تأتي قمة مجموعة العشرين، التي تستضيفها مدينة بالي في إندونيسيا، خلال الفترة من 15-17 نوفمبر (تشرين الثاني)، في وقت يشهد العالم أزمات وتحديات عديدة. فمن حرب أوكرانيا وتداعياتها الاقتصادية جنباً إلى جنب مع تداعيات جائحة "كوفيد-19"، وصولاً إلى أزمة تغير المناخ والتنافس الأميركي - الصيني، تتجه الأنظار الأسبوع المقبل إلى تلك الجزيرة الواقعة جنوب شرقي آسيا لترقب ما ستسفر عنه اجتماعات ذلك المنتدى الدولي، الذي يشكل أعضاؤه 80 في المئة من إجمالي الناتج العالمي، فما مجموعة العشرين وما القضايا التي توليها الاهتمام؟
ما مجموعة العشرين؟
تشكلت مجموعة العشرين عام 1999 عقب الأزمة المالية الآسيوية لتوحيد وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في أكبر 20 من الاقتصادات الراسخة والناشئة في العالم.
تضم المجموعة تحديداً الاتحاد الأوروبي و19 دولة، وتدريجاً تطورت قمتها السنوية، التي تجمع زعماء دول المجموعة، إلى منتدى رئاسي لمناقشة الاستقرار الاقتصادي والمالي الدولي، إضافة إلى القضايا العالمية الملحة الأخرى، وأدت الاجتماعات الثنائية على هامش القمة في بعض الأحيان إلى اتفاقات دولية كبرى.
دول المجموعة هي، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا وكندا وأستراليا والسعودية وتركيا والصين واليابان والهند وإندونيسيا وكوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا والبرازيل والأرجنتين والمكسيك، كما دعيت إسبانيا وهولندا كضيفين دائمين في المجموعة.
وفق موقع قمة العشرين 2022 في بالي، تشكل تلك الدول مجتمعة نحو 80 في المئة من الناتج الاقتصادي العالمي، ونحو 75 في المئة من الصادرات العالمية و60 في المئة من سكان العالم.
وليس للمجموعة مؤسسة دائمة أو مقر أو موظفون، بل يتم تناوب قيادتها على أساس سنوي بين أعضائها، وتتخذ قراراتها بالإجماع، فيما يعتمد تنفيذ أجندتها على الإرادة السياسية لكل دولة.
وخلال الاجتماع السنوي لقادة المجموعة تجرى مناقشة القضايا الاقتصادية وتنسيق السياسات في شأن الأمور ذات الاهتمام المشترك والأزمات والقضايا الدولية.
أهمية العشرين
استجابتها القوية للأزمة المالية لعام 2008 كانت أحد أكثر إنجازات مجموعة العشرين إثارة للإعجاب، عندما وافقت دول المجموعة على إجراءات إنفاق قيمتها أربعة مليارات دولار لإنعاش اقتصاداتهم ورفضت الحواجز التجارية ونفذت إصلاحات بعيدة المدى للنظام المالي.
ومع ذلك، فإنه وفقاً لمجلس العلاقات الخارجية الأميركي (مركز أبحاث أميركي) فإن بعض المحللين يشيرون إلى أن تماسك المجموعة قد تلاشى تدريجاً منذ ذلك الحين.
ويقول ستيوارت باتريك الزميل السابق لدى المركز ومراقبون آخرون إنه على مدى العقد الماضي كافحت مجموعة العشرين لتحقيق نجاح مماثل لعام 2008 في أهدافها المتمثلة بتنسيق السياسات النقدية والمالية وتحقيق نمو أعلى واستئصال الفساد والتهرب الضريبي.
وجادل المحللان الجيوسياسيان إيان بريمر ونورييل روبيني بأن عالم "المجموعة صفر" (G-Zero)، كما سمياه، أخذ في الظهور بدلاً من ذلك المنتدى، إنه عالم تتجه فيه الدول وحدها أو تشكل تحالفات مخصصة لمتابعة مصالحها.
لكن عديداً من المراقبين يشيرون إلى أن عضوية مجموعة العشرين لا تزال تمثل ميزان القوى الدولي الحالي أكثر من تكتلات الدول التي تشكلت في وقت سابق، مثل مجموعة السبع التي كانت قبلاً مجموعة الثماني، لكن تم تعليق عضوية روسيا عام 2014 إلى أجل غير مسمى بعد ضمها شبه جزيرة القرم.
ولهذا السبب، وصف باتريك صعود مجموعة العشرين خلال عام 2008 بأنه لحظة فاصلة في الحوكمة العالمية، وجادل بأن المجموعة كانت المنتدى الأنسب للتعامل مع تحديات جائحة "كوفيد-19".
قضايا للنقاش
في حين يمثل التنسيق الاقتصادي والمالي المحور الأساسي في جدول أعمال قمم العشرين، لكن قضايا مثل مستقبل العمل والإرهاب والصحة العالمية تحضر أيضاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأصبحت الأجندات الأوسع أكثر شيوعاً في العقد الذي أعقب الأزمة المالية العالمية، عندما تمكنت مجموعة العشرين من تحويل انتباهها إلى ما هو أبعد من إدارة الأزمة الاقتصادية، وباتت تناقش بشكل أساسي قضايا مثل تغير المناخ والطاقة المستدامة وإعفاء الديون الدولية وفرض الضرائب على الشركات المتعددة الجنسيات.
شهدت القمم الأخيرة انقساماً بين دول المجموعة للتوصل إلى إجماع موحد في شأن عدد من الأمور، حيث تستمر مصالح الاقتصادات ذات الدخل المرتفع والمنخفض في التباعد.
كما شكلت جائحة "كوفيد-19" اختباراً كبيراً للمجموعة، التي انتقدها مراقبون لفشلها إلى حد كبير في تجاوز "السياسات الوطنية غير المنسقة".
ومع ذلك، وافقت دول مجموعة العشرين على تعليق مدفوعات الديون المستحقة لها على بعض أفقر دول العالم، حيث قدمت مليارات الدولارات في شكل إعفاء.
انقسام ومنافسة
بصفتها مضيفة عام 2022، سعت إندونيسيا إلى تأطير جدول الأعمال حول ثلاث ركائز لسياسة الاقتصاد الكلي بعد تفشي الجائحة، وهي الهندسة الصحية العالمية والتحول الرقمي والانتقال نحو الطاقة المستدامة.
ومع ذلك يقول بعض المراقبين إن حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا والمخاوف من المواجهة النووية قد تهيمنان على المداولات وتعرقلان الإجماع حول قضايا أخرى.
وانتهت اجتماعات وزراء خارجية المجموعة في يوليو (تموز) الماضي من دون بيان مشترك بسبب الخلافات حول حرب أوكرانيا، حين انسحب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من المحادثات إثر انتقادات غربية لبلاده.
ويحذر مراقبون من مزيد من الانقسام في ظل المنافسة الاستراتيجية التي تزيد التوترات بين الولايات المتحدة والصين، والحرب الروسية ضد أوكرانيا حيث تتردد أصداء حرب باردة جديدة محتملة، فضلاً عن السياسات الاقتصادية المتباينة التي قد تزيد من تفاقم الفجوات بين الاقتصادات المتقدمة والبلدان الناشئة والنامية.
ويوصي مراقبون بأن تولي مجموعة العشرين في قمتها المقبلة أولوية للتوترات الجيوسياسية، فتقول لورا فون دانييلز رئيس قسم الأبحاث الأميركية لدى المعهد الألماني للشؤون الأمنية والدولية، إن القادة الأوروبيين والولايات المتحدة بحاجة إلى التركيز على المخاوف الأمنية التي تلوح في الأفق في شأن استخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا.
وتضيف أنه يجب أن تكون أولوية التحالف الغربي إقناع الرئيس الصيني شي جينبينغ بممارسة ضغط كاف على نظيره الروسي فلاديمير بوتين لمنعه من تجاوز هذا الخط الأحمر، ولكي يكونوا مؤثرين سيتعين على القادة الأوروبيين تنحية خلافاتهم الحالية جانباً حول أنسب نهج لسياسة الاقتصاد والطاقة.
إعلان باندونغ
لكن في إندونيسيا، يعتقد روس ريزال دوميري المدير التنفيذي لمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، أنه يجب تركيز القمة على مناقشة التحديات العالمية، مثل الأمن الغذائي والتحول الرقمي وانتقال الطاقة.
ويقول دوميري إنه يجب على الرئيس جوكو ويدودو إبقاء النقاش حول القضايا الجيوسياسية عند الحد الأدنى مع تأكيد أهمية التعاون، فيما تتمثل المهمة التالية في ضمان استمرار مناقشة القضايا المهمة خلال رئاسة الهند المجموعة العام المقبل والبقاء ناشطاً كواحد من قادة الترويكا لمجموعة العشرين، إذ يجب أن تعيد إندونيسيا روح إعلان باندونغ لعام 1955، عندما وافقت 30 دولة في آسيا وأفريقيا، كانت في الغالب أقل نمواً في ذلك الوقت، على إعلان عدم الانحياز خلال الحرب الباردة وتعزيز التعاون.
وفيما يتوقع دوميري ألا تسفر قمة بالي عن أي إعلان، فإنه يؤكد ضرورة رفع روح التعاون واستمرارها خلال السنوات المقبلة. ويقول إن الحرب في أوكرانيا والتوترات الجيوسياسية المتزايدة بأماكن أخرى تجعل التنسيق شبه مستحيل، ومن ثم يحتاج العالم إلى التعاون أكثر من أي وقت مضى لمكافحة الأخطار المتزايدة للأزمات، من التضخم إلى انعدام الأمن إلى خطر الركود الاقتصادي، لكن مواجهة التحديات أكثر صعوبة في سياق التنافس الجيوسياسي.
والخميس، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الصيني شي جينبينغ سيلتقيان 14 نوفمبر في بالي بإندونيسيا، على هامش قمة مجموعة الـ20، وسط توتر حاد بين القوتين العظميين.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان- بيار في بيان إن الرئيسين اللذين سيعقدان أول لقاء لهما وجهاً لوجه منذ انتخاب بايدن رئيساً، سيبحثان طريقة إدارة الخصومة بين الصين والولايات المتحدة "بشكل مسؤول" من خلال محاولة "العمل معاً حيث تتلاقى مصالحنا".