملصقات الأحداث الرياضية للمونديال تظل يطغى عليها الطابع الإشهاري الذي يحول الصورة إلى مختبر تختلط فيه الهواجس الدعائية بالتجارية والفنية بالرياضية. فإذا كانت ملامح البوسترات الرياضة يطغى عليها التكرار والارتجال أحياناً كما هو الحال في مونديال ألمانيا عام 2006 وكوريا الجنوبية واليابان عام 2002، فإن الملصق السينمائي يتميز بكثافة صوره وقدرته على الجمع في مساحة صغيرة بين الجانبين التجارب والفني.
ومع التراكم الكمي للفيلموغرافيا العالمية والتطور التقني المذهل الذي شهدته الشاشة الكبيرة، جعلت أغلب الملصقات ذات ميسم فني محترف، إذ غالباً ما يتجاوز فكرة الفيلم وتقديم شخصياته في الملصق، صوب صورة تضمر اشتغالاً جمالياً مكثفاً على مستوى مزج الألوان واستلهام المدارس الفنية والأساليب الجمالية ومزجها داخل بوستر مركب هو عبارة عن عمل فني أكثر من كونه ملصقاً تجارياً أو دعائياً. 
في سياق متصل، يقول الناقد السينمائي نديم جرجورة، "على رغم الأهمية القصوى للملصق السينمائي، تجارياً ودعائياً وترويجياً، فإن حضوره في المكتبة السينمائية العربية قليل، وحفظه من الضياع معقود على جهود فردية يقوم بها مهتمون أو مهووسون به، إضافة إلى ذلك، فإن النقدين السينمائي والفني لا يهتمان بالملصق، ولا يتابعان تطوراته وتحولاته، ولا يشتغلان على ارتباطه بالفيلم، ومدى قدرته على أن يكون فناً قائماً بذاته، إلى جانب دوره الترويجي - الدعائي".
أفضل بوستر
وإذا كانت هذه الملصقات/ الإعلانات/ الشعارات "عملاً فنياً" وصناعة جمالية لا يستهان بها، بخاصة أنها تبقى حاضرة في أذهان الناس ويمكنهم شراء نسخ منها على شكل صور فوتوغرافية، فإننا نعثر على هذه البوسترات وقد تحولت إلى رحاب المعارض الفنية، ويتم التعامل معها كأعمال فنية. 
 
 
 
ويعد شعار مونديال الولايات المتحدة 1994 أفضل بوستر على الإطلاق، كونه ظهر في مرحلة مفصلية من تاريخ أميركا بعد انتهاء حقبة الحرب الباردة (1947-1991) وما ترتب عنها من مشكلات سياسية واجتماعية، كان لها الأثر البالغ في نفوس الناس، بعد أن تم انقسام أوروبا بين معسكرين، حيث سيسقط الاتحاد السوفياتي ويخرج العالم بزعامة القطب الواحد الذي مثلته الولايات المتحدة الأميركية.
في هذا السياق، جاء بوستر الفنان والمصمم بيتر ماكس (1937) وفق طابع احتفالي أعطى فيه للألوان (الأصفر والأحمر والأخضر والأزرق) أهمية كبيرة لإظهار مظاهر الفرحة والسرور. 
ويصور البوستر لاعباً أميركياً وهو في وضعية ضربة مقص على علو يقترب إلى سماء زرقاء تحيط بها النجوم. وقد اعتبر عدد من نقاد الفن أن هذا الشعار يعد لوحة تشكيلية مميزة أكثر من كونه صورة إشهارية، بسبب ارتفاع حدة الإبداع على ملامح البوستر، كما أن الفنان حرص على عدم إظهار معلومات المونديال على تضاريس العمل حتى لا تؤثر على الجانب الجمالي للبوستر.
اقرأ المزيد

المزيد من رياضة