Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجيل الجديد يبحث في الثوب عن "كاجول سعودي"

محدودية التطوير في الزي التقليدي جعلته يتقلص شيئاً فشيئاً من خيارات السعوديين أخيراً

صورة من التسعينات لجماهير سعوديين في ملعب كرة قدم يظهرون بوحدة في الأزياء التقليدية الكاملة (غيتي )

في السابق كان الرجل السعودي لا يخرج للفضاء العام أو لعمله دون أن يكون متأنقاً بالزي الرسمي الكامل، الثوب وعلى رأسه الغترة أو الشماغ وفوقه العقال، إلا أن ذلك بدأ بالتغير ولم يعد حضور الزي السعودي الكامل دارجاً كثيراً، بل إن حضور الثوب بدأ بالغياب أو التغير لصالح صيحات جديدة.

ويعزو كثيرون ذلك إلى البحث عن زي أكثر عمليةً مع المتغير الاقتصادي، الذي دفع كثيراً من السعوديين الذين يدخلون سوق العمل حديثاً بواقع جديد إلى أن يشمروا عن سواعدهم مخففين من الشكليات والرسمية، تاركين اشمغتهم للمناسبات بوصفه زياً رسمياً مقابل الالتزام بالثوب دون غطاء الرأس الذي يعدونه خياراً أقل رسمية، في مجتمع يغلب عليه الشباب المتجدد.

التغيير من الأعلى

لم يكن الموظفون والعامة وحدهم من بدأوا بكسر رسمية الزي للتركيز على الشق المهني الجاد، فقد نشرت وكالة "بلومبيرغ" صورة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أثناء لقاء سجل معه في 2016 مرتدياً ثوباً أبيض عادياً، دون أن يغطي رأسه، وهذا ما لم يعتد على رؤيته السعوديون لرجل دولة.

وبدأ هذا النمط في الانتشار، حتى بات تخفف السعوديين من رسمية الزي التقليدي في يومهم ظاهرة آخذة في الازدياد في السنوات الـسبع الماضية مع بداية تخلي الوزراء وذوي المناصب عن "البشوت" وهي العباءة التي يرتديها الخليجيون فوق الثوب، ومن ثم علقوا أشمغتهم وأصبح مألوفاً أن تراهم متجهين إلى أعمالهم مرتدين الثوب الأبيض والقبعة والحذاء الرياضي الذي أصبح بديلاً للأحذية الرسمية، في محاولة من الشباب لعصرنة الهندام الرسمي.

ففي مؤتمر حكومي سجل في ذاكرة السعوديين ظهر القائمون على الفعالية من الوزراء والمستشارين في الديوان الملكي مرتدين الثوب فقط دون أن يعتمروا الشماغ والعقال كما هو شائع في مثل هذه المناسبات الرسمية، وبرر المسؤولون عن المؤتمر خروجهم بهذا الشكل من أجل التقرب إلى الشباب الذين يشكلون النسبة الأكبر من السكان في البلاد.

وسبق أن كتب الناقد الاجتماعي السعودية عبدالعزيز السماري، حول ذلك قائلاً "ظاهرة ارتداء الملابس التقليدية في أماكن العمل تشكل عائقاً عند أداء المهمة الوظيفية فالقطع التي يلبسها الموظف تحتاج إلى توازن عجيب من أجل الحفاظ عليها في نمط متفق عليه في الثقافة الاجتماعية، ولو حدث أن ظهر فراغ في طريقة لبس مثلاً، فهو حتماً يعد خرقاً للمظهر العام".

وعزا السماري نجاح الموظفين السعوديين في الشركات العملاقة، مثل "أرامكو" و"سابك"، إلى تخليهم عنها في أماكن العمل واعتماد زي عملي أكثر.

تصميم الثوب غير عملي

ويشعر كثير من الشباب السعودي بعوائق في تصميم الثوب جعلته زياً غير عملي، لونه الأبيض الذي يستحيل أن يحافظ على نصاعته طوال اليوم، ونوعية قماشه التي تستدعي الكي قبل الذهاب إلى المناسبة أو الخروج إلى مكان عام بشكل يرضي ذوقة بعد دوام استمر ثماني ساعات، إضافة إلى تصميمه الذي يقيد الحركة، فلا يستطيع أن يسرع في خطواته وهو يرتديه.

ومع ما نشاهده من تخلي السعوديين عن بعض مكونات زيهم التقليدي، يجدر السؤال هل يستوعب الثوب إدخال التصاميم الحديثة عليه من أجل مواكبة أذواق الشباب الذين اتجهوا نحو اللباس العصري الأجنبي في حياتهم العامة بحثاً عن الراحة والأناقة، وهرباً من رتابة التصميم التقليدي ورسميته؟

وحول فكرة التصميم الحالي يعلق عبداللطيف العفالق، الباحث في التاريخ الشمولي للجزيرة العربية، بأن الثوب "استمد بساطته في زمن سالف من بساطة حياة المجتمع في ذلك الوقت فكان الثوب عبارة عن قطعة قماش خالية من التفاصيل والغرض منه ستر البدن، وجاء اختياره بهذا اللون الأبيض ليعكس حرارة الشمس مما يساعدهم في تخفيف درجة الحرارة، وروعي في طريقة تصميمه طبيعة عمل الرجل، فصمم بشكل واسع لتسهل الحركة وممارسة الأعمال".

 

وأضاف "بعض التفاصيل أدخلت عليه بعد ذلك إلى أن أصبح بشكله الحالي الذي يشبه القميص الأبيض الإيطالي نتيجة الرحلات التجارية التي كانت تمر في البلاد، ونجد أنه لم يتغير في جوهره منذ توحيد السعودية إلا بإضافات محدودة، فقد بدأ يضيق ويتخذ شكل الجسم انسياباً"، مؤكداً أن التغيرات التي طالت للثوب لم تكن جوهرية واقتصرت على جيب وتصميم الأكمام.

خطوط الموضة في الثوب السعودي 

وعلى رغم بساطة التغيرات التي مر بها الثوب إلا أن الشباب السعودي أخذوا بإبراز شخصيتهم من خلاله، بابتكار موضات تناسبهم وتناسب زيهم، فالمظهر الخارجي يعد شكلاً من أشكال التعبير والتواصل ويعكس جوانب من شخصية الفرد، فهو لم يعد قماش يكسى به الجسد، بل وسيلة تعبير عن المكانة الاجتماعية وعن طبيعة المهنة.

فقد مر الثوب بموضات عديدة يذكرها الباحث الاجتماعي منصور العساف "في أواخر الستينيات الميلادية كان من يرغب أن يتأنق يلبس (جاكيتاً) فوق الثوب ويكون باللون الرمادي أو الأسود، وهذا يعطي الشخص مظهر العملية والعلم والحضارة، هذه الموضة استمرت إلى السبعينيات".

 

أما الثمانينيات فعرفت بتنوع الأقمشة "ظهرت أقمشة متعددة بدلاً من نوع القماش الثقيل وأشهرها البلوستر (يسمى محلياً الزبدة) أو القطني (التتركس)، والتنوع في التصاميم بدأ من تصميم الياقة، كانت الموضة في تلك الفترة الياقة الطويلة أو ما تسمى (القلاب) الذي يصل نزولاً إلى أول الصدر ويضعون ثلاثة أزرار في وسطها".

واستمر الشباب السعودي بالتفنن في الياقة، ففي منتصف الثمانينيات أخذ شكل الياقة في التغير، وأصبحت لها أسماء مثل "قلاب العسكري" ويكون شكله أصغر.

وفي منتصف التسعينيات خرج الشباب عن المألوف واستحدثوا موضة الرقبة الطويلة للثوب، ويشير الباحث السعودي "لم يكن الجميع يعمل بها، فقط صغار السن والمراهقون".

وأخيراً اقتصرت الموضة على الألوان والأكمام "أبيض أو أصفر اللون، والأكمام (كبك) أي بأزرار، أو من دون"، ومن الطبيعي أن يتبع كل جيل موضة عصره وأن يكون له طابعه الخاص الذي يميزه عن الأجيال التي سبقته.

