Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجهاز السري للإخوان... من إرث الحشاشين إلى عباءة ستالين

سنثيا فرحات توثق في كتاب يصدر قريباً الأصول الفكرية والتنظيمية التي حكمت النزعات العنفية عند الجماعة وتفرعاتها

من محاكمات الإخوان المسلمين في مصر (غيتي)

كثيرة جداً هي الكتب التي صدرت في شأن الإخوان المسلمين خلال العقود السابقة، غير أن هذا الكتاب المثير والذي يكشف جوانب أكثر إثارة عن تلك الجماعة، يعد عملاً فريداً، لا سيما وأنه يحوي بجانب السرد والتحليل، توثيقاً كاملاً للأبعاد الخفية الخاصة بالجهاز السري للجماعة، وطرائق عمله، ولهذا يحمل عنوان: "الجهاز السري/ الإخوان المسلمون وصناعة الموت".

الكتاب الذي يصدر قريباً عن دار Bombardier Books، يحمل توقيع مؤلفته المصرية الأصل، الأميركية الجنسية، سنثيا فرحات، المهاجرة إلى الولايات المتحدة منذ عقدين، والتي أولت قضية الإسلام السياسي الكثير من جهودها، ودافعت طويلاً عن الدولة المدنية، كما أظهرت كارثية الدعم الأميركي لهذه الجماعة.

الحقيقة التي تعيد سنثيا أول الأمر تأكيدها، موصولة بكون جماعة الإخوان المسلمين، الحاضنة العالمية للتوجه العنفي الإسلاموي الحديث، عطفاً على كونها أخطر جماعة متشددة معاصرة، فهي التي أفرخت جماعات مصرية تلوثت أياديها بالدماء مثل "التكفير والهجرة"، و"الجماعة الإسلامية"، وجماعة "الجهاد الإسلامي" المصرية.

لم يتوقف المد الإرهابي للإخوان ـ بحسب الكتاب ـ عند الداخل، بل تم تصديره إلى الخارج، كما الحال مع جماعة "أنصار الشريعة في ليبيا"، وجماعة "التوحيد والجهاد في الأردن"، وبالقدر نفسه، جماعة "طلائع الفتح" ذات الفروع في دول عدة، ثم "حماس" في فلسطين، وصولاً إلى الشرين الأعظمين، "القاعدة" و"داعش".

التقريب والتقليص

ما الذي يحويه كتاب سنثيا فرحات؟

حكماً الذي يميز هذا العمل، هو القدر الكبير من الأسماء والتواريخ والأحداث، والعديد من الحقائق الدقيقة الأخرى، والتي كانت خافية عن أعين المتابعين، والكاتبة تدعم أحاديثها بوثائق مصرية وأميركية وبريطانية، جميعها تميط اللثام عن الوجه الحقيقي للإخوان.

تهتم الكاتبة في طرحها بإظهار العلاقات الماورائية للجماعة الإخوانية، بل والسياقات التاريخية التي تأثرت بها في نشأتها، ومن أخطرها وفي مقدمها، جماعة "الحشاشين"، التي ظهرت ما بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر الميلادي.

حاولت جماعة الإخوان وربما لا تزال، تتبع منهج التقريب الذي سارت عليه جماعة الحشاشين، والقائم على تقريب وتقليص الاختلافات الفقهية، بين الشيعة والسنّة، والهدف من وراء ذلك، تأسيس دولة الخلافة الموحدة، ومن ثم إعلان الجهاد العالمي ضد بقية "الكفار المشركين" ولو كانوا بقية العالم.

ومن الواضح أن سنثيا فرحات قد التقت في بحثها عند إعداد الكتاب مؤرخين وثيقي الصلة بجماعة الإخوان، لا سيما الكاتب المصري ثروت الخرباوي، أحد أعضاء الجماعة قبل أن ينشق عنها، والذي زودها بقصص مبكرة جداً عن علاقة الإخوان بإيران في النصف الأول من القرن العشرين.

على سبيل المثال تؤكد أن مرشد الثورة الإيرانية الأول، الخميني، التقى حسن البنا في مصر أواخر الثلاثينيات، ولاحقاً في ستينيات القرن الماضي، وفيما هو حبيس في سجون الشاه، قام بترجمة كتب سيد قطب والبنا، ولاحقاً جعلها مناهج تعليمية في مدارس الحرس الثوري، بل أكثر من ذلك، إذ أن شعار "الإسلام هو الحل"، الذي رفعه الإخوان في ممارساتهم السياسية المستترة، لم يكن سوى شعار طبعه وروج له خامنئي نفسه.

لهذا لم يكن غريباً أن تقف جماعة الإخوان بجانب إيران في حربها ضد العراق في ثمانينيات القرن المنصرم، كما تدعم الجماعة البرنامج النووي الإيراني.

وترى سنثيا أن التعاون الإخواني الإيراني، أحد أخطر العلاقات وأكثرها تعقيداً، في عالم السياسة الدولية والإرهاب العابر للحدود.

يهتم كتاب الباحثة فرحات بإيضاح ما خفي عن أعين العوام، بخصوص الجهاز السري، المكلف بتنفيذ العمليات ذات الطابع العنفي، والهيكلية الفكرية التي نشأ عليها، وعندها أن البنا عاد بنظره بعيداً إلى جمال الدين الأفغاني، والذي تعتبره مؤسس المشروع الحركي، والشخصية الأكثر أهمية في بلورة رؤية تقدم خليطاً من فكرة المجتمعات السرية الغربية، والدعوة الإسلاموية السرية، وبهذا يكون البنا قد قدم "كياناً موازياً لحركة الحشاشين في القرن العشرين".

 

بين هتلر وستالين

على أي أساس حركي أنشا البنا جهازه السري داخل جماعة الإخوان المسلمين، هل على أساس رؤى هتلر والنازية، أم على قواعد جوزيف ستالين الشمولية؟

هذه الجزئية تميز كتاب الباحثة فرحات بنوع خاص، وهي ترى أن البنا تأثر بستالين أكثر.

تحتاج هذه النقطة إلى إلقاء الضوء على ما لم تقله فرحات في مؤلفها على أهميته، وهو العلاقة بين هتلر وبين حسن البنا، وكيف تلاعب النازي، قبل الأميركيين بجماعة الإخوان المسلمين، ووضعت خطة لإنشاء ما يسمى الفيلق الإسلامي، يقوم البنا بتجميع صفوفه والتي قدرت وقتها أي في أوائل الأربعينيات بنحو خمسين ألف متطوع عربي مسلم من كل الأقطار، ليكونوا لاحقاً نواة للجماعة التي تخلص العالم من الشرور.

لكن وعلى رغم ذلك، تميل فرحات إلى أن البنا وقع تحت سحر وجاذبية ستالين، وإن شئت الدقة قل وحشيته أكثر من هتلر، ومنه نقل أفكار القوة المحلية والدولية، ونموذجه للشيوعية الأممية، وهو المذهب الذي تمضي وراءه جماعة الإخوان حتى الساعة.

لم يكن ستالين وحده النموذج المثالي لا سيما للتنظيم السري للإخوان، ذلك أنها اغترفت من كافة الجماعات الشمولية والتيارات التوتاليتارية، إضافة للغوص في بحار الجماعات الغامضة تاريخياً، من عند البنائين الأحرار، مروراً بديكتاتوريات عالمية كالقيصر فيلهلم الثاني، ودعايته للحرب العالمية الأولى، وفي النازية تحديداً توقفت الجماعة كثيراً عند "كتيبة العاصفة" أو الـ S.A وبذلك أضحت جماعة الإخوان، وفي القلب منها الجهاز السري، آلة قتل اختلطت فيها تأثيرات الحشاشين وستالين والبنا معاً.

تظهر فصول الكتاب أن أخطر جماعة إرهابية في العالم لا تختبئ في كهوف "هندوكوش"، في جبال أفغانستان، ولا في "الصحراء الممتدة"، شمال أفريقيا، بل تعمل اليوم من داخل الولايات المتحدة الأميركية، وقد أقسم أعضاؤها على "الجهاد الأبدي"، ضمن خطة "المئة عام لتدمير الغرب"، الركن الرئيس في المشروع العالمي للإخوان المسلمين.

عن الدور الأميركي

يطرح الكتاب قضية مهمة للغاية ويمكن إجمالها في علامة الاستفهام التالية: "هل وقعت الولايات المتحدة الأميركية في جب الإخوان المسلمين وفخهم؟".

يحتاج الجواب إلى دراسة قائمة بذاتها، لكن وفي كل الأحوال نشير إلى أن طرح "لاهوت الاحتواء" للأخوين دالاس، والذي هدف لحصار الشيوعية من خلال تشجيع الحركات الإسلاموية عالمياً، مثل حصان طروادة للإخوان لاختراق الداخل الأميركي، شعبياً وحكومياً، وتأسيس حضور إخواني داخل المؤسسات العلمية والتعليمية ناهيك عن الإعلامية والسياسية.

تبدو خطيئة الولايات المتحدة الكبرى في عيون ثقات التحليل الاستراتيجي الأميركي، أنها استبدلت نهجها السياسي الذي نجح في مواجهة الفاشية والنازية في النصف الأول من القرن العشرين، والمعروف بـ "استراتيجية القوة لضمان السلام العالمي"، بنسق آخر اتبعه الألمان والعثمانيون، وهو توظيف "مرتزقة جهاديين" لتنفيذ سياسات فاسدة.

بدأ الأمر من عند أيزنهاور الذي التقى في البيت الأبيض ضمن قيادات إسلامية عالمية، سعيد رمضان، صهر حسن البنا، ولم ينته المشهد بدعم الجهاديين في أفغانستان، لا سيما وأن زمن ما سمي الربيع العربي، كان خير دليل على التواصل الأميركي الإخواني حتى الساعة.

ساهمت السياسات الأميركية خاصة والأوروبية عامة التي دعمت الإخوان في مقتل الآلاف وتشريد الملايين كما الحال مع النظام الإخواني السابق في السودان، أما عن أفغانستان فحدث ولا حرج.

ما المطلوب من واشنطن بحسب سطور الكتاب وخلاصته النهائية؟

تقطع سنثيا فرحات بأن سياسات الغزل الأميركي على خيوط الإخوان لن تفيد بل ستتسبب في خسائر فادحة للأميركيين قبل الآخرين، وعليه فإنه على واشنطن تجريم جماعة الإخوان المسلمين من خلال تصنيفها منظمة إرهابية حتى تحمي أمنها ومن أجل ازدهار الحرية دولياً.

مثل هذا الإجراء لن يؤدي إلى توضيح هوية العدو فحسب، بل سيساعد أيضاً في التمييز الجوهري بين المسلمين والإسلامويين، فإما أن تكون مع الغالبية العظمى من المسلمين، وكل فرد مسالم على وجه الأرض، وإما أن تكون مع الإخوان المسلمين، ومشروعاتهم المخضبة بالدماء في الحال والاستقبال.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"الإخوان" يفندون الاتهامات

غير أنه وعلى الجانب الآخر تطفو أصوات تعتبر أن قصة التنظيم السري هي في أحسن الأحوال وليدة مخيال أمني حكومي عربي، وفي أسوئها، أنها كانت مرحلة عمرية زمنية في تاريخ الجماعة، وأنه لم يعد لها وجود اليوم... كيف ذلك؟

في العام 2010 صرح مهدي عاكف المرشد العام السابق للإخوان المسلمين لتلفزيون دولة إيطاليا الرسمي RAI بأنه كان من الرعيل الأول الذي انضم صغيراً إلى جماعة الإخوان المسلمين، وأنه قضى جل عمره ضمن صفوف الجماعة، ومع ذلك لم يسمع يوماً واحداً، عن فكرة تنظيم خاص يقوم على عمليات عنف، على العكس فإن الجماعة تحرم الدم.

إضافة إلى ذلك، فإن مهدي عاكف، أشار إلى أن الجماعة كانت حريصة على الوجود الإيجابي والخلاق في كافة الأنشطة الحياتية للمجتمع المصري، وبنوع خاص في مجال الرياضة والآداب والفنون، فقد عملت على تكوين الفرق الرياضية من أجل صحة أجساد شبابها، ثم إقامة المهرجانات الخطابية، ومسابقات القراءة والاطلاع، وكلها أنشطة علنية، لا تحتاج إلى السرية بأي حال من الأحوال، ويؤكد أن أعداء الإسلام هم من روجوا لمثل هذه الفرية.

يتفق مع المرشد الراحل مهدي عاكف في الرأي، الأمين العام السابق لحزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن، الشيخ حمزة منصور، والذي أكد أكثر من مرة أنه لا يوجد هناك أي تنظيم سري داخل جماعة الإخوان المسلمين.

ولعله من نافلة القول إن حزب جبهة العمل الإسلامي، ليس سوى فرع جماعة الإخوان في الأردن، كما أن حماس هي فرع الإخوان المسلمين في فلسطين.

تصريحات الشيخ منصور، جاءت رداً على دعوة مجموعة أطلقت على نفسها جماعة "الأربعين" لعقد مؤتمر قالت إنها ستكشف فيه حقيقة التنظيم السري.

وبدوره يعتقد الشيخ منصور، أن التيارات الليبرالية والعلمانية التي لا تحمل للإسلام الخير، هي من يقف وراء ترويج تلك الإشاعات، عطفاً على دور الحكومات العربية، ذات المسحة القومية، والتي ناصبت الإسلاميين العداء.

 والشاهد أنه كما وجدت باحثة أميركية مثل سنثيا فرحات، تكيل الاتهامات لجماعة الإخوان، طفا على السطح أسماء باحثين غربيين آخرين، قللوا كثيراً من فكرة وجود تنظيم يحث على العنف، بين صفوف الإخوان المسلمين.

من بين هؤلاء يأتي البروفيسور الهولندي، يواس فاخيماكرز، المتخصص في دراسات التيار السلفي في جامعة أوترخيت، وقد أصدر هذا العام كتاباً حمل عنوان "الإخوان المسلمون/ الأيديولوجية، والتاريخ والأحفاد".

في هذا العمل يدافع بصورة لافتة عن جماعة الإخوان المسلمين، من خلال تقديم قدر كبير من المعلومات عنها، بمسحة مضادة لما حملته وتحمله الأقلام في العالم العربي، بعد زمن الربيع العربي بنوع خاص.

فاخيماكرز، يرى أن الإخوان جماعة ديمقراطية، وبراغماتية متنوعة، وأنها طورت أيديولوجيتها وتكتيكاتها، من أيديولوجية عنيفة في مرحلة مبكرة إلى أخرى سلمية معاصرة.

وينحو في أفكاره إلى أن علاقة الإخوان بالعنف، قد توقفت منذ ستينيات القرن الماضي، وعوضاً عن اتباع تعاليم سيد قطب ذات المسحة المليئة بالعنف، يمضون وراء تعاليم وممارسات المستشار حسن الهضيبي السلمية.

يحاجج البروفيسور الهولندي، بأن خلق هالة من الأساطير حول علاقة الجماعة بالعنف، وفكرة العمل السري، لا يمكن أن تكون مقبولة اليوم بحال من الأحوال، ومرد ذلك أن الجماعة بات الضعف يعتريها، كما يسودها الانقسام، ولم تعد تشكل مؤامرة على أي طرف من الأطراف، سواء المحلية أو الإقليمية وكذا الدولية.

وما بين توجه سنثيا فرحات عن التنظيم السري للإخوان وبين نفي وجوده، يبقى المجال مفتوحاً لأسئلة وإجابات غالب الظن أنها لن تتوقف عما قريب.

المزيد من كتب