Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد تصنيفها "إرهابية"... من يملأ فراغ جماعة الإخوان في مصر؟

الدولة تلعب دوراً كبيراً في الجانب الخدمي عبر مبادرات ضخمة وفراغ ديني متنازع عليه

مقر جماعة الإخوان المسلمين المحترق بالقاهرة 1 يوليو 2013 (أ ف ب)

على مدى عقود من الزمن تغلغلت جماعة الإخوان في المجتمع والنسيج المصري عبر العمل الخيري والديني، ببناء المساجد والمستوصفات ودور المناسبات، سواء للأفراح أو الأتراح، ومعسكرات الأشبال ورحلات الشابات، والأسر الطلابية في الجامعات والمعاهد، لكن كل ذلك تبخر في سلسلة أحكام صادرة عن المحاكم المصرية باعتبار الإخوان جماعة إرهابية.

وبعيداً من أحكام المحاكم وأوضاع التنظيم تركت جماعة الإخوان فراغاً كبيراً لا يشعر به إلا تلك الملايين التي كانت تستفيد منها وتتعامل معها باعتبارها أسلوب حياة، هذا الفراغ يلقي بظلال يصفها البعض بـ"الوخيمة"، حيث قطاع عريض من المصريين كان يعتبرهم "ماما" التي تطعمهم و"بابا" الذي يظللهم بالعلاج والتنشئة والتعليم وفرص العمل والحضن الدافئ الذي يمنحهم قوى روحانية، حيث "الإسلام هو الحل"، وقيمة معنوية ومكانة اجتماعية وأيديولوجيا تعطي إحساساً بالقوة والأهمية عبر الشعار الرنان "الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن شريعتنا، والجهاد سبيلنا، والشهادة أسمى أمانينا".

أسمى أمانينا

أسمى أماني قاعدة مليونية من المصريين هذه الآونة إكمال ملء الفراغات، فعائلات بأكملها في قرى ومناطق شعبية كانت تعتمد على "الجماعة" في تدبير أمور حياتها اليومية، عبر حزمة من الخدمات مقابل "خدمة" واحدة ألا وهي أن تدين وجميع أفرادها للجماعة بالولاء.

ولاء قطاعات من المصريين للجماعة جاء عبر عقود طويلة من مقايضة مموهة تتخذ أسماء عديدة مثل "خيرية" و"خدمية" و"إغاثية" وبلغة أكثر شعبية "أعمال تبذل في سبيل الله" مقابل الولاء والطاعة من قبل قاعدة المستفيدين، التي أخذت في التوسع والتمدد وتوريث الولاء والطاعة للأبناء والأحفاد.

الحفيد الذي ولد ونشأ وتعلم وتلقى العلاج وتوظف وتزوج في مدينة صغيرة واقعة تحت إمرة إخوانية خدمية منذ عقود يجد الحياة غريبة المذاق هذه الآونة. فالمستوصف "الخيري" أغلق أبوابه وأصبح متحفظاً عليه، والمدرسة الممولة من قبل الجماعة باتت تحت الإشراف المالي والإداري للدولة، ومساعدات الشاي والسكر والزيت التي كانت تتلقاها أسرته ومن قبلها أسرة والده وقبلها جده، لم تعد موجودة.

توريث الولاء

في سلسلة مقالات منشورة على موقع "الإخوان المسلمون" المحظور في عدد من الدول، ومنها مصر، تحت عنوان "الإخوان في مواجهة الأزمات والكوارث: تاريخ من التكافل المجتمعي"، جاء أن "الإخوان هم الذين أسسوا خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات شبكة واسعة من المؤسسات الخيرية، التي تقدم خدمات صحية وتربوية وثقافية ودينية ومساعدات اقتصادية لفئات واسعة من المواطنين، وبخاصة في الأحياء والمناطق الفقيرة، مما سمح بخلق ارتباطات مصلحية بين الجماعة وتلك الفئات".

وأضافت المقالات أن "هذه الأنشطة المتمثلة في شبكة المؤسسات التربوية والصحية والاجتماعية، التي تقدم خدماتها مجاناً، أو بمقابل رمزي لقطاعات من المواطنين، وخصوصاً في الأحياء المتوسطة والفقيرة بالمدن والقرى أسهمت في توسيع قاعدة التأييد السياسي للجماعة".