الثوب عصي على التجديد 

حاجة الشباب النفسية للاختلاف والتميز كبيرة وأخذوا بالتعبير عن شخصيتهم من خلال الأزياء الغربية، لكن المصممين السعوديين لم يقفوا متفرجين في ساحة التصميم، بل حاولوا تغيير وتعديل الثوب السعودي لإخراجه بشكل متطور وعصري وأصبحوا يتنافسون على تقديم أحدث الموضات تبعاً للحداثة والتصاميم العصرية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتم التحديث عبر إدخال أكثر من خامة قماش وألوان في الثوب الواحد كإضافة خامة الـ"استرتش" في الأكمام وخامة "المشلح" وأفكار أخرى جريئة ومتعددة، وكذلك تصميم الثوب بألوان جريئة كالتركواز والبنفسجي والأحمر، فضلاً عن التطريز والرسومات واستبدال الأزرار بتقليعات جديدة أو إخفاء الجيوب أو زيادتها.

وعلى الرغم من أن هذه التعديلات العصرية لقيت انتقادات من فئات في المجتمع، إلا أنها نالت إعجاب بعضهم وأسهمت في ترغيب آخرين في ارتدائه بشكل دائم.

"كاجول" سعودي 

ويرى الباحث عبداللطيف العفالق، أن التصاميم الحديثة للثوب قد تسهم في التزام الشباب ارتداءه "المجتمع ما زال متمسكاً بالثوب في المناسبات الرسمية، لكن الناس بحاجة إلى زي يومي ومريح للرجال"، وهو ما وصفه بـ"كاجول سعودي".

 

وأضاف "لنترك الثوب جانباً ونفكر في زي خاص للسعوديين، الحاجة لمثل هذا بدأت تزداد"، مشيراً إلى سلوك الشباب في تبسيط الزي الذي بدا واضحاً من خلال ترك الشماغ إلا في المناسبات الرسمية وارتداء الأحذية الرياضية.

الثوب لا يقبل التجديد

لكن يبدو أن المهمة صعبة والثوب عصي على التغيير والإبداع إلا في أطر ضيقة على رغم رغبة الشباب في تطويره، فقد غادر عدد من المصممين مجال تصميم الأزياء الرجالية واتجهوا للتصاميم النسائية المعاصرة، منهم المصمم الشهير يحيى البشري، الذين كانوا من أوائل من قاموا بالعمل على تطوير الثوب من أكثر من عشرين سنة دون تفريط في الأصول.

لكن تجربته قوبلت باعتراضات كثيرة وإن أصبح المجتمع يتقبل التغير البسيط الذي أحدثه، ويضيف حول ذلك "العمل على الثوب السعودي لا يعد تصميماً بل تطويراً، أصله موجود وتضاف له إضافات بسيطة، وما يسمى بتطوير الثوب الرجالي وإخراجه من شكله الكلاسيكي أمر لا يمكن أن يقبله الرجال وإن ظهر نوع من الميل من بعض الفئات إلى هذا النوع من الملابس، فإن ذلك لا يمكن أن يستمر خصوصاً أن غالبية الرجال يستهجنون ويرفضون ارتداءه".

وأضاف "إبداع المصممين السعوديين ظهر في ملابس جانبية على الثوب كالدقلة والسديري، ويرتديها الرجال في مناسبات اجتماعية معينة وقليلة جداً".

وذكر مصمم الأزياء السعودي سراج سند، أنه من الصعب التلاعب في تصميم الثوب لطبيعة الرجل الذي لا يحب التغيير الجذري فيه، ولكن ممكن إضافة الخطوط الداخلية التفصيلية الجمالية والتطريز البسيط حول الإكمام لكن ليس أكثر من ذلك، أما القطع الأخرى الرئيسة يصعب تعديلها.

هذه الصلابة في تصميم الزي السعودي تجعل تطويره بشكل حر أمر صعب، ما يتسبب في اختفائه شيئاً فشيئاً.

المزيد من منوعات