كنتيجة للارتفاع السريع الذي شهدته أسعار السجائر في مصر، بدأ المدخنون في جنوب البلاد استخدام مضغة التبغ المجفف، التي تشبه طريقة تناولها إلى حد كبير "القات اليمني"، ويجري تناولها من قبل الأهالي بوضع قطع منها تحت اللسان أو اللثة لما تحتويه من خام النيكوتين المركز، ويكثر الإقبال عليها بسبب أسعارها الزهيدة مقارنة بعبوات السجائر التقليدية.
وعلى رغم انتشار المضغة في محافظات صعيد مصر من سوهاج وحتى أسوان، إلا أن كثيرين في الشمال لا يعرفون عنها شيئاً، كما لاحظت "اندبندنت عربية" بعض الإشاعات الصحية التي يعتقدها من يتناولونها حول كونها غير ضارة صحياً لأنها بلا دخان.
نبذة عن المضغة الصعيدية
يقول الباحث في تراث جنوب مصر بجامعة جنوب الوادي رضوان أبو المجد "يأتي نبات التبغ الخام المستخدم في المضغة من السودان منذ القرن الـ17، وزاد انتشارها في أغلب القرى بالقرن الـ18، وزحفت إلى محافظات الشمال، حتى اهتم محمد علي باشا حاكم ومؤسس مصر الحديثة بزراعة التبغ وهو نبات المضغة إلا أن جودته كانت رديئة، ثم انتشرت السجائر المستوردة داخل القطر المصري وتراجع انتشار المضغة وانحصرت في محافظات الصعيد القريبة من السودان، وبات يطلق عليها كيف الصعايدة".
أضاف أبو المجد "يجري تناول نبات مضغة التبغ بعد تجفيفه، بوضع قطع صغيرة منه تحت اللسان أو الشفة لمدة لا تقل عن ربع ساعة، حتى يذوب النبات بشكل كامل ومن ثم استحلاب عصارة مادة النيكوتين المركزة به، وتشبه المضغة إلى حد كبير نبات القات اليمني في طريقة التناول، إلا أنها غير مخدرة، كما تزايد الإقبال عليها لأسعارها الزهيدة بعيداً من قفزات أسعار التدخين السريعة".
وشهدت الأسواق المصرية ارتفاعات وقفزات متتالية في أسعار السجائر، في الأصناف المحلية والمستوردة على السواء، والتي قدرت طبقاً لتقارير رسمية من جنيه واحد إلى ثلاثة جنيهات للعلبة الواحدة، وبلغ سعر علبة أغلب السجائر المستوردة نحو 50 جنيهاً مصرياً (2.54 دولار) بينما بلغ سعر علبة أغلب السجائر المحلية 22 جنيهاً مصرياً (1.119 دولار)، وذلك خلال شهر سبتمبر الماضي (أيلول).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتأمل الحكومة المصرية في وصول إجمالي الضرائب على السجائر إلى 86.4 مليار جنيه خلال عام 2022 – 2023، مقابل 78.8 مليار جنيه مع نهاية العام المالي الجاري بقيمة نمو تقدر 9.6 في المئة بحسب البيان المالي الرسمي للموازنة الصادر عن وزارة المالية المصرية.
وذكر الرئيس التنفيذي لإحدى شركات الدخان المحلية هاني أمان لـ"اندبندنت عربية" أن "سبب ارتفاع أسعار السجائر يرجع إلى قفزات سعر الدولار مما انعكس على ارتفاع أسعار الوقود والنقل والشحن والعمالة، الأمر الذي تطلب زيادة حتمية".
من جهتها، قالت مديرة إدارة مكافحة التدخين بوزارة الصحة سحر لطيف إنه مع ارتفاع أسعار السجائر، زاد الإقبال على تناول مضغة نبات التبغ المجفف على مستوى الأرياف بقرى محافظات صعيد مصر، بدافع التوفير على رغم الأضرار الصحية الجسيمة التي تسببها المضغة، ويجهلها أغلب من يتناولها".
أسعار المضغة وطقوسها
عبد الرحيم المطاعني، متناول وبائع للمضغة بمركز إسنا بجنوب الأقصر، المركز الأكبر في توريد المضغة في إقليم جنوب الصعيد، يقول إن "أسعار المضغة في متناول الجميع فهي تباع بالكيس أو الباكو أو ما يطلق عليه الوزنة بخمسة جنيهات فقط تكفي لاستهلاك المضغة بكثرة على مدار ثلاثة أيام، وتباع لدى العطارين داخل القرى والبقالات لكثرة الإقبال عليها، وعشرة جنيهات تسد استخدام فرد واحد لمدة أسبوع".
وأضاف أن "انتشار تناول المضغة لا يقتصر على الرجال فحسب بقرى محافظات صعيد مصر، بل تقبل عليها النساء أيضاً"، وعن طريقة تناولها أوضح المطاعني "توضع كمية قليلة من نبات المضغة المجفف أسفل اللسان أو تحت الشفة السفلى أو العليا لمدة ربع ساعة لامتصاص عصارة النيكوتين الجاف من نبات التبغ، وعادة ما يجري تناولها صباحاً ومساء عقب الوجبات، علانية بلا خجل، فهي نبات لا تحظر الدولة تجارته ولا تناوله ولا يتسبب في غياب العقل والوعي كالقات اليمني، ويحرص متناولوه على وضعه في جراب مع بعض قطع الحلوى والسكر".
وأشار المطاعني إلى أن "المضغة موجودة في أغلب الدول الأفريقية لكن قد تتغير التوليفة الخاصة بها، فبعض الأفارقة يضعون الحبهان والبن والتوابل المختلفة معها، ومن طقوسها أنه يجري تناولها عقب الوجبات وبعد استحلاب عصارة النيكوتين الخام بها لمدة ربع ساعة يجري بصقها، مع تناول قطع من الحلوى للقضاء على مرارة النيكوتين في الفم.
أضرارها
كشف أستاذ أمراض الصدر والحساسية محمد مصطفى متولي أن "للمضغة أضراراً جسيمة وبالغة الخطورة على متعاطيها، فهي تتسبب في أمراض مثل الربو والفشل الكلوي المزمن وسرطان الفم واللثة وقرح المعدة وتصلب الشرايين".
وأضاف متولي أن "أغلب من يتناولون المضغة يظنون أنها بلا أضرار لكونها بلا دخان كالسجائر وليست مخدرة كالحشيش أو الأفيون، لكن أضرارها تفوق أضرار السجائر والشيشة مجتمعة، كما لها رائحة كريهة تثبت في الفم لفترة طويلة كما تدفع المضغة خلال تناولها للبصق بشكل مقزز ومتكرر بسبب مرارة عصارة النيكوتين، الأمر الذي يسيء للشكل العام لمن يتناولها أمام الناس". وطالب بضرورة إطلاق قوافل طبية وتثقيفية للتحذير من مخاطر المضغة الصحية على متناوليها حرصاً على سلامة المواطنين.