Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف نجا متحف "معرة النعمان" من معارك الشمال السوري؟

كوادره مع الأهالي أخفوا أكثر من ألفي قطعة أثرية تحت الأرض

يعد "معرة النعمان" ضمن أشهر ثلاثة متاحف متخصصة بفن الفسيفساء في العالم (اندبندنت عربية)

تحكي الأسطورة عن طائر "الفينيق" أنه يعيد إحياء نفسه بعد احتراقه ليولد من جديد وينهض من الرماد، هكذا عاد أيضاً متحف معرة النعمان بشمال غربي سوريا من نيران الحرب لينجو بما يحتويه من لوحات فسيفسائية تغوص في أزمان غابرة مليئة بحكايات وأساطير.

من ركام الحرب انتفض هذا المبنى ونفض عن جسمه الحجري العتيق غبار المعارك وآثارها بعد أن بقيت جاثمة على صدره لعقد من الزمن، إذ ظلت جدرانه الشاهد الحي على أعتى وأشرس المعارك المصيرية في ريف إدلب الجنوبي بعد تضرر أقسامه من هول القذائف وبارود المعارك، ليعاود من جديد فتح أبوابه.

ويعد "معرة النعمان" ضمن أشهر ثلاثة متاحف متخصصة بفن الفسيفساء في العالم، كما تفيد المعلومات الواردة من مديرية السياحة في إدلب عن زيارة مئتي سائح أجنبي للمتحف، وتحول المكان إلى ورشة عمل لإعادة اللوحات واللقى والتيجان الأثرية لتزين جدرانه وأروقته وفنائه الواسع. وبعد أن زاره وفد يمثل منظمة اليونيسكو للثقافة والتراث العالمي، تدور مفاوضات حثيثة لإيفاد فريق متخصص للمشاركة بترميم القطع الأثرية التي طالها التخريب.

يقول معاون مدير عام المديرية العامة للآثار والمتاحف همام سعد لـ"اندبندنت عربية" إن متحف معرة النعمان يعد من أعرق المتاحف، لما فيه من مقتنيات ولوحات جدارية ضخمة تعود إلى اكتشافات من مختلف أنحاء البلاد، جمعت قبل عقود طويلة وعرضت بالمتحف". ويردف "لعل الاكتشاف الأخير في مدينة الرستن بمحافظة حمص، وسط سوريا، حالة استثنائية، فهي لوحة نادرة وفريدة من نوعها يمكن أن يستمر استكشافها وبناء متحف خاص بها في المكان ذاته".

حماية المتحف من الدمار

مشهد المتحف الضخم بين الخرائب والأنقاض لا يزال يتذكره العاملون الذين يلملمون ما استطاعوا من الحجارة المبعثرة في كل مكان جراء النزاع المسلح، كذلك أسهم المجتمع المحلي في نجاة نجا متحف الفسيفساء بأعجوبة، على مدار سنوات الحرب التي اندلعت منذ عام 2011، وتستكمل الآن دائرة الآثار جرد القطع واللقى والمقتنيات بعد أن نقلت إلى مكان آمن ووضعت بمستودعات حيث أخفت ما يقرب من ألفي قطعة أثرية خوفاً عليها من السرقة والتدمير.

ونجحت كوادر المتحف والدائرة الأثرية المتخصصة مع مجموعات أهلية في إبعادها عن آلة الحرب والحفاظ على إرث حضاري وأثري لا يقدر بثمن، بل ولا يعوض. وأعلن مدير عام الآثار والمتاحف في سوريا نظير عوض تضرر قطعتين نتيجة استهداف المبنى، بينما خبئت القطع تحت الأرض.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبالعودة إلى زمن سيطرة "هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً) على المدينة عام 2019 ظل المتحف يتبع المجلس المحلي وقبلها حاول مثقفون من أبناء المدينة حمايته واعتبروه الملاذ الأخير لهم، وتحييده عن الصراعات العسكرية والسياسية الدائرة.

وعلى رغم كل الصعوبات التي واجهتهم فقد ثبت المتحف، وباتت تحميه الستائر الترابية، حاله حال البشر في وجه كل الاعتداءات، لكن الأمر لم يكن بهذه البساطة. يروي الباحث الأثري والمدير السابق للمتحف أحمد غريب "لقد تحطمت اللوحات المعروضة برواق المتحف وتأثرت بالشظايا، إضافة إلى معروضات الخزائن التي تحطمت نتيجة ارتدادات القذائف".

ولادة هرقل أشهر اللوحات

وتعد لوحة فسيفساء هرقل من أبرز الأعمال الفسيفسائية التي تجسد النزعة الكلاسيكية المثالية في الفن السوري القديم من خلال العناية بتصوير الأشكال على نحو واقعي يمثل أفضل القيم الجمالية في الشكل الإنساني، مستقاة من التراث الإغريقي، وقد اكتشفت في مدينة حمص بحي الأربعين في عام 1987، ويعود تاريخها إلى أواخر القرن الثاني وبداية القرن الثالث الميلادي.

لوحة هرقل تصوره وهو بالمهد يصارع أفعواناً صنيعة هيرا، حيث كان دأبها وهي زوجة زيوس، قتل كل نسل لزوجها من غيرها، لتحتفظ بالألوهية لأولادها، لذا أخرت ولادة هرقل ليلة واحدة، ليولد إيفكليس قبله، ووضعت الأفاعي في المهد لقتل هرقل، غير أن الصفات الإلهية التي يمتلكها الطفل، والتي اكتسبها من والده زيوس، مكنته من إمساك الأفاعي وخنقها، في وقت هرعت والدته ألكمين إلى سحب طفلها إيفكليس خوفاً منها، وحين هب الجميع لإنقاذ هرقل فوجئوا بنجاته وانتصاره.

لقد دشن متحف معرة النعمان في عام 1987، وهو بناء أثري يسمى خان مراد باشا، ويتميز بمساحته الشاسعة وردهاته وأقسامه الكبيرة، وبني في القرن الـ16 الميلادي، ويتوسط المدينة، ويقابله تمثال نصفي لشاعر المدينة أبي العلاء المعري الذي قطع رأس النصب التذكاري على يد أحد المتعصبين في الأحداث الأخيرة.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات