Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أزمة إمدادات النفط الدولية تفاقم عمليات التهريب من ليبيا

عصابات دولية ومحلية تستهدف ثروات البلاد وصحافية مالطية دفعت حياتها ثمنا بعد كشفها تورط مسؤولين

التوتر السياسي والأمني في ليبيا يسهل عمليات تهريب النفط من البلاد  (أ ف ب)

فتح ملف تهريب النفط الليبي للمرة الثانية خلال العام الحالي، والذي لم يقفل إلا قليلاً طوال العقد الأخير، على خلفية وثائق نشرتها مصادر إعلامية تتحدث عن عمليات تهريب لمشتقات نفطية من ميناء بنغازي، ونفتها المؤسسة الوطنية للنفط وتعهدت باتخاذ إجراءات قانونية حيالها.

ويربط متخصصون منذ سنوات عمليات التهريب الواسعة للنفط الليبي ومشتقاته برخص ثمنه مقارنة بدول الجوار وجودته العالية، مما شجع عصابات متنوعة محلية ودولية على التخصص في تهريبه إلى وجهات كثيرة أبرزها دول الجوار والقارة الأوروبية وخصوصاً الدول المطلة على حوض المتوسط.

مستندات تشعل الجدل

بدأت القصة الجديدة عن عمليات تهريب النفط الليبي حينما نشرت مصادر إعلامية مستندات تتحدث عن عمليات دورية لتهريب النفط والديزل من ميناء بنغازي، وهذه المستندات كانت عبارة عن مراسلة من مدير إدارة التسويق في المؤسسة الوطنية للنفط عماد بن رجب إلى مدير المؤسسة فرحات بن قدارة في شأن تهريب النفط من بنغازي.

واحتوت المراسلة تحذيراً للشركات الناقلة في القطاع البحري من تهريب النفط الليبي ومشتقاته من الموانئ النفطية والتجارية.

وجاء في المراسلة "علمنا أن مصدراً مجهولاً يبحث بشكل غير مشروع عن وكلاء للتحميل من محطة بنغازي وتفريغها في مكان آخر، ونشدد أن محطة بنغازي ميناء تجاري وأن أي طلب لاستئجار أية سفينة لمنتجات بترولية يعتبر نشاطاً غير مشروع".

وحذرت من "تعرض الشركات وجميع الأفراد المتورطين لإجراءات قانونية صارمة من قبل المؤسسة الوطنية للنفط والمجتمع الدولي"، وطالبت بـ "عدم الالتفات إلى طلبات التأجير عبر القنوات غير القانونية، إذ إن المؤسسة الوطنية للنفط هي الجهة الوحيدة المالكة لجميع المحروقات الليبية ويحق لها بيع جميع النفط الخام والمنتجات البترولية والبتروكيماويات في ليبيا".   

نفي المؤسسة النفطية

من جانبها نفت المؤسسة الوطنية للنفط ما تم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمتمثل في مراسلة باسم المؤسسة تتعلق بشبهات عمليات التهريب للنفط ومشتقاته بطرق غير مشروعة،

وأكدت إدارة المؤسسة الوطنية للنفط "عدم وجود أية عمليات تهريب من الموانئ المصدرة للنفط ومشتاقته، وأنها ستتخذ الإجراءات القانونية كافة ضد كل من يسعى إلى تشويهها لأغراض سياسية".

تزايد عمليات التهريب

وشهدت ليبيا خلال الأشهر الماضية تزايداً ملحوظاً في عمليات تهريب النفط والصناعات النفطية عبر الطرق البرية والبحرية بسبب تزايد الطلب على الطاقة دولياً، واستمرار الدعم الحكومي لهذه الصناعات مما حافظ على أسعارها الرخيصة مقارنة بالأسعار الدولية التي ارتفعت في معظم دول العالم وبخاصة المجاورة لليبيا.

وكان النائب العام الليبي الصديق الصور كشف عن احتجاز ناقلة نفط كانت تحاول تهريب كمية من الوقود أمام سواحل طرابلس نهاية أبريل (نيسان) الماضي.

وقال الصور في بيان إن "السفينة المحتجزة نقلت إلى ميناء طرابلس وإن النيابة العامة فتحت تحقيقاً في قضية التهريب بالتعاون مع جهاز خفر السواحل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل، أحبطت إدارة البحث الجنائي عملية تهريب كبيرة للوقود إلى خارج البلاد عبر صهاريج محملة على سيارات شحن كبيرة جنوب غربي ليبيا الأسبوع الماضي.

وقال المكتب الإعلامي لإدارة البحث الجنائي إن "مكتب مكافحة تهريب الوقود وإدارة التحريات بالإدارة ضبطوا كميات كبيرة من الديزل والبنزين كانت جاهزة للتهريب إلى خارج ليبيا".

وأضاف المكتب أن "التحقيقات لا تزال جارية في القضية للوصول إلى من كان وراء إخراج هذه الشحنة من مستودعات الدولة لتقديمهم إلى العدالة حتى يكونوا عبرة لغيرهم".

وأشار إلى أن "الإدارة ستقوم بنشر أسماء المتهمين علناً مع تفاصيل القضية في وقت لاحق عبر الموقع الرسمي للإدارة".

عصابات دولية

العوامل الجاذبة والميزات الكثيرة في النفط الليبي ومشتقاته والأرقام الفلكية التي تدرها عمليات تهريبه جعلت عصابات دولية كبيرة تتخصص في الجريمة خلال العقد الماضي، خصوصاً في مالطا وإيطاليا، وهو ما أكدته ملابسات مقتل الصحافية المالطية أفني كروانا غاليتزيا في أكتوبر (تشرين الأول) 2017 بتفجير سيارتها، إذ أكدت التحقيقات الرسمية المالطية بعدها بعامين ارتباط هذه الجريمة بتحقيقات نشرتها عن تخصص "مافيا" كبيرة في بلادها بتهريب النفط الليبي وتورط مسؤولين حكوميين في هذه القضية.

وربطت صحف إيطالية وقتها بين مقتل الصحافية المالطية وبين مافيا تهريب النفط الليبي في مالطا وإيطاليا، وفجرت بذلك مجموعة من القضايا الشائكة في مالطا طاولت مسؤولين وسياسيين بحكومة جوزيف موسكات الذي استقال لاحقاً من منصبه بعد تأكد هذه التهم، كما أثارت كثيراً من التكهنات حول علاقة المافيا المالطية بنظيرتها الإيطالية وشبكات تهريب الوقود الليبي وخصوصاً الديزل.

ومن أبرز القضايا التي ركزت عليها غاليتزيا خلال سنوات عملها الأخيرة قضية تهريب الوقود من ليبيا، إذ دأبت على كشف نماذج عمل المافيا المالطية والروابط بينها وبين نظيرتها الإيطالية العاملة في تهريب المحروقات من ليبيا إلى أوروبا عبر مالطا، والتي أكدت أن عدداً من المالطيين والسياسيين والمحققين الدوليين وجدوا الطريق إلى كسب المال على حساب الحرب الأهلية في ليبيا.

وبدأت غاليتزيا إعداد ونشرت تحقيقات عن هذه القضية بعد اعتراض 2000 طن من وقود الديزل المهرب من ليبيا كان في طريقه إلى مالطا خلال العام 2015، متسائلة "كيف يمكن تهريب هذه الكمية الكبرى من الديزل من دون وجود أجهزة تحميها وشخصيات رئيسة في الدولة؟".

وقالت إن "تهريب الديزل من ليبيا إلى مالطا وإيطاليا تجارة تدر دخلاً كبيراً ومربحة للغاية تنظمها شبكات إجرامية في الدول الثلاث".

اعتقال منظمة متكاملة

تقارير صحافية إيطالية أكدت بعد ذلك وجود علاقة ثابتة ورسمية بين المافيا الإيطالية والمالطية وقادة ميليشيات ليبية في عمليات تهريب المحروقات، قادت الشرطة الإيطالية إلى اعتقال عدد من الأشخاص المتورطين في هذه القضية، هم الرئيس التنفيذي لشركة "ماكسكوم بانكر" الإيطالي ماركو بورتا والليبي فهمي موسى سليم بن خليفة وهو تاجر مخدرات، والمالطيان دارين ديبونو وغوردون ديبونو اللذان يقومان بعمليات النقل، والليبي طارق دردار الذي يدفع ويتسلم الأموال بالعملات الأجنبية. وكشفت التحقيقات بعد ذلك عن أن هؤلاء تمكنوا من كسب 80 مليون يورو خلال 30 رحلة في سنة واحدة فقط.

رفع الدعم لوقف التهريب

وتحاول السلطات الليبية منذ سنوات مواجهة ظاهرة تهريب النفط والوقود التي تفاقمت خلال السنوات الأخيرة بسبب الانقسام السياسي وتردي الأوضاع الأمنية في البلاد وهشاشة الرقابة على الحدود البحرية والبرية، ومن أبرز الإجراءات التي نوقشت كثيراً ولا تزال تناقش رفع الدعم الحكومي عن السلع النفطية، خصوصاً في ظل زيادة أسعار المحروقات بدول الجوار مما تسبب في زيادة الطلبات عليها في ليبيا التي يعتبر سعر البنزين فيها ثاني أرخص سعر على مستوى العالم بعد فنزويلا، وكذلك ضاعف الأرباح التي يجنيها المهربون من تهريب النفط ومشتقاته إلى بلدانهم وبلدان أخرى.

لكن حتى هذا الإجراء فشلت السلطات الليبية في اتخاذ قرار رسمي باعتماده بسبب الانقسام الحكومي والمناكفات السياسية التي عطلت كل المشاريع بما فيها تلك المتعلقة بالأمن القومي. 

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير