Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"عصر ذهبي" للمرأة المصرية أم للعنف ضدها؟

186 جريمة في حق النساء خلال شهرين ومراقبون: "ثقافة المجتمع ما زالت تضعها في مركز التابع"

أكد الدستور المصري حق المرأة في التمثيل النيابي من خلال التعديلات الدستورية التي أقرت عام 2019 (أ ف ب)

بين خطاب رسمي شديد الاهتمام بقضاياها وممارسات عنيفة ضدها تبدو متكررة في المجتمع تقع المرأة المصرية في حيرة حيال تقييم أحوالها.

آخر جرائم العنف ضد المرأة التي شغلت الرأي العام المصري الاعتداء الذي طاول مها المعروفة إعلامياً بعروس الإسماعيلية بعد أن تقدمت ببلاغ للنيابة العامة تتهم زوجها بالاعتداء عليها بالضرب وإصابتها بجروح عدة في وجهها، وحبسها في غرفة لمدة 15 يوماً.

مها أدلت بتصريحات صادمة في شأن الاعتداءات التي تعرضت لها من زوجها وأسرته منذ إتمام الزواج قبل ثمانية أشهر فقط، والذي كان حديث المصريين أيضاً حين تم تداول فيديو للعريس وهو يضرب عروسه في الشارع لأنها تأخرت عند "الكوافير" لمدة ربع ساعة.

خارج منزل الزوجية ظهر العنف أيضاً في واقعة مقتل نيرة أشرف الطالبة في جامعة المنصورة أمام أبواب الجامعة على يد شاب رفضت الزواج به، لكن مها ونيرة ليستا الوحيدتين، فقد رصدت مؤسسة "إدراك" للتنمية والمساواة، وهي إحدى منظمات المجتمع المدني، وقوع 186 جريمة عنف ضد النساء والفتيات خلال شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين، ووصفت ذلك بالارتفاع الصادم وغير المتوقع في عدد هذه الجرائم.

عنف متصاعد

وأوضح التقرير المستند إلى ما ينشر على المواقع الإخبارية المصرية بجانب بيانات المكتب الإعلامي للنائب العام المصري أن من بين تلك الجرائم 50 جريمة قتل، والعدد نفسه من جرائم الابتزاز المالي والجنسي، فيما وقعت ثماني جرائم شروع في قتل على يد فرد من أفراد الأسرة أو زوج حالي أو سابق، وبلغت وقائع الضرب الأسري 16 واقعة تسببت في كسور وجروح وحروق للضحية إلى جانب سبع وقائع اغتصاب، و16 بلاغاً عن جرائم تحرش جنسي، وبلغ مجموع جرائم العنف الأسري ضد النساء 75 جريمة خلال أول شهرين من العام الحالي، كما تم رصد 21 واقعة انتحار وتسع محاولات للانتحار ذكر أن السبب وراءها عنف ومشكلات أسرية.

وبمقارنة تلك الأرقام بالتقرير الصادر عن المنظمة نفسها لإجمالي الحالات في العام الماضي يلاحظ ارتفاع كبير في معدلاتها، حيث سجلت 813 جريمة عنف ضد المرأة على مدار عام 2021، و415 عام 2020، في مقابل 186 جريمة خلال شهرين فقط من العام الحالي.

اللافت أن نحو ربع السيدات يوافقن على تحمل الضرب، إذ أشار استطلاع رأي أعده "مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار" التابع لمجلس الوزراء المصري في فبراير 2020 إلى أن 22 في المئة من السيدات يوافقن على تحمل الضرب والتغاضي عنه لـ"صالح البيت"، وترتفع النسبة بين الذكور إلى نحو 27 في المئة.

تمكين سياسي

تلك المؤشرات تسير في الاتجاه المعاكس لأخرى متعلقة بنسب مشاركة المرأة سياسياً وحكومياً. فعلى الصعيد الحكومي شهدت السنوات الماضية تعيين ما يقرب من ثماني وزيرات في الحكومة، وهو أعلى معدل تمثيل نسائي في تاريخ الحكومات المصرية، وحالياً يبلغ عددهن ستة من بين 33 وزيراً، بجانب تعيين أول مستشارة لرئيس الجمهورية للأمن القومي بعد غياب 40 عاماً، وأول امرأة في منصب محافظ، وأول نائبة لمحافظ البنك المركزي، وإسناد رئاسة هيئة النيابة الإدارية (جهة قضائية) لسيدة، كما تم تعيين القاضية رضوى حلمي في مارس (آذار) الماضي بالمحكمة الإدارية في ما يعرف بـ"مجلس الدولة" للمرة الأولى في تاريخ مصر، بعد عقود من المطالبات والدعاوى القضائية.

كما أكد الدستور المصري حق المرأة في التمثيل النيابي من خلال التعديلات الدستورية التي أقرت عام 2019، وزادت نسبة تمثيل المرأة في البرلمان إلى ما لا يقل عن 25 في المئة، مما زاد من عدد السيدات في مجلس النواب إلى 162 بدلاً من 90 مقعداً في المجلس السابق.

ترى عضو مجلس النواب السابقة مارجريت عازر أن الدولة المصرية بذلت جهوداً كبيرة لتمكين المرأة وترسيخ وجودها في جميع المناصب الحكومية والقضائية التي لم تنلها إلا خلال السنوات الأخيرة، مضيفة لـ"اندبندنت عربية" أن المرأة المصرية تعيش "عصرها الذهبي"، وقفزت قفزات كبيرة في مجال حصد حقوقها المسلوبة عبر عشرات السنوات.

فكر ذكوري

أطلقت الحكومة المصرية "الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة 2015- 2020" التي تضمنت تنمية الوعي العام وتطوير وتفعيل التشريعات المناهضة للعنف ضد المرأة، وتوفير الدعم الصحي والنفسي والاقتصادي للمعنفات، وإتاحة مراكز الاستضافة لهن، إلى جانب دعم النساء قانونياً. وكذلك تم تبني استراتيجية وطنية لمناهضة ختان الإناث (2016-2020) بهدف خفض معدلات ممارسة الظاهرة، وإحداث تغيير ثقافي واجتماعي داعم لحقوق المرأة وتعزيز التوعية ضد تلك الممارسة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن عدم انعكاس ذلك على التصرفات المجتمعية ترجعه عازر إلى أن "الثقافة الذكورية ما زالت تسيطر على المجتمع المصري"، مؤكدة أن تغير ثقافة المجتمع باتجاه المرأة سيأخذ خطوات أكبر وسنوات أطول نسبياً لجني ثمار الإصلاح.

وأشارت إلى أن غالبية المجتمع في مصر ينظر للمرأة باعتبارها أقل من الرجل وعليها العيش في كنفه بسبب بث الجماعات المتطرف أفكاراً مغلوطة في هذا الشأن داخل عقول المصريين.

وأضافت عازر التي شغلت سابقاً عضوية "المجلس القومي للمرأة"، أنه كان من المفترض بالمؤسسات الدينية وغيرها بث روح المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات، موضحة أن ثقافة الإعلاء من قيمة الذكور على الإناث متداخلة حتى مع السيدات أنفسهن، فتجدهن يربين أبنائهن بطريقة مختلفة فيها تقدير أكبر للذكور على الإناث، واصفة ذلك بأن "الستات بيظلموا نفسهم" بالتفرقة في المعاملة بين الجنسين.

تغيير الثقافة

وأشارت عازر إلى ضرورة تضافر جميع المؤسسات الدينية والمجلس القومي ووزارة التعليم وغيرها لتغيير ثقافة إعلاء الذكور داخل المجتمع على حساب الإناث، موضحة أنه يجب مشاركة المرأة المصرية في تغيير تلك الثقافة لأن شعورها بالدونية تجاه الرجل أحد أسباب نشر مثل تلك الأفكار الغريبة داخل المجتمع للانتقاص من حقوقها.

وحول الحاجة إلى تعديلات تشريعية رادعة تحمي السيدات، أوضحت عازر أن مصر تمتلك حزمة تشريعات قوية لحماية المرأة من أي أشكال عنف قد تمارس ضدها، مضيفة أن "السنوات الماضية شهدت زيادة العقوبات في عدد من القوانين، لكننا نحتاج إلى تغيير الثقافة أولاً لجني ثمار هذه القوانين، وبعض الجهات المنوط بها تطبيق القانون تنفذه من دون اقتناع".

منذ عام 2014 شهدت التشريعات القانونية عديداً من التعديلات التي اعتبرت مكسباً لحقوق المرأة، حيث تضاعفت عقوبة التحرش إلى الحبس لمدة لا تقل عن عامين في حال كان مرتكبها لديه سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليها، في أول خطوة قانونية لتوفير "بيئة عمل آمنة" للنساء في مصر.

كما تم تغليظ عقوبة ختان الإناث لتصل إلى السجن سبع سنوات، واستحداث عقوبة لكل من طلب ختان أنثى تصل إلى السجن لمدة ثلاث سنوات، إلى جانب النص على حبس كل من يمتنع عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث، وهو القانون الذي يمس قضية عدم منح المرأة ميراثها بسبب بعض العادات بخاصة في الصعيد بجنوب مصر.

مقاومة مجتمعية

لكن تلك القوانين والإجراءات الحكومية تواجه بمقاومة من ثقافة المجتمع، فبحسب المحامية المعنية بشؤون المرأة مها أبو بكر فإن "انتشار العنف ضد المرأة داخل المجتمع المصري هو حصاد لتراجع كبير في تشكيل وجدانه عبر فترة تصل إلى 50 عاماً منذ منتصف السبعينيات، وانتشار أفكار مستوردة من دول مجاورة لا علاقة لها بثقافة المجتمع المصري مثل تعدد الزوجات"، موضحة أنه حتى ثورة 30 يونيو (حزيران) عام 2013 كانت الأفكار المتطرفة تسيطر بشكل كبير على ثقافة المجتمع المصري وسط تراجع الوعي نتيجة غياب الدور الثقافي والفني.

وترى أبو بكر أن الأمر المبشر هو إيمان المرأة المصرية بأحقيتها في المساواة التي بدأت تطالب بها، بعد أن كانت تفضل الصمت لعقود طويلة، مشيرة إلى أن المرأة في المجتمع المصري حالياً بدأت تؤمن بنفسها وتمتلك الشجاعة لتعبر عنها بكل قوة. 

المزيد من تحقيقات ومطولات