Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إرث العنف والتطرف يلاحق القرضاوي في مثواه الأخير

مسيرة الرجل "ملغمة" بين الدين والسياسة وكانت فتاواه مصدر انقسام بين الشعوب العربية

لطالما اعتبرت القاهرة القرضاوي الزعيم الروحي لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة لديها منذ عام 2013 (أ ف ب)

فيما يمضي جثمان الداعية المصري القطري يوسف القرضاوي، اليوم الثلاثاء إلى حيث مثواه الأخير، بعد أن وافته المنية أمس عن عمر ناهز 96 عاما، يترك الرجل الذي تلاحقه أحكام قضائية بالسجن في بلده الأصلي، خلفه إرثا من الأفكار والفتاوى المخضبة بـ"العنف والتطرف"، لطالما أثارت الجدل، وكانت منهاجاً لـ"جماعات إرهابية".

وبعد مسيرة طويلة، تنوّعت بين الدين والسياسة، بقى القرضاوي أحد أيقونات تنظيم الإخوان المسلمين وأبرز منظريه، رغم تصنيفه "إرهابياً" في عدد من البلدان العربية، بعد أن ارتبط بجماعة الإخوان في وقت مبكر من أربعينيات القرن الماضي، بالتزامن مع لقائه الأول بمؤسسها حسن البنا، ما انعكس على مواقفه وآرائه "التحريضة"، ما أبعدته بحسب البعض من أن يكون "مفكراً أو مجدداً للدين" بحسب ما يقول مؤيدوه.

القرضاوي والجماعة

لم يدرك ذلك الطفل المولود في التاسع من سبتمبر (أيلول) عام 1926 في قرية صفط تراب بمحافظة الغربية (دلتا مصر) لأسرة فقيرة، أي قبل عامين من تأسيس جماعة الإخوان عام 1928 على يد حسن البنا، أن تمضي محطات حياته في صفوف تنظيم الجماعة، بعد أن التقى خلال مرحلة التعليم الأساس البنا لدى زيارته مدرسة القرية وإلقاء محاضرة فيها.

فالصبي الذي تولى عمه تربيته بعد أن تُوفي والده وهو في الثانية من عمره، سرعان ما حاد عن حياته الأزهرية، وانتمى إلى الجماعة، وكان من الملتزمين تنظيمياً في صفوفها، ليقوده نشاطه فيها إلى السجن أكثر من مرة، كانت الأولى خلال العهد الملكي عام 1949، وهو في المرحلة الثانوية.

ورغم إكماله تعليمه الأزهري وتخرجه في كلية أصول الدين، ونيله درجة الدكتوراه من الكلية ذاتها في العام 1973، فإن المحطة البارزة في حياة القرضاوي هي توجهه إلى قطر عام 1961، حيث عمل عميداً لمعهدها الديني الثانوي، ثم تدرج في مناصب تعليمية ودينية بارزة، وعليه كانت الإمارة الخليجية التي استقر فيها وحمل جنسيتها لاحقاً هي المكان الذي "منحه غطاءً لآرائه وأفكاره ذات الطابع التدخلي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي عام 2004 أسس القرضاوي وتولي رئاسة ما يعرف بـ "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، وظل في رئاسته حتى عام 2018، وهى المنصة التي لطالما لاحقتها تهم نشر الإرهاب والعنف، وكانت من بين الكيانات التي وضعتها أربع دول عربية هي السعودية والإمارات والبحرين ومصر على "قوائم الإرهاب"، لنشرها "أفكاراً متطرفة شكّلت أجزاءً رئيسة من الأسس الأيديولوجية للسلفية الجهادية، الذي يمارسه تنظيم داعش والقاعدة وجماعات مماثلة"، بحسب ما يقول المرصد الأوروبي لمحاربة التطرف.

كذلك كان الحال لجمعية جمعية البلاغ الثقافية، التي ترأسها القرضاوي في قطر، حتى مارس (آذار) 2010، وهي الممولة لشبكة "إسلام أون لاين" (موقع يقدم فتاوى للمسلمين).

وعلى مدار العقدين الأخيرين، أثار القرضاوي جدلاً بسبب نشاطه الدعوي السياسي كونه عضواً مخلصاً في جماعة الإخوان، وملتزماً بعقيدة مؤسس الجماعة، وجهود تعزيز "الروح (الجهادية)" بين الشباب.

وعلى الرغم من حرصه على الظهور بالزي المميز لرجال "الأزهر"، فإن القرضاوي كان قد أقيل في عام 2013 من عضوية هيئة كبار العلماء (أعلى هيئة دينية في الأزهر)، وذلك بموافقة أغلبية أعضاء الهيئة (عددهم 20 عضواً) نتيجة ما نُسب إليه من "إساءات إلى شيخ الأزهر أحمد الطيب والمؤسسة الدينية في مصر".

عقود من "التطرف ونشر العنف"

على مدار مسيرته، سواء عبر عشرات الكتب التي ألفها، أو ظهوره الدائم على برنامج "الشريعة والحياة" الذي كانت تبثه قناة الجزيرة القطرية، أو من خلال خطب الجمعة بالدوحة، كان القرضاوي دائماً ما يثير الجدل والانقسام حول أفكاره وآرائه، وفتاويه الفقهية، كما كان في صلب أحد أبرز الأزمات التي واجهتها منطقة الخليج العربي ومصر، إبان قطع 4 دول (مصر والسعودية والإمارات والبحرين) علاقتها بقطر في العام 2017، إثر ما اعتبروه تدخلاً للأخيرة في شؤون دولهم.

 

وبجانب الفتاوى التي شملت بعضاً من جوانب الحياة لدى المسلمين، وأثارت الجدل، كانت الأكثر إثارة لدى القرضاوي تلك المواقف التي أبداها خلال العقد الأخير، لا سيما تجاه الأحداث السياسية التي شهدتها بعض البلدان العربية في العام 2011، ودعمه المطلق لجماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس في قطاع غزة، وإجازته تنفيذ العمليات الانتحارية حين قال عبر برنامج "الشريعة والحياة"، في العام 2016: "إن ارتأت الجماعة أن يفجر الشخص نفسه في الآخرين فليفعل، لكن ذلك لا يترك للفرد وحده، بل يجب عليه أن يسلّم نفسه إلى الجماعة التي تحاول ترتيب هذا الأمر بأقل الخسائر".

وفور اندلاع التظاهرات في مدينة بنغازي في الشرق الليبي في فبراير (شباط) 2011، صرّح القرضاوي بأن الزعيم الليبي السابق معمر القذافي "انتهى"، وأجاز قتله، بعد دعم تدخل حلف الناتو عسكرياً في ليبيا لإسقاط حكم القذافي، وذلك في تناقض سابق لرأي له وصف فيه العقيد معمر القذافي عام 2003 بالرجل صاحب "الرؤية العميقة".

كذلك دعم البعد الطائفي في الصراع في سوريا، عبر تأكيد فكرة "الطوائف الشيعية والسنية وما يسميها بالنصيرية"، مشيراً إلى أحقية طرف ضد غيره بالعنف، على أساس الكفر والإيمان، والحلال والحرام.

وفي مصر، التي عاد إليها للمرة الأولى في منذ عام 1981، بعد شهر واحد من سقوط مبارك، تحديداً في فبراير (شباط) 2011، ليؤدي صلاة الجمعة في ميدان التحرير، أفتى القرضاوي في أكثر من مناسبة بضرورة دعم جماعة الإخوان في حكم البلاد "إسلامياً"، برئاسة الرئيس الراحل محمد مرسي، ومع تأزم الحكم في العام 2013، وصف القرضاوي من خرجوا في تظاهرات ضد حكم مرسي بـ"الخوارج، والمجرمين الخارجين على طاعة الحاكم"، وذلك بعد أن أفتى بحرمة التظاهرات من الأساس منذ تسلم الإخوان للحكم العام 2012.

وفي العام 2014، أفتى القرضاوي بعدم المشاركة والتصويت في الانتخابات الرئاسية المصرية، التي كان يترشح فيها الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، في مواجهة المرشح الناصري حمدين صباحي، وذلك بعد عام من سقوط جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 2013، معتبراً أن "المقاطعة وعدم التصويت يخدم الدين والشرع".

ومع استمرار تدخله وتحريضه ضد الأنظمة العربية، أدرجته كل من السعودية والبحرين ومصر والإمارات، في العام 2017، و"اتحاد علماء المسلمين" على "قوائم الإرهاب"، ضمن قائمة تضم 59 اسماً و12 كياناً، وذلك في ضوء ما أوضحته حينها، وكالة الأنباء السعودية "التزام تلك الدول بمحاربة الإرهاب، وتجفيف مصادر تمويله، ومكافحة الفكر المتطرف، وأدوات نشره وترويجه، والعمل المشترك للقضاء عليه وتحصين المجتمعات منه".

 

كذلك لاحقته أحكام قضائية مصرية نهائية، من بينها تنفيذ حكم بالسجن المؤبد صدر عام 2018، بعدما أدانته محكمة عسكرية مع 38 آخرين بـ"الاشتراك والمساهمة في قتل ضابط مصري". وفي العام 2015 ومع إصدار حكم الإعدام بحق الرئيس السابق محمد مرسي في القضية المعروفة إعلامياً باسم "اقتحام السجون"، حوكم في القضية 129 متهماً، بينهم 27 كانوا موقوفين و102 هاربين بينهم أعضاء في "حركة حماس" الفلسطينية و"حزب الله" اللبناني، وقضت المحكمة غيابياً بإعدام أكثر من 90 متهماً هارباً بينهم القرضاوي.

فتاوى جدلية و"مثيرة للانقسام"

ولم تخل بعض الأمور الحياتية الأخرى من فتاوى أثارت الجدل من قبل القرضاوي على مدار مسيرته، ففي عام 2014 أفتى بتحريم عيد الأم (يوافق الـ 21 من مارس كل عام)، قائلاً "عندما اخترع الغرب أعياداً مثل ما يسمى عيد الحب وعيد الأم قلدناهم في ذلك تقليداً أعمى، ولم نفكّر في الأسباب التي جعلت الغرب يبتكر عيد الأم، وهو تقليد أعمى وبدعة محدثة".

ومن بين الفتاوى التي أثارت جدلاً خارجياً كانت تلك المتعلقة بكيفية تصرف مسلمي أوروبا إذا طلب من بناتهم خلع الحجاب في المدارس، حين قال إنه "لا يجوز أن نحرم بناتنا من حقهن في التعليم، أنا قلت للمسلمة إنك تلبسين الإيشارب أو الخمار أو الحجاب وتذهبين للمدرسة، وعند باب المدرسة تخلعي الخمار وتدخلي".

وللقرضاوي أيضاً الفتوى المتعلقة بمدى جواز مشاركة العسكريين المسلمين في الجيش الأميركي بأفغانستان، إذ اعتبر أنه "إذا ترتب على اعتذار الجنود المسلمين عن هذه الحرب ضرر يعود عليهم أنفسهم كجنود أو على الجماعة المسلمة في الدولة غير المسلمة التي يحملون جنسيتها، فوجب عليهم آنذاك أن يخوضوا الحرب في صفوف القوات العسكرية لبلدهم غير المسلم ضد من يراه هذا البلد داعماً للإرهاب".

"غير مرحب به" أوروبياً

ولم تكن فتاوى القرضاوي تثير الانقسام والجدل على الصعيد العربي وحسب، بل قادت مواقفه التدخلية إلى اتخاذ مواقف غربية رافضة لفكره، ففي فبراير 2008 رفضت بريطانيا منحه تأشيرة دخول، وأعلنت وزارة الداخلية آنذاك أن لندن "لا تقبل وجود من يبررون أعمال العنف الإرهابية".

الأمر نفسه حدث بالنسبة إلى فرنسا حين أعلن الرئيس الفرنسي في مارس 2012 أنه أبلغ أمير قطر آنذاك الشيخ حمد بن خليفة آل الثاني، بأن الداعية الإسلامي السنّي المثير للجدل يوسف القرضاوي "غير مرحب به" في فرنسا، وأن الحكومة الفرنسية تعتزم اتخاذ إجراءات لمنعه من دخول البلاد، وحضور فاعلية إسلامية، لأنه "يعبر أو يريد التعبير عن آراء لا تتوافق مع قيم الجمهورية".

وكان من المقرر أن يزور القرضاوي فرنسا مطلع أبريل (نيسان) من العام ذاته تلبية لدعوة منظمة إسلامية.

المزيد من تقارير