Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خيول لبنان يحاصرها "صهيل" الأزمة الاقتصادية

تخلى عنها المربون بسبب كلفة الأعلاف والدواء وغياب الدعم

تبلغ كلفة إطعام الحصان الواحد 300 دولار شهرياً (أ ف ب)

يعد سباق الخيول وتربيتها من التقاليد العريقة في لبنان، لكنها أيضاً كبقية المجالات في البلاد لم تسلم من تداعيات الأزمة الاقتصادية، فقد اضطر عديد من المربين إلى التخلي عن خيولهم، وإن كان الجميع يعلم مدى تعلق المربي بخيوله وصعوبة تخليه عنها.

من أبرز التحديات التي واجهها هؤلاء في ظل الأزمة ارتفاع أسعار المواد الغذائية الخاصة بالخيول كالقمح والشعير، إضافة إلى ارتفاع كلفة العناية بها. ولأنهم باتوا يعجزون عن تحمل هذه الأعباء الإضافية، لم يكن أمامهم سوى التخلي عن خيولهم رغم صعوبة ذلك.

الخطوة الصعبة

الأزمة هنا تتخطى كونها مجرد عناية بالحيوان، بل هي قصة شغف لا يدركها إلا من عاش هذه التجربة، ولولا قسوة الظروف لما تخلى أحد من مربي الخيول عن أحصنتهم التي يطول حديثهم عنها.

يشير رواد عطاالله بأسى إلى معاناته منذ أن اضطر إلى التخلي عن خيوله الـ12 التي يربيها منذ صباه، ويؤكد أنه ينام في كل ليلة باكياً لما كان لهذه الخطوة من وقع قاس عليه، ويشعر اليوم بندم شديد على بيعها. مؤكداً أنه سيبذل قصارى جهده ليعيدها إلى حوزته في يوم من الأيام.

قبل الأزمة، كان الأصدقاء وأفراد العائلة يحضرون إلى مزرعته لامتطاء الخيول دون مقابل، كما كان يعلّم الأطفال ركوب الخيل، لأنه يجد في ذلك متعة لا تضاهى.

 يقول عطاالله "مع اشتداد الأزمة لم أعد قادراً على إطعام خيولي التي تتعلق بها روحي، فكلفة إطعام الحصان بلغت 300 دولار شهرياً، وهو ما لم أعد قادراً على تحمله".

 

ويضيف "تعلمت بنفسي مجال البيطرة حتى أخفف من الأعباء والكلفة، وصرت أهتم بتفاصيل عدة تتعلق بالعناية بالخيل، بعد أن أصبح الطبيب البيطري يطلب مليوني ليرة لبنانية لكل حصان لقاء الحدوة، لكن تبقى هناك أمور أخرى لم أكن قادراً على القيام بها وأصبحت الكلفة باهظة بالنسبة إلي".

حتى اليوم يستمر عطاالله بزيارة الخيول التي باعها إلى أشخاص يعرفهم، باستثناء ثلاثة منها تم بيعها من قبل المشترين إلى السعودية، ما تسبب له بمزيد من الألم كونه لم يكن يدرك أن ذلك قد يحدث، علماً بأن أسعار خيوله التي باعها تراوحت بين 1000 و4000 دولار باستثناء فرس أصيل باعها بـ12000 دولار.

ويشير إلى أن أسعار الخيول التي تشارك في سباق الخيل تتراوح بين 2000 و10000 دولار، لكنها ليست أغلى الخيول ثمناً فمنها ما قد يتخطى سعره 20000 دولار، وهي ليست من تلك التي تشارك في سباق الخيل.

من أحصنته كلها، لم يتمكن عطاالله من الحفاظ إلا على حصان واحد لا يزال يمتطيه يومياً، وهو متعلق به إلى أقصى حد، وحالياً ينتظر اليوم الذي سيتمكن فيه من استعادة خيوله بعد أن شعر بندم شديد جراء تخليه عنها.

يشير عطاالله إلى أن أحصنته كانت تشارك في سباق الخيل في بيروت بشكل منتظم، وأكثر ما يؤلمه اليوم أن هذه الأزمة تسببت بكثير من الأذى لمربي الخيول الذين تخلوا عنها قسراً، ومنهم من أصبح يشغلها في حمل البضائع مع ما يسببه ذلك من ضرر لها.

آخر الحلول

أما ميسم المولى التي تملك وزوجها اصطبلاً معروفاً لتربية الخيول وتعليم الفروسية في منطقة البترون في شمال لبنان، فتشير إلى أنها تملك 10 خيول، وقد زادت الأعباء كثيراً عليهما بعد الأزمة، فأسعار العلف زادت أكثر من خمسة أضعاف، يضاف إلى ذلك أن الحصان يحتاج إلى ثلاث وجبات في اليوم، إضافة إلى وجبتين صغيرتين من الفاكهة والبروتينات.

قررت المولى وزوجها الاستغناء عن الوجبتين الصغيرتين للحد من النفقات، إضافة إلى تفاصيل أخرى مكلفة جداً، إذ يحتاج الحصان إلى نشارة الخشب بمعدل سبعة أو عشرة كيلوغرامات يومياً لامتصاص مخلفاته، كما يحتاج إلى شخص يهتم به ويرافقه للمشي يومياً، وإلى طبيب بيطري شهرياً لتغيير الحدوة.

 

ومن المشكلات الصحية الشائعة التي تواجهها الخيول بشكل متكرر المغص أو "عقدة الأمعاء" التي يمكن أن تؤدي إلى وفاته، ولدى إصابته يحتاج إلى طبيب بيطري وأدوية كثيرة ومصل للمعالجة حتى يتمكن من التعافي، وقد يتعرض باستمرار إلى نمو الديدان في المعدة ما يستدعي معالجته بالأدوية دورياً، أما اللقاحات فلا تعطى له إلا مرة واحدة بما أنه يعيش 25 سنة ولا حاجة لتلقيحه سنوياً إلا عندما يمرض.

لا تنكر المولى أن تربية الخيول باتت عبئاً ثقيلاً، وتأمل في ألا يأتي اليوم الذي تضطر فيه إلى التخلي عن أحدها، مشيرة إلى أن هذا ما يبرر الارتفاع الكبير في أسعار دروس الفروسية، مما أدى إلى تراجع الطلب عليها لأنها تعد من الكماليات التي لا تقدر على كلفتها إلا العائلات الميسورة، فيما يفضل بقية المواطنين التركيز على الأولويات في هذه الظروف الصعبة.

لكن يبقى احتمال بيع الأحصنة لديها ممكناً في حال ازدياد الأوضاع سوءاً بشكل يصعب تحمله، وعلى رغم أنها تفضل عدم التفكير بهذا الاحتمال، فإنها قد تبيعها إذا كان لا بد من ذلك لأشخاص من ذوي الثقة.

هواية مهملة

يرى بعض الناس أن ركوب الخيل هواية كأية هواية أخرى يمكن الاستغناء عنها باعتبارها من الكماليات، لكن بالنسبة إلى مربي الخيول فإنها أكثر من ذلك بكثير.

ويقول صاحب مزارع الخيول العربية الأصيلة في عكار محمود حدارة "يعد قطاع الخيل مصدر دخل قومي، لكنه تحول إلى عبء في هذه الظروف".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يعود حدارة بالذاكرة إلى الأيام التي كانت فيها الخيول تباع إلى قبرص وإلى دول الخليج من مزارع لبنان، لكن سوء الإدارة أوصل الأمور إلى ما هي عليه اليوم حتى تحولت إلى مجرد هواية لا أكثر يمكن الاستغناء عنها، في حين أنها تشكل مصدر دخل أساسياً في دول الخليج، على حد قوله، مضيفاً "كان من الممكن الاعتماد عليها كمصدر دخل للبلاد كما يحصل في دول أخرى".

ويشير إلى أن قطاع تربية الخيل يضم أكثر من 10 آلاف شخص بين أصحاب خيول ومربين وسواس وأطباء بيطريين وتجار أعلاف، إذ يرتبط بكل حصان ثلاثة أشخاص تقريباً، وهو مصدر عيش ودخل أساس للمربين عادة.

يملك حدارة 50 حصاناً في مزارع يملكها أباً عن جد، وابنته هي الفارسة الأصغر سناً إذ نقل هذا الشغف إلى أفراد عائلته، ويشير إلى أن أسعار الخيل تبدأ من 1000 دولار وتصل إلى 20 ألفاً، موضحاً أن والده كان قد باع سابقاً سبعة أحصنة بمبلغ 100 ألف دولار، في حين لا يمكن بيع 20 حصاناً اليوم بأكثر من 40 أو 50 ألف دولار لتراجع ثمنها مع ارتفاع كلفة العناية بها.

ويلفت إلى أن الارتفاع الجنوني في أسعار الأعلاف من جهة، وعدم تقديم أي دعم لمربي الخيول، وحتى سباق الخيل تكلفة المشاركة فيه ارتفعت من 100 إلى 200 دولار، كلها عوامل أسهمت في هذا التراجع الملحوظ في هذا القطاع، لهذا خسرت البلاد كل هذه الخيول التي تعرضت لسوء التغذية بسبب عدم تأمين الغذاء اللازم لها، وقد أدى ذلك إلى نفوقها في الجبال لأن العناية بها تفوق إمكانات كثيرين.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات