تترقب أسواق المال والأعمال رد فعل الجنيه والاقتصاد المصري على استمرار البنك الفيدرالي الأميركي (المركزي) في دورة التشديد النقدي، مما دفع إلى رفع أسعار الفائدة، الأربعاء الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني)، بمقدار 75 نقطة أساس للمرة السادسة على التوالي، لتصل معدلات الفائدة إلى أربعة في المئة، وهو المعدل الأعلى منذ يناير (كانون الثاني) 2008 في ظل توقعات استمرار تحريك الفائدة خلال الفترة المقبلة، مما يلقي بتداعياته السلبية على اقتصادات دول العالم وفي المقدمة منها اقتصادات الدول الناشئة ومن بينها مصر.
وقد رفع الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس للمرة السادسة لتصل معدلات الفائدة إلى أربعة في المئة وهو أعلى معدل منذ يناير 2008. وفي تلك الأثناء، حرك البنك المركزي المصري أسعار الفائدة بمقدار 500 نقطة أساس، ما يعادل الخمسة في المئة منذ بداية 2022 خلال ثلاثة اجتماعات كانت المرة الأولى عقب اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية في فبراير (شباط) الماضي بنحو واحد في المئة قبل أن يعاود التحريك في مايو (أيار) الماضي بنحو اثنين في المئة، بينما كانت المرة الأخيرة في 27 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، محركاً أسعار الفائدة بنحو اثنين في المئة .
وخلال العام الحالي أعقب البنك المركزي المصري رفع أسعار الفائدة بخفض قيمة الجنيه مقابل الدولار الأميركي حتى وصل إجمالي الخفض إلى نحو 55 في المئة منذ بداية 2022.
ونشب خلاف بين المحللين بشأن تأثر الجنيه المصري سلباً بتحركات أسعار الفائدة على الدولار الأميركي، ولكنهم اتفقوا على أن التداعيات السلبية ستكون أكثر قسوة على الاقتصاد المصري إذا ما استمر "الفيدرالي الأميركي" على نهج التشدد النقدي في الفترة المقبلة.
تأثير محدود في الوقت الحالي
وقال المحاضر في الجامعة الأميركية، هاني جنينة، إن "تأثير قرار الفيدرالي، الأربعاء، محدود على الجنيه المصري في الوقت الحالي"، مستدركاً أن "القلق على مستقبل الجنيه يتعلق بتلميحات رئيس الفيدرالي الأميركي، جيروم باول، عقب قرار الأربعاء باستمرار دورة التشدد النقدي وعدم توقفها، مما يعني استمرار رفع أسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة لمكافحة مستويات التضخم المرتفعة في أميركا". ويلفت جنينة إلى أن "استمرار التشدد النقدي سيكون له انعكاس سلبي على الاقتصاد والجنيه المصري في الفترة المقبلة"، موضحاً أن "التأثير المباشر سيكون في إمكانية تدبير مصر تمويلات بالعملة الصعبة عند طرح سندات دولية في ظل ارتفاع الفائدة على الدولار". واستبعد جنينة عودة الأموال الساخنة (استثمارات الأجانب في أدوات الدين السيادية المصرية) في المستقبل القريب نظراً إلى ارتفاع الفائدة على الدولار الأميركي لأعلى مستوى منذ 14 عاماً، مشيراً إلى أن "البنك المركزي المصري سيضطر مع استمرار الفيدرالي في دورة التشدد النقدي إلى رفع أسعار الفائدة، مما يضيف أعباء جديدة على الموازنة العامة للدولة التي تتحمل فوائد الديون".
في غضون ذلك، أكد رئيس الاحتياطي الفيدرالي خلال مؤتمر صحافي، الخميس، عقب قرار تحريك أسعار الفائدة استمرار دورة التشدد النقدي لمواجهة معدلات التضخم، متوقعاً مزيداً من قرارات رفع الفائدة وتشديد السياسة النقدية لبعض الوقت، خلال الفترة المقبلة، مشيراً إلى أنه "عندما يكون التضخم مرتفعاً لـ18 شهراً، فليس لدينا أي طريقة علمية واضحة لفهم إلى أي مرحلة سيكون التضخم مسيطراً في الاقتصاد". أضاف أن "الفيدرالي يستهدف بشكل أساسي خفض التضخم إلى اثنين في المئة"، قائلاً "نحن ملتزمون القيام بهذا الأمر".
في تلك الاثناء، ارتفع معدل التضخم السنوي في أميركا في سبتمبر (أيلول) الماضي، مسجلاً نحو 8.2 في المئة مقارنة بـ8.3 في المئة في أغسطس (آب) 2022، وفقاً لبيانات مكتب إحصاءات العمل الأميركي.
لا تأثير لعدم ارتباط الجنيه بالدولار بشكل قوي
من جهتها قالت النائبة السابقة لرئيس "بنك مصر" سهر الدماطي إن "رفع الفيدرالي الأميركي الفائدة (الأربعاء) لن يكون له تأثير في سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، بسبب عدم ارتباط مصر بالعملة الأميركية بشكل قوي، خصوصاً في ظل توجه القاهرة إلى استحداث مؤشر جديد للجنيه المصري يضم سلة من العملات بجانب الذهب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في غضون ذلك، أعلن محافظ البنك المركزي المصري حسن عبدالله عزم مصرفه إطلاق مؤشر جديد للجنيه المصري مقابل سلة من العملات والذهب وغيره قريباً، معتبراً أنه "من الخطأ ربط البعض العملة المحلية بالدولار، خصوصاً أن أميركا ليست الشريك التجاري الأول لمصر". وجاء ذلك في تصريحات على هامش المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في العاصمة الإدارية شرق القاهرة في أكتوبر الماضي.
من جانبه، قال المتخصص في شؤون المصارف ماجد فهمي إن "رفع (الفيدرالي) معدلات الفائدة لن يكون له تأثير مباشر أو في الوقت القريب في سعر صرف الجنيه، ولكن هذه الخطوة ستزيد من مخاوف دخول العالم في حالة ركود اقتصادي"، مضيفاً أن "رفع واشنطن الفائدة سيعزز من قوة اقتصادها لكبح معدل التضخم وجذب أكبر حصيلة من المستثمرين الأجانب لديها، مما يؤثر سلباً في باقي دول العالم ومن بينها مصر".
رفع كلفة الديون والاقتراض
ويقول مدير "مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية" عبدالمنعم السيد إن "ارتفاع أسعار الفائدة بشكل عام هو ضد الاستثمار الأجنبي المباشر، إذ إن ارتفاع المعدل يرفع كلفة الاستثمار والاقتراض عبر البنوك لتدبير التمويل اللازم لضخ استثمارات جديدة أو حتى التوسع في الاستثمارات القائمة". ويضيف أن "زيادة معدل الفائدة الأميركية سيكون لها تأثير في الأسواق العالمية وخصوصاً اقتصادات الدول الناشئة ومن بينها قطعاً مصر"، متوقعاً تأثيراً سلبياً في القاهرة.
ويعتقد أن "ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية يزيد من أعباء الاقتراض بالدولار الأميركي، سواء من المؤسسات المالية الدولية أو بطرح سندات دولية بالعملات الأجنبية، ومعه تتزايد الديون، مما يضغط على ميزان المدفوعات في ظل نقص وشح العملة الأميركية فتهبط قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي، في ظل اتباع سعر صرف مرن منذ الأسبوع الأخير من أكتوبر الماضي".
يضيف أن "من أبرز سلبيات ارتفاع الفائدة الأميركية هو ارتفاع فاتورة الاستيراد من الخارج بسبب التضخم"، ناصحاً الحكومة بتقليل عمليات الاستيراد قدر المستطاع أو الاستيراد بعملات أخرى بعيداً من الدولار.
وطالب مدير "مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية" الحكومة المصرية بتوخي الحذر وعدم التوسع في الاقتراض من الخارج سواء قروض مباشرة أو طرح سندات دولية حتى انتهاء الربع الأول من عام 2023.
وهبط الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي بأكثر من 50 في المئة منذ مارس (آذار) الماضي بعدما تراجع من 15.5 مقابل كل دولار في نهاية فبراير 2022، ليسجل الخميس في البنوك المحلية نحو 24.28 جنيه مقابل كل دولار.
في غضون ذلك سجل الدين الخارجي لمصر نحو 155.7 مليار دولار في نهاية يونيو (حزيران) 2022 مقارنة بـ157.8 مليار دولار بنهاية مارس 2020، وفقاً لبيانات البنك المركزي المصري.