وأشارت إلى أن العلاقة بين النظام والجماعة في مرحلة التسعينيات اتسمت بالتوتر، "لأن الجماعة على الرغم من كونها محجوبة عن الشرعية القانونية والرسمية استطاعت أن تحقق نمطاً آخر من أنماط الشرعية يمكن تسميتها بـ(الشرعية المجتمعية) أو (الشرعية الخدمية) أو (شرعية الإنجاز)، وهي شرعية مكتسبة من إنجاز خدمات صحية ونقابية وتعليمية وتكافلية لشرائح المجتمع المصري، لذلك اكتسبت شرعية غير رسمية، وهي الشرعية التي تطورت تطوراً جوهرياً في سياق تدهور شرعية نظام مبارك في المجتمع المصري". هذه الشرعية قامت على أكتاف البنى التحتية "الخيرية".

نوستالجيا الخدمات

البنية التحتية للجماعة من مستوصفات ومستشفيات ومراكز تحفيظ القرآن والمدارس وقاعات الأفراح الإسلامية والمساعدات العينية والمادية للمقبلين على الزواج وغيرها لم تعد موجودة، لكن الولاء ما زال موجوداً، لا سيما حين يكون مصحوباً بـ"نوستالجيا" الخدمات والحنين إلى ملء الفراغات.

الفراغات المتروكة على مدى السنوات القليلة الماضية، وتحديداً منذ عام 2013 حيث انتهاء حكم الجماعة وتقليص وتقويض بناها التحتية، التي تركت على مدى عقود ماضية تتمدد في طول البلاد وعرضها، تطل برأسها بين الحين والآخر.

آخر ما كان يمكن توقع حدوثه في مصر على مدى عقود طويلة هو حجم المبادرات والبرامج الحكومية، التي يتم تدشينها من أجل إحداث نقلة نوعية في حياة ملايين المصريين ممن رقصت الجماعة على عوامل فقرهم وعوزهم وسوء أحوالهم على مدى عقود.

 

فمن مبادرة "حياة كريمة"، التي تعمل على التخفيف عن كاهل المواطنين في المجتمعات الأكثر احتياجاً بالريف والمناطق العشوائية في الحضر عبر أنشطة خدمية وتنموية مختلفة، إلى "صندوق تطوير المناطق العشوائية" الذي يعمل منذ عام 2014 للقضاء على العشوائيات ونقل سكانها إلى مناطق آمنة سكنياً واجتماعياً وعدد المستفيدين الكلي يقدر بنحو 22 مليون مواطن مصري أي نحو خمسة ملايين أسرة.

وكذلك برنامج "تكافل وكرامة" القائم على فكرة التحويلات النقدية المشروطة لتوسيع مظلة الأمان الاجتماعي، وغيرها كثير من المبادرات والمشروعات التي خرجت فعلياً من حيز الأوراق والتصريحات إلى الشارع وأرض الواقع.

لكن الواقع يشير إلى أنه على الرغم من ذلك فإن أمارات نوستالجيا موجودة لدى قاعدة شعبية من المصريين اتخذت من "الجماعة" أسلوب حياة، بعد أن باتت ما يمكن تسميته بمؤسسات الجماعة من مدارس ومعاهد ومستشفيات وجمعيات خيرية وغيرها، خاوية على عروشها، وقلما يلتفت إليها أحد هذه الآونة.

قوانين عرفية إخوانية

البنى الفوقية هي الأيديولوجيات التي تهيمن في مكان ووقت ما، وأبرزها الأفكار السياسية والقوانين والمنظومات الأخلاقية والدين والثقافة التي تسود. وقد سادت بالمجتمع المصري منظومة قواعد وقوانين عرفية "إخوانية" تركت تهيمن حتى باتت ثقافة وأطلقت يدها حتى أصبحت أسلوب حياة.

حياة المصري ليست قائمة بالطبع على اقتصاد الإخوان أو جمعياتهم ومؤسساتهم "الخيرية"، لكنها اعتادت هذا المكون في تفاصيلها اليومية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واقع الحال على مدى سنوات يشير إلى أن الجماعة نجحت في مصر على مدى عقود من توظيف هذا "الغطاء الخيري" لكسب ولاء الطبقات الأكثر احتياجاً.

ويخبرنا التاريخ الحديث أن المساومة في ضمان هذا الولاء مقابل الخدمات الانتخابية لم تكن صعبة أو متطلبة لجهد جهيد، لا سيما أن حزمة "الغطاء الخيري" صحبتها صكوك دينية تضع المنتفعين في مكانة دينية، ومن ثم ثقافية واجتماعية أكثر تميزاً وتفرداً من غيرها من غير المنتمين أو المتعاطفين مع الجماعة، وهذه نقطة جذب كبيرة ولا مجال للمنافسة فيها إلا من قبل الجماعات السلفية والتكفيرية.

ولم يتوقف تمدد الجماعة في المجتمع المصري عند هذا الحد، بل وصل إلى الفئات والطبقات الأعلى قليلاً أو كثيراً من خط العوز، وهو ما أكسب الجماعة قوة أكبر، لكن هذه المرة معتمدة على صكوكها الدينية أكثر من صكوكها الغذائية والعلاجية والتعليمية والتوظيفية والترفيهية.

مقايضة الدعم بالولاء

الباحث في شؤون الإسلام السياسي ماهر فرغلي قال لـ"اندبندنت عربية" إن "الإخوان أسسوا مشروعاتهم الخدمية والاجتماعية كلها بغرض أهداف تتعلق بالاستقطاب والتجنيد، وأن تكون البوابة الخلفية للتنظيم، لذلك المشروع المقدم للفقراء مثلاً كان يتم حساب مكسب الاستقطاب والولاء في مقابل خسارة المال جيداً. حتى دورهم في النقابات المهنية، مثل الأطباء والمهندسين وغيرهما، وتقديم خدمات وأنشطة لمساعدة الأعضاء كان بغرض التوغل والتمكين والاستغلال، وليس حباً فيهم أو في الخير".

وأضاف أنه "لم يكن هناك بديل لهم من حيث الخدمات والدعم في ظل نظام الرئيس السابق الراحل محمد حسني مبارك، لكن الفراغ المتروك يطرح نفسه هذه الآونة، مثلاً الجمعية الشرعية كانت لها مدارس ومعاهد ومستوصفات وخدمات تساعد بها الفقراء بشكل كبير جداً، كل هذا تم إغلاقه بعد إنهاء حكم الإخوان، أو تم وضعه تحت رقابة وإدارة جهات حكومية، مثل وزارة التضامن الاجتماعي، التي تقوم بتشغيلها وإدارتها، لكن من دون مكون المساعدات المادية المباشرة التي كانت الجماعة تقدمها للمحتاجين لمقايضة المال بالولاء، كما تم منع صناديق التبرعات التي كانت مفتوحة على مصاريعها بتمويل هذه المشروعات والمساعدات وبنود أخرى من أنشطة الإخوان".

خيرية من دون صكوك دينية

ويرى الكاتب والمتخصص في شؤون الإسلام السياسي وائل لطفي أن الجهات الرسمية في مصر أيقنت عقب عام 2013 بالحاجة إلى ملء الفراغ الاجتماعي والخيري والخدمي، الذي تركته مؤسسات الجماعة وجمعياتها التي كانت أداتها الرئيسة في الانتخابات والوجود المستمر بين المواطنين، وهي ما أضفت الشرعية الاجتماعية والشعبية لوجود الإخوان في الشارع على مدى سنوات طويلة، "فهم الناس الطيبون الذي يقدمون خدمات صحية وتعليمية ومالية وغذائية للغلابة من دون مقابل".

أشار لطفي في تصريح لـ"اندبندنت عربية" إلى أن الحاجة إلى استمرار الدور الخيري الذي تلعبه تلك الجمعيات، لكن بشرط أن يرأسها أشخاص يؤمنون بالدولة الوطنية وليس بالجماعة، ومن دون الرداء الديني والأيديولوجي الذي كانت تتلحف به. وقال إن أبرز من يلعبون هذا الدور في ملء الفراغ الاجتماعي الخيري وإلى حد ما الديني مفتي مصر السابق علي جمعة.

يشار إلى أن جمعة يرأس مجلس أمناء "مؤسسة مصر الخير"، التي تعمل في ستة مجالات أساسية هي: التكافل الاجتماعي والتعليم والصحة والبحث العلمي ومناحي الحياة والتنمية المتكاملة.

 

وعلى الرغم من أنها أسست في عام 2007، أي قبل وصول الإخوان للحكم في عام 2012، فإن وجودها ومجالات عملها وسبل دعمها قويت كثيراً في السنوات القليلة الماضية.

وأضاف لطفي أن "مبادرات وبرامج أخرى تم تدشينها لمساعدة المواطنين الأكثر احتياجاً مثل "تكافل وكرامة"، لكن عن طريق الدولة وليس الجماعة، وهناك كذلك تحالف العمل الوطني، الذي تم تدشينه حتى يتم تنظيم العمل الأهلي تحت مظلة واحدة، وحتى لا تعمل الجمعيات الأهلية والتنموية في جزر منعزلة".

ولفت إلى أن "كثيراً من هذه الجمعيات كانت تعمل في المجتمع المصري منذ سنوات طويلة تم ترتيب عملها وتوجيهه صوب المسار التنموي مع تنظيم منظومة التبرعات التي تتلقاها. وكل هذه المشروعات تعمل على تعويض الفراغات التي نجمت عن غياب كيانات الجماعة".

مشروعات قومية بديلة

وقال فرغلي إن البدائل التي طرحتها الحكومة المصرية تأتي في صورة مشروعات قومية كبرى، وليس المشروعات الصغيرة التي كانت تخاطب الفقير في بيته بطريقة مباشرة ومعها صك الإيمان والجنة، وهو ما تسبب في صدمة أو شعور بالفراغ الإيماني، وبالطبع المادي المباشر لدى كثيرين.

وأشار إلى أن المشروعات القومية الكبرى تحدث نهضة عظيمة جداً على مستوى مصر، لكن تبقى هناك طبقة كبيرة من الفقراء المصدومين والذين استيقظوا ذات صباح ليجدوا حفنة الجنيهات وكرتونة الشاي والسكر والزيت وصك الجنة والإيمان التي كانوا يحصلون عليها على مدى 30 أو 40 سنة وقد تبددت في الهواء.

ويرى فرغلي أن "السلفيين" يحاولون جاهدين حالياً ملء هذا الفراغ بكل السبل، لكنهم ليسوا بالقدر نفسه من حنكة الإخوان، فالجماعة تدفع بميليشيات إلكترونية وقادة إعلاميين وكتاب وأكاديميين يغردون ويدونون وينشرون "تأكيدات" بعدم قدرة أي جهة على ملء فراغهم في العمل الخيري، الذي "كان لوجه الله ورسوله والمؤمنين"، ونثر أجواء التشكيك في الميول الإيمانية الحالية للنظام، والتمليح بأن الدين في خطر، والمتدينين في فوهة مدافع الكفر والفسق، وتصوير محاولات رسمية تتم على استحياء لخفض أصوات مكبرات أصوات المساجد أو تنظيم اعتلاء المنابر أو السماح ببناء الكنائس باعتبارها مخططات منظمة لهدم إسلام المصريين.

وسط بين رذيلتين

إسلام المصريين في سبعينيات القرن الماضي، وبدعم من نظام الرئيس الراحل محمد أنور السادات، تم تطعيمه بـ"الوسط بين رذيلتين"، على حد قول وائل لطفي.

وأوضح لطفي أن دور جماعة الإخوان تصاعد بشكل واضح وصريح في المجتمع خلال سبعينيات القرن الماضي، بعد أن عرضت نفسها باعتبارها وسطاً بين رذيلة التطرف العلماني من جهة، ورذيلة التطرف الجهادي والتكفيري من جهة أخرى.

وأشار إلى أن الجماعة نجحت في طرح نفسها إبان حكم الرئيسين السادات ومبارك على أنها الحل الأمثل للنظامين لترفع عنهما مشقة الاعتناء بالمشكلات الاجتماعية والثقافية وخطر انضمام الشباب للجماعات الدينية المسلحة والعنيفة، وتخفيف الحمل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لفئات عريضة من المجتمع، على أن يترك النظام للجماعة وأفرادها بحبوحة الحركة والعمل والدعوة.

نجحت هذه الصيغة لعقود طويلة إلى أن تم كشف الوجه الحقيقي للجماعة وأهدافها وغايتها التي اتضح أنها "الحكم غايتنا والجلوس على مقعد السلطة أسمى أمانينا".

وقال لطفي إن كشف الإخوان عن وجههم الحقيقي أدى إلى قناعة بأن الفراغ السياسي الناجم عن غياب الإخوان ربما من الأفضل الإبقاء عليه مغلقاً لبعض الوقت بحساب المكسب والخسارة على مستوى مصر بلداً وشعباً.

فراغ ديني متنازع عليه

إذا كان الفراغ السياسي الناجم عن غياب الجماعة تم ملأه إلى حين بإغلاق المجال العام أو بالتصدي الأمني أو بالتوعية الشعبية أو كل ما سبق، فإن الفراغ الدعوي أو الديني الذي نجم عن غياب الإخوان يحوم في الأفق بشكل واضح، لأن النزاع عليه متعدد الأطراف.

فبينما تبذل الجماعات السلفية جهوداً ضارية لكسب أرضية كانت تقتسمها مع الإخوان بشكل أو بآخر، هناك من المصريين من يقفون على طرفي نقيض في هذا الفراغ تحديداً. قلة من المصريين من المؤمنين بضرورة الفصل بين الدين والدولة والاكتفاء بما "أهدر" من وقت في محاولة الترويج والإبقاء على الدولة المدنية نصف نصف، حيث هي بالاسم مدنية، لكن بالقلب والعقل دينية، كانوا يعتبرون الفراغ الذي تركته الجماعة في الشارع المصري فرصة ذهبية لملئه مدنياً، لكن الأكثرية تقف للأقلية بالمرصاد.

ليس هذا فقط، بل يلمح البعض أن جانباً من مؤسسات الدولة الدينية الرسمية تعارض هذا النوع من الملء، وتفضل ملئه من قبلها. يشار إلى أن بعض الخبثاء يلمحون إلى هوى إخواني لدى البعض في هذه المؤسسات.

وقال لطفي إن "ملء الفراغ الديني يحدث بعد 30 يونيو (حزيران) 2013 عبر تدعيم العناصر الأزهرية كما كان الحال في يوليو (تموز) عام 1952. الضباط الأحرار استندوا في يوليو 1952 إلى العناصر الأزهرية التي خرجت على الإخوان. الشيخ حسن الباقوري كان وكيل الجماعة وعضو مكتب الإرشاد، وكان مرشحاً ليكون مرشداً عاماً، لكن اختلف مع الهضيبي (مرشد الإخوان حينئذ) وأيد ثورة يوليو، فأصبح وزيراً للأوقاف.

كما تم اختيار الشيخ محمد الغزالي، وكان عضو الجماعة أيضاً، لكن اختلف مع الهضيبي، وكذلك الشيخ السيد سابق، وعلى الرغم من أن السيد سابق (الملقب بمفتي الدم) واثنين آخرين اخترقوا الجامعات في السبعينيات وأسهموا في تأسيس (الجماعة الإسلامية)، فإن في الخمسينيات تم تكليف هؤلاء بقيادة العمل الدعوي والأزهر على أساس أنهم خرجوا على الجماعة ولن يتصارعوا مع الضباط الأحرار من أجل السلطة".

دور الأزهر قائم

ويرى لطفي أن "ثورة 30 يونيو معترفة بشرعية الأزهر، وأنه المؤسسة المنوط بها القيام بمهام الخطاب الديني حتى لو هناك مطالبات بين الحين والآخر بتجديده، لكن الاعتراف بدور الأزهر قائم، لذلك يتم إعطاء أدوار ومناصب لشيخ شاب مثل الشيخ أسامة الأزهري ليكون مستشار الرئيس للشؤون الدينية.

وقضية الأزهري الرئيسة هي مشروعه "الحق المبين" الذي يرد فيه على ادعاءات جماعات الإسلام السياسي والتنظيمات التكفيرية، كما أن الدولة تقدم خطاباً دينياً تعتبره مناسباً لرجل الشارع في برامج التلفزيون للرد على الأسئلة والاستشارات التي تهم المواطن العادي.

فالدولة حريصة جداً على عدم إغلاق هذا الباب الديني استمراراً لسياسة 23 يوليو 1952، إضافة إلى الاستمرار في افتتاح المساجد ودعم وزارة الأوقاف، بمعنى آخر، الدولة تنفي عن جماعة الإخوان المسلمين أنها ممثلة الدين، وأنها (الدولة) حريصة على الدين. هو تكرار لمنهج ثورة يوليو، وللعلم فإن كثيرين يعتقدون أنه كان منهجاً ناجحاً.

نجاح أو فشل المناهج الحالية لملء الفراغات التي تركتها الجماعة لم يتحدد بعد، لكن هناك مؤشرات تؤكد أن الفراغ جار ملأه. أما ماهية الملء وكفاءته واحتمالات أن يسفر الملء الجديد عن جماعة جديدة بصورة قديمة أو جماعة قديمة في حلة جديدة جميعها تنتظر تقييم الزمن.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات